صفحة جزء
[ بدأ ]

بدأ : في أسماء الله - عز وجل - المبدئ : هو الذي أنشأ الأشياء واخترعها ابتداء من غير سابق مثال . والبدء : فعل الشيء أول . بدأ به وبدأه يبدؤه بدءا وأبدأه وابتدأه . ويقال : لك البدء والبدأة والبدأة والبديئة والبداءة والبداءة بالمد والبداهة على البدل ، أي لك أن تبدأ قبل غيرك في الرمي وغيره . وحكى اللحياني : كان ذلك في بدأتنا وبدأتنا ، بالقصر والمد ; قال : ولا أدري كيف ذلك . وفي مبدأتنا عنه أيضا . وقد أبدأنا وبدأنا كل ذلك عنه . والبديئة والبداءة والبداهة : أول ما يفجؤك ، الهاء فيه بدل من الهمز . وبديت بالشيء قدمته أنصارية . وبديت بالشيء وبدأت : ابتدأت . وأبدأت بالأمر بدءا : ابتدأت به . وبدأت الشيء : فعلته ابتداء . وفي الحديث : الخيل مبدأة يوم الورد ، أي يبدأ بها في السقي قبل الإبل والغنم ، وقد تحذف الهمزة فتصير ألفا ساكنة . والبدء والبديء : الأول ; ومنه قولهم : افعله بادي بدء ، على فعل ، وبادي بديء على فعيل ، أي أول شيء ، والياء عن بادي ساكنة في موضع النصب ; هكذا يتكلمون به . قال : وربما تركوا همزه لكثرة الاستعمال على ما نذكره في باب المعتل . وبادئ الرأي : أوله وابتداؤه . وعند أهل التحقيق من الأوائل ما أدرك قبل إنعام النظر ; يقال فعله في بادئ الرأي . وقال اللحياني : أنت بادئ الرأي ومبتدأه تريد ظلمنا ، أي أنت في أول الرأي تريد ظلمنا . وروي أيضا : أنت بادي الرأي تريد ظلمنا بغير همز ، ومعناه أنت فيما بدا من الرأي وظهر أي أنت في ظاهر الرأي ، فإن كان هكذا فليس من هذا الباب . وفي التنزيل العزيز : وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ; وبادئ الرأي ; قرأ أبو عمرو وحده : بادئ الرأي بالهمز ، وسائر القراء قرءوا بادي بغير همز . وقال الفراء : لا تهمزوا بادي الرأي ; لأن المعنى فيما يظهر لنا ; ويبدو قال : ولو أراد ابتداء الرأي فهمز كان صوابا . وسنذكره أيضا في بدا . ومعنى قراءة أبي عمرو بادئ الرأي أي أول الرأي أي اتبعوك ابتداء الرأي حين ابتدءوا ينظرون ، وإذا فكروا لم يتبعوك . وقال ابن الأنباري : بادئ ، بالهمز ، من بدأ إذا ابتدأ ; قال : وانتصاب من همز ولم يهمز بالاتباع على مذهب المصدر أي اتبعوك اتباعا ظاهرا ، أو اتباعا مبتدأ ; قال : ويجوز أن يكون المعنى ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا في ظاهر ما نرى منهم ، وطوياتهم على خلافك وعلى موافقتنا ; وهو من بدا يبدو إذا ظهر . وفي حديث الغلام الذي قتلهالخضر : فانطلق إلى أحدهم بادئ الرأي فقتله . قال ابن الأثير : أي في أول رأي رآه وابتدائه ، ويجوز أن يكون غير مهموز من البدو : الظهور أي في ظاهر الرأي والنظر . قالوا افعله بدءا ، وأول بدء ، عن ثعلب ، وبادي بدء وبادي بدي لا يهمز . قال : وهذا نادر ; لأنه ليس على التخفيف القياسي ، ولو كان كذلك لما ذكر هاهنا . وقال اللحياني : أما بادئ بدء فإني أحمد الله ، وبادي بدأة وبادئ بداء وبدا بدء وبدأة بدأة وبادي بدو وبادي بداء أي أما بدء الرأي فإني أحمد الله ورأيت في بعض أصول الصحاح يقال : افعله بدأة ذي بدء وبدأة ذي بدأة وبدأة ذي بديء وبدأة بديء وبديء بدء ، على فعل ، وبادئ بديء على

[ ص: 32 ] فعيل ، وبادئ بدئ ، على فعل ، وبديء ذي بديء أي أول أول . وبدأ في الأمر وعاد وأبدأ وأعاد . وقوله تعالى : وما يبدئ الباطل وما يعيد . قال الزجاج : ما في موضع نصب أي أي شيء يبدئ الباطل وأي شيء يعيد ، وتكون ما نفيا والباطل هنا إبليس ، أي ما يخلق إبليس ولا يبعث ، والله - جل وعز - هو الخالق والباعث ، وفعله عوده على بدئه وفي عوده وبدئه وفي عودته وبدأته . وتقول : افعل ذلك عودا وبدءا . ويقال : رجع عوده على بدئه : إذا رجع في الطريق الذي جاء منه . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث ، أراد بالبدأة ابتداء سفر الغزو وبالرجعة القفول منه ; والمعنى كان إذا نهضت سرية من جملة العسكر المقبل على العدو فأوقعت بطائفة من العدو ، فما غنموا كان لهم الربع ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباع ما غنموا ، وإذا فعلت ذلك عند عود العسكر كان لهم من جميع ما غنموا الثلث ; لأن الكرة الثانية أشق عليهم ، والخطر فيها أعظم ، وذلك لقوة الظهر عند دخولهم وضعفه عند خروجهم ، وهم في الأول أنشط وأشهى للسير والإمعان في بلاد العدو ، وهم عند القفول أضعف وأفتر وأشهى للرجوع إلى أوطانهم ، فزادهم لذلك . وفي حديث علي : والله لقد سمعته يقول : ليضربنكم على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا ، أي أولا ، يعني العجم والموالي . وفي حديث الحديبية : يكون لهم بدء الفجور وثناه أي أوله وآخره . ويقال : فلان ما يبدء وما يعيد أي ما يتكلم ببادئة ولا عائدة . وفي الحديث : " منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ، وعدتم من حيث بدأتم " . قال ابن الأثير : هذا الحديث من معجزات سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم ; لأنه أخبر بما لم يكن ، وهو في علم الله كائن ، فخرج لفظه على لفظ الماضي ودل به على رضاه من عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بما وظفه على الكفرة من الجزية في الأمصار . وفي تفسير المنع قولان : أحدهما أنه علم أنهم سيسلمون ويسقط عنهم ما وظف عليهم ، فصاروا له بإسلامهم مانعين ; ويدل عليه قوله : وعدتم من حيث بدأتم ; لأن بدأهم في علم الله أنهم سيسلمون ، فعادوا من حيث بدءوا . والثاني أنهم يخرجون عن الطاعة ويعصون الإمام ، فيمنعون ما عليهم من الوظائف . والمدي مكيال أهل الشام ، والقفيز لأهل العراق ، والإردب لأهل مصر . والابتداء في العروض : اسم لكل جزء يعتل في أول البيت بعلة لا يكون في شيء من حشو البيت كالخرم في الطويل والوافر والهزج والمتقارب ، فإن هذه كلها يسمى كل واحد من أجزائها ، إذا اعتل ، ابتداء ، وذلك لأن فعولن تحذف منه الفاء في الابتداء ، ولا تحذف الفاء من فعولن في حشو البيت ألبتة ; وكذلك أول مفاعلتن وأول مفاعيلن يحذفان في أول البيت ، ولا يسمى مستفعلن في البسيط وما أشبهه مما علته كعلة أجزاء حشوه ، ابتداء ، وزعم الأخفش أن الخليل جعل فاعلاتن في أول المديد ابتداء ; قال : ولم يدر الأخفش لم جعل فاعلاتن ابتداء ، وهي تكون فعلاتن وفاعلاتن كما تكون أجزاء الحشو . وذهب على الأخفش أن الخليل جعل فاعلاتن هنا ليست كالحشو ; لأن ألفها تسقط أبدا بلا معاقبة ، وكل ما جاز في جزئه الأول ما لا يجوز في حشوه ، فاسمه الابتداء ; وإنما سمي ما وقع في الجزء ابتداء لابتدائك بالإعلال . وبدأ الله الخلق بدءا وأبدأهم بمعنى خلقهم . وفي التنزيل العزيز : الله يبدأ الخلق . وفيه كيف يبدئ الله الخلق . وقال : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده . وقال : إنه هو يبدئ ويعيد ; فالأول من البادئ والثاني من المبدئ وكلاهما صفة جليلة . والبديء : المخلوق . وبئر بديء كبديع ، والجمع بدؤ . والبدء والبديء : البئر التي حفرت في الإسلام حديثة وليست بعادية ، وترك فيها الهمزة في أكثر كلامهم ، وذلك أن يحفر بئرا في الأرض الموات التي لا رب لها . وفي حديث ابن المسيب : في حريم البئر البديء خمس وعشرون ذراعا ، يقول : له خمس وعشرون ذراعا حواليها حريمها ، ليس لأحد أن يحفر في تلك الخمس والعشرين بئرا . وإنما شبهت هذه البئر بالأرض التي يحييها الرجل فيكون مالكا لها ، قال : والقليب : البئر العادية القديمة التي لا يعلم لها رب ولا حافر ، فليس لأحد أن ينزل على خمسين ذراعا منها ، وذلك أنها لعامة الناس ، فإذا نزلها نازل منع غيره ; ومعنى النزول أن لا يتخذها دارا ويقيم عليها ، وأما أن يكون عابر سبيل فلا . أبو عبيدة : يقال للركية : بديء وبديع . إذا حفرتها أنت ، فإن أصبتها قد حفرت قبلك ، فهي خفية ، وزمزم خفية ; لأنها لإسماعيل فاندفنت ، وأنشد :


فصبحت ، قبل أذان الفرقان تعصب أعقار حياض البودان



قال : البودان القلبان ، وهي الركايا ، واحدها بديء ; قال الأزهري : وهذا مقلوب ، والأصل بديان ، فقدم الياء وجعلها واوا ; والفرقان : الصبح ، والبديء : العجب ، وجاء بأمر بديء ، على فعيل ، أي عجيب . وبديء من بدأت ، والبديء : الأمر البديع ، وأبدأ الرجل : إذا جاء به ، يقال أمر بديء . قال عبيد بن الأبرص :


فلا بديء ولا عجيب



والبدء : السيد ، وقيل : الشاب المستجاد الرأي ، المستشار ، والجمع بدوء . والبدء : السيد الأول في السيادة ، والثنيان : الذي يليه في السؤدد . قال : أوس بن مغراء السعدي :


ثنياننا ، إن أتاهم ، كان بدأهم     وبدؤهم ، إن أتانا ، كان ثنيانا



والبدء : المفصل . والبدء : العظم بما عليه من اللحم . والبدء : خير عظم في الجزور ، وقيل خير نصيب في الجزور . والجمع أبداء وبدوء مثل جفن وأجفان وجفون . قال طرفة بن العبد :


وهم أيسار لقمان ، إذا     أغلت الشتوة أبداء الجزر



ويقال : أهدى له بدأة الجزور أي خير الأنصباء ، وأنشد ابن السكيت :


على أي بدء مقسم اللحم يجعل



والأبداء : المفاصل ، واحدها بدى ، مقصور ، وهو أيضا بدء ، مهموز ، تقديره بدع . وأبداء الجزور عشرة : وركاها وفخذاها [ ص: 33 ] وساقاها وكتفاها وعضداها ، وهما ألأم الجزور لكثرة العروق . والبدأة : النصيب من أنصباء الجزور ; قال النمر بن تولب :


فمنحت بدأتها رقيبا جانحا     والنار تلفح وجهه بأوارها



وروى ابن الأعرابي : فمنحت بدتها ، وهي النصيب ، وهو مذكور في موضعه ; وروى ثعلب رفيقا جانحا . وفي الصحاح : البدء والبدأة : النصيب من الجزور بفتح الباء فيهما ; وهذا شعر النمر بن تولب بضمها كما ترى . وبدئ الرجل يبدأ بدءا فهو مبدوء : جدر أو حصب . قال الكميت :


فكأنما بدئت ظواهر جلده     مما يصافح من لهيب سهامها



وقال اللحياني : بدئ الرجل يبدأ بدءا : خرج به بثر شبه الجدري ; ثم قال : قال بعضهم هو الجدري بعينه . ورجل مبدوء : خرج به ذلك . وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : في اليوم الذي بدئ فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم : وارأساه . قال ابن الأثير : يقال متى بدئ فلان أي متى مرض ; قال : ويسأل به عن الحي والميت . وبدأ من أرض إلى أرض أخرى وأبدأ : خرج منها إلى غيرها إبداء . وأبدأ الرجل : كناية عن النجو ، والاسم البداء ، ممدود . وأبدأ الصبي : خرجت أسنانه بعد سقوطها . والبدأة : هنة سوداء كأنها كمء ولا ينتفع بها ، حكاه أبو حنيفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية