صفحة جزء
ظنن

ظنن : المحكم : الظن شك ويقين إلا أنه ليس بيقين عيان ، إنما هو يقين تدبر ، فأما يقين العيان فلا يقال فيه : إلا علم ، وهو يكون اسما ومصدرا ، وجمع الظن الذي هو الاسم ظنون ، وأما قراءة من قرأ : وتظنون بالله الظنون ; بالوقف وترك الوصل ، فإنما فعلوا ذلك لأن رءوس الآيات عندهم فواصل ، ورءوس الآي وفواصلها يجري فيها [ ص: 197 ] ما يجري في أواخر الأبيات والفواصل ؛ لأنه إنما خوطب العرب بما يعقلونه في الكلام المؤلف ، فيدل بالوقف في هذه الأشياء وزيادة الحروف فيها نحو الظنونا والسبيلا والرسولا ، على أن ذلك الكلام قد تم وانقطع ، وأن ما بعده مستأنف ، ويكرهون أن يصلوا فيدعوهم ذلك إلى مخالفة المصحف . وأظانين ، على غير القياس ; وأنشد ابن الأعرابي :


لأصبحن ظالما حربا رباعية فاقعد لها ودعن عنك الأظانينا



قال ابن سيده : وقد يجوز أن يكون الأظانين جمع أظنونة إلا أني لا أعرفها . التهذيب : الظن يقين وشك ; وأنشد أبو عبيدة :


ظني بهم كعسى وهم بتنوفة     يتنازعون جوائز الأمثال



يقول : اليقين منهم كعسى ، وعسى شك ; وقال شمر : قال أبو عمرو : معناه ما يظن بهم من الخير فهو واجب وعسى من الله واجب . وفي التنزيل العزيز : إني ظننت أني ملاق حسابيه ; أي علمت ، وكذلك قوله عز وجل : وظنوا أنهم قد كذبوا ; أي علموا ، يعني الرسل ، أن قومهم قد كذبوهم فلا يصدقونهم ، وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير ونافع وابن عامر بالتشديد ، وبه قرأت عائشة وفسرته على ما ذكرناه . الجوهري : الظن معروف ، قال : وقد يوضع موضع العلم ، قال دريد بن الصمة :


فقلت لهم : ظنوا بألفي مدجج     سراتهم في الفارسي المسرد



أي استيقنوا ، وإنما يخوف عدوه باليقين لا بالشك . وفي الحديث : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ; أراد الشك يعرض لك في الشيء فتحققه وتحكم به ، وقيل : أراد إياكم وسوء الظن وتحقيقه دون مبادي الظنون التي لا تملك وخواطر القلوب التي لا تدفع ; ومنه الحديث : وإذا ظننت فلا تحقق ; قال : وقد يجيء الظن بمعنى العلم ; وفي حديث أسيد بن حضير : وظننا أن لم يجد عليهما أي علمنا . وفي حديث عبيدة : قال أنس : سألته عن قوله تعالى : أو لامستم النساء ; فأشار بيده فظننت ما قال أي علمت . وظننت الشيء أظنه ظنا واظننته واظطننته وتظننته وتظنيته على التحويل ; قال :


كالذئب وسط العنه ، إلا تره تظنه



أراد تظننه ، ثم حول إحدى النونين ياء ، ثم حذف للجزم ، ويروى " تطنه " . وقوله : تره أراد إلا تر ، ثم بين الحركة في الوقف بالهاء فقال تره ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف . وحكى اللحياني عن بني سليم : لقد ظنت ذلك أي ظننت ، فحذفوا كما حذفوا ظلت ومست وما أحست ذاك ، وهي سلمية . قال سيبويه : أما قولهم : ظننت به فمعناه جعلته موضع ظني ، وليست الباء هنا بمنزلتها في قوله تعالى : وكفى بالله حسيبا ; إذ لو كان ذلك لم يجز السكت عليه كأنك قلت ظننت في الدار ، ومثله شككت فيه ، وأما ظننت ذلك فعلى المصدر . وظننته ظنا وأظننته واظطننته : اتهمته . والظنة : التهمة . ابن سيده : وهي الظنة والطنة ، قلبوا الظاء طاء هاهنا قلبا ، وإن لم يكن هنالك إدغام لاعتيادهم اطن ومطن واطنان ، كما حكاه سيبويه من قولهم : الدكر ، حملا على ادكر . والظنين : المتهم الذي تظن به التهمة ، ومصدره الظنة ، والجمع الظنن ; يقال منه : اظنه واطنه ، بالطاء والظاء ، إذا اتهمه . ورجل ظنين : متهم من قوم أظناء بيني الظنة والظنانة . وقوله عز وجل : ( وما هو على الغيب بظنين ) ; بمتهم ، وفي التهذيب : معناه ما هو على ما ينبئ عن الله من علم الغيب بمتهم ، قال : وهذا يروى عن علي - عليه السلام - . وقال الفراء : ويقال : ( وما هو على الغيب بظنين ) ; أي بضعيف ، يقول : هو محتمل له ، والعرب تقول للرجل الضعيف أو القليل الحيلة : هو ظنون ; قال : وسمعت بعض قضاعة يقول : ربما دلك على الرأي الظنون ; يريد الضعيف من الرجال ، فإن يكن معنى ظنين ضعيفا فهو كما قيل : ماء شروب وشريب وقروني وقريني وقرونتي وقرينتي ، وهي النفس والعزيمة . وقال ابن سيرين : ما كان علي يظن في قتل عثمان وكان الذي يظن في قتله غيره ، قال أبو عبيد : قوله : يظن يعني يتهم ، وأصله من الظن ، إنما هو يفتعل منه ، وكان في الأصل يظتن ، فثقلت الظاء مع التاء فقلبت ظاء معجمة ، ثم أدغمت ، ويروى بالطاء المهملة ، وقد تقدم ; وأنشد :


وما كل من يظنني أنا معتب     ولا كل ما يروى علي أقول



ومثله :


هو الجواد الذي يعطيك نائله     عفوا ، ويظلم أحيانا فيظلم



كان في الأصل فيظتلم ، فقلبت التاء ظاء وأدغمت في الظاء فشددت . أبو عبيدة : تظنيت من ظننت ، وأصله تظننت ، فكثرت النونات فقلبت إحداها ياء كما قالوا : قصيت أظفاري ، قال ابن بري : حكى ابن السكيت عن الفراء : ما كل من يظتنني . وقال المبرد : الظنين المتهم ، وأصله المظنون ، وهو من ظننت الذي يتعدى إلى مفعول واحد . تقول : ظننت بزيد وظننت زيدا أي اتهمت ; وأنشد لعبد الرحمن بن حسان :


فلا ويمين الله ، لا عن جناية     هجرت ، ولكن الظنين ظنين



ونسب ابن بري هذا البيت لنهار بن توسعة . وفي الحديث : لا تجوز شهادة ظنين أي متهم في دينه ، فعيل بمعنى مفعول من الظنة التهمة . وقوله في الحديث الآخر : ولا ظنين في ولاء ، هو الذي ينتمي إلى غير مواليه لا تقبل شهادته للتهمة . وتقول ظننتك زيدا وظننت زيدا إياك ; تضع المنفصل موضع المتصل في الكناية عن الاسم والخبر لأنهما منفصلان في الأصل لأنهما مبتدأ وخبره . والمظنة والمظنة : بيت يظن فيه الشيء . وفلان مظنة من كذا ومئنة أي معلم ; وأنشد أبو عبيد :


يسط البيوت لكي يكون مظنة     من حيث توضع جفنة المسترفد



[ ص: 198 ]

الجوهري : مظنة الشيء موضعه ومألفه الذي يظن كونه فيه ، والجمع المظان . يقال : موضع كذا مظنة من فلان أي معلم منه ; قال النابغة :


فإن يك عامر قد قال جهلا     فإن مظنة الجهل الشباب



ويروى : السباب ، ويروى : مطية ، قال ابن بري : قال الأصمعي : أنشدني أبو علبة بن أبي علبة الفزاري بمحضر من خلف الأحمر :


فإن مطية الجهل الشباب



لأنه يستوطئه كما تستوطأ المطية . وفي حديث صلة بن أشيم : طلبت الدنيا من مظان حلالها ; المظان جمع مظنة ، بكسر الظاء ، وهي موضع الشيء ومعدنه ، مفعلة من الظن بمعنى العلم ; قال ابن الأثير : وكان القياس فتح الظاء وإنما كسرت لأجل الهاء ، المعنى طلبتها في المواضع التي يعلم فيها الحلال . وفي الحديث : خير الناس رجل يطلب الموت مظانه أي معدنه ومكانه المعروف به أي إذا طلب وجد فيه ، واحدتها مظنة ، بالكسر ، وهي مفعلة من الظن أي الموضع الذي يظن به الشيء ; قال : ويجوز أن تكون من الظن بمعنى العلم والميم زائدة . وفي الحديث : فمن تظن ؟ أي من تتهم ، وأصله تظتن من الظنة التهمة ، فأدغم الظاء في التاء ثم أبدل منها طاء مشددة كما يقال : مطلم في مظلم ; قال ابن الأثير : أورده أبو موسى في باب الطاء وذكر أن صاحب التتمة أورده فيه لظاهر لفظه ، قال : ولو روي بالظاء المعجمة لجاز . يقال : مطلم ومظلم ومظطلم كما يقال : مدكر ومذكر ومذدكر . وإنه لمظنة أن يفعل ذاك أي خليق من أن يظن به فعله ، وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث ; عن اللحياني . ونظرت إلى أظنهم أن يفعل ذلك أي إلى أخلقهم أن أظن به ذلك . وأظننته الشيء : أوهمته إياه . وأظننت به الناس : عرضته للتهمة . والظنين : المعادي لسوء ظنه وسوء الظن به . والظنون : الرجل السيئ الظن ، وقيل : السيئ الظن بكل أحد . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : احتجزوا من الناس بسوء الظن أي لا تثقوا بكل أحد فإنه أسلم لكم ; ومنه قولهم : الحزم سوء الظن . وفي حديث علي - كرم الله وجهه - : إن المؤمن لا يمسي ولا يصبح إلاع ونفسه ظنون عنده أي متهمة لديه . وفي حديث عبد الملك بن عمير : السوآء بنت السيد أحب إلي من الحسناء بنت الظنون أي المتهمة . والظنون : الرجل القليل الخير . ابن سيده : الظنين القليل الخير ، وقيل : هو الذي تسأله وتظن به المنع فيكون كما ظننت : ورجل ظنون : لا يوثق بخبره ; قال زهير :


ألا أبلغ لديك بني تميم     وقد يأتيك بالخبر الظنون



أبو طالب : الظنون المتهم في عقله ، والظنون كل ما لا يوثق به من ماء أو غيره . يقال : علمه بالشيء ظنون إذا لم يوثق به ; قال :


كصخرة إذ تسائل في مراح     وفي حزم ، وعلمهما ظنون



والماء الظنون : الذي تتوهمه ولست على ثقة منه . والظنة : القليل من الشيء ، ومنه بئر ظنون : قليلة الماء ; قال أوس بن حجر :


يجود ويعطي المال من غير ظنة     ويحطم أنف الأبلج المتظلم



وفي المحكم : بئر ظنون قليلة الماء لا يوثق بمائها . وقال الأعشى في الظنون ، وهي البئر التي لا يدرى أفيها ماء أو لا :


ما جعل الذي الجد الظنون     جنب صوب اللجب الماطر
مثل الفراتي ، إذا ما طما     يقذف بالبوصي والماهر



وفي الحديث : فنزل على ثمد بوادي الحديبية ظنون الماء يتبرضه تبرضا ; الماء الظنون : الذي تتوهمه ولست منه على ثقة ، فعول بمعنى مفعول ، وهي البئر التي يظن أن فيها ماء . وفي حديث شهر : حج رجل فمر بماء ظنون ، قال : وهو راجع إلى الظن والشك والتهمة . ومشرب ظنون : لا يدرى أبه ماء أم لا ; قال :


مقحم السير ظنون الشرب



ودين ظنون : لا يدري صاحبه أيأخذه أم لا . وكل ما لا يوثق به فهو ظنون وظنين . وفي حديث علي - عليه السلام - أنه قال : في الدين الظنون يزكيه لما مضى إذا قبضه ; قال أبو عبيد : الظنون الذي لا يدري صاحبه أيقضيه الذي عليه الدين أم لا ، كأنه الذي لا يرجوه . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : لا زكاة في الدين الظنون ; هو الذي لا يدري صاحبه أيصل إليه أم لا ، وكذلك كل أمر تطالبه ولا تدري على أي شيء أنت منه فهو ظنون . والتظني : إعمال الظن ، وأصله التظنن ، أبدل من إحدى النونات ياء . والظنون من النساء : التي لها شرف تتزوج طمعا في ولدها وقد أسنت ، سميت ظنونا لأن الولد يرتجى منها . وقول أبي بلال بن مرداس وقد حضر جنازة فلما دفنت جلس على مكان مرتفع ثم تنفس الصعداء وقال : كل منية ظنون إلا القتل في سبيل الله ; لم يفسر ابن الأعرابي ظنونا هاهنا ، قال : وعندي أنها القليلة الخير والجدوى . وطلبه مظانة أي ليلا ونهارا .

التالي السابق


الخدمات العلمية