صفحة جزء
[ ذو وذوات ]

ذو وذوات : قال الليث : ذو اسم ناقص وتفسيره صاحب ذلك ، كقولك : فلان ذو مال أي : صاحب مال ، والتثنية ذوان ، والجمع ذوون .

قال : وليس في كلام العرب شيء يكون إعرابه على حرفين غير سبع كلمات ، وهن : ذو وفو وأخو وأبو وحمو وامرؤ وابنم ، فأما فو فإنك تقول : رأيت فا زيد ، ووضعت في في زيد ، وهذا فو زيد ، ومنهم من ينصب ألفا في كل وجه .

قال العجاج يصف الخمر :

خالط من سلمى خياشيم وفا



وقال الأصمعي : قال بشر بن عمر قلت لذي الرمة أرأيت قوله :

خالط من سلمى خياشيم وفا



قال : إنا لنقولها في كلامنا قبح الله ذا فا .

قال أبو منصور : وكلام العرب هو الأول ، وذا نادر .

قال ابن كيسان : الأسماء التي رفعها بالواو ونصبها بالألف وخفضها بالياء هي هذه الأحرف : يقال : جاء أبوك وأخوك وفوك وهنوك وحموك وذو مال ، والألف نحو قولك : رأيت أباك وأخاك وفاك وحماك وهناك وذا مال ، والياء نحو قولك : مررت بأبيك وأخيك وحميك وهنيك وذي مال .

وقال الليث في تأنيث ذو ذات ، تقول : هي ذات مال ، فإذا وقفت فمنهم من يدع التاء على حالها ظاهرة في الوقوف لكثرة ما جرت على اللسان ، ومنهم من يرد التاء إلى هاء التأنيث ، وهو القياس ، وتقول : هي ذات مال وهما ذواتا مال ، ويجوز في الشعر ذاتا مال ، والتمام أحسن .

وفي التنزيل العزيز : ذواتا أفنان ، وتقول في الجمع : الذوون .

قال الليث : [ ص: 10 ] هم الأدنون والأولون ؛ وأنشد للكميت :

وقد عرفت مواليها الذوينا



أي : الأخصين ، وإنما جاءت النون لذهاب الإضافة .

وتقول في جمع ذو : هم ذوو مال ، وهن ذوات مال ، ومثله : هم أولو مال ، وهن ألات مال ، وتقول العرب : لقيته ذا صباح ، ولو قيل : ذات صباح مثل ذات يوم لحسن لأن ذا وذات يراد بهما وقت مضاف إلى اليوم والصباح .

وفي التنزيل العزيز : فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم .

قال أبو العباس أحمد بن يحيى : أراد الحالة التي للبين ، وكذلك أتيتك ذات العشاء ، أراد الساعة التي فيها العشاء .

وقال أبو إسحاق : معنى ذات بينكم حقيقة وصلكم ، أي : اتقوا الله وكونوا مجتمعين على أمر الله ورسوله ، وكذلك معنى اللهم أصلح ذات البين ، أي : أصلح الحال التي بها يجتمع المسلمون .

أبو عبيد عن الفراء : يقال : لقيته ذات يوم وذات ليلة ، وذات العويم ، وذات الزمين ، ولقيته ذا غبوق ، بغير تاء ، وذا صبوح .

ثعلب عن ابن الأعرابي : تقول : أتيته ذات الصبوح وذات الغبوق ؛ إذا أتيته غدوة وعشية ، وأتيته ذا صباح وذا مساء ، قال : وأتيتهم ذات الزمين وذات العويم ، أي : مذ ثلاثة أزمان وأعوام .

ابن سيده : ذو كلمة صيغت ليتوصل بها إلى الوصف بالأجناس ، ومعناها صاحب ، أصلها ذوا ، ولذلك إذا سمى به الخليل وسيبويه قالا : هذا ذوا قد جاء ، والتثنية ذوان ، والجمع ذوون .

والذوون : الأملاك الملقبون بذو كذا ، كقولك ذو يزن وذو رعين وذو فائش وذو جدن وذو نواس وذو أصبح وذو الكلاع ، وهم ملوك اليمن من قضاعة ، وهم التبابعة ؛ وأنشد سيبويه قول الكميت :


فلا أعني بذلك أسفليكم     ولكني أريد به الذوينا



يعني : الأذواء ، والأنثى ذات ، والتثنية ذواتا ، والجمع ذوون ، والإضافة إليها ذوي .

ولا يجوز في ذات ذاتي لأن ياء النسب معاقبة لهاء التأنيث .

قال ابن جني : وروى أحمد بن إبراهيم أستاذ ثعلب عن العرب : هذا ذو زيد ، ومعناه هذا زيد ، أي : هذا صاحب هذا الاسم الذي هو زيد ؛ قال الكميت :

إليكم ذوي آل النبي تطلعت     نوازع من قلبي ظماء وألبب



أي : إليكم أصحاب هذا الاسم الذي هو قوله : ذوو آل النبي . ولقيته أول ذي يدين وذات يدين ، أي : أول كل شيء ، وكذلك افعله أول ذي يدين وذات يدين .

وقالوا : أما أول ذات يدين فإني أحمد الله ، وقولهم : رأيت ذا مال ، ضارعت فيه الإضافة التأنيث ، فجاء الاسم المتمكن على حرفين ثانيهما حرف لين ؛ لما أمن عليه التنوين بالإضافة ، كما قالوا : ليت شعري ، وإنما الأصل شعرتي .

قالوا : شعرت به شعرة ، فحذف التاء لأجل الإضافة لما أمن التنوين ، وتكون ذو بمعنى الذي ، تصاغ ليتوصل بها إلى وصف المعارف بالجمل ، فتكون ناقصة لا يظهر فيها إعراب كما لا يظهر في الذي ، ولا يثنى ولا يجمع .

فتقول : أتاني ذو قال ذاك وذو قالا ذاك وذو قالوا ذاك ، وقالوا : لا أفعل ذاك بذي تسلم وبذي تسلمان وبذي تسلمون وبذي تسلمين ، وهو كالمثل أضيفت فيه ذو إلى الجملة كما أضيفت إليها أسماء الزمان ، والمعنى لا وسلامتك ولا والله يسلمك .

ويقال : جاء من ذي نفسه ومن ذات نفسه أي : طيعا .

قال الجوهري : وأما ذو الذي بمعنى صاحب فلا يكون إلا مضافا ، وإن وصفت به نكرة أضفته إلى نكرة ، وإن وصفت به معرفة أضفته إلى الألف واللام ، ولا يجوز أن تضيفه إلى مضمر ولا إلى زيد وما أشبهه .

قال ابن بري : إذا خرجت ذو عن أن تكون وصلة إلى الوصف بأسماء الأجناس لم يمتنع أن تدخل على الأعلام والمضمرات كقولهم ذو الخلصة ، والخلصة : اسم علم لصنم ، وذو كناية عن بيته ، ومثله قولهم ذو رعين ، وذو جدن ، وذو يزن ، وهذه كلها أعلام ، وكذلك دخلت على المضمر أيضا .

قال كعب بن زهير :


صبحنا الخزرجية مرهفات     أبار ذوي أرومتها ذووها



وقال الأحوص :

ولكن رجونا منك مثل الذي به     صرفنا قديما من ذويك الأوائل



وقال آخر :

إنما يصطنع المع     روف في الناس ذووه



وتقول : مررت برجل ذي مال ، وبامرأة ذات مال ، وبرجلين ذوي مال ، بفتح الواو .

وفي التنزيل العزيز : وأشهدوا ذوي عدل منكم ؛ وبرجال ذوي مال ، بالكسر ، وبنسوة ذوات مال ، ويا ذوات الجمام ، فتكسر التاء في الجمع في موضع النصب كما تكسر تاء المسلمات .

وتقول : رأيت ذوات مال لأن أصلها هاء ؛ لأنك إذا وقفت عليها في الواحد قلت ذاه ، بالهاء ، ولكنها لما وصلت بما بعدها صارت تاء ، وأصل ذو ذوى مثل عصا ، يدل على ذلك قولهم هاتان ذواتا مال .

قال عز وجل : ذواتا أفنان في التثنية .

قال : ونرى أن الألف منقلبة من واو .

قال ابن بري : صوابه منقلبة من ياء .

قال الجوهري : ثم حذفت من ذوى عين الفعل لكراهتهم اجتماع الواوين لأنه كان يلزم في التثنية ذووان مثل عصوان .

قال ابن بري : صوابه كان يلزم في التثنية ذويان ، قال : لأن عينه واو ، وما كان عينه واوا فلامه ياء حملا على الأكثر ، قال : والمحذوف من ذوى هو لام الكلمة لا عينها كما ذكر ؛ لأن الحذف في اللام أكثر من الحذف في العين .

قال الجوهري : مثل عصوان فبقي ذا منون ، ثم ذهب التنوين للإضافة في قولك ذو مال ، والإضافة لازمة له كما تقول : فو زيد ، وفا زيد ، فإذا أفردت قلت : هذا فم ، فلو سميت رجلا ذو لقلت : هذا ذوى قد أقبل ، فترد ما كان ذهب ؛ لأنه لا يكون اسم على حرفين ، أحدهما حرف لين ؛ لأن التنوين يذهبه ، فيبقى على حرف واحد ، ولو نسبت إليه قلت : ذووي ، مثال عصوي .

وكذلك إذا نسبت إلى ذات لأن التاء تحذف في النسبة ، فكأنك أضفت إلى ذي فرددت الواو ، ولو جمعت ذو مال ، قلت : هؤلاء ذوون ؛ لأن الإضافة قد زالت ؛ وأنشد بيت الكميت : [ ص: 11 ] ولكني أريد به الذوينا

وأما ذو ، التي في لغة طيئ بمعنى : الذي ، فحقها أن توصف بها المعارف ، تقول : أنا ذو عرفت وذو سمعت ، وهذه امرأة ذو قالت ، كذا يستوي فيه التثنية والجمع والتأنيث ؛ قال بجير بن عثمة الطائي أحد بني بولان :


وإن مولاي ذو يعاتبني     لا إحنة عنده ولا جرمه
ذاك خليلي وذو يعاتبني     يرمي ورائي بامسهم وامسلمه



يريد : الذي يعاتبني ، والواو التي قبله زائدة ، قال سيبويه : إن ذا وحدها بمنزلة الذي كقولهم ماذا رأيت ؟ فتقول : متاع حسن .

قال لبيد :

ألا تسألان المرء ماذا يحاول     أنحب فيقضى أم ضلال وباطل



قال : ويجري مع ما بمنزلة اسم واحد كقولهم ماذا رأيت ؟ فتقول : خيرا ، بالنصب ، كأنه قال : ما رأيت ، فلو كان ذا هاهنا بمنزلة الذي لكان الجواب : خير بالرفع ، وأما قولهم : ذات مرة وذا صباح فهو من ظروف الزمان التي لا تتمكن ، تقول : لقيته ذات يوم وذات ليلة وذات العشاء وذات مرة وذات الزمين ، وذات العويم ، وذا صباح ، وذا مساء ، وذا صبوح ، وذا غبوق ، فهذه الأربعة بغير هاء ، وإنما سمع في هذه الأوقات ، ولم يقولوا : ذات شهر ولا ذات سنة .

قال الأخفش في قوله تعالى : وأصلحوا ذات بينكم إنما أنثوا لأن بعض الأشياء قد يوضع له اسم مؤنث ولبعضها اسم مذكر ، كما قالوا : دار وحائط ، أنثوا الدار وذكروا الحائط .

وقولهم : كان ذيت وذيت مثل : كيت وكيت ، أصله : ذيو على فعل ساكنة العين ، فحذفت الواو فبقي على حرفين فشدد كما شدد كي إذا جعلته اسما ، ثم عوض من التشديد التاء ، فإن حذفت التاء وجئت بالهاء فلا بد من أن ترد التشديد ، تقول : كان ذيه وذيه ، وإن نسبت إليه قلت : ذيوي كما تقول : بنوي في النسب إلى البنت .

قال ابن بري عند قول الجوهري في أصل ذيت : ذيو ، قال : صوابه ذي لأن ما عينه ياء فلامه ياء ، والله أعلم ، قال : وذات الشيء حقيقته وخاصته .

وقال الليث : يقال : قلت ذات يده ؛ قال : وذات هاهنا اسم لما ملكت يداه كأنها تقع على الأموال ، وكذلك عرفه من ذات نفسه كأنه يعني سريرته المضمرة ، قال : وذات ناقصة ، تمامها ذوات ، مثل : نواة ، فحذفوا منها الواو ، فإذا ثنوا أتموا فقالوا : ذواتان كقولك : نواتان ، وإذا ثلثوا رجعوا إلى ذات فقالوا : ذوات ، ولو جمعوا على التمام لقالوا : ذويات كقولك : نويات ، وتصغيرها : ذوية .

وقال ابن الأنباري في قوله عز وجل : إنه عليم بذات الصدور معناه : بحقيقة القلوب من المضمرات ، فتأنيث ذات لهذا المعنى كما قال : وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم فأنث على معنى الطائفة كما يقال : لقيته ذات يوم ، فيؤنثون لأن مقصدهم لقيته مرة في يوم .

وقوله عز وجل : وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال أريد ب " ذات " الجهة فلذلك أنثها ، أراد جهة ذات يمين الكهف وذات شماله ، والله أعلم . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية