صفحة جزء
[ دنا ]

دنا : دنا الشيء من الشيء دنوا ودناوة : قرب . وفي حديث الإيمان : ادنه ; هو أمر بالدنو والقرب ، والهاء فيه للسكت ، وجيء بها لبيان الحركة وبينهما دناوة أي قرابة . والدناوة : القرابة والقربى . ويقال : ما تزداد منا إلا قربا ودناوة ; فرق بين مصدر دنا ومصدر دنؤ ، فجعل مصدر دنا دناوة ومصدر دنؤ دناءة ; وقول ساعدة بن جؤية يصف جبلا :


إذا سبل العماء دنا عليه يزل بريده ماء زلول



أراد : دنا منه . وأدنيته ودنيته . وفي الحديث : إذا أكلتم فسموا الله ودنوا وسمتوا ; معنى قوله دنوا كلوا مما يليكم وما دنا منكم وقرب منكم ، وسمتوا أي ادعوا للمطعم بالبركة ، ودنوا : فعل من دنا يدنو أي كلوا مما بين أيديكم . واستدناه : طلب منه الدنو ، ودنوت منه دنوا وأدنيت غيري . وقالالليث : الدنو غير مهموز مصدر دنا يدنو فهو دان ، وسميت الدنيا لدنوها ، ولأنها دنت وتأخرت الآخرة ، وكذلك السماء الدنيا هي القربى إلينا ، والنسبة إلى الدنيا دنياوي ، ويقال دنيوي ودنيي ; غيره : والنسبة إلى الدنيا دنياوي ; قال : وكذلك النسبة إلى كل ما مؤنثه نحو حبلى ودهنا وأشباه ذلك ; وأنشد :


بوعساء دهناوية الترب طيب



ابن سيده : وقوله تعالى : ودانية عليهم ظلالها ; إنما هو على حذف الموصوف كأنه قال وجزاهم جنة دانية عليهم فحذف جنة وأقام دانية مقامها ; ومثله ما أنشده سيبويه من قول الشاعر :


كأنك من جمال بني أقيش     يقعقع خلف رجليه بشن



أراد جمل من جمال بني أقيش . وقال ابن جني : دانية عليهم ظلالها ، منصوبة على الحال معطوفة على قوله : متكئين فيها على الأرائك ; قال : هذا هو القول الذي لا ضرورة فيه ; قال وأما قوله :


كأنك من جمال بني أقيش



البيت ، فإنما جاز ذلك في ضرورة الشعر ، ولو جاز لنا أن نجد من بعض المواضع اسما لجعلناها اسما ولم نحمل الكلام على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، لأنه نوع من الضرورة ، وكتاب الله تعالى يجل عن ذلك ; فأما قول الأعشى :


أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط     كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل



فلو حملته على إقامة الصفة موضع الموصوف لكان أقبح من تأول قوله تعالى : ودانية عليهم ظلالها ; على حذف الموصوف لأن الكاف في بيت الأعشى هي الفاعلة في المعنى ، ودانية في هذا القول إنما هي مفعول بها ، والمفعول قد يكون اسما غير صريح نحو ظننت زيدا يقوم ، والفاعل لا يكون إلا اسما صريحا محضا ، فهم على إمحاضه اسما أشد محافظة من جميع الأسماء ، ألا ترى أن المبتدأ قد يقع غير اسم محض وهو قوله : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ؟ فتسمع كما ترى فعل وتقديره أن تسمع ، فحذفهم أن ورفعهم تسمع يدل على أن المبتدأ قد يمكن أن يكون عندهم غير اسم صريح ، وإذا جاز هذا في المبتدأ على قوة شبهه بالفاعل فهو في المفعول الذي يبعد عنهما أجوز ; فمن أجل ذلك ارتفع الفعل في قول طرفة :


ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى     وأن أشهد اللذات ، هل أنت مخلدي ؟



عند كثير من الناس ، لأنه أراد أن أحضر الوغى . وأجاز سيبويه في قولهم : مره يحفرها أن يكون الرفع على قوله أن يحفرها ، فلما حذفت أن ارتفع الفعل بعدها ، وقد حملهم كثرة حذف أن مع غير الفاعل على أن استجازوا ذلك فيما لم يسم فاعله ، وإن كان ذلك جاريا مجرى الفاعل وقائما مقامه ; وذلك نحو قول جميل :


جزعت حذار البين ، يوم تحملوا     وحق لمثلي ، يا بثينة ، يجزع



أراد أن يجزع ، على أن هذا قليل شاذ ، على أن حذف أن قد كثر في الكلام حتى صار كلا حذف ، ألا ترى أن جماعة استخفوا نصب أعبد من قوله عز اسمه : قل أفغير الله تأمروني أعبد فلولا أنهم أنسوا بحذف أن من الكلام وإرادتها لما استخفوا انتصاب أعبد . ودنت الشمس للغروب وأدنت ، وأدنت الناقة إذا دنا نتاجها . [ ص: 311 ] والدنيا : نقيض الآخرة ، انقلبت الواو فيها ياء لأن فعلى إذا كانت اسما من ذوات الواو أبدلت واوها ياء ، كما أبدلت الواو مكان الياء في فعلى ، فأدخلوها عليها في فعلى ليتكافآ في التغيير ; قال ابن سيده : هذا قول سيبويه ، قال : وزدته أنا بيانا . وحكى ابن الأعرابي : ما له دنيا ولا آخرة ، فنون دنيا تشبيها لها بفعلل ، قال : والأصل أن لا تصرف لأنها فعلى ، والجمع دنا مثل الكبرى والكبر والصغرى والصغر ، قال الجوهري : والأصل دنو ، فحذفت الواو لاجتماع الساكنين ; قال ابن بري : صوابه فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين ، وهما الألف والتنوين . وفي حديث الحج : الجمرة الدنيا ; أي القريبة إلى منى ، وهي فعلى من الدنو . والدنيا أيضا : اسم لهذه الحياة لبعد الآخرة عنها ، والسماء الدنيا لقربها من ساكني الأرض . ويقال : سماء الدنيا ، على الإضافة . وفي حديث حبس الشمس : فادنى بالقرية ; هكذا جاء في مسلم ، وهو افتعل من الدنو ، وأصله ادتنى فأدغمت التاء في الدال . وقالوا : هو ابن عمي دنية ، ودنيا ، منون ، ودنيا غير منون ، ودنيا مقصور إذا كان ابن عمه لحا ; قال اللحياني : وتقال هذه الحروف أيضا في ابن الخال والخالة ، وتقال في ابن العمة أيضا . قال : وقال أبو صفوان هو ابن أخيه وأخته دنيا ، مثل ما قيل في ابن العم وابن الخال ، وإنما انقلبت الواو في دنية ودنيا ياء لمجاورة الكسرة وضعف الحاجز ، ونظيره فتية وعلية ، وكأن أصل ذلك كله دنيا أي رحما أدنى إلي من غيرها ، وإنما قلبوا ليدل ذلك على أنه ياء تأنيث الأدنى ، ودنيا داخلة عليها . قال الجوهري : هو ابن عم دني ودنيا ودنيا ودنية . التهذيب : قال أبو بكر هو ابن عم دني ودنية ودنيا ودنيا ، وإذا قلت دنيا ، إذا ضممت الدال لم يجز الإجراء ، وإذا كسرت الدال جاز الإجراء وترك الإجراء ، فإذا أضفت العم إلى معرفة لم يجز الخفض في دني ، كقولك : ابن عمك دني ودنية وابن عمك دنيا لأن دنيا نكرة ولا يكون نعتا لمعرفة . ابن الأعرابي : والدنا ما قرب من خير أو شر . ويقال : دنا وأدنى ودنى إذا قرب ، قال : وأدنى إذا عاش عيشا ضيقا بعد سعة . والأدنى : السفل . أبو زيد : من أمثالهم كل دني دونه دني ، يقول : كل قريب وكل خلصان دونه خلصان . الجوهري : والدني القريب ، غير مهموز . وقولهم : لقيته أدنى دني أي أول شيء ، وأما الدنيء بمعنى الدون فمهموز . وقال ابن بري : قال الهروي الدني الخسيس ، بغير همز ، ومنه قوله سبحانه : أتستبدلون الذي هو أدنى ; أي الذي هو أخس ، قال : ويقوي قوله كون فعله بغير همز ، وهو دني يدنى دنا ودناية ، فهو دني . الأزهري في قوله : أتستبدلون الذي هو أدنى ; قال الفراء هو من الدناءة ; والعرب تقول إنه لدني يدني في الأمور تدنية ، غير مهموز ، يتبع خسيسها وأصاغرها ، وكان زهير الفرقبي يهمز أتستبدلون الذي هو أدنى ، قال الفراء : ولم نر العرب تهمز أدنى إذا كان من الخسة ، وهم في ذلك يقولون : إنه لدانئ خبيث ، فيهمزون . وقال الزجاج في معنى قوله : أتستبدلون الذي هو أدنى ، غير مهموز : أي أقرب ، ومعنى أقرب أقل قيمة كما تقول ثوب مقارب ، فأما الخسيس فاللغة فيه دنؤ دناءة ، وهو دنيء بالهمز ، وهو أدنأ منه . قال أبو منصور : أهل اللغة لا يهمزون دنو في باب الخسة ، وإنما يهمزونه في باب المجون والخبث . قال أبو زيد في النوادر : رجل دنيء من قوم أدنياء ، وقد دنؤ دناءة ، وهو الخبيث البطن والفرج . ورجل دني من قوم أدنياء ، وقد دني يدنى ودنو يدنو دنوا : وهو الضعيف الخسيس الذي لا غناء عنده المقصر في كل ما أخذ فيه ; وأنشد :


فلا وأبيك ! ما خلقي بوعر     ولا أنا بالدني ولا المدني



وقال أبو الهيثم : المدني المقصر عما ينبغي له أن يفعله ; وأنشد :


يا من لقوم رأيهم خلف مدن



أراد مدني فقيد القافية .


إن يسمعوا عوراء أصغوا في أذن



ويقال للخسيس : إنه لدني من أدنياء ، بغير همز ، وما كان دنيا ولقد دني يدنى دنى ودناية . ويقال للرجل إذا طلب أمرا خسيسا : قد دنى يدني تدنية . وفي حديث الحديبية : علام نعطي الدنية في ديننا ; أي الخصلة المذمومة ; قال ابن الأثير : الأصل فيه الهمز ، وقد يخفف ، وهو غير مهموز أيضا بمعنى الضعيف الخسيس . وتدنى فلان أي دنا قليلا . وتدانوا أي دنا بعضهم من بعض . وقوله - عز وجل : ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ; قال الزجاج : كل ما يعذب به في الدنيا فهو العذاب الأدنى ، والعذاب الأكبر عذاب الآخرة . ودانيت الأمر : قاربته . ودانيت بينهما : جمعت . ودانيت بين الشيئين : قربت بينهما . ودانيت القيد في البعير أو للبعير : ضيقته عليه ، وكذلك دانى القيد قيني البعير ; قال ذو الرمة :


دانى له القيد ، في ديمومة قذف     قينيه ، وانحسرت عنه الأناعيم



وقوله :


ما لي أراه دانفا قد دني له



إنما أراد قد دني له . قال ابن سيده : وهو من الواو من دنوت ، ولكن الواو قلبت ياء من دني لانكسار ما قبلها ، ثم أسكنت النون فكان يجب ، إذ زالت الكسرة ، أن تعود الواو ، إلا أنه لما كان إسكان النون إنما هو للتخفيف كانت الكسرة المنوية في حكم الملفوظ بها ، وعلى هذا قاس النحويون فقالوا في شقي قد شقي ، فتركوا الواو التي هي لام في الشقوة والشقاوة مقلوبة ، وإن زالت كسرة القاف من شقي ، بالتخفيف ، لما كانت الكسرة منوية مقدرة ، وعلى هذا قالوا لقضو الرجل ، وأصله من الياء في قضيت ، ولكنها قلبت في لقضو لانضمام الضاد قبلها واوا ، ثم أسكنوا الضاد تخفيفا فتركوا الواو بحالها ولم يردوا إلى الياء ، كما تركوا الياء في دنيا بحالها ولم يردوها إلى الواو ، ومثله من كلامهم رضيوا ، قال ابن سيده : حكاه سيبويه بإسكان الضاد وترك الواو من الرضوان ومر صريحا لهؤلاء ، قال : ولا أعلم دني بالتخفيف إلا في هذا البيت الذي أنشدناه ، وكان الأصمعي يقول [ ص: 312 ] في هذا الشعر الذي فيه هذا البيت : هذا الرجز ليس بعتيق كأنه من رجز خلف الأحمر أو غيره من المولدين . وناقة مدنية ومدن : دنا نتاجها ، وكذلك المرأة . التهذيب : والمدني من الناس الضعيف الذي إذا آواه الليل لم يبرح ضعفا وقد دنى في مبيته ; وقال لبيد :


فيدني في مبيت ومحل



والدني من الرجال : الساقط الضعيف الذي إذا آواه الليل لم يبرح ضعفا ، والجمع أدنياء . وما كان دنيا ولقد دني دنا ودناية ودناية ، الياء فيه منقلبة عن الواو لقرب الكسرة ; كل ذلك عن اللحياني . وتدانت إبل الرجل : قلت وضعفت ; قال ذو الرمة :


تباعدت مني أن رأيت حمولتي     تدانت ، وأن أحنى عليك قطيع



ودنى فلان : طلب أمرا خسيسا ، عنه أيضا . والدنا : أرض لكلب ; قال سلامة بن جندل :


من أخدريات الدنا التفعت له     بهمى الرفاغ ، ولج في إحناق



الجوهري : والدنا موضع بالبادية ; قال :


فأمواه الدنا فعويرضات     دوارس بعد أحياء حلال



والأدنيان : واديان . ودانيا : نبي من بني إسرائيل يقال له دانيال .

التالي السابق


الخدمات العلمية