صفحة جزء
[ سنه ]

سنه : السنة واحدة السنين ، قال ابن سيده : السنة العام منقوصة ، والذاهب منها يجوز أن يكون هاء وواوا بدليل قولهم في جمعها : سنهات وسنوات ، كما أن عضة كذلك بدليل قولهم عضاه وعضوات ، قال ابن بري : الدليل على أن لام سنة واو - قولهم سنوات ؛ قال ابن الرقاع :


عتقت في القلال من بيت رأس سنوات وما سبتها التجار

والسنة مطلقة : السنة المجدبة ، أوقعوا ذلك عليها إكبارا لها وتشنيعا واستطالة . يقال : أصابتهم السنة ، والجمع من كل ذلك سنهات وسنون ، كسروا السين ليعلم بذلك أنه قد أخرج عن بابه إلى الجمع بالواو والنون ، وقد قالوا سنينا ؛ وأنشد الفارسي :


دعاني من نجد فإن سنينه     لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا

فثبات نونه مع الإضافة يدل على أنها مشبهة بنون قنسرين فيمن قال : هذه قنسرين ، وبعض العرب يقول : هذه سنين ، كما ترى ، ورأيت سنينا ، فيعرب النون وبعضهم يجعلها نون الجمع ، فيقول : هذه سنون ورأيت سنين ، وقوله عز وجل : ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ، أي بالقحوط ، والسنة الأزمة ، وأصل السنة سنهة ، بوزن جبهة ، فحذفت لامها ، ونقلت حركتها إلى النون ، فبقيت سنة ، لأنها من سنهت النخلة ، وتسنهت إذا أتى عليها السنون . قال الجوهري : تسنهت إذا أتى عليها السنون . قال ابن الأثير : وقيل : إن أصلها سنوة بالواو فحذفت كما حذفت الهاء لقولهم تسنيت عنده إذا أقمت عنده سنة ، ولهذا يقال على الوجهين : استأجرته مسانهة ومساناة ، وتصغيره سنيهة وسنية ، وتجمع سنوات وسنهات ، فإذا جمعتها جمع الصحة كسرت السين ، فقلت سنين وسنون ، وبعضهم يضمها [ ص: 283 ] ويقول : سنون ، بالضم ، ومنهم من يقول : سنين على كل حال في النصب والرفع والجر ، ويجعل الإعراب على النون الأخيرة ، فإذا أضفتها على الأول حذفت نون الجمع للإضافة ، وعلى الثاني لا تحذفها فتقول سني زيد وسنين زيد . الجوهري : وأما من قال : سنين ومئين ورفع النون ؛ ففي تقديره قولان : أحدهما : أنه فعلين مثل غسلين ، محذوفة ، إلا أنه جمع شاذ ، وقد يجيء في الجموع ما لا نظير له نحو عدى ؛ هذا قول الأخفش ، والقول الثاني : أنه فعيل ، وإنما كسروا الفاء لكسرة ما بعدها ، وقد جاء الجمع على فعيل نحو كليب وعبيد ، إلا أن صاحب هذا القول يجعل النون في آخره بدلا من الواو ، وفي المائة بدلا من الياء ، قال ابن بري : سنين ليس بجمع تكسير وإنما هو اسم موضوع للجمع ، وقوله : إن عدى لا نظير له في الجموع - وهم ؛ لأن عدى نظيره لحى وفرى وجرى ، وإنما غلطه قولهم إنه لم يأت فعل صفة إلا عدى ومكانا سوى . وقوله تعالى : ( ثلاثمائة سنين ) ؛ قال الأخفش : إنه بدل من ثلاث ومن المائة ، أي : لبثوا ثلاثمائة من السنين . قال : فإن كانت السنون تفسيرا للمائة فهي جر وإن كانت تفسيرا للثلاث فهي نصب ، والعرب تقول تسنيت عنده وتسنهت عنده . ويقال : هذه بلاد سنين أي جدبة ؛ قال الطرماح :


بمنخرق تحن الريح فيه     حنين الجلب في البلد السنين



الأصمعي : أرض بني فلان سنة إذا كانت مجدبة . قال أبو منصور : وبعث رائد إلى بلد فوجده ممحلا فلما رجع سئل عنه فقال : السنة ، أراد الجدوبة . وفي الحديث اللهم أعني على مضر بالسنة ؛ والسنة : الجدب ، يقال : أخذتهم السنة إذا أجدبوا وأقحطوا ، وهي من الأسماء الغالبة نحو الدابة في الفرس والمال في الإبل ، وقد خصوها بقلب لامها تاء في أسنتوا إذا أجدبوا ، وفي حديث عمر ، رضي الله عنه : أنه كان لا يجيز نكاحا عام سنة أي عام جدب ، يقول : لعل الضيق يحملهم على أن ينكحوا غير الأكفاء ، وكذلك حديثه الآخر : كان لا يقطع في عام سنة ، يعني السارق ، وفي حديث طهفة : فأصابتنا سنية حمراء أي جدب شديد ، وهو تصغير تعظيم ، وفي حديث الدعاء على قريش : أعني عليهم بسنين كسني يوسف ؛ هي التي ذكرها الله في كتابه : " ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد " أي : سبع سنين فيها قحط وجدب ، والمعاملة من وقتها مسانهة ، وسانهه مسانهة وسناها ، الأخيرة عن اللحياني ، عامله بالسنة أو استأجره لها ، وسانهت النخلة ، وهي سنهاء حملت سنة ولم تحمل أخرى ، فأما قول بعض الأنصار ، هو سويد بن الصامت :


فليست بسنهاء ولا رجبية     ولكن عرايا في السنين الجوائح



قال أبو عبيد : لم تصبها السنة المجدبة . والسنهاء : التي أصابتها السنة المجدبة ، وقد تكون النخلة التي حملت عاما ولم تحمل آخر ، وقد تكون التي أصابها الجدب وأضر بها ، فنفى ذلك عنها ، الأصمعي : إذا حملت النخلة سنة ولم تحمل سنة ، قيل : قد عاومت وسانهت ، وقال غيره : يقال للسنة التي تفعل ذلك سنهاء ، وفي الحديث : أنه نهى عن بيع السنين وهو أن يبيع ثمرة نخله لأكثر من سنة ؛ نهى عنه لأنه غرر وبيع ما لم يخلق ، وهو مثل الحديث الآخر : أنه نهى عن المعاومة . وفي حديث حليمة السعدية : خرجنا نلتمس الرضعاء بمكة في سنة سنهاء أي لا نبات بها ولا مطر ، وهي لفظة مبنية من السنة كما يقال : ليلة ليلاء ويوم أيوم ، ويروى : في سنة شهباء . وأرض بني فلان سنة أي مجدبة . أبو زيد : طعام سنه وسن إذا أتت عليه السنون ، وسنه الطعام والشراب سنها وتسنه : تغير ، وعليه وجه بعضهم قوله تعالى : فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ؛ والتسنه التكرج الذي يقع على الخبز والشراب وغيره ، تقول منه : خبز متسنه . وفي القرآن : لم يتسنه لم تغيره السنون ، ومن جعل حذف السنة واوا ؛ قرأ : لم يتسن ، وقال : سانيته مساناة . وإثبات الهاء أصوب ، وقال الفراء : في قوله تعالى : لم يتسنه لم يتغير بمرور السنين عليه ، مأخوذ من السنة ، وتكون الهاء أصلية من قولك بعته مسانهة ، تثبت وصلا ووقفا . ومن وصله بغير هاء جعله من المساناة ؛ لأن لام سنة تعتقب عليها الهاء والواو ، وتكون زائدة صلة بمنزلة قوله تعالى : فبهداهم اقتده ؛ فمن جعل الهاء زائدة جعل فعلت منه تسنيت ، ألا ترى أنك تجمع السنة سنوات ، فيكون تفعلت على صحة ؟ ومن قال في تصغير السنة : سنينة ، وإن كان ذلك قليلا - جاز أن يقول : تسنيت تفعلت ، أبدلت النون ياء لما كثرت النونات كما قالوا تظنيت وأصله الظن ، وقد قالوا : هو مأخوذ من قوله عز وجل : من حمإ مسنون ؛ يريد متغيرا ، فإن يكن كذلك فهو أيضا مما بدلت نونه ياء ، ونرى - والله أعلم - أن معناه مأخوذ من السنة ، أي لم تغيره السنون . وروى الأزهري عن أبي العباس أحمد بن يحيى في قوله : لم يتسنه قال : قرأها أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم بإثبات الهاء إن وصلوا أو قطعوا ، وكذلك قوله : فبهداهم اقتده ؛ ووافقهم أبو عمرو : في : لم يتسنه ؛ وخالفهم في " اقتده " ، فكان يحذف الهاء منه في الوصل ويثبتها في الوقف ، وكان الكسائي يحذف الهاء منهما في الوصل ويثبتها في الوقف ؛ قال أبو منصور : وأجود ما قيل في تصغير السنة : سنيهة على أن الأصل سنهة كما قالوا : الشفة أصلها شفهة فحذفت الهاء ، قال : ونقصوا الهاء من السنة كما نقصوها من الشفة لأن الهاء ضاهت حروف اللين التي تنقص من الواو والياء والألف ، مثل زنة وثبة وعزة وعضة ، والوجه في القراءة : لم يتسنه ، بإثبات الهاء في الوقف والإدراج ، وهو اختيار أبي عمرو ، وهو من قولهم سنه الطعام إذا تغير ، وقال أبو عمرو الشيباني : هو من قولهم حمإ مسنون ؛ فأبدلوا من يتسنن كما قالوا تظنيت وقصيت أظفاري .

التالي السابق


الخدمات العلمية