صفحة جزء
[ خبث ] خبث : الخبيث : ضد الطيب من الرزق والولد والناس ; وقوله :


أرسل إلى زرع الخبي الوالج



قال ابن سيده : إنما أراد إلى زرع الخبيث ، فأبدل الثاء ياء ، ثم أدغم ، والجمع : خبثاء ، وخباث ، وخبثة ، عن كراع ; قال : وليس في الكلام فعيل يجمع على فعلة غيره ; قال : وعندي أنهم توهموا فيه فاعلا ، ولذلك كسروه على فعلة . وحكى أبو زيد في جمعه : خبوث ، وهو نادر أيضا ، والأنثى خبيثة . وفي التنزيل العزيز : ويحرم عليهم الخبائث . وخبث الرجل خبثا ، فهو خبيث أي خب رديء . الليث : خبث الشيء يخبث خباثة وخبثا ، فهو خبيث ، وبه خبث وخباثة ; وأخبث ، فهو مخبث ، إذا صار ذا خبث وشر . والمخبث : الذي يعلم الناس الخبث . وأجاز بعضهم أن يقال للذي ينسب الناس إلى الخبث : مخبث ; قال الكميت :


فطائفة قد أكفروني بحبكم     وطائفة قالوا مسيء ومذنب

أي نسبوني إلى الكفر . وفي حديث أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد الخلاء ، قال : ( أعوذ بالله من الخبث والخبائث ) ; ورواه الأزهري بسنده ، عن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن هذه الحشوش محتضرة ، فإذا دخل أحدكم فليقل : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ; قال أبو منصور : أراد بقوله محتضرة أي يحتضرها الشياطين ، ذكورها وإناثها . والحشوش : مواضع الغائط . وقال أبو بكر : الخبث الكفر ; والخبائث : الشياطين . وفي حديث آخر : اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث ; قال أبو عبيد : الخبيث ذو الخبث في نفسه ; قال : والمخبث الذي أصحابه وأعوانه خبثاء ، وهو مثل قولهم : فلان ضعيف مضعف ، وقوي مقو ، فالقوي في بدنه ، والمقوي الذي تكون دابته قوية ; يريد : هو الذي يعلمهم الخبث ، ويوقعهم فيه . وفي حديث قتلى بدر : فألقوا في قليب خبيث مخبث ، أي فاسد مفسد لما يقع فيه ; قال : وأما قوله في الحديث : من الخبث والخبائث ; فإنه أراد بالخبث الشر ، وبالخبائث الشياطين ; قال أبو عبيد : وأخبرت عن أبي الهيثم أنه كان يرويه من الخبث ، بضم الباء ، وهو جمع الخبيث ، وهو الشيطان الذكر ، ويجعل الخبائث جمعا للخبيثة من الشياطين . قال أبو منصور : وهذا عندي أشبه بالصواب . ابن الأثير في تفسير الحديث : الخبث ، بضم الباء : جمع الخبيث ، والخبائث : جمع الخبيثة ; يريد ذكور الشياطين وإناثهم ; وقيل : هو الخبث ، بسكون الباء ، وهو خلاف طيب الفعل من فجور وغيره ، والخبائث ، يريد بها الأفعال المذمومة والخصال الرديئة . وأخبث الرجل أي اتخذ أصحابا خبثاء ، فهو خبيث مخبث ، ومخبثان ; يقال : يا مخبثان ! وقوله - عز وجل - : الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ; قال الزجاج : معناه الكلمات الخبيثات للخبيثين من الرجال والنساء ; والرجال الخبيثون للكلمات الخبيثات ; أي لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء ; وقيل : المعنى الكلمات الخبيثات إنما تلصق بالخبيث من الرجال والنساء ، فأما الطاهرون والطاهرات ، فلا يلصق بهم السب ; وقيل : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، وكذلك الطيبات للطيبين . وقد خبث خبثا وخباثة وخباثية : صار خبيثا . وأخبث : صار ذا خبث . وأخبث : إذا كان أصحابه وأهله خبثاء ، ولهذا قالوا : خبيث مخبث ، والاسم : الخبيثى . وتخابث : أظهر الخبث ; وأخبثه غيره : علمه الخبث وأفسده . ويقال : في النداء : يا خبث ! كما يقال : يا لكع ! تريد : يا خبيث . وسبي خبثة : خبيث ، وهو سبي من كان له عهد من أهل الكفر ، لا يجوز سبيه ، ولا ملك عبد ولا أمة منه . وفي الحديث : أنه كتب للعداء بن خالد أنه اشترى منه عبدا أو أمة ، لا داء ولا خبثة ولا [ ص: 9 ] غائلة . أراد بالخبثة : الحرام ، كما عبر عن الحلال بالطيب ، والخبثة نوع من أنواع الخبيث ; أراد أنه عبد رقيق ، لا أنه من قوم لا يحل سبيهم ، كمن أعطي عهدا وأمانا ، وهو حر في الأصل . وفي حديث الحجاج أنه قال لأنس : يا خبثة ; يريد : يا خبيث ! ويقال للأخلاق الخبيثة : يا خبثة . ويكتب في عهدة الرقيق : لا داء ، ولا خبثة ، ولا غائلة ; فالداء : ما دلس فيه من عيب يخفى أو علة باطنة لا ترى ، والخبثة : أن لا يكون طيبة ، لأنه سبي من قوم لا يحل استرقاقهم ، لعهد تقدم لهم ، أو حرية في الأصل ثبتت لهم ، والغائلة : أن يستحقه مستحق بملك صح له ، فيجب على بائعه رد الثمن إلى المشتري . وكل من أهلك شيئا فقد غاله واغتاله ، فكأن استحقاق المالك إياه ، صار سببا لهلاك الثمن الذي أداه المشتري إلى البائع . ومخبثان : اسم معرفة ، والأنثى : مخبثانة . وفي حديث سعيد : كذب مخبثان ، هو الخبيث ; ويقال للرجل والمرأة جميعا ، وكأنه يدل على المبالغة ; وقال بعضهم : لا يستعمل مخبثان إلا في النداء خاصة . ويقال للذكر : يا خبث ! وللأنثى : يا خباث ! مثل يا لكاع ، بني على الكسر ، وهذا مطرد عند سيبويه . وروي عن الحسن أنه قال يخاطب الدنيا : خباث ! كل عيدانك مضضنا ، فوجدنا عاقبته مرا ! يعني الدنيا . وخباث بوزن قطام : معدول من الخبث ، وحرف النداء محذوف ، أي يا خباث . والمض : مثل المص ; يريد : إنا جربناك وخبرناك ، فوجدنا عاقبتك مرة . والأخابث : جمع الأخبث ; يقال : هم أخابث الناس . ويقال للرجل والمرأة : يا مخبثان ، بغير هاء للأنثى . والخبيث : الخبيث ، والجمع خبيثون . والخابث : الرديء من كل شيء فاسد . يقال : هو خبيث الطعم ، وخبيث اللون ، وخبيث الفعل . والحرام البحت يسمى : خبيثا ، مثل الزنا ، والمال الحرام ، والدم ، وما أشبهها مما حرمه الله تعالى ، يقال في الشيء الكريه الطعم والرائحة : خبيث ، مثل الثوم والبصل والكراث ; ولذلك قال سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من أكل من هذه الشجرة الخبيثة ، فلا يقربن مسجدنا ) . وقال الله تعالى في نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - : يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ; فالطيبات : ما كانت العرب تستطيبه من المآكل في الجاهلية ، مما لم ينزل فيه تحريم ، مثل الأزواج الثمانية ، ولحوم الوحش من الظباء وغيرها ، ومثل الجراد والوبر والأرنب واليربوع والضب ; والخبائث : ما كانت تستقذره ولا تأكله ، مثل الأفاعي والعقارب والبرصة والخنافس والورلان والفأر ، فأحل الله - تعالى وتقدس - ما كانوا يستطيبون أكله ، وحرم ما كانوا يستخبثونه ، إلا ما نص على تحريمه في الكتاب ، من مثل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به عند الذبح ، أو بين تحريمه على لسان سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل نهيه عن لحوم الحمر الأهلية ، وأكل كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير . ودلت الألف واللام اللتان دخلتا للتعريف في الطيبات والخبائث ، على أن المراد بها أشياء معهودة عند المخاطبين بها ، وهذا قول محمد بن إدريس الشافعي - رضي الله عنه - . وقوله - عز وجل - : ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة ; قيل : إنها الحنظل ; وقيل : إنها الكشوث . ابن الأعرابي : أصل الخبث في كلام العرب : المكروه ; فإن كان من الكلام ، فهو الشتم ، وإن كان من الملل ، فهو الكفر ، وإن كان من الطعام ، فهو الحرام ، وإن كان من الشراب ، فهو الضار ; ومنه قيل لما يرمى من منفي الحديد : الخبث ; ومنه الحديث : ( إن الحمى تنفي الذنوب ، كما ينفي الكير الخبث ) . وخبث الحديد والفضة ، بفتح الخاء والباء : ما نفاه الكير إذا أذيبا ، وهو ما لا خير فيه ، ويكنى به عن ذي البطن . وفي الحديث : نهى عن كل دواء خبيث ; قال ابن الأثير : هو من جهتين : إحداهما النجاسة ، وهو الحرام كالخمر والأرواث والأبوال ، كلها نجسة خبيثة ، وتناولها حرام ، إلا ما خصته السنة من أبوال الإبل ، عند بعضهم ، وروث ما يؤكل لحمه عند آخرين ; والجهة الأخرى من طريق الطعم والمذاق ; قال : ولا ينكر أن يكون كره ذلك لما فيه من المشقة على الطباع ، وكراهية النفوس لها ; ومنه الحديث : ( من أكل من هذه الشجرة الخبيثة لا يقربن مسجدنا ) ; يريد الثوم والبصل والكراث ، وخبثها من جهة كراهة طعمها ورائحتها ، لأنها طاهرة ، وليس أكلها من الأعذار المذكورة في الانقطاع عن المساجد ، وإنما أمرهم بالاعتزال عقوبة ونكالا ، لأنه كان يتأذى بريحها . وفي الحديث : ( مهر البغي خبيث ، وثمن الكلب خبيث ، وكسب الحجام خبيث ) . قال الخطابي : قد يجمع الكلام بين القرائن في اللفظ ، ويفرق بينها في المعنى ، ويعرف ذلك من الأغراض والمقاصد ; فأما مهر البغي وثمن الكلب ، فيريد بالخبيث فيهما الحرام ، لأن الكلب نجس ، والزنا حرام ، وبذل العوض عليه وأخذه حرام ; وأما كسب الحجام ، فيريد بالخبيث فيه الكراهية ، لأن الحجامة مباحة ، وقد يكون الكلام في الفصل الواحد ، بعضه على الوجوب ، وبعضه على الندب ، وبعضه على الحقيقة ، وبعضه على المجاز ، ويفرق بينهما بدلائل الأصول ، واعتبار معانيها . والأخبثان : الرجيع والبول ، وهما أيضا السهر والضجر ، ويقال : نزل به الأخبثان أي البخر والسهر . وفي الحديث : ( لا يصلي الرجل ، وهو يدافع الأخبثين ) ; عنى بهما الغائط والبول . الفراء : الأخبثان القيء والسلاح ; وفي الصحاح : البول والغائط . وفي الحديث : ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا ) . الخبث ، بفتحتين : النجس . وفي حديث هرقل : فأصبح يوما وهو خبيث النفس ; أي ثقيلها كريه الحال ; ومنه الحديث : ( لا يقولن أحدكم : خبثت نفسي ) أي ثقلت وغثت ، كأنه كره اسم الخبث . وطعام مخبثة : تخبث عنه النفس ; وقيل : هو الذي من غير حله ; وقول عنترة :


نبئت عمرا غير شاكر نعمة     والكفر مخبثة لنفس المنعم

أي مفسدة . والخبثة : الزنية ; وهو ابن خبثة ، لابن الزنية ، يقال : ولد فلان لخبثة أي ولد لغير رشدة . وفي الحديث : ( إذا كثر الخبث كان كذا وكذا ) ; أراد الفسق والفجور ; ومنه حديث سعد بن عبادة : أنه أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل مخدج سقيم ، وجد مع أمة يخبث بها أي يزني .

التالي السابق


الخدمات العلمية