صفحة جزء
[ حيا ]

حيا : الحياة : نقيض الموت ، كتبت في المصحف بالواو ليعلم أن الواو بعد الياء في حد الجمع ، وقيل : على تفخيم الألف ، وحكى ابن جني عن قطرب : أن أهل اليمن يقولون الحيوة ، بواو قبلها فتحة ، فهذه الواو بدل من ألف حياة وليست بلام الفعل من حيوت ، ألا ترى أن لام الفعل ياء ؟ وكذلك يفعل أهل اليمن بكل ألف منقلبة عن واو كالصلوة والزكوة . حيي حياة وحي يحيا ويحي فهو حي ، وللجميع حيوا ، بالتشديد ، قال : ولغة أخرى حي يحي وللجميع حيوا ، خفيفة . وقرأ أهل المدينة : " ويحيا من حيي عن بينة " ، وغيرهم : " من حي عن بينة " ؛ قال الفراء : كتابتها على الإدغام بياء واحدة وهي أكثر قراءات القراء ، وقرأ بعضهم : حيي عن بينة ، بإظهارها ؛ قال : وإنما أدغموا الياء مع الياء ، وكان ينبغي أن لا يفعلوا لأن الياء الأخيرة لزمها النصب في فعل ، فأدغم لما التقى حرفان متحركان من جنس واحد ، قال : ويجوز الإدغام في الاثنين للحركة اللازمة للياء الأخيرة فتقول حيا وحييا ، وينبغي للجمع أن لا يدغم إلا بياء لأن ياءها يصيبها الرفع وما قبلها مكسور ، فينبغي لها أن تسكن فتسقط بواو الجماع ، وربما أظهرت العرب الإدغام في الجمع إرادة تأليف الأفعال وأن تكون كلها مشددة ، فقالوا في حييت حيوا ، وفي عييت عيوا ؛ قال : وأنشدني بعضهم :

[ ص: 293 ]

يحدن بنا عن كل حي ، كأننا أخاريس عيوا بالسلام وبالكتب



قال : وأجمعت العرب على إدغام التحية لحركة الياء الأخيرة ، كما استحبوا إدغام حي وعي للحركة اللازمة فيها ، فأما إذا سكنت الياء الأخيرة فلا يجوز الإدغام مثل يحيي ويعيي ، وقد جاء في الشعر الإدغام وليس بالوجه ، وأنكر البصريون الإدغام في مثل هذا الموضع ، ولم يعبأ الزجاج بالبيت الذي احتج به الفراء ، وهو قوله :


وكأنها بين النساء ، سبيكة     تمشي بسدة بيتها فتعيي



وأحياه الله فحيي وحي أيضا ، والإدغام أكثر لأن الحركة لازمة ، وإذا لم تكن الحركة لازمة لم تدغم كقوله : أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى . والمحيا : مفعل من الحياة . وتقول : محياي ومماتي ، والجمع المحايي . وقوله تعالى : فلنحيينه حياة طيبة قال : نرزقه حلالا ، وقيل : الحياة الطيبة الجنة ، وروي عن ابن عباس قال : فلنحيينه حياة طيبة هو الرزق الحلال في الدنيا ، ( ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) إذا صاروا إلى الله جزاهم أجرهم في الآخرة بأحسن ما عملوا . والحي من كل شيء : نقيض الميت ، والجمع أحياء . والحي : كل متكلم ناطق . والحي من النبات : ما كان طريا يهتز . وقوله تعالى : وما يستوي الأحياء ولا الأموات فسره ثعلب فقال : الحي هو المسلم والميت هو الكافر . قال الزجاج : الأحياء المؤمنون والأموات الكافرون ، قال : ودليل ذلك قوله : أموات غير أحياء وما يشعرون وكذلك قوله : لينذر من كان حيا أي : من كان مؤمنا وكان يعقل ما يخاطب به ، فإن الكافر كالميت . وقوله عز وجل : ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء أموات بإضمار مكني أي : لا تقولوا هم أموات ، فنهاهم الله أن يسموا من قتل في سبيل الله ميتا وأمرهم بأن يسموهم شهداء فقال : بل أحياء ؛ المعنى : بل هم أحياء عند ربهم يرزقون ، فأعلمنا أن من قتل في سبيله حي ، فإن قال قائل : فما بالنا نرى جثته غير متصرفة ؟ فإن دليل ذلك مثل ما يراه الإنسان في منامه وجثته غير متصرفة على قدر ما يرى ، والله ، جل ثناؤه ، قد توفى نفسه في نومه فقال : الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها وينتبه النائم وقد رأى ما اغتم به في نومه فيدركه الانتباه وهو في بقية ذلك ، فهذا دليل على أن أرواح الشهداء جائز أن تفارق أجسامهم وهم عند الله أحياء ، فالأمر فيمن قتل في سبيل الله لا يوجب أن يقال له ميت ، ولكن يقال : هو شهيد وهو عند الله حي ، وقد قيل فيها قول غير هذا ، قالوا : معنى أموات أي : لا تقولوا هم أموات في دينهم أي : قولوا بل هم أحياء في دينهم ، وقال أصحاب هذا القول دليلنا قوله : أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها فجعل المهتدي حيا وأنه حين كان على الضلالة كان ميتا ، والقول الأول أشبه بالدين وألصق بالتفسير . وحكى اللحياني : ضرب ضربة ليس بحاي منها أي : ليس يحيا منها ، قال : ولا يقال ليس بحي منها إلا أن يخبر أنه ليس بحي أي : هو ميت ، فإن أردت أنه لا يحيا قلت ليس بحاي ، وكذلك أخوات هذا كقولك عد فلانا فإنه مريض تريد الحال ، وتقول : لا تأكل هذا الطعام فإنك مارض أي : أنك تمرض إن أكلته . وأحياه : جعله حيا . وفي التنزيل : أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى قرأه بعضهم : على أن يحيي الموتى ، أجرى النصب مجرى الرفع الذي لا تلزم فيه الحركة ، ومجرى الجزم الذي يلزم فيه الحذف . أبو عبيدة في قوله : ولكم في القصاص حياة أي : منفعة ؛ ومنه قولهم : ليس لفلان حياة أي : ليس عنده نفع ولا خير . وقال الله ، عز وجل ، مخبرا عن الكفار لم يؤمنوا بالبعث والنشور : إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين قال أبو العباس : اختلف فيه فقالت طائفة هو مقدم ومؤخر ، ومعناه نحيا ونموت ولا نحيا بعد ذلك ، وقالت طائفة : معناه نحيا ونموت ولا نحيا أبدا وتحيا أولادنا بعدنا ، فجعلوا حياة أولادهم بعدهم كحياتهم ، ثم قالوا : وتموت أولادنا فلا نحيا ولا هم . وفي حديث حنين قال للأنصار : ( المحيا محياكم والممات مماتكم ) المحيا : مفعل من الحياة ويقع على المصدر والزمان والمكان . وقوله تعالى : ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين أراد خلقتنا أمواتا ثم أحييتنا ثم أمتنا بعد ثم بعثتنا بعد الموت ، قال الزجاج : وقد جاء في بعض التفسير أن إحدى الحياتين وإحدى الميتتين أن يحيا في القبر ثم يموت ، فذلك أدل على أحييتنا وأمتنا ، والأول أكثر في التفسير . واستحياه : أبقاه حيا . وقال اللحياني : استحياه استبقاه ولم يقتله ، وبه فسر قوله تعالى : ويستحيون نساءكم أي : يستبقونهن ، وقوله : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة أي : لا يستبقي . التهذيب : ويقال حاييت النار بالنفخ كقولك أحييتها ؛ قال الأصمعي : أنشد بعض العرب بيت ذي الرمة :


فقلت له : ارفعها إليك وحايها     بروحك ، واقتته لها قيتة قدرا



وقال أبو حنيفة : حيت النار تحي حياة ، فهي حية كما تقول ماتت ، فهي ميتة ؛ وقوله :


ونار قبيل الصبح بادرت قدحها     حيا النار ، قد أوقدتها للمسافر



أراد حياة النار فحذف الهاء ، وروى ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده :


ألا حي لي من ليلة القبر أنه     مآب ، ولو كلفته ، أنا آيبه



أراد : ألا أحد ينجيني من ليلة القبر ، قال : وسمعت العرب تقول إذا ذكرت ميتا : كنا سنة كذا وكذا بمكان كذا وكذا وحي عمرو معنا ، يريدون وعمرو معنا حي بذلك المكان . ويقولون : أتيت فلانا وحي فلان شاهد وحي فلانة شاهدة ؛ المعنى فلان وفلانة إذا ذاك حي ؛ وأنشد الفراء في مثله :


ألا قبح الإله بني زياد     وحي أبيهم قبح الحمار !



[ ص: 294 ] أي : قبح الله بني زياد وأباهم . وقال ابن شميل : أتانا حي فلان أي : أتانا في حياته . وسمعت حي فلان يقول كذا أي : سمعته يقول في حياته . وقال الكسائي : يقال لا حي عنه أي : لا منع منه ؛ وأنشد :


ومن يك يعيا بالبيان فإنه     أبو معقل ، لا حي عنه ولا حدد



قال الفراء : معناه لا يحد عنه شيء ، ورواه :


فإن تسألوني بالبيان فإنه     أبو معقل ، لا حي عنه ولا حدد



ابن بري : وحي فلان فلان نفسه ؛ وأنشد أبو الحسن لأبي الأسود الدؤلي :


أبو بحر أشد الناس منا     علينا ، بعد حي أبي المغيره



أي بعد أبي المغيرة . ويقال : قاله حي رياح أي : رياح . وحيي القوم في أنفسهم وأحيوا في دوابهم وماشيتهم . الجوهري : أحيا القوم حسنت حال مواشيهم ، فإن أردت أنفسهم قلت حيوا . وأرض حية : مخصبة كما قالوا في الجدب ميتة . وأحيينا الأرض : وجدناها حية النبات غضة . وأحيا القوم أي : صاروا في الحيا ، وهو الخصب . وأتيت الأرض فأحييتها أي : وجدتها خصبة . وقال أبو حنيفة : أحييت الأرض إذا استخرجت . وفي الحديث : ( من أحيا مواتا فهو أحق به ) الموات : الأرض التي لم يجر عليها ملك أحد ، وإحياؤها مباشرتها بتأثير شيء فيها من إحاطة أو زرع أو عمارة ونحو ذلك تشبيها بإحياء الميت ؛ ومنه حديث عمرو : قيل سلمان أحيوا ما بين العشاءين ، أي : اشغلوه بالصلاة والعبادة والذكر ولا تعطلوه فتجعلوه كالميت بعطلته ، وقيل : أراد لا تناموا فيه خوفا من فوات صلاة العشاء لأن النوم موت واليقظة حياة . وإحياء الليل : السهر فيه بالعبادة وترك النوم ، ومرجع الصفة إلى صاحب الليل ، وهو من باب قوله :


فأتت به حوش الفؤاد مبطنا     سهدا إذا ما نام ليل الهوجل



أي نام فيه ويريد بالعشاءين المغرب والعشاء فغلب . وفي الحديث : أنه كان يصلي العصر والشمس حية أي : صافية اللون لم يدخلها التغيير بدنو المغيب ، كأنه جعل مغيبها لها موتا وأراد تقديم وقتها . وطريق حي : بين والجمع أحياء ؛ قال الحطيئة :


إذا مخارم أحياء عرضن له



ويروى : أحيانا عرضن له . وحيي الطريق : استبان ، يقال : إذا حيي لك الطريق فخذ يمنة . وأحيت الناقة إذا حيي ولدها فهي محي ومحيية لا يكاد يموت لها ولد . والحي ، بكسر الحاء : جمع الحياة . وقال ابن سيده : الحي الحياة زعموا ؛ قال العجاج :


