صفحة جزء
[ دمي ]

دمي : الدم من الأخلاط : معروف . قال أبو الهيثم : الدم اسم على حرفين ، قال الكسائي : لا أعرف أحدا يثقل الدم ; فأما قول الهذلي :


وتشرق من تهمالها العين بالدم



مع قوله : فالعين دائمة السجم ، فهو على أنه ثقل في الوقف فقال الدم فشدد ، ثم اضطر فأجرى الوصل مجرى الوقف ; كما قال :


ببازل وجناء أو عيهل



قال ابن سيده : ولا يجوز لأحد أن يقول إن الهذلي إنما قال بالدم ، بالتخفيف ، لأن القصيدة من الضرب الأول من الطويل ; وأولها :


أرقت لهم ضافني بعد هجعة     على خالد ، فالعين دائمة السجم



فقوله : مة السجم مفاعيلن ، وقوله : ن بالدم مفاعيلن ، ولو قال : ن بالدم لجاء مفاعلن وهو لا يجيء مع مفاعيلن ، وتثنيته دمان ودميان ; قال الشاعر :


لعمرك إنني و أبا رباح     على طول التجاور منذ حين
ليبغضني وأبغضه وأيضا     يراني دونه ، وأراه دوني
فلو أنا على حجر ذبحنا     جرى الدميان بالخبر اليقين



فثناه بالياء ، وأما الدموان فشاذ سماعا . قال : وتزعم العرب أن الرجلين المتعاديين إذا ذبحا لم تختلط دماؤهما . قال : وقد يقال دموان على المعاقبة ، وهي قليلة لأن أكثر حكم المعاقبة إنما هو قلب الواو لأنهم إنما يطلبون الأخف ، والجمع دماء ودمي . والدمة أخص من الدم كما قالوا بياض وبياضة ; وقال ابن سيده : القطعة من الدم دمة واحدة . قال : وحكى ابن جني دم ودمة مع كوكب وكوكبة فأشعر أنها لغتان . وقال أبو إسحاق : أصله دمي ، قال : ودليل ذلك قوله دميت يده ; وقوله :


جرى الدميان بالخبر اليقين



ويقال في تصريفه : دميت يدي تدمى دمى ، فيظهرون في دميت وتدمى الياء والألف اللتين لم يجدوهما في دم ، قال : ومثله يد أصلها يدي ; قال ابن سيده : وقال قوم أصله دمي إلا أنه لما حذف ورد إليه ما حذف منه حركت الميم لتدل الحركة على أنه استعمل محذوفا . الجوهري : قال سيبويه : الدم أصله دمي على فعل ، بالتسكين ، لأنه يجمع على دماء ودمي مثل ظبي وظباء وظبي ، ودلو ودلاء ودلي ، قال : ولو كان مثل قفا وعصا لم يجمع على ذلك . قال ابن بري : قوله في فعول إنه مختص بجمع فعل نحو دم ودمي ودلو ودلي ليس بصحيح ، بل فقد يكون جمعا لفعل نحو عصا وعصي وقفا وقفي وصفا وصفي . قال الجوهري : الدم أصله دمو ، بالتحريك ، وإنما قالوا دمي يدمى لحال الكسرة التي قبل الواو كما قالوا رضي يرضى وهو من الرضوان . قال ابن بري : الدم لامه ياء بدليل قول الشاعر :


جرى الدميان بالخبر اليقين



قال الجوهري : وقال المبرد أصله فعل وإن جاء جمعه مخالفا لنظائره ، والذاهب منه الياء ، والدليل عليها قولهم في تثنيته دميان ، ألا ترى أن الشاعر لما اضطر أخرجه على أصله فقال :


فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا     ولكن على أعقابنا يقطر الدما



فأخرجه على الأصل . قال : ولا يلزم على هذا قولهم يديان ، وإن اتفقوا على أن تقدير يد فعل ساكنة العين ، لأنه إنما ثني على لغة من يقول لليد يدا ، قال : وهذا القول أصح . قال ابن بري : قائل فلسنا على الأعقاب هو الحصين ابن الحمام المري ; قال : ومثله قول جرير :


عوى ما عوى من غير شيء رميته     بقارعة أنفاذها تقطر الدما



قال : أنفاذها جمع نفذ من قول قيس بن الخطيم :


لها نفذ لولا الشعاع أضاءها



وقال اللعين المنقري :


وأخذل خذلانا بتقطيعي الصوى     إليك ، وخف راعف يقطر الدما



قال : ومثله قول علي - كرم الله وجهه :


لمن راية سوداء يخفق ظلها     إذا قيل : قدمها حضين ، تقدما
ويوردها للطعن ، حتى يعلها     حياض المنايا تقطر الموت والدما



وتصغير الدم دمي ، والنسبة إليه دمي ، وإن شئت دموي . ويقال : دمي الشيء يدمى دمى ودميا فهو دم ، مثل فرق يفرق فرقا فهو فرق ، والمصدر متفق عليه أنه بالتحريك وإنما اختلفوا في الاسم . وأدميته ودميته تدمية إذا ضربته حتى خرج منه دم . قال ابن سيده : وقد دمي دمى وأدميته ودميته ; أنشد ثعلب قول رؤبة :


فلا تكوني ، يا ابنة الأشم     ورقاء دمى ذئبها المدمي



ثم فسره فقال : الذئب إذا رأى لصاحبه دما أقبل عليه ليأكله فيقول : لا تكوني أنت مثل ذلك الذئب ; ومثله قول الآخر :


وكنت كذئب السوء لما رأى دما     بصاحبه يوما ، أحال على الدم



وفي المثل : ولدك من دمى عقبيك . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - أنه قال لأبي مريم الحنفي : لأنا أشد بغضا لك من الأرض للدم ; يعني أن الدم لا تشربه الأرض ولا يغوص فيها فجعل امتناعها منه بغضا مجازا . ويقال : إن أبا مريم كان قتل أخاه زيدا يوم اليمامة . والدامية من الشجاج : التي دميت ولم يسل بعد منها دم ، والدامعة هي التي يسيل منها الدم . وفي حديث زيد بن ثابت : في الدامية بعير ; الدامية : شجة تشق الجلد حتى يظهر منها الدم ، فإن قطر منها فهي دامعة . واستدمى الرجل : طأطأ رأسه يقطر منه الدم . الأصمعي : المستدمي [ ص: 306 ] الذي يقطر من أنفه الدم المطأطئ رأسه ، والمستدمي الذي يستخرج من غريمه دينه بالرفق . وفي حديث العقيقة : يحلق من رأسه ويدمى ، وفي رواية : ويسمى . وكان قتادة إذا سئل عن الدم كيف يصنع به ؟ قال : إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة واستقبلت بها أوداجها ، ثم توضع على يافوخ الصبي ليسيل على رأسه مثل الخيط ، ثم يغسل رأسه بعد ويحلق ; قال ابن الأثير : أخرجه أبو داود في السنن وقال هذا وهم من همام ، وجاء بتفسيره عن قتادة وهو منسوخ ، وكان من فعل الجاهلية ، وقال : ويسمى أصح . قال الخطابي : إذا كان أمرهم بإماطة الأذى اليابس عن رأس الصبي فكيف يأمرهم بتدمية رأسه والدم نجس نجاسة غليظة ؟ وفي الحديث : أن رجلا جاء ومعه أرنب فوضعها بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إني وجدتها تدمى أي أنها ترى الدم ، وذلك لأن الأرنب تحيض كما تحيض المرأة . والمدمى : الثوب الأحمر . والمدمى : الشديد الشقرة . وفي التهذيب : من الخيل الشديد الحمرة شبه لون الدم . وكل شيء في لونه سواد وحمرة فهو مدمى . وكل أحمر شديد الحمرة فهو مدمى . ويقال : كميت مدمى ; قال طفيل :


وكمتا مدماة كأن متونها     جرى فوقها ، واستشعرت لون مذهب



يقول : تضرب حمرتها إلى الكلفة ليست بشديدة الحمرة . قال أبو عبيدة : كميت مدمى إذا كان سواده شديد الحمرة إلى مراقه . والأشقر المدمى : الذي لون أعلى شعرته يعلوها صفرة كلون الكميت الأصفر . والمدمى من الألوان : ما كان فيه سواد . والمدمى من السهام : الذي ترمي به عدوك ثم يرميك به ; وكان الرجل إذا رمى العدو بسهم فأصاب ثم رماه به العدو وعليه دم جعله في كنانته تبركا به . ويقال : المدمى السهم الذي يتعاوره الرماة بينهم وهو راجع إلى ما تقدم . وفي حديث سعد قال : رميت يوم أحد رجلا بسهم فقتلته ثم رميت بذلك السهم أعرفه حتى فعلت ذلك وفعلوه ثلاث مرات ، فقلت : هذا سهم مبارك مدمى فجعلته في كنانتي ، فكان عنده حتى مات ; المدمى من السهام : الذي أصابه الدم فحصل في لونه سواد وحمرة مما رمي به العدو ; قال : ويطلق على ما تكرر به الرمي ، والرماة يتبركون به ; وقال بعضهم : هو مأخوذ من الدامياء وهي البركة ; قال شمر : المدمى الذي يرمي به الرجل العدو ثم يرميه العدو بذلك السهم بعينه . قال : كأنه دمي بالدم حين وقع بالمرمي . والمدمى السهم الذي عليه حمرة الدم وقد جسد به حتى يضرب إلى السواد . ويقال : سمي مدمى لأنه احمر من الدم . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيعة الأنصار - رضي الله عنهم : أن الأنصار لما أرادوا أن يبايعوه بيعة العقبة بمكة قال أبو الهيثم بن التيهان إن بيننا وبين القوم حبالا ونحن قاطعوها ، ونخشى إن الله أعزك وأظهرك أن ترجع إلى قومك ، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : بل الدم الدم والهدم الهدم ، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم ، ورواه بعضهم : بل اللدم اللدم والهدم الهدم ، فمن رواه بل الدم الدم فإن ابن الأعرابي قال : العرب تقول دمي دمك وهدمي هدمك في النصرة ، أي إن ظلمت فقد ظلمت ; وأنشد للعقيلي :


دما طيبا يا حبذا أنت من دم !



قال أبو منصور : وقال الفراء العرب تدخل الألف واللام اللتين للتعريف على الاسم فتقومان مقام الإضافة كقول الله - عز وجل : فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى ; أي أن الجحيم مأواه ; وكذلك قوله : فإن الجنة هي المأوى ; المعنى فإن الجنة مأواه ، وقال الزجاج : معناه فإن الجنة هي المأوى له ، قال : وكذلك هذا في كل اسمين يدلان على مثل هذا الإضمار ، فعلى قول الفراء قوله الدم الدم أي دمكم دمي وهدمكم هدمي وأنتم تطلبون بدمي وأطلب بدمكم ودمي ودمكم شيء واحد ، وأما من رواه بل اللدم اللدم والهدم الهدم فكل منهما مذكور في بابه . وفي حديث ثمامة بن أثال : إن تقتل تقتل ذا دم ، أي من هو مطالب بدم أو صاحب دم مطلوب ، ويروى : ذا ذم ، بالذال المعجمة ، أي ذمام وحرمة في قومه ، وإذا عقد ذمة وفي له . وفي حديث قتل كعب بن الأشرف : إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم ، أي صوت طالب دم يستشفي بقتله . وفي حديث الوليد بن المغيرة : والدم ما هو بشاعر ، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم ; هذه يمين كانوا يحلفون بها في الجاهلية يعني دم ما يذبح على النصب . ومنه الحديث : لا والدماء ، أي دماء الذبائح ، ويروى : لا والدمى ، جمع دمية وهي الصورة ويريد بها الأصنام . والدم : السنور ; حكاه النضر في كتاب الوحوش ; وأنشد كراع :


كذاك الدم يأدو للعكابر



العكابر : ذكور اليرابيع . ورجل دامي الشفة : فقير ; عن أبي العميثل الأعرابي . ودم الغزلان : بقلة لها زهرة حسنة . وبنات دم : نبت . والدمية : الصنم ، وقيل : الصورة المنقشة العاج ونحوه ، وقال كراع : هي الصورة فعم بها . ويقال للمرأة : الدمية ، يكنى عن المرأة بها ، عربية ، وجمع الدمية دمى ; وقول الشاعر :


والبيض يرفلن في الدمى     والريط والمذهب المصون



يعني ثيابا فيها تصاوير ; قال ابن بري : الذي في الشعر كالدمى ، والبيض منصوب على العطف على اسم إن في البيت قبله ، وهو :


إن شواء ونشوة     وخبب البازل الأمون



ودمى الراعي الماشية : جعلها كالدمى ; وأنشد أبو العلاء :


صلب العصا برعيه دماها     يود أن الله قد أفناها



أي أرعاها فسمنت حتى صارت كالدمى ، وفي صفته - صلى الله عليه وسلم : كأن عنقه عنق دمية ; الدمية : الصورة المصورة لأنها يتنوق في صنعتها ويبالغ في تحسينها . وخذ ما دمى لك أي ظهر لك . ودمى له في كذا وكذا إذا قرب ; كلاهما عن ثعلب . الليث : وبقلة لها زهرة يقال لها دمية الغزلان . وساتي دما : اسم جبل . يقال : سمي بذلك لأنه ليس من يوم إلا ويسفك عليه دم كأنهما اسمان جعلا اسما واحدا ; وأنشد [ ص: 307 ] سيبويه لعمرو بن قميئة :


لما رأت ساتي دما استعبرت     لله در ، اليوم ، من لامها !



وقال الأعشى :


وهرقلا ، يوم ذي ساتي دما     من بني برجان ذي البأس رجح



وقد حذف يزيد بن مفرغ الحميري منه الميم بقوله :


فدير سوى فساتي دا فبصرى



ودم الأخوين : العندم .

التالي السابق


الخدمات العلمية