صفحة جزء
[ صور ]

صور : في أسماء الله تعالى : المصور ، وهو الذي صور جميع الموجودات ورتبها فأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة مفردة يتميز بها على اختلافها وكثرتها . ابن سيده : الصورة في الشكل ، قال : فأما ما جاء في الحديث من قوله : خلق الله آدم على صورته فيحتمل أن تكون الهاء راجعة على اسم الله تعالى ، وأن تكون راجعة على آدم ، فإذا كانت عائدة على اسم الله تعالى فمعناه على الصورة التي أنشأها الله وقدرها ، فيكون المصدر حينئذ مضافا إلى الفاعل ؛ لأنه سبحانه هو المصور لا أن له - عز اسمه وجل - صورة ، ولا تمثالا ، كما [ ص: 304 ] أن قولهم : لعمر الله إنما هو والحياة التي كانت بالله والتي آتانيها الله لا أن له تعالى حياة تحله ، ولا هو - علا وجهه - محل للأعراض ، وإن جعلتها عائدة على آدم كان معناه على صورة آدم أي : على صورة أمثاله ممن هو مخلوق مدبر ، فيكون هذا حينئذ كقولك للسيد والرئيس : قد خدمته خدمته أي الخدمة التي تحق لأمثاله ، وفي العبد والمبتذل : قد استخدمته استخدامه أي استخدام أمثاله ممن هو مأمور بالخفوف والتصرف ، فيكون حينئذ كقوله تعالى : في أي صورة ما شاء ركبك والجمع صور وصور وصور ، وقد صوره فتصور . الجوهري والصور بكسر الصاد لغة في الصور جمع صورة ، وينشد هذا البيت على هذه اللغة يصف الجواري :


أشبهن من بقر الخلصاء أعينها وهن أحسن من صيرانها صورا

وصوره الله صورة حسنة فتصور . وفي حديث ابن مقرن : أما علمت أن الصورة محرمة ؟ أراد بالصورة الوجه وتحريمها المنع من الضرب واللطم على الوجه ، ومنه الحديث : كره أن تعلم الصورة أي يجعل في الوجه كي أو سمة . وتصورت الشيء : توهمت صورته فتصور لي . والتصاوير : التماثيل . وفي الحديث : أتاني الليلة ربي في أحسن صورة ، قال ابن الأثير : الصورة ترد في كلام العرب على ظاهرها وعلى معنى حقيقة الشيء ، وهيئته وعلى معنى صفته . يقال : صورة الفعل كذا وكذا أي هيئته ، وصورة الأمر كذا وكذا أي صفته ، فيكون المراد بما جاء في الحديث أنه أتاه في أحسن صفة ويجوز أن يعود المعنى إلى النبي صلى الله عليه وسلم : أتاني ربي ، وأنا في أحسن صورة وتجري معاني الصورة كلها عليه إن شئت ظاهرها أو هيئتها أو صفتها ، فأما إطلاق ظاهر الصورة على الله عز وجل ؛ فلا ، تعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا . ورجل صير شبر أي حسن الصورة والشارة ؛ عن الفراء ، وقوله :


وما أيبلي على هيكل     بناه وصلب فيه وصارا

ذهب أبو علي إلى أن معنى صار صور ؛ قال ابن سيده : ولم أرها لغيره . وصار الرجل : صوت . وعصفور صوار : يجيب الداعي إذا دعا . والصور بالتحريك : الميل . ورجل أصور بين الصور أي مائل مشتاق . الأحمر : صرت إلى الشيء وأصرته إذا أملته إليك ؛ وأنشد :


أصار سديسها مسد مريج

ابن الأعرابي : في رأسه صور إذا وجد فيه أكالا وهميما . وفي رأسه صور أي ميل . وفي صفة مشيه عليه السلام : كان فيه شيء من صور أي ميل ؛ قال الخطابي : يشبه أن يكون هذا الحال إذا جد به السير لا خلقة . وفي حديث عمر ، وذكر العلماء ، فقال : تنعطف عليهم بالعلم قلوب لا تصورها الأرحام أي لا تميلها ، هكذا أخرجه الهروي عن عمر وجعله الزمخشري من كلام الحسن . وفي حديث ابن عمر : إني لأدني الحائض مني ، وما بي إليها صورة أي ميل وشهوة تصورني إليها . وصار الشيء صورا وأصاره فانصار : أماله ، فمال ؛ قالت الخنساء :


لظلت الشهب منها وهي تنصار

أي تصدع وتفلق ؛ وخص بعضهم به إمالة العنق . وصور يصور صورا ، وهو أصور : مال ؛ قال :


الله يعلم أنا في تلفتنا     يوم الفراق إلى أحبابنا صور

وفي حديث عكرمة : حملة العرش كلهم صور هو جمع أصور ، وهو المائل العنق لثقل حمله . وقال الليث : الصور الميل . والرجل يصور عنقه إلى الشيء إذا مال نحوه بعنقه . والنعت أصور ، وقد صور . وصاره يصوره ويصيره أي أماله ، وصار وجهه يصور : أقبل به . وفي التنزيل العزيز : فصرهن إليك وهي قراءة علي وابن عباس ، وأكثر الناس أي وجههن ، وذكره ابن سيده في الياء أيضا ؛ لأن صرت وصرت لغتان ؛ قال اللحياني : قال بعضهم معنى صرهن وجههن ، ومعنى صرهن قطعهن وشققهن ، والمعروف أنهما لغتان بمعنى واحد ، وكلهم فسروا فصرهن أملهن ، والكسر فسر بمعنى قطعهن ، قال الزجاج : قال أهل اللغة معنى صرهن إليك أملهن واجمعهن إليك ؛ وأنشد :


وجاءت خلعة دهس صفايا     يصور عنوقها أحوى زنيم

أي يعطف عنوقها تيس أحوى ، ومن قرأ : فصرهن إليك بالكسر ففيه قولان : أحدهما أنه بمعنى صرهن ، يقال صاره يصوره ويصيره إذا أماله لغتان ؛ الجوهري : قرئ فصرهن بضم الصاد وكسرها ، قال الأخفش : يعني وجههن ، يقال : صر إلي وصر وجهك إلي أي أقبل علي . الجوهري : وصرت الشيء أيضا قطعته وفصلته ؛ قال العجاج :


صرنا به الحكم وأعيا الحكما

قال : فمن قال هذا جعل في الآية تقديما وتأخيرا كأنه قال : خذ إليك أربعة فصرهن ؛ قال ابن بري : هذا الرجز الذي نسبه الجوهري للعجاج ليس هو للعجاج ، وإنما هو لرؤبة يخاطب الحكم بن صخر وأباه صخر بن عثمان ؛ وقبله :


أبلغ أبا صخر بيانا معلما     صخر بن عثمان بن عمرو وابن ما

وفي حديث مجاهد : كره أن يصور شجرة مثمرة يحتمل أن يكون أراد يميلها فإن إمالتها ربما تؤديها إلى الجفوف ويجوز أن يكون أراد به قطعها . وصورا النهر : شطاه . والصور بالتسكين : النخل الصغار ، وقيل : هو المجتمع ، وليس له واحد من لفظه ، وجمع الصير صيران ؛ قال كثير عزة :


أألحي أم صيران دوم تناوحت     بتريم قصرا واستحنت شمالها

والصور : أصل النخل ؛ قال :


كأن جدعا خارجا من صوره     ما بين أذنيه إلى سنوره

وفي حديث ابن عمر : أنه دخل صور نخل ، قال أبو عبيدة : الصور [ ص: 305 ] جماع النخل ، ولا واحد له من لفظه وهذا كما يقال لجماعة البقر صوار . وفي حديث ابن عمر : أنه خرج إلى صور بالمدينة ؛ قال الأصمعي : الصور جماعة النخل الصغار ، وهذا جمع على غير لفظ الواحد ، وكذلك الحابس ؛ وقال شمر : يجمع الصور صيرانا ، قال : ويقال لغير النخل من الشجر صور وصيران ، وذكره كثير ، وفيه أنه قال : يطلع من هذا الصور رجل من أهل الجنة فطلع أبو بكر ، الصور : الجماعة من النخل ، ومنه : أنه خرج إلى صور بالمدينة . والحديث الآخر : أنه أتى امرأة من الأنصار ففرشت له صورا وذبحت له شاة . وحديث بدر : أن أبا سفيان بعث رجلين من أصحابه فأحرقا صورا من صيران العريض . الليث : الصوار والصوار القطيع من البقر ، والعدد أصورة ، والجمع صيران . والصوار : وعاء المسك ، وقد جمعها الشاعر بقوله :


إذا لاح الصوار ذكرت ليلى     وأذكرها إذا نفح الصوار

والصيار لغة فيه . ابن الأعرابي : الصورة النخلة والصورة الحكة من انتغاش الحظى في الرأس . وقالت امرأة من العرب لابنة لهم : هي تشفيني من الصورة وتسترني من الغورة بالغين ، وهي الشمس . والصور : القرن ؛ قال الراجز :


لقد نطحناهم غداة الجمعين     نطحا شديدا لا كنطح الصورين

وبه فسر المفسرون قوله تعالى : فإذا نفخ في الصور ونحوه ، وأما أبو علي فالصور هنا عنده جمع صورة ، وسيأتي ذكره . قال أبو الهيثم : اعترض قوم فأنكروا أن يكون الصور قرنا ، كما أنكروا العرش والميزان والصراط ، وادعوا أن الصور جمع الصورة ، كما أن الصوف جمع الصوفة ، والثوم جمع الثومة ، ورووا ذلك عن أبي عبيدة ، قال أبو الهيثم : وهذا خطأ فاحش وتحريف لكلمات الله عز وجل عن مواضعها ؛ لأن الله عز وجل ، قال : وصوركم فأحسن صوركم ففتح الواو ، قال : ولا نعلم أحدا من القراء قرأها فأحسن صوركم ، وكذلك ، قال : ونفخ في الصور فمن قرأ ونفخ في الصور أو قرأ : فأحسن صوركم فقد افترى الكذب وبدل كتاب الله ، وكان أبو عبيدة صاحب أخبار وغريب ولم يكن له معرفة بالنحو . قال الفراء : كل جمع على لفظ الذكر سبق جمعه واحدته ، فواحدته بزيادة هاء فيه ، وذلك مثل الصوف والوبر والشعر والقطن والعشب فكل واحد من هذه الأسماء اسم لجميع جنسه ، فإذا أفردت واحدته زيدت فيها هاء ؛ لأن جميع هذا الباب سبق واحدته ، ولو أن الصوفة كانت سابقة الصوف لقالوا : صوفة وصوف وبسرة وبسر ، كما قالوا : غرفة وغرف ، وزلفة وزلف ، وأما الصور القرن فهو واحد لا يجوز أن يقال واحدته صورة ، وإنما تجمع صورة الإنسان صورا ؛ لأن واحدته سبقت جمعه . وفي حديث أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أنعم وصاحب القرن قد التقمه وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر ؟ قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ، قال : قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل . قال الأزهري : وقد احتج أبو الهيثم فأحسن الاحتجاج ، قال : ولا يجوز عندي غير ما ذهب إليه وهو قول أهل السنة والجماعة ، قال : والدليل على صحة ما قالوا أن الله تعالى ذكر تصويره الخلق في الأرحام قبل نفخ الروح ، وكانوا قبل أن صورهم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم صورهم تصويرا ، فأما البعث فإن الله تعالى ينشئهم كيف شاء ، ومن ادعى أنه يصورهم ثم ينفخ فيهم فعليه البيان ، ونعوذ بالله من الخذلان . وحكى الجوهري عن الكلبي في قوله تعالى : يوم ينفخ في الصور ويقال : هو جمع صورة مثل بسر وبسرة أي ينفخ في صور الموتى الأرواح ، قال : وقرأ الحسن : يوم ينفخ في الصور . والصواران : صماغا الفم ، والعامة تسميها الصوارين ، وهما الصامغان أيضا . وفيه : تعهدوا الصوارين ، فإنهما مقعد الملك هما ملتقى الشدقين أي تعهدوهما بالنظافة ؛ وقول الشاعر :


كأن عرفا مائلا من صوره

يريد شعر الناصية . ويقال : إني لأجد في رأسي صورة ، وهي شبه الحكة ؛ قال ابن سيده : الصورة شبه الحكة يجدها الإنسان في رأسه حتى يشتهي أن يفلى . والصوار مشدد : كالصوار ؛ قال جرير :


فلم يبق في الدار إلا الثمام     وخيط النعام وصوارها

والصوار والصوار : الرائحة الطيبة . والصوار والصوار : القليل من المسك ، وقيل : القطعة منه ، والجمع أصورة ، فارسي . وأصورة المسك : نافجاته ؛ وروى بعضهم بيت الأعشى :


إذا تقوم يضوع المسك أصورة     والزنبق الورد من أردانها شمل

وفي صفة الجنة : وترابها الصوار ، يعني المسك . وصوار المسك : نافجته ، والجمع أصورة . وضربه فتصور أي سقط . وفي الحديث : يتصور الملك على الرحم ؛ أي يسقط من قولهم : صريته تصرية تصور منها أي سقط . وبنو صور : بطن من بني هزان بن يقدم بن عنزة . الجوهري : وصارة اسم جبل ، ويقال أرض ذات شجر . وصارة الجبل : أعلاه وتحقيرها صؤيرة سماعا من العرب . والصور والصور : موضع بالشام ؛ قال الأخطل :


أمست إلى جانب الحشاك جيفته     ورأسه دونه اليحموم والصور

وصارة : موضع ؛ قال ابن سيده : وإذ قد تكافأ في ذلك الياء والواو ، والتبس الاشتقاقان فحمله على الواو أولى ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية