صفحة جزء
[ أهل ]

أهل : الأهل : أهل الرجل وأهل الدار ، وكذلك الأهلة ; قال أبو الطمحان :


وأهلة ود تبريت ودهم وأبليتهم في الحمد جهدي ونائلي



ابن سيده : أهل الرجل عشيرته ، وذوو قرباه ، والجمع أهلون وآهال وأهال وأهلات وأهلات ; قال المخبل السعدي :


وهم أهلات حول قيس بن عاصم     إذا أدلجوا بالليل يدعون كوثرا



وأنشد الجوهري :


وبلدة ما الإنس من آهالها     ترى بها العوهق من وئالها



وئالها : جمع وائل ، كقائم وقيام ; ويروى البيت :


وبلدة يستن حازي آلها



قال سيبويه : وقالوا أهلات ، فخففوا ، شبهوها بصعبات ، حيث كان أهل مذكرا تدخله الواو والنون ، فلما جاء مؤنثه كمؤنث صعب فعل به كما فعل بمؤنث صعب ; قال ابن بري : وشاهد الأهل فيما حكى أبو القاسم الزجاجي أن حكيم بن معية الربعي كان يفضل الفرزدق على جرير ، فهجا جرير حكيما فانتصر له كنان بن ربيعة أو أخوه ربعي بن ربيعة ، فقال يهجو جريرا :


غضبت علينا أن علاك ابن غالب     فهلا على جديك في ذاك تغضب ؟
هما حين يسعى المرء مسعاة أهله     أناخا فشداك العقال المؤرب
وما يجعل البحر الخضم إذا طما [ ص: 186 ]     كجد ظنون ماؤه يترقب
ألست كليبيا لألأم والد     وألأم أم فرجت بك أو أب ؟



وحكى سيبويه في جمع أهل : أهلون ، وسئل الخليل : لم سكنوا الهاء ولم يحركوها كما حركوا أرضين ؟ فقال : لأن الأهل مذكر ، قيل : فلم قالوا أهلات ؟ قال : شبهوها بأرضات ، وأنشد بيت المخبل السعدي ; قال : ومن العرب من يقول أهلات على القياس . والأهالي : جمع الجمع ، وجاءت الياء التي في أهالي من الياء التي في الأهلين . وفي الحديث : أهل القرآن هم أهل الله وخاصته أي حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله والمختصون به اختصاص أهل الإنسان به . وفي حديث أبي بكر في استخلافه عمر : أقول له إذا لقيته ، استعملت عليهم خير أهلك ; يريد خير المهاجرين وكانوا يسمون أهل مكة أهل الله تعظيما لهم ، كما يقال بيت الله ، ويجوز أن يكون أراد أهل بيت الله لأنهم كانوا سكان بيت الله . وفي حديث أم سلمة : ليس بك على أهلك هوان ; أراد بالأهل نفسه - عليه السلام - أي لا يعلق بك ولا يصيبك هوان عليهم . واتهل الرجل : اتخذ أهلا ; قال :


في دارة تقسم الأزواد بينهم     كأنما أهلنا منها الذي اتهلا



كذا أنشده بقلب الياء تاء ثم إدغامها في التاء الثانية ، كما حكي من قولهم اتمنته ، وإلا فحكمه الهمزة أو التخفيف القياسي أي كأن أهلنا أهله عنده أي مثلهم فيما يراه لهم من الحق . وأهل المذهب : من يدين به . وأهل الإسلام : من يدين به . وأهل الأمر : ولاته . وأهل البيت : سكانه . وأهل الرجل : أخص الناس به . وأهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - : أزواجه وبناته وصهره ، ; أعني عليا - عليه السلام - وقيل : نساء النبي والرجال الذين هم آله . وفي التنزيل العزيز : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ; القراءة أهل بالنصب على المدح ، كما قال : بك الله نرجو الفضل وسبحانك الله العظيم ، أو على النداء ، كأنه قال يا أهل البيت . وقوله - عز وجل - لنوح - عليه السلام - : إنه ليس من أهلك ; قال الزجاج : أراد ليس من أهلك الذين وعدتهم أن أنجيهم ، قال : ويجوز أن يكون ليس من أهل دينك . وأهل كل نبي : أمته . ومنزل آهل أي به أهله . ابن سيده : ومكان آهل له أهل ; سيبويه : هو على النسب ; ومأهول : فيه أهل ; قال الشاعر :

،

وقدما كان مأهولا     وأمسى مرتع العفر



، وقال رؤبة :


عرفت بالنصرية المنازلا     قفرا وكانت منهم مآهلا



ومكان مأهول ، وقد جاء : أهل ; قال العجاج :


قفرين هذا ثم ذا لم يؤهل



وكل شيء من الدواب وغيرها ألف المنازل أهلي وآهل ; الأخيرة على النسب ، وكذلك قيل لما ألف الناس والقرى أهلي ، ولما استوحش بري ووحشي كالحمار الوحشي . والأهلي : هو الإنسي . ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ; هي الحمر التي تألف البيوت ولها أصحاب ، وهي مثل الإنسية ضد الوحشية . وقولهم في الدعاء : مرحبا وأهلا أي أتيت رحبا أي سعة ، وفي المحكم أي أتيت أهلا لا غرباء فاستأنس ولا تستوحش . وأهل به : قال له أهلا . وأهل به : أنس . الكسائي والفراء : أهلت به وودقت به إذا استأنست به ; قال ابن بري : المضارع منه آهل به ، بفتح الهاء ، وهو أهل لكذا أي مستوجب له ، الواحد والجمع في ذلك سواء ، وعلى هذا قالوا : الملك لله أهل الملك . وفي التنزيل العزيز : هو أهل التقوى وأهل المغفرة ; جاء في التفسير : أنه - عز وجل - أهل لأن يتقى فلا يعصى وأهل المغفرة لمن اتقاه ، وقيل : قوله أهل التقوى موضع لأن يتقى ، وأهل المغفرة موضع لذلك . الأزهري : وخطأ بعضهم قول من يقول فلان يستأهل أن يكرم أو يهان بمعنى يستحق ، قال : ولا يكون الاستئهال إلا من الإهالة ، قال : وأما أنا فلا أنكره ولا أخطئ من قاله ، لأني سمعت أعرابيا فصيحا من بني أسد يقول لرجل شكر عنده يدا أوليها : تستأهل يا أبا حازم ما أوليت ، وحضر ذلك جماعة من الأعراب فما أنكروا قوله ; قال : ويحقق ذلك قوله - تعالى - هو أهل التقوى وأهل المغفرة . المازني : لا يجوز أن تقول أنت مستأهل هذا الأمر ، ولا مستأهل لهذا الأمر لأنك إنما تريد أنت مستوجب لهذا الأمر ، ولا يدل مستأهل على ما أردت ، وإنما معنى الكلام أنت تطلب أن تكون من أهل هذا المعنى ولم ترد ذلك ، ولكن تقول أنت أهل لهذا الأمر ، وروى أبو حاتم في كتاب المزال والمفسد عن الأصمعي : يقال استوجب ذلك واستحقه ولا يقال استأهله ولا أنت تستأهل ولكن تقول هو أهل ذاك وأهل لذاك ، ويقال هو أهلة ذلك . وأهله لذلك الأمر تأهيلا وآهله : رآه له أهلا . واستأهله : استوجبه ، وكرهها بعضهم ، ومن قال وهلته ذهب به إلى لغة من يقول وامرت وواكلت . وأهل الرجل وأهلته : زوجه . وأهل الرجل يأهل ويأهل أهلا وأهولا ، وتأهل : تزوج . وأهل فلان امرأة يأهل إذا تزوجها ، فهي مأهولة . والتأهل : التزوج . وفي باب الدعاء : آهلك الله في الجنة إيهالا أي زوجك فيها وأدخلكها . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الآهل حظين والعزب حظا ; الآهل : الذي له زوجة وعيال ، والعزب الذي لا زوجة له ، ويروى الأعزب ، وهي لغة رديئة ، واللغة الفصحى العزب ، يريد بالعطاء نصيبهم من الفيء . وفي الحديث : لقد أمست نيران بني كعب آهلة أي كثيرة الأهل . وأهلك الله للخير تأهيلا . وآل الرجل : أهله . وآل الله وآل رسوله : أولياؤه ، أصلها أهل ثم أبدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أأل ، فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفا كما قالوا آدم وآخر ، وفي الفعل آمن وآزر ، فإن قيل : ولم زعمت أنهم قلبوا الهاء همزة ثم قلبوها فيما بعد ، وما أنكرت من أن يكون قلبوا الهاء ألفا في أول الحال ؟ فالجواب أن الهاء لم تقلب ألفا في غير هذا الموضع فيقاس هذا عليه ، فعلى هذا أبدلت الهاء همزة ثم أبدلت الهمزة ألفا ، وأيضا فإن الألف لو كانت منقلبة عن غير الهمزة [ ص: 187 ] المنقلبة عن الهاء كما قدمناه لجاز أن يستعمل آل في كل موضع يستعمل فيه أهل ، ولو كانت ألف آل بدلا من أهل لقيل انصرف إلى آلك ، كما يقال انصرف إلى أهلك ، وآلك والليل كما يقال أهلك والليل ، فلما كانوا يخصون بالآل الأشرف الأخص دون الشائع الأعم حتى لا يقال إلا في نحو قولهم : القراء آل الله ، وقولهم : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وقال رجل مؤمن من آل فرعون ، وكذلك ما أنشده أبو العباس للفرزدق :


