صفحة جزء
[ خلق ]

خلق : الله تعالى وتقدس الخالق والخلاق ، وفي التنزيل : هو الله الخالق البارئ المصور ؛ وفيه : بلى وهو الخلاق العليم ؛ وإنما قدم أول وهلة لأنه من أسماء الله - جل وعز . الأزهري : ومن صفات الله تعالى الخالق والخلاق ولا تجوز هذه الصفة بالألف واللام لغير الله - عز وجل - وهو الذي أوجد الأشياء جميعها بعد أن لم تكن موجودة ، وأصل الخلق التقدير ، فهو باعتبار تقدير ما منه وجودها وبالاعتبار للإيجاد على وفق التقدير - خالق . والخلق في كلام العرب : ابتداع الشيء على مثال لم يسبق إليه ؛ وكل شيء خلقه الله فهو مبتدئه على غير مثال سبق إليه ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين . قال أبو بكر بن الأنباري : الخلق في كلام العرب على وجهين : أحدهما الإنشاء على مثال أبدعه ، والآخر التقدير ؛ وقال في قوله تعالى : فتبارك الله أحسن الخالقين ، معناه أحسن المقدرين ؛ وكذلك قوله تعالى : وتخلقون إفكا ؛ أي تقدرون كذبا . وقوله تعالى : أني أخلق لكم من الطين خلقه تقديره ، ولم يرد أنه يحدث معدوما . ابن سيده : خلق الله الشيء يخلقه خلقا أحدثه بعد أن لم يكن ، والخلق يكون المصدر ويكون المخلوق ؛ وقوله - عز وجل : يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ؛ أي يخلقكم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ثم يكسو العظام لحما ثم يصور وينفخ فيه الروح ، فذلك معنى خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث في البطن والرحم والمشيمة ، وقد قيل : في الأصلاب والرحم والبطن ؛ وقوله تعالى : الذي أحسن كل شيء خلقه ؛ في قراءة من قرأ به ؛ قال ثعلب : فيه ثلاثة أوجه : فقال : خلقا منه ، وقال : خلق كل شيء ، وقال : علم كل شيء خلقه ؛ وقوله - عز وجل : فليغيرن خلق الله ؛ قيل : معناه دين الله ؛ لأن الله فطر الخلق على الإسلام وخلقهم من ظهر آدم - عليه السلام - كالذر ، وأشهدهم أنه ربهم وآمنوا ، فمن كفر فقد غير خلق الله ، وقيل : هو الخصاء لأن من يخصي الفحل فقد غير خلق الله ، وقال الحسن ومجاهد : فليغيرن خلق الله ، أي دين الله ؛ قال ابن عرفة : ذهب قوم إلى أن قولهم حجة لمن قال : الإيمان مخلوق ولا حجة له ، لأن قولهما دين الله أرادا حكم الله ، والدين الحكم ، أي فليغيرن حكم الله ، والخلق الدين . وأما قوله تعالى : لا تبديل لخلق الله ؛ قال قتادة : لدين الله ، وقيل : معناه أن ما خلقه الله فهو الصحيح لا يقدر أحد أن يبدل معنى صحة الدين . وقوله تعالى : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ؛ أي قدرتنا على حشركم كقدرتنا على خلقكم . وفي الحديث : من تخلق للناس بما يعلم الله وأنه ليس من نفسه شانه الله ؛ قال المبرد : قوله تخلق أي أظهر في خلقه خلاف نيته . ومضغة مخلقة ؛ أي تامة الخلق . وسئل أحمد بن يحيى عن قوله تعالى : مخلقة وغير مخلقة ، فقال : الناس خلقوا على ضربين : منهم تام الخلق ومنهم خديج ناقص غير تام ، يدلك على ذلك قوله تعالى : ونقر في الأرحام ما نشاء ؛ وقال ابن الأعرابي : مخلقة قد بدا خلقها ، وغير مخلقة لم تصور . وحكى اللحياني عن بعضهم : لا والذي خلق الخلوق ما فعلت ذلك ؛ يريد جمع الخلق . ورجل خليق بين الخلق : تام الخلق معتدل ، والأنثى خليق وخليقة ومختلقة ، وقد خلقت خلاقة . والمختلق : كالخليق ، والأنثى مختلقة . ورجل خليق إذا تم خلقه ، والنعت خلقت المرأة خلاقة إذا تم خلقها . ورجل خليق ومختلق : حسن الخلق . وقال الليث : امرأة خليقة ذات جسم وخلق ، ولا ينعت به الرجل . والمختلق : التام الخلق والجمال ، المعتدل ؛ قال ابن بري : شاهده قول البرج بن مسهر :


فلما أن تنشى قام خرق [ ص: 140 ] من الفتيان مختلق هضيم



وفي حديث ابن مسعود وقتله أبا جهل : وهو كالجمل المخلق أي التام الخلق . والخليقة : الخلق والخلائق ، يقال : هم خليقة الله وهم خلق الله ، وهو مصدر ، وجمعها الخلائق . وفي حديث الخوارج : هم شر الخلق والخليقة ؛ الخلق : الناس ، والخليقة : البهائم ، وقيل : هما بمعنى واحد ويريد بهما جميع الخلائق . والخليقة : الطبيعة التي يخلق بها الإنسان . وحكى اللحياني : هذه خليقته التي خلق عليها وخلقها والتي خلق ؛ أراد التي خلق صاحبها ، والجمع الخلائق ؛ قال لبيد :


فاقنع بما قسم المليك فإنما     قسم الخلائق بيننا علامها



والخلقة : الفطرة . أبو زيد : إنه لكريم الطبيعة والخليقة والسليقة بمعنى واحد . والخليق : كالخليقة ؛ عن اللحياني ؛ قال : وقال القناني في الكسائي :


وما لي صديق ناصح أغتدي له     ببغداد إلا أنت بر موافق
يزين الكسائي الأغر خليقه     إذا فضحت بعض الرجال الخلائق



وقد يجوز أن يكون الخليق جمع خليقة كشعير وشعيرة ، قال : وهو السابق إلي ، والخلق الخليقة أعني الطبيعة . وفي التنزيل : وإنك لعلى خلق عظيم ، والجمع أخلاق ، لا يكسر على غير ذلك . والخلق والخلق : السجية . يقال : خالص المؤمن وخالق الفاجر . وفي الحديث : ليس شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق ؛ الخلق بضم اللام وسكونها : وهو الدين والطبع والسجية ، وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها ، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة ، والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة ، ولهذا تكررت الأحاديث في مدح حسن الخلق في غير موضع كقوله : من أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق ، وقوله : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وقوله : إن العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ، وقوله : بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ؛ وكذلك جاءت في ذم سوء الخلق أيضا أحاديث كثيرة . وفي حديث عائشة - رضي الله عنها : كان خلقه القرآن أي كان متمسكا به وبآدابه وأوامره ونواهيه وما يشتمل عليه من المكارم والمحاسن والألطاف . وفي حديث عمر : من تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شانه الله ، أي تكلف أن يظهر من خلقه خلاف ما ينطوي عليه ، مثل تصنع وتجمل إذا أظهر الصنيع والجميل . وتخلق بخلق كذا : استعمله من غير أن يكون مخلوقا في فطرته ، وقوله تخلق مثل تجمل أي أظهر جمالا وتصنع وتحسن ، إنما تأويله الإظهار . وفلان يتخلق بغير خلقه أي يتكلفه ؛ قال سالم بن وابصة :


يا أيها المتحلي غير شيمته     إن التخلق يأتي دونه الخلق



أراد بغير شيمته فحذف وأوصل . وخالق الناس : عاشرهم على أخلاقهم ؛ قال :


خالق الناس بخلق حسن     لا تكن كلبا على الناس يهر



والخلق : التقدير ؛ وخلق الأديم يخلقه خلقا : قدره لما يزيد قبل القطع ، وقاسه ليقطع منه مزادة أو قربة أو خفا ؛ قال زهير يمدح رجلا :


ولأنت تفري ما خلقت وبع     ض القوم يخلق ثم لا يفري



يقول : أنت إذا قدرت أمرا قطعته وأمضيته وغيرك يقدر ما لا يقطعه لأنه ليس بماضي العزم ، وأنت مضاء على ما عزمت عليه ؛ وقال الكميت :


أرادوا أن تزايل خالقات     أديمهم يقسن ويفترينا



يصف ابني نزار من معد ، وهما ربيعة ومضر ، أراد أن نسبهم وأديمهم واحد ، فإذا أراد خالقات الأديم التفريق بين نسبهم تبين لهن أنه أديم واحد لا يجوز خلقه للقطع ، وضرب النساء الخالقات مثلا للنسابين الذين أرادوا التفريق بين ابني نزار ، ويقال : زايلت بين الشيئين وزيلت إذا فرقت . وفي حديث أخت أمية بن أبي الصلت قالت : فدخل علي وأنا أخلق أديما ؛ أي أقدره لأقطعه . وقال الحجاج : ما خلقت إلا فريت ، ولا وعدت إلا وفيت . والخليقة : الحفيرة المخلوقة في الأرض ، وقيل : هي الأرض ، وقيل : هي البئر التي لا ماء فيها ، وقيل : هي النقرة في الجبل يستنقع فيها الماء ، وقيل : الخليقة البئر ساعة تحفر . ابن الأعرابي : الخلق الآبار الحديثات الحفر . قال أبو منصور : رأيت بذروة الصمان قلاتا تمسك ماء السماء في صفاة خلقها الله فيها تسميها العرب خلائق ، الواحدة خليقة ، ورأيت بالخلصاء من جبال الدهناء دحلانا خلقها الله في بطون الأرض أفواهها ضيقة ، فإذا دخلها الداخل وجدها تضيق مرة وتتسع أخرى ، ثم يفضي الممر فيها إلى قرار للماء واسع لا يوقف على أقصاه ، والعرب إذا تربعوا الدهناء ولم يقع ربيع بالأرض يملأ الغدران استقوا لخيلهم وشفاههم من هذه الدحلان . والخلق : الكذب . وخلق الكذب والإفك يخلقه وتخلقه واختلقه وافتراه : ابتدعه ؛ ومنه قوله تعالى : وتخلقون إفكا . ويقال : هذه قصيدة مخلوقة أي منحولة إلى غير قائلها ؛ ومنه قوله تعالى : إن هذا إلا خلق الأولين ، فمعناه كذب الأولين ، وخلق الأولين قيل : شيمة الأولين ، وقيل : عادة الأولين ؛ ومن قرأ خلق الأولين فمعناه افتراء الأولين ؛ قال الفراء : من قرأ خلق الأولين أراد اختلاقهم وكذبهم ، ومن قرأ خلق الأولين ، وهو أحب إلي ، الفراء : أراد عادة الأولين ؛ قال : والعرب تقول حدثنا فلان بأحاديث الخلق ، وهي الخرافات من الأحاديث المفتعلة ؛ وكذلك قوله : إن هذا إلا اختلاق ؛ وقيل في قوله تعالى إن هذا إلا اختلاق أي تخرص . وفي حديث أبي طالب : إن هذا إلا اختلاق أي كذب ، وهو افتعال من الخلق والإبداع كأن الكاذب تخلق قوله ، وأصل الخلق [ ص: 141 ] التقدير قبل القطع . الليث : رجل خالق أي صانع ، وهن الخالقات للنساء . وخلق الشيء خلوقا وخلوقة وخلق خلاقة وخلق وأخلق إخلاقا واخلولق : بلي ؛ قال :


هاج الهوى رسم بذات الغضا     مخلولق مستعجم محول



قال ابن بري : وشاهد " خلق " قول الأعشى :


ألا يا قتل قد خلق الجديد     وحبك ما يمح ولا يبيد



ويقال أيضا : خلق الثوب خلوقا ؛ قال الشاعر :


مضوا وكأن لم تغن بالأمس أهلهم     وكل جديد صائر لخلوق



ويقال : أخلق الرجل إذا صار ذا أخلاق ؛ قال ابن هرمة :


عجبت أثيلة أن رأتني مخلقا     ثكلتك أمك أي ذاك يروع
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه     خلق وجيب قميصه مرقوع



وأخلقته أنا ، يتعدى ولا يتعدى . وشيء خلق : بال ، الذكر والأنثى فيه سواء ؛ لأنه في الأصل مصدر الأخلق وهو الأملس . يقال : ثوب خلق وملحفة خلق ودار خلق . قال اللحياني : قال الكسائي لم نسمعهم قالوا خلقة في شيء من الكلام . وجسم خلق ورمة خلق ؛ قال لبيد :


والثيب إن تعر مني رمة خلقا     بعد الممات فإني كنت أتئر



والجمع خلقان وأخلاق . وقد يقال : ثوب أخلاق يصفون به الواحد ، إذا كانت الخلوقة فيه كله كما قالوا برمة أعشار وثوب أكياش وحبل أرمام وأرض سباسب ، وهذا النحو كثير ، وكذلك ملاءة أخلاق وبرمة أخلاق ؛ عن اللحياني ، أي نواحيها أخلاق ؛ قال : وهو من الواحد الذي فرق ثم جمع ، قال : وكذلك حبل أخلاق وقربة أخلاق ؛ عن ابن الأعرابي . التهذيب : يقال ثوب أخلاق يجمع بما حوله ؛ وقال الراجز :


جاء الشتاء وقميصي أخلاق     شراذم يضحك منه التواق



والتواق : ابنه . ويقال جبة خلق ، بغير هاء ، وجديد ، بغير هاء أيضا ، ولا يجوز جبة خلقة ولا جديدة . وقد خلق الثوب ، بالضم خلوقة ، أي بلي ، وأخلق الثوب مثله . وثوب خلق : بال ؛ وأنشد ابن بري لشاعر :


كأنهما والآل يجري عليهما     من البعد عينا برقع خلقان



قال الفراء : وإنما قيل له خلق بغير هاء لأنه كان يستعمل في الأصل مضافا فيقال أعطني خلق جبتك وخلق عمامتك ، ثم استعمل في الإفراد كذلك بغير هاء ؛ قال الزجاجي في شرح رسالة أدب الكاتب : ليس ما قاله الفراء بشيء لأنه يقال له فلم وجب سقوط الهاء في الإضافة حتى حمل الإفراد عليها ؟ ألا ترى أن إضافة المؤنث إلى المؤنث لا توجب إسقاط العلامة منه ، كقوله مخدة هند ومسورة زينب وما أشبه ذلك ؟ وحكى الكسائي : أصبحت ثيابهم خلقانا وخلقهم جددا ، فوضع الواحد موضع الجمع الذي هو الخلقان . وملحفة خليق : صغروه بلا هاء لأنه صفة والهاء لا تلحق تصغير الصفات ، كما قالوا نصيف في تصغير امرأة نصف . وأخلق الدهر الشيء : أبلاه ؛ وكذلك أخلق السائل وجهه ، وهو على المثل . وأخلقه خلقا : أعطاه إياها . وأخلق فلان فلانا : أعطاه ثوبا خلقا . وأخلقته ثوبا إذا كسوته ثوبا خلقا ؛ وأنشد ابن بري شاهدا على أخلق الثوب لأبي الأسود الدؤلي :


نظرت إلى عنوانه فنبذته     كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا



وفي حديث أم خالد : قال لها - صلى الله عليه وسلم : أبلي وأخلقي ؛ يروى بالقاف والفاء فبالقاف من إخلاق الثوب وتقطيعه من خلق الثوب وأخلقه ، والفاء بمعنى العوض والبدل ، قال : وهو الأشبه . وحكى ابن الأعرابي : باعه بيع الخلق ، ولم يفسره ؛ وأنشد :


أبلغ فزارة أني قد شريت لها     مجد الحياة بسيفي بيع ذي الخلق



والأخلق : اللين الأملس المصمت . والأخلق : الأملس من كل شيء . وهضبة خلقاء : مصمتة ملساء لا نبات بها . وقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه : ليس الفقير الذي لا مال له إنما الفقير الأخلق الكسب ؛ يعني : الأملس من الحسنات الذي لم يقدم لآخرته شيئا يثاب عليه ؛ أراد أن الفقر الأكبر إنما هو فقر الآخرة وأن فقر الدنيا أهون الفقرين ، ومعنى وصف الكسب بذلك أنه وافر منتظم لا يقع فيه وكس ولا يتحيفه نقص ؛ كقول النبي - صلى الله عليه وسلم : ليس الرقوب الذي لا يبقى له ولد وإنما الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا ؛ قال أبو عبيد : قول عمر - رضي الله عنه - هذا مثل للرجل الذي لا يرزأ في ماله ، ولا يصاب بالمصائب ، ولا ينكب فيثاب على صبره فيه ، فإذا لم يصب ولم ينكب كان فقيرا من الثواب ؛ وأصل هذا أن يقال للجبل المصمت الذي لا يؤثر فيه شيء أخلق . وفي حديث فاطمة بنت قيس : وأما معاوية فرجل أخلق من المال ؛ أي خلو عار ، من قولهم حجر أخلق أي أملس مصمت لا يؤثر فيه شيء . وصخرة خلقاء إذا كانت ملساء ؛ وأنشد للأعشى :


قد يترك الدهر في خلقاء راسية     وهيا وينزل منها الأعصم الصدعا



فأراد عمر - رضي الله عنه - أن الفقر الأكبر إنما هو فقر الآخرة لمن لم يقدم من ماله شيئا يثاب عليه هنالك . والخلق : كل شيء مملس . وسهم مخلق : أملس مستو . وجبل أخلق : لين أملس . وصخرة خلقاء بينة الخلق : ليس فيها وصم ولا كسر ؛ قال ابن أحمر يصف فرسا :


بمقلص درك الطريدة متنه     كصفا الخليقة بالفضاء الملبد



[ ص: 142 ] والخلقة : السحابة المستوية المخيلة للمطر . وامرأة خلق وخلقاء : مثل الرتقاء لأنها مصمتة كالصفاة الخلقاء ؛ قال ابن سيده : وهو مثل بالهضبة الخلقاء لأنها مصمتة مثلها ؛ ومنه حديث عمر بن عبد العزيز : كتب إليه في امرأة خلقاء تزوجها رجل فكتب إليه : إن كانوا علموا بذلك ، يعني أولياءها ، فأغرمهم صداقها لزوجها ؛ الخلقاء : الرتقاء من الصخرة الملساء المصمتة . والخلائق : حمائر الماء ، وهي صخور أربع عظام ملس تكون على رأس الركية يقوم عليها النازع والماتح ؛ قال الراعي :


فغادرن مركوا أكس عشية     لدى نزح ريان باد خلائقه



وخلق الشيء خلقا واخلولق : املاس ولان واستوى ، وخلقه هو . واخلولق السحاب : استوى وارتتقت جوانبه وصار خليقا للمطر كأنه ملس تمليسا ؛ وأنشد لمرقش :


ماذا وقوفي على ربع عفا     مخلولق دارس مستعجم



واخلولق الرسم أي استوى بالأرض . وسحابة خلقاء وخلقة ؛ عنه أيضا ، ولم يفسر . ونشأت لهم سحابة خلقة وخليقة أي فيها أثر المطر ؛ قال الشاعر :


لا رعدت رعدة ولا برقت     لكنها أنشئت لنا خلقه



وقدح مخلق : مستو أملس ملين ، وقيل : كل ما لين وملس ، فقد خلق . ويقال : خلقته ملسته ؛ وأنشد لحميد بن ثور الهلالي :


كأن حجاجي عينها في مثلم     من الصخر جون خلقته الموارد



الجوهري : والمخلق القدح إذا لين ؛ وقال يصفه :


فخلقته حتى إذا تم واستوى     كمخة ساق أو كمتن إمام
قرنت بحقويه ثلاثا فلم يزغ     عن القصد حتى بصرت بدمام



والخلقاء : السماء لملاستها واستوائها . وخلقاء الجبهة والمتن وخليقاؤهما : مستواهما وما املاس منهما ، وهما باطنا الغار الأعلى أيضا ، وقيل : هما ما ظهر منه ، وقد غلب عليه لفظ التصغير . وخلقاء الغار الأعلى : باطنه . ويقال : سحبوا على خلقاوات جباههم . والخليقاء من الفرس : حيث لقيت جبهته قصبة أنفه من مستدقها ، وهي كالعرنين من الإنسان . قال أبو عبيدة : في وجه الفرس خليقاوان وهما حيث لقيت جبهته قصبة أنفه ، قال : والخليقان عن يمين الخليقاء وشمالها ينحدر إلى العين ، قال : والخليقاء بين العينين وبعضهم يقول الخلقاء . والخلوق والخلاق : ضرب من الطيب ، وقيل : الزعفران ؛ أنشد أبو بكر :


قد علمت إن لم أجد معينا     لتخلطن بالخلوق طينا



يعني امرأته ، يقول : إن لم أجد من يعينني على سقي الإبل قامت فاستقت معي ، فوقع الطين على خلوق يديها ، فاكتفى بالمسبب الذي هو اختلاط الطين بالخلوق عن السبب الذي هو الاستقاء معه ؛ وأنشد اللحياني :


ومنسدلا كقرون العرو     س توسعه زنبقا أو خلاقا



وقد تخلق وخلقته : طليته بالخلوق . وخلقت المرأة جسمها : طلته بالخلوق ؛ أنشد اللحياني :


يا ليت شعري عنك يا غلاب     تحمل معها أحسن الأركاب
أصفر قد خلق بالملاب



وقد تخلقت المرأة بالخلوق ، والخلوق : طيب معروف يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب ، وتغلب عليه الحمرة والصفرة ، وقد ورد تارة بإباحته وتارة بالنهي عنه ، والنهي أكثر وأثبت ، وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء ، وهن أكثر استعمالا له منهم ؛ قال ابن الأثير : والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة . والخلق : المروءة . ويقال : فلان مخلقة للخير كقولك مجدرة ومحراة ومقمنة . وفلان خليق لكذا أي جدير به . وأنت خليق بذلك أي جدير . وقد خلق لذلك ، بالضم : كأنه ممن يقدر فيه ذاك وترى فيه مخايله . وهذا الأمر مخلقة لك أي مجدرة ، وإنه مخلقة من ذلك ، وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث . وإنه لخليق أن يفعل ذلك ، وبأن يفعل ذلك ، ولأن يفعل ذلك ، ومن أن يفعل ذلك ، وكذلك إنه لمخلقة ، يقال بهذه الحروف كلها ؛ كل هذه عن اللحياني . وحكي عن الكسائي : إن أخلق بك أن تفعل ذلك ، قال : أرادوا أن أخلق الأشياء بك أن تفعل ذلك . قال : والعرب تقول يا خليق بذلك فترفع ، ويا خليق بذلك فتنصب ؛ قال ابن سيده : ولا أعرف وجه ذلك . وهو خليق له أي شبيه . وما أخلقه أي ما أشبهه . ويقال : إنه لخليق أي حري ؛ يقال ذلك للشيء الذي قد قرب أن يقع ، وصح عند من سمع بوقوعه - كونه وتحقيقه . ويقال : أخلق به ، وأجدر به ، وأعس به ، وأحر به ، وأقمن به ، وأحج به ؛ كل ذلك معناه واحد . واشتقاق خليق وما أخلقه من الخلاقة ، وهي التمرين ؛ من ذلك أن تقول للذي قد ألف شيئا صار ذلك له خلقا أي مرن عليه ، ومن ذلك الخلق الحسن . والخلوقة : الملاسة ، وأما جدير فمأخوذ من الإحاطة بالشيء ولذلك سمي الحائط جدارا . وأجدر ثمر الشجرة إذا بدت ثمرته وأدى ما في طباعه . والحجا : العقل وهو أصل الطبع . وأخلق إخلاقا بمعنى واحد ؛ وأما قول ذي الرمة :


ومختلق للملك أبيض فدغم     أشم أبج العين كالقمر البدر



فإنما عنى به أنه خلق خلقة تصلح للملك . واخلولقت السماء أن تمطر أي قاربت وشابهت ، واخلولق أن تمطر على أن الفعل لان ؛ حكاه سيبويه . واخلولق السحاب أي استوى ؛ ويقال : صار خليقا للمطر . وفي حديث صفة السحاب : واخلولق بعد تفرق أي اجتمع [ ص: 143 ] وتهيأ للمطر . وفي خطبة ابن الزبير : إن الموت قد تغشاكم سحابه ، وأحدق بكم ربابه ، واخلولق بعد تفرق ؛ وهذا البناء للمبالغة وهو افعوعل كاغدودن واعشوشب . والخلاق : الحظ والنصيب من الخير والصلاح . يقال : لا خلاق له في الآخرة . ورجل لا خلاق له أي لا رغبة له في الخير ولا في الآخرة ولا صلاح في الدين . وقال المفسرون في قوله تعالى : وما له في الآخرة من خلاق ؛ الخلاق : النصيب من الخير . وقال ابن الأعرابي : لا خلاق لهم ولا نصيب لهم في الخير ، قال : والخلاق الدين ؛ قال ابن بري : الخلاق النصيب الموفر ؛ وأنشد لحسان بن ثابت :


فمن يك منهم ذا خلاق فإنه     سيمنعه من ظلمه ما توكدا



وفي الحديث : ( ليس لهم في الآخرة من خلاق ) ؛ الخلاق ، بالفتح : الحظ والنصيب . وفي حديث أبي : إنما تأكل منه بخلاقك ؛ أي بحظك ونصيبك من الدين ؛ قال له ذلك في طعام من أقرأه القرآن .

التالي السابق


الخدمات العلمية