كأنها إذ الحياة حي     وإذ زمان الناس دغفلي



وكذلك الحيوان . وفي التنزيل : وإن الدار الآخرة لهي الحيوان أي : دار الحياة الدائمة . قال الفراء : كسروا أول حي لئلا تتبدل الياء واوا كما قالوا بيض وعين . قال ابن بري : الحياة والحيوان والحي مصادر ، وتكون الحياة صفة كالحي كالصميان للسريع . التهذيب : وفي حديث ابن عمر : إن الرجل ليسأل عن كل شيء حتى عن حية أهله ؛ قال : معناه عن كل شيء حي في منزله مثل الهر وغيره ، فأنث الحي فقال حية ونحو ذلك قال أبو عبيدة في تفسير هذا الحديث قال : وإنما قال حية لأنه ذهب إلى كل نفس أو دابة فأنث لذلك . أبو عمرو : العرب تقول كيف أنت وكيف حية أهلك أي : كيف من بقي منهم حيا ؛ قال مالك بن الحارث الكاهلي :


فلا ينجو نجاتي ثم حي     من الحيوات ، ليس له جناح



أي كل ما هو حي فجمعه حيوات ، وتجمع الحية حيوات . والحيوان : اسم يقع على كل شيء حي ، وسمى الله عز وجل الآخرة حيوانا فقال : وإن الدار الآخرة لهي الحيوان قال قتادة : هي الحياة . الأزهري : المعنى أن من صار إلى الآخرة لم يمت ودام حيا فيها لا يموت ، فمن أدخل الجنة حيي فيها حياة طيبة ، ومن دخل النار فإنه لا يموت فيها ولا يحيا كما قال تعالى : وكل ذي روح حيوان ، والجمع والواحد فيه سواء . قال : والحيوان عين في الجنة ، وقال : الحيوان ماء في الجنة لا يصيب شيئا إلى حيي بإذن الله عز وجل . وفي حديث القيامة : يصب عليه ماء الحيا ؛ قال ابن الأثير : هكذا جاء في بعض الروايات ، والمشهور : يصب عليه ماء الحياة . ابن سيده : والحيوان أيضا جنس الحي ، وأصله حييان فقلبت الياء التي هي لام واوا ، استكراها لتوالي الياءين لتختلف الحركات ؛ هذا مذهب الخليل وسيبويه ، وذهب أبو عثمان إلى أن الحيوان غير مبدل الواو ، وأن الواو فيه أصل وإن لم يكن منه فعل ، وشبه هذا بقولهم فاظ الميت يفيظ فيظا وفوظا ، وإن لم يستعملوا من فوظ فعلا ، كذلك الحيوان عنده مصدر لم يشتق منه فعل . قال أبو علي : هذا غير مرضي من أبي عثمان من قبل أنه لا يمتنع أن يكون في الكلام مصدر عينه واو وفاؤه ولامه صحيحان مثل فوظ وصوغ ، وقول ، وموت ، وأشباه ذلك ، فأما أن يوجد في الكلام كلمة عينها ياء ولامها واو فلا ، فحمله الحيوان على فوظ خطأ ، لأنه شبه ما لا يوجد في الكلام بما هو موجود مطرد ؛ قال أبو علي : وكأنهم استجازوا قلب الياء واوا لغير علة ، وإن كانت الواو أثقل من الياء ؛ ليكون ذلك عوضا للواو من كثرة دخول الياء وغلبتها عليها . وحيوة بسكون الياء : اسم رجل ، قلبت الياء واوا فيه لضرب من التوسع وكراهة لتضعيف الياء ، وإذا كانوا قد كرهوا تضعيف الياء مع الفصل حتى دعاهم ذلك إلى التغيير في حاحيت وهاهيت ، كان إبدال اللام في حيوة ليختلف الحرفان أحرى ، وانضاف إلى ذلك أنه علم والأعلام قد يعرض فيها ما لا يوجد في غيرها نحو مورق وموهب وموظب ؛ قال الجوهري : حيوة اسم رجل وإنما لم يدغم كما أدغم هين وميت لأنه اسم موضوع لا على وجه الفعل . وحيوان : اسم ، والقول فيه كالقول في حيوة . والمحاياة : الغذاء للصبي بما به حياته ، وفي المحكم : المحاياة الغذاء للصبي لأن حياته به . والحي : الواحد من [ ص: 295 ] أحياء العرب . والحي : البطن من بطون العرب ؛ وقوله :


وحي بكر طعنا طعنة فجرى



فليس الحي هنا البطن من بطون العرب كما ظنه قوم ، وإنما أراد الشخص الحي المسمى بكرا أي : بكرا طعنا ، وهو ما تقدم فحي هنا مذكر حية حتى كأنه قال : وشخص بكر الحي طعنا ، فهذا من باب إضافة المسمى إلى نفسه ؛ ومنه قول ابن أحمر :


أدركت حي أبي حفص وشيمته     وقبل ذاك ، وعيشا بعده كلبا



وقولهم : إن حي ليلى لشاعرة ، هو من ذلك ، يريدون ليلى ، والجمع أحياء . الأزهري : الحي من أحياء العرب يقع على بني أب كثروا أم قلوا ، وعلى شعب يجمع القبائل ؛ من ذلك قول الشاعر :


قاتل الله قيس عيلان حيا     ما لهم دون غدرة من حجاب



وقوله :


فتشبع مجلس الحيين لحما     وتلقي للإماء من الوزيم



يعني بالحيين حي الرجل وحي المرأة ، والوزيم العضل . والحيا ، مقصور : الخصب ، والجمع أحياء . وقال اللحياني : الحيا ، مقصور ، المطر وإذا ثنيت قلت حييان ، فتبين الياء لأن الحركة غير لازمة . وقال اللحياني مرة . حياهم الله بحيا ، مقصور ، أي : أغاثهم ، وقد جاء الحيا الذي هو المطر والخصب ممدودا . وحيا الربيع : ما تحيا به الأرض من الغيث . وفي حديث الاستسقاء : ( اللهم اسقنا غيثا مغيثا وحيا ربيعا ) الحيا ، مقصور : المطر لإحيائه الأرض ، وقيل : الخصب وما تحيا به الأرض والناس . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه : لا آكل السمين حتى يحيا الناس من أول ما يحيون ، أي : حتى يمطروا ويخصبوا فإن المطر سبب الخصب ، ويجوز أن يكون من الحياة لأن الخصب سبب الحياة . وجاء في حديث عن ابن عباس ، رحمه الله ، أنه قال : كان علي ، أمير المؤمنين ، يشبه القمر الباهر ، والأسد الخادر ، والفرات الزاخر ، والربيع الباكر ، أشبه من القمر ضوءه وبهاءه ومن الأسد شجاعته ، ومضاءه ، ومن الفرات جوده ، وسخاءه ، ومن الربيع خصبه ، وحياءه . أبو زيد : تقول أحيا القوم إذا مطروا فأصابت دوابهم العشب حتى سمنت وإن أرادوا أنفسهم قالوا حيوا بعد الهزال . وأحيا الله الأرض : أخرج فيها النبات ، وقيل : إنما أحياها من الحياة كأنها كانت ميتة بالمحل فأحياها بالغيث . والتحية : السلام ، وقد حياه تحية ، وحكى اللحياني : حياك الله تحية المؤمن . والتحية : البقاء . والتحية : الملك ؛ وقول زهير بن جناب الكلبي :


ولكل ما نال الفتى     قد نلته إلا التحيه



قيل : أراد الملك وقال ابن الأعرابي : أراد البقاء لأنه كان ملكا في قومه ؛ قال ابن بري : زهير هذا هو سيد كلب في زمانه ، وكان كثير الغارات وعمر عمرا طويلا ، وهو القائل لما حضرته الوفاة :


أبني ، إن أهلك فإن     ني قد بنيت لكم بنيه
وتركتكم أولاد سا     دات ، زنادكم وريه
ولكل ما نال الفتى     قد نلته إلا التحيه



قال : والمعروف بالتحية هنا إنما هي بمعنى البقاء لا بمعنى الملك . قال سيبويه : تحية تفعلة ، والهاء لازمة ، والمضاعف من الياء قليل لأن الياء قد تثقل وحدها لاما ، فإذا كان قبلها ياء كان أثقل لها . قال أبو عبيد : والتحية في غير هذا السلام . الأزهري : قال الليث في قولهم في الحديث التحيات لله ، قال : معناه البقاء لله ، ويقال : الملك لله ، وقيل : أراد بها السلام . يقال : حياك الله أي : سلم عليك . والتحية : تفعلة من الحياة ، وإنما أدغمت لاجتماع الأمثال ، والهاء لازمة لها والتاء زائدة . وقولهم : حياك الله وبياك اعتمدك بالملك ، وقيل : أضحكك ، وقال الفراء : حياك الله أبقاك الله . وحياك الله أي : ملكك الله . وحياك الله أي : سلم عليك ؛ قال : وقولنا في التشهد التحيات لله ينوى بها البقاء لله والسلام من الآفات والملك لله ونحو ذلك . قال أبو عمرو : التحية الملك ؛ وأنشد قول عمرو بن معد يكرب :


أسير به إلى النعمان ، حتى     أنيخ على تحيته بجندي



يعني على ملكه ؛ قال ابن بري : ويروى أسير بها ويروى : أؤم بها ؛ وقبل البيت :


وكل مفاضة بيضاء زغف     وكل معاود الغارات جلد



وقال خالد بن يزيد : لو كانت التحية الملك لما قيل التحيات لله ، والمعنى السلامات من الآفات كلها ، وجمعها لأنه أراد السلامة من كل آفة ؛ وقال القتيبي : إنما قيل التحيات لله لا على الجمع لأنه كان في الأرض ملوك يحيون بتحيات مختلفة ، يقال لبعضه : أبيت اللعن ، ولبعضهم : اسلم وانعم وعش ألف سنة ، ولبعضهم : أنعم صباحا ، فقيل لنا : قولوا التحيات لله أي : الألفاظ التي تدل على الملك والبقاء ويكنى بها عن الملك فهي لله عز وجل . وروي عن أبي الهيثم أنه يقول : التحية في كلام العرب ما يحيي بعضهم بعضا إذا تلاقوا ، قال : وتحية الله التي جعلها في الدنيا والآخرة لمؤمني عباده إذا تلاقوا ودعا بعضهم لبعض بأجمع الدعاء أن يقولوا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . قال الله عز وجل : تحيتهم يوم يلقونه سلام . وقال في تحية الدنيا : وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها وقيل في قوله :


قد نلته إلا التحية



يريد : إلا السلامة من المنية والآفات فإن أحدا لا يسلم من الموت على طول البقاء ، فجعل معنى " التحيات لله " أي : السلام له من جميع الآفات التي تلحق العباد من العناء وسائر أسباب الفناء ؛ قال الأزهري : وهذا الذي قاله أبو الهيثم حسن ودلائله واضحة ، غير أن التحية وإن كانت [ ص: 296 ] في الأصل سلاما ، كما قال خالد ، فجائز أن يسمى الملك في الدنيا تحية كما قال الفراء وأبو عمرو ، لأن الملك يحيا بتحية الملك المعروفة للملوك التي يباينون فيها غيرهم ، وكانت تحية ملوك العجم نحوا من تحية ملوك العرب ، كان يقال لملكهم : زه هزار سال ؛ المعنى : عش سالما ألف عام ، وجائز أن يقال للبقاء تحية لأن من سلم من الآفات فهو باق ، والباقي في صفة الله عز وجل من هذا لأنه لا يموت أبدا ، فمعنى : حياك الله أي : أبقاك الله ، صحيح ، من الحياة ، وهو البقاء . يقال : أحياه الله وحياه بمعنى واحد ، قال : والعرب تسمي الشيء باسم غيره إذا كانت معه أو من سببه . وسئل سلمة بن عاصم عن حياك الله فقال : هو بمنزلة أحياك الله أي : أبقاك الله مثل كرم وأكرم ، قال وسئل أبو عثمان المازني عن حياك الله فقال : عمرك الله . وفي الحديث : أن الملائكة قالت لآدم ، عليه السلام ، حياك الله وبياك ؛ معنى حياك الله أبقاك من الحياة ، وقيل : هو من استقبال المحيا ، وهو الوجه ، وقيل : ملكك وفرحك ، وقيل : سلم عليك ، وهو من التحية السلام ، والرجل محيي والمرأة محيية ، وكل اسم اجتمع فيه ثلاث ياءات فينظر ، فإن كان غير مبني على فعل حذفت منه اللام نحو عطي في تصغير عطاء وفي تصغير أحوى أحي ، وإن كان مبنيا على فعل ثبتت نحو محيي من حيا يحي . وحيا الخمسين : دنا منها ؛ عن ابن الأعرابي : والمحيا : جماعة الوجه ، وقيل : حره ، وهو من الفرس حيث انفرق تحت الناصية في أعلى الجبهة وهناك دائرة المحيا . والحياء : التوبة والحشمة ، وقد حيي منه حياء واستحيا واستحى ، حذفوا الياء الأخيرة كراهية التقاء الياءين ، والأخيرتان تتعديان بحرف وبغير حرف ، يقولون : استحيا منك واستحياك ، واستحى منك واستحاك ؛ قال ابن بري : شاهد الحياء بمعنى الاستحياء قول جرير :


لولا الحياء لعادني استعبار     ولزرت قبرك ، والحبيب يزار



وروي عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : الحياء شعبة من الإيمان ؛ قال بعضهم : كيف جعل الحياء وهو غريزة شعبة من الإيمان وهو اكتساب ؟ والجواب في ذلك : أن المستحي ينقطع بالحياء عن المعاصي ، وإن لم تكن له تقية ، فصار كالإيمان الذي يقطع عنها ويحول بين المؤمن وبينها ؛ قال ابن الأثير : وإنما جعل الحياء بعض الإيمان لأن الإيمان ينقسم إلى ائتمار بما أمر الله به وانتهاء عما نهى الله عنه ، فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان بعض الإيمان ؛ ومنه الحديث : إذا لم تستح فاصنع ما شئت ؛ المراد أنه إذا لم يستح صنع ما شاء ، لأنه لا يكون له حياء يحجزه عن المعاصي والفواحش ؛ قال ابن الأثير : وله تأويلان : أحدهما ظاهر وهو المشهور إذا لم تستح من العيب ولم تخش العار بما تفعله فافعل ما تحدثك به نفسك من أغراضها حسنا كان أو قبيحا ، ولفظه أمر ومعناه توبيخ وتهديد ، وفيه إشعار بأن الذي يردع الإنسان عن مواقعة السوء هو الحياء ، فإذا انخلع منه كان كالمأمور بارتكاب كل ضلالة وتعاطي كل سيئة ، والثاني أن يحمل الأمر على بابه ، يقول : إذا كنت في فعلك آمنا أن تستحي منه لجريك فيه على سنن الصواب وليس من الأفعال التي يستحى منها فاصنع منها ما شئت . ابن سيده : قوله ، صلى الله عليه وسلم ، إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت ، أي : من لم يستح صنع ما شاء على جهة الذم لترك الحياء ، وليس يأمره بذلك ولكنه أمر بمعنى الخبر ، ومعنى الحديث أنه يأمر بالحياء ويحث عليه ويعيب تركه . ورجل حيي ، ذو حياء ، بوزن فعيل ، والأنثى بالهاء ، وامرأة حيية ، واستحيا الرجل واستحيت المرأة ؛ وقوله :


وإني لأستحيي أخي أن أرى له     علي من الحق ، الذي لا يرى ليا



معناه : آنف من ذلك . الأزهري : للعرب في هذا الحرف لغتان : يقال استحى الرجل يستحي ، بياء واحدة ، واستحيا فلان يستحيي ، بياءين ، والقرآن نزل بهذه اللغة الثانية في قوله عز وجل : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا . وحييت منه أحيا : استحييت . وتقول في الجمع : حيوا كما تقول خشوا . قال سيبويه : ذهبت الياء لالتقاء الساكنين لأن الواو ساكنة وحركة الياء قد زالت كما زالت في ضربوا إلى الضم ، ولم تحرك الياء بالضم لثقله عليها فحذفت وضمت الياء الباقية لأجل الواو ؛ قال أبو حزابة الوليد بن حنيفة :


وكنا حسبناهم فوارس كهمس     حيوا بعدما ماتوا ، من الدهر ، أعصرا



قال ابن بري : حييت من بنات الثلاثة ، وقال بعضهم : حيوا ، بالتشديد ، تركه على ما كان عليه للإدغام ؛ قال عبيد بن الأبرص :


عيوا بأمرهمو ، كما     عيت ببيضتها الحمامه



وقال غيره : استحياه واستحيا منه بمعنى من الحياء ، ويقال : استحيت ، بياء واحدة ، وأصله استحييت فأعلوا الياء الأولى وألقوا حركتها على الحاء فقالوا استحيت ، كما قالوا استنعت استثقالا لما دخلت عليها الزوائد ؛ قال سيبويه : حذفت الياء لالتقاء الساكنين لأن الياء الأولى تقلب ألفا لتحركها ، قال : وإنما فعلوا ذلك حيث كثر في كلامهم . وقال المازني : لم تحذف لالتقاء الساكنين لأنها لو حذفت لذلك لردوها إذا قالوا هو يستحي ، ولقالوا يستحيي كما قالوا يستنيع ؛ قال ابن بري : قول أبي عثمان موافق لقول سيبويه ، والذي حكاه عن سيبويه ليس هو قوله ، وإنما هو قول الخليل لأن الخليل يرى أن استحيت أصله استحييت فأعل إعلال استنعت ، وأصله استنيعت ، وذلك بأن تنقل حركة الفاء على ما قبلها وتقلب ألفا ثم تحذف لالتقاء الساكنين ، وأما سيبويه فيرى أنها حذفت تخفيفا لاجتماع الياءين لا لإعلال موجب لحذفها ، كما حذفت السين من أحسست حين قلت أحست ، ونقلت حركتها على ما قبلها تخفيفا . وقال الأخفش : استحى بياء واحدة لغة تميم ، وبياءين لغة أهل الحجاز ، وهو الأصل ، لأن ما كان موضع لامه معتلا لم يعلوا عينه ، ألا ترى أنهم قالوا : أحييت وحويت ؟ ويقولون : قلت وبعت فيعلون العين لما لم تعتل اللام ، وإنما حذفوا الياء لكثرة استعمالهم لهذه [ ص: 297 ] الكلمة كما قالوا لا أدر في لا أدري . ويقال : فلان أحيى من الهدي ، وأحيى من كعاب ، وأحيى من مخدرة ، ومن مخبأة ، وهذا كله من الحياء ، ممدود . وأما قولهم أحيى من ضب ، فمن الحياة . وفي حديث البراق : فدنوت منه لأركبه فأنكرني فتحيا مني ، أي : انقبض وانزوى ، ولا يخلو أن يكون مأخوذا من الحياء على طريق التمثيل ، لأن من شأن الحيي أن ينقبض ، أو يكون أصله تحوى أي : تجمع فقلبت واوه ياء ، أو يكون تفيعل من الحي ، وهو الجمع ، كتحيز من الحوز . وأما قوله : ويستحيي نساءهم فمعناه يستفعل من الحياة أي : يتركهن أحياء وليس فيه إلا لغة واحدة . وقال أبو زيد : يقال حييت من فعل كذا وكذا أحيا حياء أي : استحييت ؛ وأنشد :


ألا تحيون من تكثير قوم     لعلات ، وأمكمو رقوب ؟



معناه ألا تستحيون . وجاء في الحديث : اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم أي : استبقوا شبابهم ولا تقتلوهم ، وكذلك قوله تعالى : يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم أي : يستبقيهن للخدمة فلا يقتلهن . الجوهري : الحياء ، ممدود ، الاستحياء . والحياء أيضا : رحم الناقة ، والجمع أحيية ؛ عن الأصمعي . الليث : حيا الناقة يقصر ويمد لغتان . الأزهري : حياء الناقة والشاة وغيرهما ممدود إلا أن يقصره شاعر ضرورة ، وما جاء عن العرب إلا ممدودا ، وإنما سمي حياء باسم الحياء من الاستحياء لأنه يستر من الآدمي ، ويكنى عنه من الحيوان ، ويستفحش التصريح بذكره واسمه الموضوع له ، ويستحى من ذلك ويكنى عنه . وقال الليث : يجوز قصر الحياء ومده ، وهو غلط لا يجوز قصره لغير الشاعر لأن أصله الحياء من الاستحياء . وفي الحديث : أنه كره من الشاة سبعا : الدم ، والمرارة ، والحياء ، والعقدة ، والذكر ، والأنثيين ، والمثانة ؛ الحياء ، ممدود : الفرج من ذوات الخف والظلف ، وجمعها أحيية . قال ابن بري : وقد جاء الحياء لرحم الناقة مقصورا في شعر أبي النجم ، وهو قوله :


جعد حياها سبط لحياها



قال ابن بري : قال الجوهري في ترجمة عيي : وسمعنا من العرب من يقول أعيياء ، وأحيية فيبين . قال ابن بري : في كتاب سيبويه أحيية جمع حياء لفرج الناقة ، وذكر أن من العرب من يدغمه فيقول أحية ، قال : والذي رأيناه في الصحاح سمعنا من العرب من يقول أعيياء وأعيية فيبين ؛ ابن سيده : وخص ابن الأعرابي به الشاة ، والبقرة ، والظبية ، والجمع أحياء ؛ عن أبي زيد ، وأحيية ، وأحية ، وحي ، وحي ؛ عن سيبويه ، قال : ظهرت الياء في أحيية لظهورها في حيي ، والإدغام أحسن لأن الحركة لازمة ، فإن أظهرت فأحسن ذلك أن تخفي كراهية تلاقي المثلين ، وهي مع ذلك بزنتها متحركة ، وحمل ابن جني أحياء على أنه جمع حياء ممدودا ؛ قال : كسروا فعالا على أفعال حتى كأنهم إنما كسروا فعلا . الأزهري : والحي فرج المرأة . ورأى أعرابي جهاز عروس فقال : هذا سعف الحي أي : جهاز فرج المرأة . والحية : الحنش المعروف ، اشتقاقه من الحياة في قول بعضهم ؛ قال سيبويه : والدليل على ذلك قول العرب في الإضافة إلى حية بن بهدلة حيوي ، فلو كان من الواو لكان حووي كقولك في الإضافة إلى لية لووي . قال بعضهم : فإن قلت فهلا كانت الحية مما عينه واو استدلالا بقولهم رجل حواء لظهور الواو عينا في حواء ؟ فالجواب أن أبا علي ذهب إلى أن حية وحواء كسبط وسبطر ، ولؤلؤ ولأآل ودمث ودمثر ودلاص ودلامص ، في قول أبي عثمان ، وإن هذه الألفاظ اقتربت أصولها واتفقت معانيها ، وكل واحد لفظه غير لفظ صاحبه فكذلك حية مما عينه ولامه ياءان ، وحواء مما عينه واو ولامه ياء ، كما أن لؤلؤا رباعي ولأآل ثلاثي ، لفظاهما مقتربان ومعنياهما متفقان ، ونظير ذلك قولهم جبت جيب القميص ، وإنما جعلوا حواء مما عينه واو ولامه ياء ، وإن كان يمكن لفظه أن يكون مما عينه ولامه واوان من قبل أن هذا هو الأكثر في كلامهم ، ولم يأت الفاء والعين واللام ياءات إلا في قولهم يييت ياء حسنة ، على أن فيه ضعفا من طريق الرواية ، ويجوز أن يكون من التحوي لانطوائها ، والمذكر والمؤنث في ذلك سواء . قال الجوهري : الحية تكون للذكر والأنثى ، وإنما دخلته الياء لأنه واحد من جنس مثل بطة ودجاجة ، على أنه قد روي عن العرب : رأيت حيا على حية أي : ذكرا على أنثى ، وفلان حية ذكر . والحاوي : صاحب الحيات ، وهو فاعل . والحيوت : ذكر الحيات ؛ قال الأزهري : التاء في الحيوت زائدة لأن أصله الحيو ، وتجمع الحية حيوات . وفي الحديث : لا بأس بقتل الحيوات ، جمع الحية . قال : واشتقاق الحية من الحياة ، ويقال : هي في الأصل حيوة فأدغمت الياء في الواو وجعلتا ياء شديدة ، قال : ومن قال لصاحب الحيات حاي فهو فاعل من هذا البناء وصارت الواو كسرة كواو الغازي والعالي ، ومن قال حواء فهو على بناء فعال ، فإنه يقول اشتقاق الحية من حويت لأنها تتحوى في التوائها ، وكل ذلك تقوله العرب . قال أبو منصور : وإن قيل حاو على فاعل فهو جائز ، والفرق بينه وبين غاز أن عين الفعل من حاو واو وعين الفعل من الغازي الزاي فبينهما فرق ، وهذا يجوز على قول من جعل الحية في أصل البناء حوية . قال الأزهري : والعرب تذكر الحية وتؤنثها ، فإذا قالوا الحيوت عنوا الحية الذكر ؛ وأنشد الأصمعي :


ويأكل الحية والحيوتا     ويدمق الأغفال والتابوتا
ويخنق العجوز أو تموتا



وأرض محياة ومحواة : كثيرة الحيات . قال الأزهري : وللعرب أمثال كثيرة في الحية نذكر ما حضرنا منها ، يقولون : هو أبصر من حية ؛ لحدة بصرها ، ويقولون : هو أظلم من حية ؛ لأنها تأتي جحر الضب فتأكل حسلها وتسكن جحرها ، ويقولون : فلان حية الوادي إذا كان شديد الشكيمة حاميا لحوزته ، وهم حية الأرض ؛ ومنه قول ذي الإصبع العدواني :


عذير الحي من عدوا     ن ، كانوا حية الأرض



أراد أنهم كانوا ذوي إرب وشدة لا يضيعون ثأرا ، ويقال رأسه رأس [ ص: 298 ] حية إذا كان متوقدا شهما عاقلا . وفلان حية ذكر أي : شجاع شديد . ويدعون على الرجل فيقولون : سقاه الله دم الحيات أي : أهلكه . ويقال : رأيت في كتابه حيات وعقارب إذا محل كاتبه برجل إلى سلطان ، ووشى به ليوقعه في ورطة . ويقال للرجل إذا طال عمره وللمرأة إذا طال عمرها : ما هو إلا حية وما هي إلا حية ، وذلك لطول عمر الحية كأنه سمي حية لطول حياته . ابن الأعرابي : فلان حية الوادي وحية الأرض وحية الحماط إذا كان نهاية في الدهاء والخبث والعقل ؛ وأنشد الفراء :


كمثل شيطان الحماط أعرف



وروي عن زيد بن كثوة : من أمثالهم حيه حماري وحمار صاحبي ، حيه حماري وحدي ؛ يقال ذلك عند المزرية على الذي يستحق ما لا يملك مكابرة وظلما ، وأصله أن امرأة كانت رافقت رجلا في سفر وهي راجلة وهو على حمار ، قال فأوى لها وأفقرها ظهر حماره ، ومشى عنها ، فبينما هما في سيرهما إذ قالت وهي راكبة عليه : حيه حماري وحمار صاحبي ، فسمع الرجل مقالتها فقال : حيه حماري وحدي ! ولم يحفل لقولها ولم ينغضها ، فلم يزالا كذلك حتى بلغت الناس فلما وثقت قالت : حيه حماري وحدي ؛ وهي عليه فنازعها الرجل إياه فاستغاثت عليه ، فاجتمع لهما الناس والمرأة راكبة على الحمار والرجل راجل ، فقضي لها عليه بالحمار لما رأوها ، فذهبت مثلا . والحية من سمات الإبل : وسم يكون في العنق والفخذ ملتويا مثل الحية ؛ عن ابن حبيب من تذكرة أبي علي . وحية بن بهدلة : قبيلة ، النسب إليها حيوي ؛ حكاه سيبويه عن الخليل عن العرب ، وبذلك استدل على أن الإضافة إلى لية لووي ، قال : وأما أبو عمرو فكان يقول لييي وحييي . وبنو حي : بطن من العرب ، وكذلك بنو حي . ابن بري : وبنو الحيا ، مقصور ، بطن من العرب . ومحياة : اسم موضع . وقد سموا : يحيى ، وحييا ، وحيا ، وحيا ، وحيان ، وحيية . والحيا : اسم امرأة ؛ قال الراعي :


إن الحيا ولدت أبي وعمومتي     ونبت في سبط الفروع نضار



وأبو تحياة : كنية رجل من حييت تحيا وتحيا ، والتاء ليست بأصلية . ابن سيده : وحي على الغداء والصلاة ائتوها ، فحي اسم للفعل ولذلك علق حرف الجر الذي هو على به . وحيهل وحيهلا وحيهلا ، منونا وغير منون ، كله : كلمة يستحث بها ؛ قال مزاحم :


بحيهلا يزجون كل مطية     أمام المطايا ، سيرها المتقاذف



قال بعض النحويين : إذا قلت حيهلا فنونت قلت حثا وإذا قلت حيهلا فلم تنون فكأنك قلت الحث فصار التنوين علم التنكير ، وتركه علم التعريف ، وكذلك جميع ما هذه حاله من المبنيات ، إذا اعتقد فيه التنكير نون ، وإذا اعتقد فيه التعريف حذف التنوين . قال أبو عبيد : سمع أبو مهدية رجلا من العجم يقول لصاحبه زوذ زوذ ، مرتين بالفارسية ، فسأله أبو مهدية عنها فقيل له : يقول عجل عجل ، قال أبو مهدية : فهلا قال له حيهلك فقيل له : ما كان الله ليجمع لهم إلى العجمية العربية . الجوهري : وقولهم حي على الصلاة معناه هلم وأقبل ، وفتحت الياء لسكونها وسكون ما قبلها كما قيل ليت ولعل ، والعرب تقول : حي على الثريد ، وهو اسم لفعل الأمر ، وذكر الجوهري حيهل في باب اللام ، وحاحيت في فصل الحاء والألف آخر الكتاب . الأزهري : حي ، مثقلة ، يندب بها ويدعى بها ، يقال : حي على الغداء حي على الخير ، قال : ولم يشتق منه فعل ؛ قال ذلك الليث ، وقال غيره حي حث ودعاء ؛ ومنه حديث الأذان : حي على الصلاة حي على الفلاح أي : هلموا إليها وأقبلوا وتعالوا مسرعين ، وقيل : معناهما عجلوا إلى الصلاح ، وإلى الفلاح ؛ قال ابن أحمر :


أنشأت أسأله ما بال رفقته     حي الحمول فإن الركب قد ذهبا



أي عليك بالحمول فقد ذهبوا ؛ قال شمر أنشد محارب لأعرابي :


ونحن في مسجد يدعو مؤذنه :     حي تعالوا ، وما ناموا وما غفلوا



قال : ذهب به إلى الصوت نحو طاق طاق وغاق غاق . وزعم أبو الخطاب أن العرب تقول : حي هل الصلاة أي : ائت الصلاة ، جعلهما اسمين فنصبهما . ابن الأعرابي : حي هل بفلان وحي هل بفلان وحي هلا بفلان أي : اعجل . وفي حديث ابن مسعود : إذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر أي : ابدأ به وعجل بذكره ، وهما كلمتان جعلتا كلمة واحدة وفيها لغات . وهلا : حث واستعجال ؛ وقال ابن بري : صوتان ركبا ، ومعنى حي أعجل ؛ وأنشد بيت ابن أحمر :


أنشأت أسأله عن حال رفقته     فقال : حي فإن الركب قد ذهبا



قال : وحاحيت من بنات الأربعة ؛ قال امرؤ القيس :


قوم يحاحون بالبهام ، ونس     وان قصار كهيئة الحجل



قال ابن بري : ومن هذا الفصل التحايي . قال ابن قتيبة : ربما عدل القمر عن الهنعة فنزل بالتحايي ، وهي ثلاثة كواكب حذاء الهنعة ، الواحدة منها تحياة وهي بين المجرة وتوابع العيوق ، وكان أبو زياد الكلابي يقول : التحايي هي الهنعة ، وتهمز فيقال التحائي ؛ قال أبو حنيفة : بهن ينزل القمر لا بالهنعة نفسها ، وواحدتها تحياة ؛ قال الشيخ : فهو على هذا تفعلة كتحلبة من الأبنية ، ومنعناه من فعلاة كعزهاة أن ت ح ي مهمل وأن جعله و ح ي تكلف ، لإبدال التاء دون أن تكون أصلا ، فلهذا جعلناها من الحياء لأنهم قالوا لها تحية ، تسمى الهنعة التحية فهذا من ح ي ي ليس إلا ، وأصلها تحيية تفعلة ، وأيضا فإن نوءها كبير الحيا من أنواء الجوزاء ؛ يدل على ذلك قول النابغة :


سرت عليه من الجوزاء سارية     تزجي الشمال عليه سالف البرد



والنوء للغارب ، وكما أن طلوع الجوزاء في الحر الشديد كذلك نوءها في البرد والمطر والشتاء ، وكيف كانت واحدتها أتحياة ، على ما ذكر [ ص: 299 ] أبو حنيفة ، أم تحية على ما قال غيره ، فالهمز في جمعها شاذ من جهة القياس ، فإن صح به السماع فهو كمصائب ومعائش في قراءة خارجة ، شبهت تحية بفعيلة ، فكما قيل تحوي في النسب ، وقيل في مسيل مسلان في أحد القولين قيل تحائي ، حتى كأنه فعيلة وفعائل . وذكر الأزهري في هذه الترجمة : الحيهل شجر ؛ قال النضر : رأيت حيهلا وهذا حيهل كثير . قال أبو عمرو : الهرم من الحمض يقال له حيهل ، الواحدة حيهلة ، قال : ويسمى به لأنه إذا أصابه المطر نبت سريعا ، وإذا أكلته الناقة أو الإبل ولم تبعر ولم تسلح سريعا ماتت . ابن الأعرابي : الحي الحق واللي الباطل ؛ ومنه قولهم : لا يعرف الحي من اللي ، وكذلك الحو من اللو في الموضعين ، وقيل : لا يعرف الحو من اللو ؛ الحو : نعم ، واللو لو ، قال : والحي الحوية ، واللي لي الحبل أي : فتله ؛ يضرب هذا للأحمق الذي لا يعرف شيئا . وأحيا ، بفتح الهمزة وسكون الحاء وياء تحتها نقطتان : ماء بالحجاز كانت به غزاة عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب .

التالي السابق


الخدمات العلمية