صفحة جزء
صبب

صبب : صب الماء ونحوه يصبه صبا فصب ، وانصب وتصبب : أراقه وصببت الماء : سكبته . ويقال : صببت لفلان ماء في القدح ليشربه ، واصطببت لنفسي ماء من القربة لأشربه ، واصطببت لنفسي قدحا . وفي الحديث : فقام إلى شجب فاصطب منه الماء ; هو افتعل من الصب أي أخذه لنفسه . وتاء الافتعال مع الصاد تقلب طاء ليسهل النطق بها ، وهما من حروف الإطباق . وقال أعرابي : اصطببت من المزادة ماء أي أخذته لنفسي ، وقد صببت الماء فاصطب بمعنى انصب ; وأنشد ابن الأعرابي :


ليت بنيي قد سعى وشبا [ ص: 188 ] ومنع القربة أن تصطبا

وقال أبو عبيدة نحوه . وقال هي جمع صبوب أو صاب . قال الأزهري ، وقال غيره : لا يكون صب جمعا لصاب أو صبوب ، إنما جمع صبوب أو صاب : صبب ، كما يقال : شاة عزوز وعزز وجدود وجدد . وفي حديث بريرة : إن أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة أي دفعة واحدة ، من صب الماء يصبه صبا إذا أفرغه . ومنه صفة علي لأبي بكر عليهما السلام حين مات : كنت على الكافرين عذابا صبا هو مصدر بمعنى الفاعل أو المفعول . ومن كلامهم : تصببت عرقا أي تصبب عرقي ، فنقل الفعل فصار في اللفظ لي ، فخرج الفاعل في الأصل مميزا . ولا يجوز : عرقا تصبب ; لأن هذا المميز هو الفاعل في المعنى ، فكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل ، كذلك لا يجوز تقديم المميز إذا كان هو الفاعل في المعنى على الفعل ; هذا قول ابن جني . وماء صب ، كقولك : ماء سكب ، وماء غور ; قال دكين بن رجاء :


تنضح ذفراه بماء صب     مثل الكحيل أو عقيد الرب

والكحيل : هو النفط الذي يطلى به الإبل الجربى . واصطب الماء : اتخذه لنفسه على ما يجيء عليه عامة هذا النحو ، حكاه سيبويه . والماء ينصب من الجبل أي يتحدر . والصبة : ما صب من طعام وغيره مجتمعا ، وربما ، سمي الصب بغير هاء . والصبة : السفرة ; لأن الطعام يصب فيها ; وقيل : هي شبه السفرة . وفي حديث واثلة بن الأسقع في غزوة تبوك : فخرجت مع خير صاحب زادي في صبتي ورويت صنتي بالنون ، وهما سواء . قال ابن الأثير : الصبة الجماعة من الناس ; وقيل : هي شيء يشبه السفرة . قال : يريد كنت آكل مع الرفقة الذين صحبتهم ، وفي السفرة التي كانوا يأكلون منها . قال : وقيل ، إنما هي الصنة بالنون ، وهي بالكسر والفتح شبه السلة يوضع فيها الطعام . وفي الحديث : لتسمع آية خير من صبيب ذهبا ; قيل : هو ذهب كثير مصبوب غير معدود ; وقيل : هو فعيل بمعنى مفعول ، وقيل : يحتمل أن يكون اسم جبل ، كما قال في حديث آخر : خير من صبير ذهبا . والصبة : القطعة من الإبل والشاء ، وهي القطعة من الخيل ، والصرمة من الإبل والصبة بالضم من الخيل كالسربة ; قال

:

صبة كاليمام تهوي سراعا     وعدي كمثل شبه المضيق

والأسبق صبب كاليمام ، إلا أنه آثر إتمام الجزء على الخبن ; لأن الشعراء يختارون مثل هذا ، وإلا فمقابلة الجمع بالجمع أشكل . واليمام : طائر . والصبة من الإبل والغنم : ما بين العشرين إلى الثلاثين والأربعين ; وقيل : ما بين العشرة إلى الأربعين . وفي الصحاح عن أبي زيد : الصبة من المعز ما بين العشرة إلى الأربعين ; وقيل : هي من الإبل ما دون المائة ، كالفرق من الغنم في قول من جعل الفرق ما دون المائة . والفرز من الضأن : مثل الصبة من المعزى ، والصدعة نحوها ، وقد يقال في الإبل . والصبة : الجماعة من الناس . وفي حديث شقيق ، قال لإبراهيم التيمي : ألم أنبأ أنكم صبتان ، صبتان أي جماعتان جماعتان . وفي الحديث : ألا هل عسى أحد منكم أن يتخذ الصبة من الغنم ؟ أي جماعة منها تشبيها بجماعة الناس . قال ابن الأثير : وقد اختلف في عدها ، فقيل : ما بين العشرين إلى الأربعين من الضأن والمعز ، وقيل : من المعز خاصة ، وقيل : نحو الخمسين ، وقيل : ما بين الستين إلى السبعين . قال : والصبة من الإبل نحو خمس أو ست . وفي حديث ابن عمر : اشتريت صبة من غنم . وعليه صبة من مال أي قليل . والصبة والصبابة بالضم : بقية الماء واللبن وغيرهما تبقى في الإناء والسقاء ; قال الأخطل في الصبابة :


جاد القلال له بذات صبابة     حمراء مثل شخيبة الأوداج

الفراء : الصبة والشول والغرض : الماء القليل . وتصاببت الماء إذا شربت صبابته . وقد اصطبها وتصببها وتصابها . قال الأخطل ، ونسبه الأزهري للشماخ :


لقوم تصاببت المعيشة بعدهم     أعز علينا من عفاء تغيرا

جعله للمعيشة صبابا ، وهو على المثل ; أي فقد من كنت معه أشد علي من ابيضاض شعري . قال الأزهري : شبه ما بقي من العيش ببقية الشراب يتمزره ويتصابه . وفي حديث عتبة بن غز ، أنه خطب الناس ، فقال : ألا إن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء حداء أي مسرعة . وقال أبو عبيد : الصبابة البقية اليسيرة تبقى في الإناء من الشراب ، فإذا شربها الرجل ، قال تصاببتها ; فأما ما أنشده ابن الأعرابي من قول الشاعر :


وليل هديت به فتية     سقوا بصباب الكرى الأغيد

قال : قد يجوز أنه أراد بصبابة الكرى فحذف الهاء ; كما قال الهذلي :


ألا ليت شعري هل تنظر خالد     عيادي على الهجران أم هو بائس

وقد يجوز أن يجعله جمع صبابة ، فيكون من الجمع الذي لا يفارق واحده إلا بالهاء كشعيرة وشعير . ولما استعار السقي للكرى استعار الصبابة له أيضا ، وكل ذلك على المثل . ويقال : قد تصاب فلان المعيشة بعد فلان أي عاش . وقد تصاببتهم أجمعين إلا واحدا . ومضت صبة من الليل أي طائفة . وفي الحديث أنه ذكر فتنا فقال : لتعودن فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض . والأساود : الحيات . وقوله صبا ، قال الزهري ، وهو راوي الحديث : هو من الصب . قال : والحية إذا أراد النهش ارتفع ثم صب على الملدوغ ، ويروى صبى بوزن حبلى . قال الأزهري : قوله أساود صبا جمع صبوب وصبب ، فحذفوا حركة الباء الأولى وأدغموها في الباء الثانية ، فقيل صب ، كما قالوا : رجل صب والأصل صبب فأسقطوا حركة الباء وأدغموها ، فقيل صب ، كما قال ; قاله ابن [ ص: 189 ] الأنباري ، قال : وهذا القول في تفسير الحديث . وقد قاله الزهري ، وصح عن أبي عبيد وابن الأعرابي وعليه العمل . وروي عن ثعلب في كتاب الفاخر فقال : سئل أبو العباس عن قوله أساود ، فحدث عن ابن الأعرابي أنه كان يقول : أساود ، يريد به جماعات سواد وأسودة وأساود ، وصبا : ينصب بعضكم على بعض بالقتل . وقيل : قوله أساود صبا على فعل ، من صبا يصبو إذا مال إلى الدنيا ، كما يقال : غازى وغزى ; أراد لتعودن فيها أساود أي جماعات مختلفين وطوائف متنابذين ، صابئين إلى الفتنة ، مائلين إلى الدنيا وزخرفها . قال : ولا أدري من روى عنه ، وكان ابن الأعرابي يقول : أصله صبأ على فعل بالهمز مثل صابئ من صبا عليه إذا زرى عليه من حيث لا يحتسبه ثم خفف همزه ونون ، فقيل : صبا بوزن غزا . يقال : صب رجلا فلان في القيد إذا قيد ; قال الفرزدق :


وما صب رجلي في حديد مجاشع     مع القد إلا حاجة لي أريدها

والصبب : تصوب نهر أو طريق يكون في حدور . وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا مشى كأنه ينحط في صبب أي في موضع منحدر ، وقال ابن عباس : أراد به أنه قوي البدن ، فإذا مشى فكأنه يمشي على صدر قدميه من القوة ; وأنشد :


الواطئين على صدور نعالهم     يمشون في الدفئي والإبراد

وفي رواية : كأنما يهوي من صبب ، ويروى بالفتح والضم والفتح اسم لما يصب على الإنسان من ماء وغيره كالطهور والغسول والضم جمع صبب . وقيل : الصبب والصبوب تصوب نهر أو طريق . وفي حديث الطواف : حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي أي انحدرتا في السعي . وحديث الصلاة : لم يصب رأسه أي يميله إلى أسفل . ومنه حديث أسامة : فجعل يرفع يده إلى السماء ثم يصبها علي ، أعرف أنه يدعو لي . وفي حديث مسيره إلى بدر : أنه صب في ذفران ، أي مضى فيه منحدرا ودافعا ، وهو موضع عند بدر . وفي حديث ابن عباس : وسئل أي الطهور أفضل ؟ قال : أن تقوم وأنت صب ، أي تنصب مثل الماء ، يعني ينحدر من الأرض ، والجمع أصباب ; قال رؤبة :


بل بلد ذي صعد وأصباب

ويقال : صب ذؤالة على غنم فلان إذا عاث فيها ، وصب الله عليهم سوط عذابه إذا عذبهم ، وصبت الحية عليه إذا ارتفعت فانصبت عليه من فوق . والصبوب ما انصببت فيه ، والجمع صبب . وصبب ، وهي كالهبط ، والجمع أصباب . وأصبوا : أخذوا في الصب . وصب في الوادي : انحدر . أبو زيد : سمعت العرب تقول للحدور : الصبوب ، وجمعها صبب ، وهي الصبيب ، وجمعه أصباب ; وقول علقمة بن عبدة :


فأوردتها ماء كأن جمامه     من الأجن حناء معا وصبيب

قيل : هو الماء المصبوب ، وقيل : الصبيب هو الدم ، وقيل : عصارة العندم ، وقيل : صبغ أحمر . والصبيب : شجر يشبه السذاب يختضب به . والصبيب : السناء الذي يختضب به اللحاء كالحناء . والصبيب أيضا : ماء شجرة السمسم . وقيل : ماء ورق السمسم . وفي حديث عقبة بن عامر : أنه كان يختضب بالصبيب ; قال أبو عبيدة : يقال إنه ماء ورق السمسم أو غيره من نبات الأرض ، قال : قد وصف لي بمصر ، ولون مائه أحمر يعلوه سواد ; ومنه قول علقمة بن عبدة البيت المتقدم ، وقيل : هو عصارة ورق الحناء والعصفر . والصبيب : العصفر المخلص ; وأنشد :


يبكون من بعد الدموع الغزر     دما سجالا كصبيب العصفر

والصبيب : شيء يشبه الوسمة . وقال غيره : ويقال للعرق صبيب ; وأنشد :


هواجر تجتلب الصبيبا

ابن الأعرابي : ضربه ضربا صبا وحدرا إذا ضربه بحد السيف . وقال مبتكر : ضربه مائة فصبا منون ، أي فدون ذلك ، ومائة فصاعدا أي ما فوق ذلك . وفي قتل أبي رافع اليهودي : فوضعت صبيب السيف في بطنه أي طرفه وآخر ما يبلغ سيلانه حين ضرب ، وقيل : سيلانه مطلقا . والصبابة : الشوق ; وقيل : رقته وحرارته . وقيل : رقة الهوى . صببت إليه صبابة ، فأنا صب أي عاشق مشتاق والأنثى صبة . سيبويه : وزن صب فعل ; لأنك تقول : صببت بالكسر يا رجل صبابة ، كما تقول : قنعت قناعة . وحكى اللحياني فيما يقوله نساء الأعراب عند التأخيذ بالأخذ : صب فاصبب إليه ، أرق فارق إليه ; قال الكميت :


ولست تصب إلى الظاعنين     إذا ما صديقك لم يصبب

ابن الأعرابي : صب الرجل إذا عشق يصب صبابة ، ورجل صب ، ورجلان صبان ، ورجال صبون ، وامرأتان صبتان ، ونساء صبات ، على مذهب من قال : رجل صب بمنزلة قولك رجل فهم وحذر . وأصله صبب فاستثقلوا الجمع بين باءين متحركتين ، فأسقطوا حركة الباء الأولى وأدغموها في الباء الثانية ، قال : ومن قال رجل صب ، وهو يجعل الصب مصدر صببت صبا على أن يكون الأصل فيه صببا ثم لحقه الإدغام ، قال في التثنية : رجلان صب ورجال صب وامرأة صب . أبو عمرو : الصبيب الجليد ; وأنشد في صفة الشتاء :


ولا كلب إلا والج أنفه استه     وليس بها إلا صبا وصبيبها

والصبيب : فرس من خيل العرب معروف ، عن أبي زيد . وصبصب الشيء : محقه وأذهبه . وبصبص الشيء : امحق وذهب . وصب الرجل والشيء إذا محق . أبو عمرو : والمتصبصب الذاهب الممحق . وتصبصب الليل تصبصبا : ذهب إلا قليلا ; قال الراجز :


إذا الأداوى ماؤها تصبصبا

[ ص: 190 ] الفراء : تصبصب ما في سقائك أي قل ; وقال المرار :


تظل نساء بني عامر     تتبع صبصابه كل عام

صبصابه ما بقي منه ، أو ما صب منه . والتصبصب : شدة الخلاف والجرأة . يقال : تصبصب علينا فلان وتصبصب النهار : ذهب إلا قليلا ; وأنشد :


حتى إذا ما يومها تصبصبا

قال أبو زيد : أي ذهب إلا قليلا . وتصبصب الحر : اشتد ; قال العجاج :


حتى إذا ما يومها تصبصبا

أي اشتد عليها الحر ذلك اليوم . قال الأزهري : وقول أبي زيد أحب إلي . وتصبصب أي مضى وذهب ; ويروى : تصببا ; وبعده قوله :


من صادر أو وارد أيدي سبا

وتصبصب القوم : تفرقوا . أبو عمرو : صبصب إذا فرق جيشا أو مالا . وقرب صبصاب : شديد : صبصاب مثل بصباص . الأصمعي : خمس صبصاب وبصباص وحصحاص : كل هذا السير الذي ليست فيه وثيرة ولا فتور . وبعير صبصب وصباصب : غليظ شديد .

التالي السابق


الخدمات العلمية