صفحة جزء
شكر

شكر : الشكر : عرفان الإحسان ونشره ، وهو الشكور أيضا . قال ثعلب : الشكر لا يكون إلا عن يد ، والحمد يكون عن يد وعن غير يد ، فهذا الفرق بينهما . والشكر من الله : المجازاة والثناء الجميل ، شكره وشكر له يشكر شكرا وشكورا وشكرانا ; قال أبو نخيلة :


شكرتك إن الشكر حبل من التقى وما كل من أوليته نعمة يقضي

قال ابن سيده : وهذا يدل على أن الشكر لا يكون إلا عن يد ، ألا ترى أنه قال :

وما كل من أوليته نعمة يقضي أي ليس كل من أوليته نعمة يشكرك عليها . وحكى اللحياني : شكرت الله وشكرت لله وشكرت بالله ، وكذلك شكرت نعمة الله وتشكر له بلاءه : كشكره . وتشكرت له : مثل شكرت له . وفي حديث يعقوب : إنه كان لا يأكل شحوم الإبل تشكرا لله - عز وجل - ; أنشد أبو علي :


وإني لآتيكم تشكر ما مضى     من الأمر واستيجاب ما كان في الغد

أي لتشكر ما مضى ، وأراد ما يكون فوضع الماضي موضع الآتي . ورجل شكور : كثير الشكر . وفي التنزيل العزيز : إنه كان عبدا شكورا . وفي الحديث : حين رئي - صلى الله عليه وسلم - وقد جهد نفسه بالعبادة فقيل له : يا رسول الله أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ أنه قال عليه السلام : أفلا أكون عبدا شكورا ؟ وكذلك الأنثى بغير هاء . والشكور : من صفات الله جل اسمه ، معناه : أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء ، وشكره لعباده : مغفرته لهم . والشكور من أبنية المبالغة . وأما الشكور من عباد الله فهو الذي يجتهد في شكر ربه بطاعته وأدائه ما وظف عليه من عبادته . وقال الله تعالى : اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ; نصب ( شكرا ) لأنه مفعول له كأنه قال : اعملوا لله شكرا ، وإن شئت كان انتصابه على أنه مصدر مؤكد . والشكر : مثل الحمد إلا أن الحمد أعم منه فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة وعلى معروفه ، ولا تشكره إلا على معروفه دون صفاته . والشكر : مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية فيثني على المنعم بلسانه ويذيب نفسه في طاعته ويعتقد أنه موليها ، وهو من شكرت الإبل تشكر إذا أصابت مرعى فسمنت عليه . وفي الحديث : لا يشكر الله من لا يشكر الناس ; معناه أن الله لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه ، إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر ، وقيل معناه أنه من كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لهم كان من عادته كفر نعمة الله وترك الشكر له ، وقيل معناه أن من لا يشكر الناس كان كمن لا يشكر الله ، وإن شكره ، كما تقول : لا يحبني من لا يحبك أي أن محبتك مقرونة بمحبتي فمن أحبني يحبك ومن لم يحبك لم يحبني ; وهذه الأقوال مبنية على رفع اسم الله تعالى ونصبه . والشكر : الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف . يقال : شكرته وشكرت له وباللام أفصح . وقوله تعالى : لا نريد منكم جزاء ولا شكورا يحتمل أن يكون مصدرا مثل قعد قعودا ، ويحتمل أن يكون جمعا مثل برد وبرود وكفر وكفور . والشكران : خلاف الكفران . والشكور من الدواب : ما يكفيه العلف القليل ، وقيل : الشكور من الدواب الذي يسمن على قلة العلف كأنه يشكر ، وإن كان ذلك الإحسان قليلا ، وشكره ظهور نمائه وظهور العلف فيه ; قال الأعشى :


ولا بد من غزوة في الربيع     حجون تكل الوقاح الشكورا

والشكرة والمشكار من الحلوبات : التي تغزر على قلة الحظ من المرعى . ونعت أعرابي ناقة ، فقال : إنها معشار مشكار مغبار ، فأما المشكار فما ذكرنا ، وأما المعشار والمغبار فكل منهما مشروح في بابه ، وجمع الشكرة شكارى وشكرى . التهذيب : والشكرة من الحلائب التي تصيب حظا من بقل أو مرعى فتغزر عليه بعد قلة لبن ، وإذا نزل القوم منزلا فأصابت نعمهم شيئا من بقل قد رب ، قيل : أشكر القوم ، وإنهم ليحتلبون شكرة حيرم ، وقد شكرت الحلوبة شكرا ; وأنشد :


نضرب دراتها إذا شكرت     بأقطها والرخاف نسلؤها

والرخفة : الزبدة . وضرة شكرى إذا كانت ملأى من اللبن ، وقد شكرت شكرا . وأشكر الضرع واشتكر : امتلأ لبنا . وأشكر القوم : شكرت إبلهم والاسم الشكرة . الأصمعي : الشكرة الممتلئة الضرع من النوق ; قال الحطيئة يصف إبلا غزارا :


إذا لم يكن إلا الأماليس أصبحت     لها حلق ضراتها شكرات

قال ابن بري : ويروى بها حلقا ضراتها ، وإعرابه على هذا أن يكون في أصبحت ضمير الإبل ، وهو اسمها ، وحلقا خبرها وضراتها فاعل بحلق ، وشكرات خبر بعد خبر ، والهاء في بها تعود على الأماليس ، وهي جمع إمليس ، وهي الأرض التي لا نبات لها ; قال : ويجوز أن يكون ضراتها اسم أصبحت ، وحلقا خبرها وشكرات خبر بعد خبر ; قال : وأما من روى لها حلق فالهاء في لها تعود على الإبل ، وحلق اسم أصبحت ، وهي نعت لمحذوف تقديره أصبحت لها ضروع [ ص: 116 ] حلق ، والحلق جمع حالق ، وهو الممتلئ ، وضراتها رفع بحلق ، وشكرات خبر أصبحت ; ويجوز أن يكون في أصبحت ضمير الإبل ، وحلق رفع بالابتداء وخبره في قوله لها ، وشكرات منصوب على الحال ، وأما قوله : إذا لم يكن إلا الأماليس ، فإن يكن يجوز أن تكون تامة ، ويجوز أن تكون ناقصة فإن جعلتها ناقصة احتجت إلى خبر محذوف تقديره إذا لم يكن ثم إلا الأماليس أو في الأرض إلا الأماليس ، وإن جعلتها تامة لم تحتج إلى خبر ; ومعنى البيت أنه يصف هذه الإبل بالكرم وجودة الأصل ، وأنه إذا لم يكن لها ما ترعاه وكانت الأرض جدبة فإنك تجد فيها لبنا غزيرا . وفي حديث يأجوج ومأجوج : دواب الأرض تشكر شكرا بالتحريك : إذا سمنت وامتلأ ضرعها لبنا . وعشب مشكرة : مغزرة للبن ، تقول منه : شكرت الناقة بالكسر تشكر شكرا ، وهي شكرة . وأشكر القوم أي يحلبون شكرة . وهذا زمان الشكرة إذا حفلت من الربيع ، وهي إبل شكارى وغنم شكارى . واشتكرت السماء وحفلت واغبرت : جد مطرها واشتد وقعها ; قال امرؤ القيس يصف مطرا :


تخرج الود إذا ما أشجذت     وتواريه إذا ما تشتكر

، ويروى : تعتكر . واشتكرت الرياح : أتت بالمطر . واشتكرت الريح : اشتد هبوبها ; قال ابن أحمر :


المطعمون إذا ريح الشتا اشتكرت     والطاعنون إذا ما استلحم البطل

واشتكرت الرياح : اختلفت عن أبي عبيد : قال ابن سيده : وهو خطأ . واشتكر الحر والبرد : اشتد ; قال الشاعر :


غداة الخمس واشتكرت حرور     كأن أجيجها وهج الصلاء

وشكير الإبل : صغارها . والشكير من الشعر والنبات : ما ينبت من الشعر بين الضفائر ، والجمع الشكر ; وأنشد :


فبينا الفتى يهتز للعين ناضرا     كعسلوجة يهتز منها شكيرها

ابن الأعرابي : الشكير ما ينبت في أصل الشجرة من الورق وليس بالكبار . والشكير من الفرخ الزغب . الفراء : يقال شكرت الشجرة وأشكرت إذا خرج فيها الشيء . ابن الأعرابي : المشكار من النوق التي تغزر في الصيف وتنقطع في الشتاء ، والتي يدوم لبنها سنتها كلها ، يقال لها : ركود ومكود ووشول وصفي . ابن سيده : والشكير الشعر الذي في أصل عرف الفرس كأنه زغب ، وكذلك في الناصية . والشكير من الشعر والريش والعفا والنبت : ما نبت من صغاره بين كباره ، وقيل : هو أول النبت على أثر النبت الهائج المغبر ، وقد أشكرت الأرض ، وقيل : هو الشجر ينبت حول الشجر ، وقيل : هو الورق الصغار ينبت بعد الكبار . وشكرت الشجرة أيضا تشكر شكرا أي خرج منها الشكير ، وهو ما ينبت حول الشجرة من أصلها ; قال الشاعر :


ومن عضه ما ينبتن شكيرها

قال : وربما قالوا للشعر الضعيف شكير ; قال ابن مقبل يصف فرسا :


ذعرت به العير مستوزيا     شكير جحافله قد كتن

ومستوزيا : مشرفا منتصبا . وكتن : بمعنى تلزج وتوسخ . والشكير أيضا : ما ينبت في أصول الشجر الكبار . وشكير النخل : فراخه . وشكر النخل شكرا : كثرت فراخه ; عن أبي حنيفة ; وقال يعقوب : هو من النخل الخوص الذي حول السعف ; وأنشد لكثير :


بروك بأعلى ذي البليد كأنها     صريمة نخل مغطئل شكيرها

مغطئل : كثير متراكب . وقال أبو حنيفة : الشكير الغصون ; وروى الأزهري بسنده : أن مجاعة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال قائلهم :


ومجاع اليمامة قد أتانا     يخبرنا بما قال الرسول
فأعطانا المقادة واستقمنا     وكان المرء يسمع ما يقول

فأقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتب له بذلك كتابا : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب كتبه محمد رسول الله ، لمجاعة بن مرارة بن سلمى ، إني أقطعتك الفورة وعوانة من العرمة والجبل فمن حاجك فإلي . فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فأقطعه الخضرمة ، ثم وفد إلى عمر - رضي الله عنه - فأقطعه أكثر ما بالحجر ، ثم إن هلال بن سراج بن مجاعة وفد إلى عمر بن عبد العزيز بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما استخلف فأخذه عمر ووضعه على عينيه ومسح به وجهه رجاء أن يصيب وجهه موضع يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمر عنده هلال ليلة ، فقال له : يا هلال أبقي من كهول بني مجاعة أحد ؟ قال : نعم وشكير كثير ; قال : فضحك عمر ، وقال : كلمة عربية ، قال : فقال جلساؤه : وما الشكير يا أمير المؤمنين ، قال : ألم تر إلى الزرع إذا زكا فأفرخ فنبت في أصوله فذلكم الشكير . ثم أجازه وأعطاه وأكرمه وأعطاه في فرائض العيال والمقاتلة
; قال أبو منصور : أراد بقوله : وشكير كثير أي ذرية صغار ، شبههم بشكير الزرع ، وهو ما نبت منه صغارا في أصول الكبار ; وقال العجاج يصف ركابا أجهضت أولادها :


والشدنيات يساقطن النغر     خوص العيون مجهضات ما استطر
منهن إتمام شكير فاشتكر

ما استطر : من الطر . يقال : طر شعره أي نبت ، وطر شاربه مثله . يقول : ما استطر منهن . إتمام يعني بلوغ التمام . والشكير : ما نبت صغيرا . فاشتكر : صار شكيرا :


بحاجب ولا قفا ولا ازبأر     منهن سيساء ولا استغشى الوبر

[ ص: 117 ] والشكير : لحاء الشجر ، قال هوذة بن عوف العامري :


على كل خوار العنان كأنها     عصا أرزن قد طار عنها شكيرها

والجمع شكر . وشكر الكرم : قضبانه الطوال ، وقيل : قضبانه الأعالي . وقال أبو حنيفة : الشكير الكرم يغرس من قضيبه ، والفعل من كل ذلك أشكرت واشتكرت وشكرت والشكر : فرج المرأة ، وقيل لحم فرجها ; قال الشاعر يصف امرأة ; أنشده ابن السكيت :


صناع بإشفاها حصان بشكرها     جواد بقوت البطن والعرض وافر

، وفي رواية :

جواد بزاد الركب والعرق زاخر ، وقيل : الشكر بضعها والشكر لغة فيه ; وروي بالوجهين بيت الأعشى :


خلوت بشكرها وشكرها

، وفي الحديث : نهى عن شكر البغي ، هو بالفتح الفرج ; أراد عن وطئها أي عن ثمن شكرها فحذف المضاف ، كقوله : نهى عن عسيب الفحل أي عن ثمن عسبه . وفي الحديث : فشكرت الشاة أي أبدلت شكرها أي فرجها ، ومنه قول يحيى بن يعمر لرجل خاصمته إليه امرأته في مهرها : أإن سألتك ثمن شكرها وشبرك أنشأت تطلها وتضهلها والشكار : فروج النساء واحدها شكر . ويقال للفدرة من اللحم إذا كانت سمينة : شكرى ، قال الراعي :


تبيت المخالي الغر في حجراتها     شكارى مراها ماؤها وحديدها

أراد بحديدها مغرفة من حديد تساط القدر بها وتغترف بها إهالتها . وقال أبو سعيد : يقال فاتحت فلانا الحديث وكاشرته وشاكرته ; أريته أني شاكر . والشيكران : ضرب من النبت . وبنو شكر : قبيلة في الأزد . وشاكر : قبيلة في اليمن ; قال :


معاوي لم ترع الأمانة - فارعها     وكن شاكرا لله والدين - شاكر

أراد : لم ترع الأمانة شاكر فارعها وكن شاكرا لله ، فاعترض بين الفعل والفاعل جملة أخرى ، والاعتراض للتشديد قد جاء بين الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر والصلة والموصول وغير ذلك مجيئا كثيرا في القرآن وفصيح الكلام . وبنو شاكر : في همدان . وشاكر : قبيلة من همدان باليمن . وشوكر : اسم . ويشكر قبيلة في ربيعة . وبنو يشكر : قبيلة في بكر بن وائل .

التالي السابق


الخدمات العلمية