نجوت ، ولم يمنن عليك طلاقة     سوى ربة التقريب من آل أعوجا



لأن أعوج فيهم فرس مشهور عند العرب ، فلذلك قال آل أعوجا كما يقال أهل الإسكاف ، دل على أن الألف ليست فيه بدلا من الأصل ، وإنما هي بدل من الأصل فجرت في ذلك مجرى التاء في القسم ، لأنها بدل من الواو فيه ، والواو فيه بدل من الباء ، فلما كانت التاء فيه بدلا من بدل ، وكانت فرع الفرع اختصت بأشرف الأسماء وأشهرها ، وهو اسم الله ، فلذلك لم يقل تزيد ولا تالبيت كما لم يقل آل الإسكاف ولا آل الخياط ; فإن قلت فقد قال بشر :


لعمرك ! ما يطلبن من آل نعمة     ولكنما يطلبن قيسا ويشكرا



فقد أضافه إلى نعمة ، وهي نكرة غير مخصوصة ولا مشرفة ، فإن هذا بيت شاذ ; قال ابن سيده : هذا كله قول ابن جني ، قال : والذي العمل عليه ما قدمناه ، وهو رأي الأخفش ، قال : فإن قال ألست تزعم أن الواو في والله بدل من الباء في بالله وأنت لو أضمرت لم تقل وه كما تقول به لأفعلن ، فقد تجد أيضا بعض البدل لا يقع موقع المبدل منه في كل موضع ، فما ننكر أيضا أن تكون الألف في آل بدلا من الهاء وإن كان لا يقع جميع مواقع أهل ؟ فالجواب أن الفرق بينهما أن الواو لم يمتنع من وقوعها في جميع مواقع الباء من حيث امتنع من وقوع آل في جميع مواقع أهل ، وذلك أن الإضمار يرد الأسماء إلى أصولها في كثير من المواضع ، ألا ترى أن من قال أعطيتكم درهما قد حذف الواو التي كانت بعد الميم وأسكن الميم ، فإنه إذا أضمر للدرهم قال أعطيتكموه فرد الواو لأجل اتصال الكلمة بالمضمر ؟ فأما ما حكاه يونس من قول بعضهم أعطيتكمه فشاذ لا يقاس عليه عند عامة أصحابنا ، فلذلك جاز أن تقول : بهم لأقعدن وبك لأنطلقن ، ولم يجز أن تقول : وك ولا وه ، بل كان هذا في الواو أحرى لأنها حرف منفرد فضعفت عن القوة وعن تصرف الباء التي هي أصل ; أنشدنا أبو علي قال : أنشدنا أبو زيد :


رأى برقا فأوضع فوق بكر     فلا بك ما أسال ولا أغاما



قال : وأنشدنا أيضا عنه :


ألا نادت أمامة باحتمال     ليحزنني فلا بك ما أبالي



قال : وأنت ممتنع من استعمال الآل في غير الأشهر الأخص ، وسواء في ذلك أضفته إلى مظهر أو أضفته إلى مضمر ; قال ابن سيده : فإن قيل ألست تزعم أن التاء في تولج بدل من واو ; وأن أصله وولج لأنه فوعل من الولوج ، ثم إنك مع ذلك قد تجدهم أبدلوا الدال من هذه التاء فقالوا دولج ، وأنت مع ذلك قد تقول دولج في جميع هذه المواضع التي تقول فيها تولج ، وإن كانت الدال مع ذلك بدلا من التاء التي هي بدل من الواو ؟ فالجواب عن ذلك أن هذه مغالطة من السائل ، وذلك أنه إنما كان يطرد هذا له لو كانوا يقولون وولج ودولج ويستعملون دولجا في جميع أماكن وولج ، فهذا لو كان كذا لكان له به تعلق ، وكانت تحتسب زيادة ، فأما وهم لا يقولون وولج البتة كراهية اجتماع الواوين في أول الكلمة ، وإنما قالوا تولج ثم أبدلوا الدال من التاء المبدلة من الواو فقالوا دولج ، فإنما استعملوا الدال مكان التاء التي هي في المرتبة قبلها تليها ، ولم يستعملوا الدال موضع الواو التي هي الأصل فصار إبدال الدال من التاء في هذا الموضع كإبدال الهمزة من الواو في نحو أقتت وأجوه لقربها منها ، ولأنه لا منزلة بينهما واسطة ، وكذلك لو عارض معارض بهنيهة تصغير هنة ، فقال : ألست تزعم أن أصلها هنيوة ، ثم صارت هنية ثم صارت هنيهة ، وأنت قد تقول هنيهة في كل موضع قد تقول فيه هنية ؟ كان الجواب واحدا كالذي قبله ألا ترى أن هنيوة الذي هو أصل لا ينطق به ولا يستعمل البتة فجرى ذلك مجرى وولج في رفضه وترك استعماله ؟ فهذا كله يؤكد عندك أن امتناعه من استعمال آل في جميع مواقع أهل إنما هو لأن فيه بدلا من بدل ، كما كانت التاء في القسم بدلا من بدل . والإهالة : ما أذبت من الشحم ، وقيل : الإهالة الشحم والزيت ، وقيل : كل دهن اؤتدم به إهالة ، والإهالة الودك . وفي الحديث : أنه كان يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب ، قال : كل شيء من الأدهان مما يؤتدم به إهالة ، وقيل : هو ما أذيب من الألية والشحم ، وقيل : الدسم الجامد والسنخة المتغيرة الريح . وفي حديث كعب في صفة النار : يجاء بجهنم يوم القيامة كأنها متن إهالة أي ظهرها . قال : وكل ما اؤتدم به من زبد وودك شحم ودهن سمسم وغيره فهو إهالة ، وكذلك ما علا القدر من ودك اللحم السمين إهالة ، وقيل : الألية المذابة والشحم المذاب إهالة أيضا . ومتن الإهالة : ظهرها إذا سكبت في الإناء ، فشبه كعب سكون جهنم قبل أن يصير الكفار فيها بذلك . واستأهل الرجل إذا ائتدم بالإهالة . والمستأهل : الذي يأخذ الإهالة أو يأكلها ; وأنشد ابن قتيبة لعمرو بن أسوى :


لا بل كلي يا أم واستأهلي     إن الذي أنفقت من ماليه



، وقال الجوهري : تقول فلان أهل لكذا ولا تقل مستأهل ، والعامة تقوله . قال ابن بري : ذكر أبو القاسم الزجاجي في أماليه قال : حدثني أبو الهيثم خالد الكاتب قال : لما بويع لإبراهيم بن المهدي بالخلافة طلبني ، وقد كان يعرفني ، فلما دخلت إليه قال : أنشدني ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ليس شعري كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إن من الشعر لحكما ، وإنما أنا أمزح وأعبث به ; فقال : لا تقل يا خالد هكذا فالعلم جد [ ص: 188 ] كله ; ثم أنشدته :


كن أنت للرحمة مستأهلا     إن لم أكن منك بمستأهل
أليس من آفة هذا الهوى     بكاء مقتول على قاتل



قال : مستأهل ليس من فصيح الكلام وإنما المستأهل الذي يأخذ الإهالة ، قال : وقول خالد ليس بحجة لأنه مولد ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية