صفحة جزء
[ حيث ]

حيث : حيث : ظرف مبهم من الأمكنة ، مضموم ، وبعض العرب يفتحه ، وزعموا أن أصلها الواو ؛ قال ابن سيده : وإنما قلبوا الواو ياء طلب الخفة ، قال : وهذا غير قوي . وقال بعضهم : أجمعت العرب على رفع حيث في كل وجه ، وذلك أن أصلها حوث ، فقلبت الواو ياء لكثرة دخول الياء على الواو ، فقيل : حيث ، ثم بنيت على الضم ، لالتقاء الساكنين ، واختير لها الضم ليشعر ذلك بأن أصلها الواو ، وذلك لأن الضمة مجانسة للواو ، فكأنهم أتبعوا الضم الضم . قال الكسائي : وقد يكون فيها النصب ، يحفزها ما قبلها إلى الفتح ؛ قال الكسائي : سمعت في بني تميم من بني يربوع وطهية من ينصب الثاء ، على كل حال في الخفض والنصب والرفع ، فيقول : حيث التقينا ، ومن حيث لا يعلمون ، ولا يصيبه الرفع في لغتهم . قال : وسمعت في بني أسد بن الحارث بن ثعلبة ، وفي بني فقعس كلها يخفضونها في موضع الخفض ، وينصبونها في موضع النصب ، فيقول من حيث لا يعلمون ، وكان ذلك حيث التقينا . وحكى اللحياني عن الكسائي أيضا أن منهم من يخفض بحيث ؛ وأنشد :


أما ترى حيث سهيل طالعا ؟



قال : وليس بالوجه ؛ قال : وقوله أنشده ابن دريد :


بحيث ناصى اللمم الكثاثا     مور الكثيب ، فجرى وحاثا



قال : يجوز أن يكون أراد وحثا فقلب . الأزهري عن الليث : للعرب في حيث لغتان : فاللغة العالية حيث ، الثاء مضمومة ، وهو أداة للرفع يرفع الاسم بعده ، ولغة أخرى : حوث ، رواية عن العرب لبني تميم ، يظنون حيث في موضع نصب ، يقولون : القه حيث لقيته ، ونحو ذلك كذلك . وقال ابن كيسان : حيث حرف مبني على الضم ، وما بعده صلة له يرتفع الاسم بعده على الابتداء ، كقولك : قمت حيث زيد قائم . وأهل الكوفة يجيزون حذف قائم ، ويرفعون زيدا بحيث ، وهو صلة لها ، فإذا أظهروا قائما بعد زيد ، أجازوا فيه الوجهين : الرفع ، والنصب ، فيرفعون الاسم أيضا وليس بصلة لها ، وينصبون خبره ويرفعونه ، فيقولون : قامت مقام صفتين ؛ والمعنى زيد في موضع فيه عمرو ، فعمرو مرتفع بفيه ، وهو صلة للموضع ، وزيد مرتفع بفي الأولى ، وهي خبره وليست بصلة لشيء ؛ قال : وأهل البصرة يقولون حيث مضافة إلى جملة ، فلذلك لم تخفض ؛ وأنشد الفراء بيتا أجاز فيه الخفض ، وهو قوله :


أما ترى حيث سهيل طالعا ؟



فلما أضافها فتحها ، كما يفعل بعند وخلف ، وقال أبو الهيثم : حيث ظرف من الظروف ، يحتاج إلى اسم وخبر ، وهي تجمع معنى ظرفين كقولك : حيث عبد الله قاعد ، زيد قائم ؛ المعنى : الموضع الذي فيه عبد الله قاعد زيد قائم . قال : وحيث من حروف المواضع لا من حروف المعاني ، وإنما ضمت ، لأنها ضمنت الاسم الذي كانت تستحق إضافتها إليه ؛ قال : وقال بعضهم : إنما ضمت لأن أصلها حوث فلما قلبوا واوها ياء ، ضموا آخرها ؛ قال أبو الهيثم : وهذا خطأ ، لأنهم إنما يعقبون في الحرف ضمة دالة على واو ساقطة . الجوهري : حيث كلمة تدل على المكان ، لأنه ظرف في الأمكنة ، بمنزلة حين في الأزمنة ، وهو اسم مبني ، وإنما حرك آخره لالتقاء الساكنين ؛ فمن العرب من يبنيها على الضم تشبيها بالغايات ، لأنها لم تجئ إلا مضافة إلى جملة ، كقولك أقوم حيث يقوم زيد ، ولم تقل حيث زيد ؛ وتقول حيث تكون أكون ؛ ومنهم من يبنيها على الفتح مثل كيف ، استثقالا للضم مع الياء وهي من الظروف التي لا يجازى بها إلا مع ما ، تقول حيثما تجلس أجلس ، في معنى أينما ؛ وقوله تعالى : ولا يفلح الساحر حيث أتى وفي حرف ابن مسعود : أين أتى . والعرب تقول : جئت من أين لا تعلم أي : من حيث لا تعلم . قال الأصمعي : ومما تخطئ فيه العامة والخاصة باب حين وحيث ، غلط فيه العلماء مثل أبي عبيدة وسيبويه . قال أبو حاتم : رأيت في كتاب سيبويه أشياء كثيرة يجعل حين حيث ، وكذلك في كتاب أبي عبيدة بخطه ، قال أبو حاتم : واعلم أن حين وحيث ظرفان ، فحين ظرف من الزمان ، وحيث ظرف من المكان ، ولكل واحد منهما حد لا يجاوزه ، والأكثر من الناس جعلوهما معا حيث قال : والصواب أن تقول رأيتك حيث كنت أي : في الموضع الذي كنت فيه واذهب حيث شئت أي : إلى أي موضع شئت ؛ وقال الله عز وجل : فكلا من حيث شئتما . ويقال : رأيتك حين خرج الحاج أي : في ذلك الوقت ، فهذا ظرف من الزمان ، ولا يجوز حيث خرج الحاج ؛ وتقول : ائتني حين يقدم الحاج ، ولا يجوز حيث يقدم الحاج ، وقد صير الناس هذا كله حيث ، فليتعهد الرجل كلامه . فإذا كان موضع يحسن فيه أين وأي موضع فهو حيث ، لأن أين معناه حيث ؛ وقولهم حيث كانوا ، معناهما واحد ، ولكن أجازوا الجمع بينهما لاختلاف اللفظين . واعلم أنه يحسن في موضع حين : لما ، وإذ ، وإذا ، ووقت ، ويوم ، وساعة ، ومتى . تقول : رأيتك لما جئت ، وحين جئت ، وإذ جئت . ويقال : سأعطيك إذ جئت ، ومتى جئت .

التالي السابق


الخدمات العلمية