صفحة جزء
[ أين ]

أين : آن الشيء أينا : حان ، لغة في أنى ، وليس بمقلوب عنه لوجود المصدر ، قال :


ألما يئن لي أن تجلى عمايتي وأقصر عن ليلى ؟ بلى قد أنى ليا



فجاء باللغتين جميعا . قالوا : آن أينك وإينك وآن آنك أي حان حينك ، وآن لك أن تفعل كذا يئين أينا ؛ عن أبي زيد ، أي حان ، مثل أنى لك ، قال : وهو مقلوب منه . وقالوا : الآن فجعلوه اسما لزمان الحال ، ثم وصفوا للتوسع فقالوا : أنا الآن أفعل كذا وكذا ، والألف واللام فيه زائدة لأن الاسم معرفة بغيرهما ، وإنما هو معرفة بلام أخرى مقدرة غير هذه الظاهرة . ابن سيده : قال ابن جني : قوله عز وجل : قالوا الآن جئت بالحق ؛ الذي يدل على أن اللام في الآن زائدة أنها لا تخلو من أن تكون للتعريف كما يظن مخالفنا ، أو تكون زائدة لغير التعريف كما نقول نحن ، فالذي يدل على أنها لغير التعريف أنا اعتبرنا جميع ما لامه للتعريف ، فإذا إسقاط لامه جائز فيه ، وذلك نحو رجل والرجل وغلام والغلام ، ولم يقولوا افعله آن كما قالوا افعله الآن ، فدل هذا على أن اللام فيه ليست للتعريف بل هي زائدة كما يزاد غيرها من الحروف ، قال : فإذا ثبت أنها زائدة فقد وجب النظر فيما يعرف به الآن فلن يخلو من أحد وجوه التعريف الخمسة : إما لأنه من الأسماء المضمرة أو من الأسماء الأعلام ، أو من الأسماء المبهمة ، أو من الأسماء المضافة ، أو من الأسماء المعرفة باللام ، فمحال أن تكون من الأسماء المضمرة لأنها معروفة محدودة وليست الآن كذلك ، ومحال أن تكون من الأسماء الأعلام لأن تلك تخص [ ص: 214 ] الواحد بعينه ، والآن تقع على كل وقت حاضر لا يخص بعض ذلك دون بعض ، ولم يقل أحد إن الآن من الأسماء الأعلام ، ومحال أيضا أن تكون من أسماء الإشارة لأن جميع أسماء الإشارة لا تجد في واحد منها لام التعريف ، وذلك نحو هذا وهذه وذلك وتلك وهؤلاء وما أشبه ذلك ، وذهب أبو إسحاق إلى أن الآن إنما تعرفه بالإشارة ، وأنه إنما بني لما كانت الألف واللام فيه لغير عهد متقدم ، إنما تقول الآن كذا وكذا لمن لم يتقدم لك معه ذكر الوقت الحاضر ، فأما فساد كونه من أسماء الإشارة فقد تقدم ذكره ، وأما ما اعتل به من أنه إنما بني لأن الألف واللام فيه لغير عهد متقدم ففاسد أيضا ، لأنا قد نجد الألف واللام في كثير من الأسماء على غير تقدم عهد ، وتلك الأسماء مع كون اللام فيها معارف ، وذلك قولك يا أيها الرجل ، ونظرت إلى هذا الغلام ، قال : فقد بطل بما ذكرنا أن يكون الآن من الأسماء المشار بها ، ومحال أيضا أن تكون من الأسماء المتعرفة بالإضافة لأننا لا نشاهد بعده اسما هو مضاف إليه ، فإذا بطلت واستحالت الأوجه الأربعة المقدم ذكرها لم يبق إلا أن يكون معرفا باللام نحو الرجل والغلام ، وقد دلت الدلالة على أن الآن ليس معرفا باللام الظاهرة التي فيه ، لأنه لو كان معرفا بها لجاز سقوطها منه ، فلزوم هذه اللام للآن دليل على أنها ليست للتعريف ، وإذا كان معرفا باللام لا محالة ، واستحال أن تكون اللام فيه هي التي عرفته ، وجب أن يكون معرفا بلام أخرى غير هذه الظاهرة التي فيه بمنزلة أمس في أنه تعرف بلام مرادة ، والقول فيهما واحد ، ولذلك بنيا لتضمنهما معنى حرف التعريف ؛ قال ابن جني : وهذا رأي أبي علي وعنه أخذته ، وهو الصواب ، قال سيبويه : وقالوا الآن آنك كذا قرأناه في كتاب سيبويه بنصب الآن ورفع آنك ، وكذا الآن حد الزمانين ، هكذا قرأناه أيضا بالنصب ، وقال ابن جني : اللام في قولهم الآن حد الزمانين بمنزلتها في قولك الرجل أفضل من المرأة أي هذا الجنس أفضل من هذا الجنس ، فكذلك الآن إذا رفعه جعله جنس هذا المستعمل في قولهم كنت الآن عنده ، فهذا معنى كنت في هذا الوقت الحاضر بعضه ، وقد تصرمت أجزاء منه عنده ، وبنيت الآن لتضمنها معنى الحرف . وقال أبو عمرو : أتيته آئنة بعد آئنة بمعنى آونة . الجوهري : الآن اسم للوقت الذي أنت فيه ، وهو ظرف غير متمكن ، وقع معرفة ولم تدخل عليه الألف واللام للتعريف ، لأنه ليس له ما يشركه ، وربما فتحوا اللام وحذفوا الهمزتين ؛ وأنشد الأخفش :


وقد كنت تخفي حب سمراء حقبة     فبح لان منها ، بالذي أنت بائح



قال ابن بري : قوله حذفوا الهمزتين يعني الهمزة التي بعد اللام نقل حركتها على اللام وحذفها ، ولما تحركت اللام سقطت همزة الوصل الداخلة على اللام ؛ قال جرير :


ألان ، وقد نزعت إلى نمير     فهذا حين صرت لهم عذابا



قال : ومثل البيت الأول قول الآخر :


ألا يا هند ، هند بني عمير     أرث لان ، وصلك أم حديد ؟



، وقال أبو المنهال :


حدبدبى بدبدبى منكم ، لان     إن بني فزارة بن ذبيان
قد طرقت ناقتهم بإنسان     مشنأ ، سبحان ربي الرحمن !
أنا أبو المنهال بعض الأحيان     ليس علي حسبي بضؤلان



التهذيب : الفراء : الآن حرف بني على الألف واللام ولم يخلعا منه ، وترك على مذهب الصفة لأنه صفة في المعنى واللفظ كما رأيتهم فعلوا بالذي والذين ، فتركوهما على مذهب الأداة والألف واللام لهما غير مفارقة ؛ ومنه قول الشاعر :


فإن الألاء يعلمونك منهم     كعلم مظنول ما دمت أشعرا



فأدخل الألف واللام على أولاء ، ثم تركها مخفوضة في موضع النصب كما كانت قبل أن تدخلها الألف واللام ؛ ومثله قوله :


وإني حبست اليوم والأمس قبله     ببابك حتى كادت الشمس تغرب



فأدخل الألف واللام على أمس ثم تركه مخفوضا على جهة الألاء ؛ ومثله قوله :


وجن الخازباز به جنونا



فمثل الآن بأنها كانت منصوبة قبل أن تدخل عليها الألف واللام ، ثم أدخلتهما فلم يغيراها ، قال : وأصل الآن إنما كان أوان ، فحذفت منها الألف وغيرت واوها إلى الألف كما قالوا في الراح الرياح ؛ قال أنشد أبو القمقام :


كأن مكاكي الجواء غدية     نشاوى تساقوا بالرياح المفلفل



فجعل الرياح والأوان مرة على جهة فعل ، ومرة على جهة فعال ، كما قالوا زمن وزمان ، قالوا : وإن شئت جعلت الآن أصلها من قوله آن لك أن تفعل ، أدخلت عليها الألف واللام ثم تركتها على مذهب فعل ، فأتاها النصب من نصب فعل ، وهو وجه جيد كما قالوا : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قيل وقال ، فكانتا كالاسمين وهما منصوبتان ، ولو خفضتهما على أنهما أخرجتا من نية الفعل إلى نية الأسماء كان صوابا ؛ قال الأزهري : سمعت العرب يقولون : من شب إلى دب ، وبعض : من شب إلى دب ، ومعناه فعل مذ كان صغيرا إلى أن دب كبيرا . وقال الخليل : الآن مبني على الفتح ، تقول نحن من الآن نصير إليك ، فتفتح الآن لأن الألف واللام إنما يدخلان لعهد ، والآن لم تعهده قبل هذا الوقت ، فدخلت الألف واللام للإشارة إلى الوقت ، والمعنى نحن من هذا الوقت نفعل ؛ فلما تضمنت معنى هذا وجب أن تكون موقوفة ، ففتحت لالتقاء الساكنين . وهما الألف والنون . قال أبو منصور : وأنكر الزجاج ما قال الفراء أن الآن إنما كان في الأصل آن ، وأن [ ص: 215 ] الألف واللام دخلتا على جهة الحكاية ، وقال : ما كان على جهة الحكاية نحو قولك قام إذا سميت به شيئا ، فجعلته مبنيا على الفتح لم تدخله الألف واللام ، وذكر قول الخليل : الآن مبني على الفتح ، وذهب إليه وهو قول سيبويه . قال الزجاج في قوله عز وجل : الآن جئت بالحق ، فيه ثلاث لغات قالوا الآن ، بالهمز واللام ساكنة ، وقالوا ألان ، متحركة اللام بغير همز وتفصل ، قالوا من لان ، ولغة ثالثة قالوا لان جئت بالحق ، قال : والآن منصوبة النون في جميع الحالات وإن كان قبلها حرف خافض كقولك من الآن ، وذكر ابن الأنباري الآن فقال : وانتصاب الآن بالمضمر ، وعلامة النصب فيه فتح النون ، وأصله الأوان فأسقطت الألف التي بعد الواو وجعلت الواو ألفا لانفتاح ما قبلها ، قال : وقيل أصله آن لك أن تفعل ، فسمي الوقت بالفعل الماضي وترك آخره على الفتح ، قال : ويقال على هذا الجواب أنا لا أكلمك من الآن يا هذا ، وعلى الجواب الأول من الآن ؛ وأنشد ابن صخر :


كأنهما ملآن لم يتغيرا     وقد مر للدارين من بعدنا عصر



، وقال ابن شميل : هذا أوان الآن تعلم ، وما جئت إلا أوان الآن أي ما جئت إلا الآن ، بنصب الآن فيهما . وسأل رجل ابن عمر عن عثمان قال : أنشدك الله هل تعلم أنه فر يوم أحد وغاب عن بدر وعن بيعة الرضوان ؟ فقال ابن عمر : أما فراره يوم أحد فإن الله عز وجل يقول : ولقد عفا الله عنهم ؛ وأما غيبته عن بدر فإنه كانت عنده بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت مريضة وذكر عذره في ذلك ثم قال : اذهب بهذه تلآن معك ؛ قال أبو عبيد : قال الأموي : قوله تلآن يريد الآن ، وهي لغة معروفة ، يزيدون التاء في الآن وفي حين ويحذفون الهمزة الأولى ، يقال : تلآن وتحين ؛ قال أبو وجزة :


العاطفون تحين ما من عاطف     والمطعمون زمان ما من مطعم



، وقال آخر :


وصلينا كما زعمت تلانا



قال : وكان الكسائي والأحمر وغيرهما يذهبون إلى أن الرواية العاطفونة فيقول : جعل الهاء صلة وهو وسط الكلام ، وهذا ليس يوجد إلا على السكت ، قال : فحدثت به الأموي فأنكره ، قال أبو عبيد : وهو عندي على ما قال الأموي ولا حجة لمن احتج بالكتاب في قوله ( عز وجل ) : ولات حين مناص ، لأن التاء منفصلة من حين لأنهم كتبوا مثلها منفصلا أيضا مما لا ينبغي أن يفصل كقوله ( عز وجل ) : ياويلتنا مال هذا الكتاب ، واللام منفصلة من هذا . قال أبو منصور : والنحويون على أن التاء في قوله تعالى : ولات حين ، في الأصل هاء ، وإنما هي ولاه فصارت تاء للمرور عليها كالتاءات المؤنثة ، وأقاويلهم مذكورة في ترجمة لا بما فيه الكفاية . قال أبو زيد : سمعت العرب تقول مررت بزيد اللان ثقل اللام وكسر الدال وأدغم التنوين في اللام . وقوله في حديث أبي ذر : أما آن للرجل أن يعرف منزله أي أما حان وقرب ، تقول منه : آن يئين أينا ، وهو مثل أنى يأني أنا ، مقلوب منه . وآن أينا : أعيا . أبو زيد : الأين الإعياء والتعب . قال أبو زيد : لا يبنى منه فعل وقد خولف فيه ، وقال أبو عبيدة : لا فعل للأين الذي هو الإعياء . ابن الأعرابي : آن يئين أينا من الإعياء ؛ وأنشد :


إنا ورب القلص الضوامر



إنا أي أعيينا . الليث : ولا يشتق منه فعل إلا في الشعر ؛ وفي قصيدة كعب بن زهير :


فيها على الأين إرقال وتبغيل



الأين : الإعياء والتعب . ابن السكيت : الأين والأيم الذكر من الحيات ، وقيل : الأين الحية مثل الأيم ، نونه بدل من اللام . قال أبو خيرة : الأيون والأيوم جماعة . قال اللحياني : والأين والأيم أيضا الرجل والحمل . وأين : سؤال عن مكان ، وهي مغنية عن الكلام الكثير والتطويل ، وذلك أنك إذا قلت أين بيتك أغناك ذلك عن ذكر الأماكن كلها ، وهو اسم لأنك تقول من أين ، قال اللحياني : هي مؤنثة وإن شئت ذكرت ، وكذلك كل ما جعله الكتاب اسما من الأدوات والصفات ، التأنيث فيه أعرف والتذكير جائر ؛ فأما قول حميد بن ثور الهلالي :


وأسماء ، ما أسماء ليلة أدلجت     إلي ، وأصحابي بأين وأينما



فإنه جعل أين علما للبقعة مجردا من معنى الاستفهام ، فمنعها الصرف للتعريف والتأنيث كأنى ، فتكون الفتحة في آخر أين على هذا فتحة الجر وإعرابا مثلها في مررت بأحمد ، وتكون ما على هذا زائدة وأين وحدها هي الاسم ، فهذا وجه ، قال : ويجوز أن يكون ركب أين مع ما ، فلما فعل ذلك فتح الأولى منها كفتحة الياء من حيهل لما ضم حي إلى هل ، والفتحة في النون على هذا حادثة للتركيب وليست بالتي كانت في أين ، وهي استفهام ، لأن حركة التركيب خلفتها ونابت عنها ، وإذا كانت فتحة التركيب تؤثر في حركة الإعراب فتزيلها إليها نحو قولك هذه خمسة ، فتعرب ثم تقول هذه خمسة عشر فتخلف فتحة التركيب ضمة الإعراب على قوة حركة الإعراب ، كان إبدال حركة البناء من حركة البناء أحرى بالجواز وأقرب في القياس . الجوهري : إذا قلت أين زيد فإنما تسأل عن مكانه . الليث : الأين وقت من الأمكنة تقول : أين فلان فيكون منتصبا في الحالات كلها ما لم تدخله الألف واللام . وقال الزجاج : أين وكيف حرفان يستفهم بهما ، وكان حقهما أن يكونا موقوفين ، فحركا لاجتماع الساكنين ونصبا ولم يخفضا من أجل الياء ، لأن الكسرة مع الياء تثقل والفتحة أخف . وقال الأخفش في قوله تعالى : ولا يفلح الساحر حيث أتى ، في حرف ابن مسعود أين أتى ، قال : وتقول العرب جئتك من أين لا تعلم ؛ قال أبو العباس : أما ما حكي عن العرب جئتك من أين لا تعلم فإنما هو جواب من لم يفهم فاستفهم ، كما يقول قائل أين الماء والعشب . وفي حديث خطبة العيد : قال أبو سعيد : وقلت أين الابتداء بالصلاة أي أين تذهب ، ثم قال : الابتداء بالصلاة قبل الخطبة ، وفي رواية : أين الابتداء بالصلاة أي أين يذهب الابتداء بالصلاة ، قال : [ ص: 216 ] والأول أقوى . وأيان : معناه أي حين ، وهو سؤال عن زمان مثل متى . وفي التنزيل العزيز : أيان مرساها ، . ابن سيده : أيان بمعنى متى فينبغي أن تكون شرطا ، قال : ولم يذكرها أصحابنا في الظروف المشروط بها نحو متى وأين وأي وحين ، وهذا هو الوجه ، وقد يمكن أن يكون فيها معنى الشرط ولم يكن شرطا صحيحا كإذا في غالب الأمر ؛ قال ساعدة بن جؤية يهجو امرأة شبه حرها بفوق السهم :


نفاثية أيان ما شاء أهلها     روي فوقها في الحص لم يتغيب



وحكى الزجاج فيه إيان ، بكسر الهمزة . وفي التنزيل العزيز : وما يشعرون أيان يبعثون ، أي لا يعلمون متى البعث ؛ قال الفراء : قرأ أبو عبد الرحمن السلمي ( إيان يبعثون ) ، بكسر الألف ، وهي لغة لبعض العرب ، يقولون متى إوان ذلك ، والكلام أوان . قال أبو منصور : ولا يجوز أن تقول أيان فعلت هذا . وقوله عز وجل : يسألون أيان يوم الدين ، لا يكون إلا استفهاما عن الوقت الذي لم يجئ . والأين : شجر حجازي ؛ واحدته أينة قالت الخنساء :


تذكرت صخرا ، أن تغنت حمامة     هتوف على غصن من الأين تسجع



والأواين : بلد ؛ قال مالك بن خالد الهذلي :


هيهات ناس من أناس ديارهم     دفاق ودار الآخرين الأواين



قال : وقد يجوز أن يكون واوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية