صفحة جزء
[ صلا ]

صلا : الصلاة : الركوع والسجود . فأما قوله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد فإنه أراد لا صلاة فاضلة أو كاملة ، والجمع صلوات . والصلاة : الدعاء والاستغفار ؛ قال الأعشى :


وصهباء طاف يهوديها وأبرزها وعليها ختم     وقابلها الريح في دنها
وصلى على دنها وارتسم

.

قال : دعا لها أن لا تحمض ، ولا تفسد . والصلاة من الله تعالى : الرحمة ؛ قال عدي بن الرقاع :

[ ص: 276 ]

صلى الإله على امرئ ودعته     وأتم نعمته عليه وزادها

وقال الراعي :


صلى على عزة الرحمن وابنتها     ليلى وصلى على جاراتها الأخر

وصلاة الله على رسوله : رحمته له وحسن ثنائه عليه . وفي حديث ابن أبي أوفى أنه قال : أعطاني أبي صدقة ماله فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى ؛ قال الأزهري : هذه الصلاة عندي الرحمة ؛ ومنه قوله عز وجل : إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فالصلاة من الملائكة دعاء واستغفار ، ومن الله رحمة ، وبه سميت الصلاة لما فيها من الدعاء والاستغفار . وفي الحديث التحيات لله والصلوات ؛ قال أبو بكر : الصلوات ؛ معناها الترحم . وقوله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي أي يترحمون . وقوله : اللهم صل على آل أبي أوفى أي : ترحم عليهم وتكون الصلاة بمعنى الدعاء . وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان مفطرا فليطعم ، وإن كان صائما فليصل قوله : فليصل ، يعني فليدع لأرباب الطعام بالبركة والخير ، والصائم إذا أكل عنده الطعام صلت عليه الملائكة ؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة عشرا . وكل داع فهو مصل ومنه قول الأعشى :


عليك مثل الذي صليت فاغتمضي     نوما فإن لجنب المرء مضطجعا

معناه أنه يأمرها بأن تدعو له مثل دعائها أي تعيد الدعاء له ، ويروى : عليك مثل الذي صليت ، فهو رد عليها أي عليك مثل دعائك أي ينالك من الخير مثل الذي أردت بي ودعوت به لي . أبو العباس في قوله تعالى : هو الذي يصلي عليكم وملائكته فيصلي يرحم ، وملائكته يدعون للمسلمين والمسلمات . ومن الصلاة بمعنى الاستغفار حديث سودة : أنها قالت : يا رسول الله إذا متنا صلى لنا عثمان بن مظعون حتى تأتينا ، فقال لها : إن الموت أشد مما تقدرين ؛ قال شمر : قولها صلى لنا أي استغفر لنا عند ربه . وكان عثمان مات حين قالت سودة ذلك . وأما قوله تعالى : أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة فمعنى الصلوات ههنا الثناء عليهم من الله تعالى ؛ وقال الشاعر :


صلى على يحيى وأشياعه     رب كريم وشفيع مطاع

معناه ترحم الله عليه على الدعاء لا على الخبر . ابن الأعرابي : الصلاة من الله رحمة ، ومن المخلوقين الملائكة والإنس والجن : القيام والركوع والسجود والدعاء والتسبيح ، والصلاة من الطير والهوام التسبيح . وقال الزجاج : الأصل في الصلاة اللزوم . يقال : قد صلي واصطلى إذا لزم ، ومن هذا من يصلى في النار أي يلزم النار . وقال أهل اللغة في الصلاة : إنها من الصلوين ، وهما مكتنفا الذنب من الناقة وغيرها وأول موصل الفخذين من الإنسان فكأنهما في الحقيقة مكتنفا العصعص ؛ قال الأزهري : والقول عندي هو الأول ، إنما الصلاة لزوم ما فرض الله تعالى والصلاة من أعظم الفرض الذي أمر بلزومه . والصلاة : واحدة الصلوات المفروضة ، وهو اسم يوضع موضع المصدر تقول : صليت صلاة ، ولا تقل تصلية وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن الأثير : وقد تكرر في الحديث ذكر الصلاة ، وهي العبادة المخصوصة ، وأصلها في اللغة الدعاء فسميت ببعض أجزائها ، وقيل : أصلها في اللغة التعظيم ، وسميت الصلاة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظم الرب تعالى وتقدس . وقوله في التشهد : الصلوات لله ، أي الأدعية التي يراد بها تعظيم الله هو مستحقها لا تليق بأحد سواه . وأما قولنا : اللهم صل على محمد ، فمعناه عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته ، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته ؛ وقيل : المعنى لما أمرنا الله سبحانه بالصلاة عليه ولن نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله وقلنا : اللهم صل أنت على محمد لأنك أعلم بما يليق به ، وهذا الدعاء قد اختلف فيه هل يجوز إطلاقه على غير النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ، والصحيح أنه خاص له ، ولا يقال لغيره . وقال الخطابي : الصلاة التي بمعنى التعظيم والتكريم لا تقال لغيره والتي بمعنى الدعاء والتبريك تقال لغيره ، ومنه : اللهم صل على آل أبي أوفى أي ترحم وبرك ، وقيل فيه : إن هذا خاص له ، ولكنه هو آثر به غيره ؛ وأما سواه فلا يجوز له أن يخص به أحدا . وفي الحديث : من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة عشرا أي : دعت له وبركت . وفي الحديث : الصائم إذا أكل عنده الطعام صلت عليه الملائكة . وصلوات اليهود : كنائسهم . وفي التنزيل : لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد قال ابن عباس : هي كنائس اليهود أي مواضع الصلوات ، وأصلها بالعبرانية صلوتا ، وقرئت وصلوت ومساجد ، قال : وقيل إنها مواضع صلوات الصابئين ، وقيل : معناه لهدمت مواضع الصلوات فأقيمت الصلوات مقامها ، كما قال تعالى : وأشربوا في قلوبهم العجل أي : حب العجل ، وقال بعضهم : تهديم الصلوات تعطيلها ، وقيل : الصلاة بيت لأهل الكتاب يصلون فيه . وقال ابن الأنباري : عليهم صلوات أي رحمات ، قال : ونسق الرحمة على الصلوات لاختلاف اللفظين . وقوله تعالى : وصلوات الرسول أي ودعواته . والصلا : وسط الظهر من الإنسان ، ومن كل ذي أربع ، وقيل : هو ما انحدر من الوركين ، وقيل : هي الفرجة بين الجاعرة والذنب ، وقيل : هو ما عن يمين الذنب وشماله ، والجمع صلوات وأصلاء الأولى مما جمع من المذكر بالألف والتاء . والمصلي من الخيل : الذي يجيء بعد السابق ؛ لأن رأسه يلي صلا المتقدم ، وهو تالي السابق ، وقال اللحياني : إنما سمي مصليا لأنه يجيء ورأسه على صلا السابق ، وهو مأخوذ من الصلوين لا محالة ، وهما مكتنفا ذنب الفرس ، فكأنه يأتي ورأسه مع ذلك المكان . يقال : صلى الفرس إذا جاء مصليا . وصلوت الظهر : ضربت صلاه أو أصبته بشيء سهم أو غيره ؛ عن اللحياني ، قال : وهي هذلية . ويقال : أصلت الناقة ، فهي مصلية إذا وقع ولدها في صلاها وقرب نتاجها . وفي حديث علي أنه [ ص: 277 ] قال : سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر ، وثلث عمر وخبطتنا فتنة ، فما شاء الله ؛ قال أبو عبيد : وأصل هذا في الخيل ، فالسابق الأول ، والمصلي الثاني ، قيل له مصل ؛ لأنه يكون عند صلا الأول ، وصلاه جانبا ذنبه عن يمينه وشماله ثم يتلوه الثالث ؛ قال أبو عبيد : ولم أسمع في سوابق الخيل ممن يوثق بعلمه اسما لشيء منها إلا الثاني والسكيت ، وما سوى ذلك ، إنما يقال الثالث والرابع ، وكذلك إلى التاسع . قال أبو العباس : المصلي في كلام العرب السابق المتقدم ، قال : وهو مشبه بالمصلي من الخيل ، وهو السابق الثاني ، قال : ويقال للسابق الأول من الخيل المجلي ، وللثاني المصلي وللثالث المسلي ، وللرابع التالي ، وللخامس المرتاح ، وللسادس العطف ، وللسابع الحظي ، وللثامن المؤمل ، وللتاسع اللطيم ، وللعاشر السكيت ، وهو آخر السبق جاء به في تفسير قولهم رجل مصل . وصلاءة : اسم . وصلاءة بن عمرو النميري : أحد القلعين ؛ قال ابن بري : القلعان لقبان لرجلين من بني نمير ، وهما صلاءة وشريح ابنا عمرو بن خويلفة بن عبد الله بن الحرث بن نمير . وصلى اللحم وغيره يصليه صليا : شواه وصليته صليا مثال رميته رميا ، وأنا أصليه صليا إذا فعلت ذلك ، وأنت تريد أن تشويه ، فإذا أردت أنك تلقيه فيها إلقاء كأنك تريد الإحراق قلت أصليته بالألف إصلاء ، وكذلك صليته أصليه تصلية . التهذيب : صليت اللحم بالتخفيف على وجه الصلاح ؛ معناه شويته ، فأما أصليته وصليته فعلى وجه الفساد والإحراق ؛ ومنه قوله تعالى : فسوف نصليه نارا وقوله : ويصلى سعيرا . والصلاء بالمد والكسر : الشواء ؛ لأنه يصلى بالنار . وفي حديث عمر : لو شئت لدعوت بصلاء هو بالكسر والمد الشواء . وفي الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بشاة مصلية ؛ قال الكسائي : المصلية المشوية فأما إذا أحرقته وأبقيته في النار قلت صليته بالتشديد وأصليته . وصلى اللحم في النار وأصلاه وصلاه : ألقاه للإحراق ، قال :


ألا يا اسلمي ياهند هند بني بدر     تحية من صلى فؤادك بالجمر

.

أراد أنه قتل قومها فأحرق فؤادها بالحزن عليهم . وصلي بالنار وصليها صليا وصليا وصليا وصلى وصلاء واصطلى بها وتصلاها : قاسى حرها ، وكذلك الأمر الشديد ، قال أبو زبيد :


فقد تصليت حر حربهم     كما تصلى المقرور من قرس

.

وفلان لا يصطلى بناره : إذا كان شجاعا لا يطاق . وفي حديث السقيفة : أنا الذي لا يصطلى بناره . الاصطلاء افتعال من صلا النار والتسخن بها أي أنا الذي لا يتعرض لحربي . وأصلاه النار : أدخله إياها وأثواه فيها وصلاه النار ، وفي النار وعلى النار صليا وصليا وصليا ، وصلي فلان النار تصلية . وفي التنزيل العزيز : ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا . ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قرأ : ويصلى سعيرا ، وكان الكسائي يقرأ به ، وهذا ليس من الشي ، إنما هو من إلقائك إياه فيها ، وقال ابن مقبل :


يخيل فيها ذو وسوم كأنما     يطلى بجص أو يصلى فيضيح

ومن خفف فهو من قولهم : صلي فلان بالنار يصلى صليا احترق . قال الله تعالى : هم أولى بها صليا وقال العجاج : قال ابن بري وصوابه الزفيان :


تالله لولا النار أن نصلاها


أو يدعو الناس علينا الله


لما سمعنا لأمير قاها

وصليت النار أي قاسيت حرها . اصلوها أي قاسوا حرها ، وهي الصلا والصلاء مثل الأيا والإياء للضياء إذا كسرت مددت ، وإذا فتحت قصرت ؛ قال امرؤ القيس :


وقاتل كلب الحي عن نار أهله     ليربض فيها والصلا متكنف

ويقال : صليت الرجل نارا إذا أدخلته النار وجعلته يصلاها ، فإن ألقيته فيها إلقاء كأنك تريد الإحراق قلت أصليته بالألف وصليته تصلية . والصلاء والصلا : اسم للوقود تقول : صلا النار ، وقيل : هما النار . وصلى يده بالنار : سخنها ، قال :


أتانا فلم نفرح بطلعة وجهه     طروقا وصلى كف أشعث ساغب

واصطلى بها استدفأ . وفي التنزيل : لعلكم تصطلون قال الزجاج : جاء في التفسير أنهم كانوا في شتاء فلذلك احتاج إلى الاصطلاء . وصلى العصا على النار وتصلاها : لوحها وأدارها على النار ليقومها ويلينها . وفي الحديث : أطيب مضغة صيحانية مصلية قد صليت في الشمس وشمست ، ويروى بالباء ، وهو مذكور في موضعه . وفي حديث حذيفة : فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار أي يدفئه . وقدح مصلى : مضبوح ؛ قال قيس بن زهير :


فلا تعجل بأمرك واستدمه     فما صلى عصاه كمستديم

والمصلاة : شرك ينصب للصيد . وفي حديث أهل الشام : إن للشيطان مصالي وفخوخا ، والمصالي شبيهة بالشرك تنصب للطير وغيرها ، قال ذلك أبو عبيد يعني ما يصيد به الناس من الآفات التي يستفزهم بها من زينة الدنيا وشهواتها ، واحدتها مصلاة . ويقال : صلي بالأمر وقد صليت به أصلى به إذا قاسيت حره وشدته وتعبه ؛ قال الطهوي :


ولا تبلى بسالتهم وإن هم     صلوا بالحرب حينا بعد حين

وصليت لفلان بالتخفيف مثال رميت : وذلك إذا عملت له في أمر تريد أن تمحل به وتوقعه في هلكة ، والأصل في هذا من المصالي ، وهي الأشراك تنصب للطير وغيرها . وصليته وصليت له : محلت به وأوقعته في هلكة من ذلك . والصلابة والصلاءة : مدق الطيب ، قال سيبويه : إنما همزت ولم يك حرف العلة فيها طرفا لأنهم جاءوا بالواحد على قولهم في الجمع صلاء مهموزة ، كما قالوا مسنية [ ص: 278 ] ومرضية حين جاءت على مسني ومرضي ، وأما من قال صلاية ، فإنه لم يجئ بالواحد على صلاء . أبو عمرو : الصلاية كل حجر عريض يدق عليه عطر أو هبيد . الفراء : تجمع الصلاءة صليا وصليا والسماء سميا وسميا ؛ وأنشد :


أشعث مما ناطح الصليا

يعني الوتد . ويجمع خثي البقر على خثي وخثي والصلاية : الفهر ، قال أمية يصف السماء :


سراة صلاية خلقاء صيغت     تزل الشمس ليس لها رئاب

قال : وإن ما قال امرؤ القيس :


مداك عروس أو صلاية حنظل

فأضافه إليه ؛ لأنه يفلق به إذا يبس . ابن شميل : الصلاية سريحة خشنة غليظة من القف والصلا ما عن يمين الذنب وشماله ، وهما صلوان . وأصلت الفرس إذا استرخى صلواها ، وذلك إذا قرب نتاجها . وصليت الظهر : ضربت صلاه أو أصبته نادر ، وإنما حكمه صلواته ، كما تقول هذيل . الليث : الصليان نبت ، قال بعضهم : هو على تقدير فعلان ، وقال بعضهم : فعليان ، فمن قال فعليان قال هذه أرض مصلاة ، وهو نبت له سنمة عظيمة كأنها رأس القضبة إذا خرجت أذنابها تجذبها الإبل والعرب تسميه خبزة الإبل ، وقال غيره : من أمثال العرب في اليمين إذا أقدم عليها الرجل ليقتطع بها مال الرجل : جذها جذ العير الصليانة ، وذلك أن لها جعثنة في الأرض فإذ كدمها العير اقتلعها بجعثتها . وفي حديث كعب : إن الله بارك لدواب المجاهدين في صليان أرض الروم كما بارك لها في شعير سورية ؛ معناه أي يقوم لخيلهم مقام الشعير وسورية هي بالشام .

التالي السابق


الخدمات العلمية