صفحة جزء
[ سعا ]

سعا : ابن سيده : مضى سعو من الليل وسعو وسعواء وسعواء ، ممدود ، وسعوة وسعوة أي قطعة . قال ابن بزرج : السعواء مذكر ، وقال بعضهم : السعواء فوق الساعة من الليل ، وكذلك السعواء من النهار . ويقال : كنا عنده سعوات من الليل والنهار . ابن الأعرابي : السعوة الساعة من الليل ، والأسعاء ساعات الليل ، والسعو الشمع في بعض اللغات ، والسعوة الشمعة . ويقال للمرأة البذية الجالعة : سعوة وعلقة وسلقة . والسعي : عدو دون الشد ، سعى يسعى سعيا . وفي الحديث : إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ولكن ائتوها وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ; فالسعي هنا العدو . سعى إذا عدا ، وسعى إذا مشى ، وسعى إذا عمل ، وسعى إذا قصد ، وإذا كان بمعنى المضي عدي بإلى ، وإذا كان بمعنى العمل عدي باللام . والسعي : القصد ، وبذلك فسر قوله تعالى : فاسعوا إلى ذكر الله ; وليس من السعي الذي هو العدو ، وقرأ ابن مسعود : فامضوا إلى ذكر الله ، وقال : لو كانت من السعي لسعيت حتى يسقط ردائي . قال الزجاج : السعي والذهاب بمعنى واحد لأنك تقول للرجل هو يسعى في الأرض ، وليس هذا باشتداد . وقال الزجاج : أصل السعي في كلام العرب التصرف في كل عمل ; ومنه قوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ; معناه إلا ما عمل . ومعنى قوله : فاسعوا إلى ذكر الله ; فاقصدوا . والسعي : الكسب ، وكل عمل من خير أو شر سعي ، والفعل كالفعل . وفي التنزيل : لتجزى كل نفس بما تسعى ; وسعى لهم وعليهم : عمل لهم وكسب . وأسعى غيره : جعله يسعى ; وقد روي بيت أبي خراش :


أبلغ عليا أطال الله ذلهم ! أن البكير الذي أسعوا به همل



أسعوا وأشعوا . وقوله تعالى : فلما بلغ معه السعي ; أي أدرك معه العمل ، وقال الفراء : أطاق أن يعينه على عمله ، قال : وكان إسماعيل يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة ; وقال الزجاج : يقال إنه قد بلغ في ذلك الوقت ثلاث عشرة سنة ولم يسمه . وفي حديث علي ، كرم الله وجهه ، في ذم الدنيا : من ساعاها فاتته أي سابقها ، وهي مفاعلة من السعي كأنها تسعى ذاهبة عنه وهو يسعى مجدا في طلبها فكل منهما يطلب الغلبة في السعي . والسعاة : التصرف ، ونظير السعاة في الكلام النجاة من نجا ينجو ، والفلاة من فلاه يفلوه إذا قطعه عن الرضاع ، وعصاه يعصوه عصاة ، والغراة من قولك غريت به أي أولعت به غراة ، وفعلت ذلك رجاة كذا وكذا ، وتركت الأمر خشاة الإثم ، وأغريته إغراء وغراة ، وأذي أذى وأذاة ، وغديت غدوة وغداة ; حكى الأزهري ذلك كله عن خالد بن يزيد . والسعي يكون في الصلاح ويكون في الفساد ; قال الله عز وجل : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ; نصب قوله فسادا لأنه مفعول له أراد يسعون في الأرض للفساد ، وكانت العرب تسمي أصحاب الحمالات لحقن الدماء وإطفاء النائرة سعاة لسعيهم في صلاح ذات البين ; ومنه قول زهير :


سعى ساعيا غيظ بن مرة     بعدما تبزل ما بين العشيرة بالدم



أي سعيا في الصلح وجمع ما تحملا من ديات القتلى ، والعرب تسمي مآثر أهل الشرف والفضل مساعي ، واحدتها مسعاة لسعيهم فيها كأنها مكاسبهم وأعمالهم التي أعنوا فيها أنفسهم ، والسعاة اسم من ذلك . ومن أمثال العرب : شغلت سعاتي جدواي ; قال أبو عبيد : يضرب هذا مثلا للرجل تكون شيمته الكرم غير أنه معدم ، يقول : شغلتني أموري عن الناس والإفضال عليهم . والمسعاة : المكرمة والمعلاة في أنواع المجد والجود . ساعاه فسعاه يسعيه أي كان أسعى منه . ومن أمثالهم في هذا : بالساعد تبطش اليد . وقال الأزهري : كأنه أراد بالسعاة الكسب على نفسه والتصرف في معاشه ; ومنه قولهم : المرء يسعى لغاريه أي يكسب لبطنه وفرجه . ويقال عامل الصدقات ساع ، وجمعه سعاة . وسعى المصدق يسعى سعاية إذا عمل على الصدقات وأخذها من أغنيائها وردها في فقرائها . وسعى سعاية أيضا : مشى لأخذ الصدقة فقبضها من المصدق . والسعاة : ولاة الصدقة ; قال عمرو بن العداء الكلبي :


سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا     فكيف لو قد سعى عمرو عقالين ؟



[ ص: 193 ] وفي حديث وائل بن حجر : إن وائلا يستسعى ويترفل على الأقوال أي يستعمل على الصدقات ويتولى استخراجها من أربابها ، وبه سمي عامل الزكاة الساعي . ومنه قوله : ولتدركن القلاص فلا يسعى عليها أي تترك زكاتها فلا يكون لها ساع . وسعى عليها : كعمل عليها . والساعي : الذي يقوم بأمر أصحابه عند السلطان ، والجمع السعاة . قال : ويقال : إنه ليقوم أهله أي يقوم بأمرهم . ويقال : فلان يسعى على عياله أي يتصرف لهم ، كما قال الشاعر :


أسعى على جل بني مالك     كل امرئ في شأنه ساعي

وسعى به سعاية إلى الوالي : وشى . وفي حديث ابن عباس أنه قال : الساعي لغير رشدة ; أراد بالساعي الذي يسعى بصاحبه إلى سلطانه فيمحل به ليؤذيه أي أنه ليس ثابت النسب من أبيه الذي ينتمي إليه ولا هو ولد حلال . وفي حديث كعب : الساعي مثلث ; تأويله أنه يهلك ثلاثة نفر بسعايته : أحدهم المسعي به ، والثاني السلطان الذي سعى بصاحبه إليه حتى أهلكه ، والثالث هو الساعي نفسه ، سمي مثلثا لإهلاكه ثلاثة نفر ، ومما يحقق ذلك الخبر الثابت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : لا يدخل الجنة قتات ، فالقتات الساعي والماحل واحد . واستسعى العبد : كلفه من العمل ما يؤدي به عن نفسه إذا أعتق بعضه ليعتق به ما بقي ، والسعاية ما كلف من ذلك . وسعى المكاتب في عتق رقبته سعاية واستسعيت العبد في قيمته . وفي حديث العتق : إذا أعتق بعض العبد فإن لم يكن له مال استسعي غير مشقوق عليه ; استسعاء العبد إذا عتق بعضه ورق بعضه هو أن يسعى في فكاك ما بقي من رقه فيعمل ويكسب ويصرف ثمنه إلى مولاه ، فسمي تصرفه في كسبه سعاية ، وغير مشقوق عليه أي لا يكلفه فوق طاقته ; وقيل : معناه استسعي العبد لسيده أي يستخدمه مالك باقيه بقدر ما فيه من الرق ولا يحمله ما لا يقدر عليه . وقال الخطابي : قوله استسعي غير مشقوق عليه لا يثبته أكثر أهل النقل مسندا عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ويزعمون أنه من قول قتادة . وسعت الأمة : بغت . وساعى الأمة : طلبها للبغاء ، وعم ثعلب به الأمة والحرة ; وأنشد للأعشى :


ومثلك خود بادن قد طلبتها     وساعيت معصيا إليها وشاتها

قال أبو الهيثم : المساعاة مساعاة الأمة إذا ساعى بها مالكها فضرب عليها ضريبة تؤديها بالزنا ، وقيل : لا تكون المساعاة إلا في الإماء ، وخصصن بالمساعاة دون الحرائر لأنهن كن يسعين على مواليهن فيكسبن لهم بضرائب كانت عليهن . وتقول : زنى الرجل وعهر ، فهذا قد يكون بالحرة والأمة ، ولا تكون المساعاة إلا في الإماء خاصة . وفي الحديث : إماء ساعين في الجاهلية ; وأتي عمر برجل ساعى أمة . وفي الحديث : لا مساعاة في الإسلام ، ومن ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته ; المساعاة الزنا يقال : ساعت الأمة إذا فجرت ، وساعاها فلان إذا فجر بها ، وهو مفاعلة من السعي ، كأن كل واحد منهما يسعى لصاحبه في حصول غرضه ، فأبطل الإسلام ، شرفه الله ، ذلك ولم يلحق النسب بها ، وعفا عما كان منها في الجاهلية ممن ألحق بها . وفي حديث عمر : أنه أتي في نساء أو إماء ساعين في الجاهلية فأمر بأولادهن أن يقوموا على آبائهم ولا يسترقوا ; معنى التقويم أن تكون قيمتهم على الزانين لموالي الإماء ويكونوا أحرارا لاحقي الأنساب بآبائهم الزناة ; وكان عمر ، رضي الله عنه : يلحق أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام على شرط التقويم ، وإذا كان الوطء والدعوى جميعا في الإسلام فدعواه باطلة والولد مملوك لأنه عاهر ; قال ابن الأثير : وأهل العلم من الأئمة على خلاف ذلك ولهذا أنكروا بأجمعهم على معاوية في استلحاقه زيادا ، وكان الوطء في الجاهلية والدعوى في الإسلام . قال أبو عبيد : أخبرني الأصمعي أنه سمع ابن عون يذكر هذا الحديث فقال : إن المساعاة لا تكون في الحرائر إنما تكون في الإماء ; قال الأزهري : من هنا أخذ استسعاء العبد إذا عتق بعضه ورق بعضه ، وذلك أنه يسعى في فكاك ما رق من رقبته فيعمل فيه ويتصرف في كسبه حتى يعتق ، ويسمى تصرفه في كسبه سعاية لأنه يعمل فيه ; ومنه يقال : استسعي العبد في رقبته وسوعي في غلته ، فالمستسعى الذي يعتقه مالكه عند موته وليس له مال غيره فيعتق ثلثه ويستسعى في ثلثي رقبته ، والمساعاة : أن يساعيه في حياته في ضريبته . وساعي اليهود والنصارى : هو رئيسهم الذي يصدرون عن رأيه ولا يقضون أمرا دونه ، وهو الذي ذكره حذيفة في الأمانة فقال : إن كان يهوديا أو نصرانيا ليردنه علي ساعيه ، وقيل : أراد بالساعي الوالي عليه من المسلمين وهو العامل ، يقول ينصفني منه . وكل من ولي أمر قوم فهو ساع عليهم ، وأكثر ما يقال في ولاة الصدقة . يقال سعى عليها أي عمل عليها . وسعيا ، مقصور : اسم موضع ; أنشد ابن بري لأخت عمرو ذي الكلب ترثيه من قصيدة أولها :


كل امرئ بطوال العيش مكذوب     وكل من غالب الأيام مغلوب
أبلغ بني كاهل عني مغلغلة     والقوم من دونهم سعيا ومركوب

قال ابن جني : سعيا من الشاذ عندي عن قياس نظائره ، وقياسه سعوى ، وذلك أن فعلى إذا كانت اسما مما لامه ياء فإن ياءه تقلب واوا للفرق بين الاسم والصفة ، وذلك نحو الشروى والبقوى والتقوى ، فسعيا إذا شاذة في خروجها عن الأصل كما شذت القصوى وحزوى . وقولهم : خذ الحلوى وأعطه المرى ، وعلى أنه قد يجوز أن يكون سعيا فعللا من سعيت إلا أنه لم يصرفه لأنه علقه على الموضع علما مؤنثا . وسعيا : لغة في شعيا . وهو اسم نبي من أنبياء بني إسرائيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية