صفحة جزء
[ عبر ]

عبر : عبر الرؤيا يعبرها عبرا وعبارة وعبرها : فسرها ، وأخبر بما يئول إليه أمرها ، وفي التنزيل العزيز :إن كنتم للرؤيا تعبرون ، أي : إن كنتم تعبرون الرؤيا فعداها باللام ، كما قال تعالى : قل عسى أن يكون ردف لكم ، أي : ردفكم ، قال الزجاج : هذه اللام أدخلت على المفعول للتبيين ، والمعنى : إن كنتم تعبرون وعابرين ، ثم بين باللام ، فقال : للرؤيا ، قال : وتسمى هذه اللام لام التعقيب ; لأنها عقبت الإضافة ، قال الجوهري : أوصل الفعل باللام ، كما يقال : إن كنت للمال جامعا ، واستعبره إياها : سأله تعبيرها ، والعابر : الذي ينظر في الكتاب فيعبره ، أي : يعتبر بعضه ببعض حتى يقع فهمه عليه ، ولذلك قيل : عبر الرؤيا واعتبر فلان كذا ، وقيل : أخذ هذا كله من العبر ، وهو جانب النهر وعبر الوادي وعبره الأخيرة عن كراع : شاطئه وناحيته ، قال النابغة الذبياني يمدح النعمان :


وما الفرات إذا جاشت غواربه ترمي أواذيه العبرين بالزبد



قال ابن بري : وخبر ما النافية في بيت بعده ، وهو :


يوما بأطيب منه سيب نافلة     ولا يحول عطاء اليوم دون غد



والسيب : العطاء ، والنافلة : الزيادة ، كما قال سبحانه وتعالى : ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ، وقوله : ولا يحول عطاء اليوم دون غد

أي : إذا أعطى اليوم لم يمنعه ذلك من أن يعطي في غد ، وغواربه : ما علا منه ، والأواذي : الأمواج واحدها آذي ، ويقال : فلان في ذلك العبر ، أي : في ذلك الجانب ، وعبرت النهر والطريق أعبره عبرا وعبورا إذا قطعته من هذا العبر إلى ذلك العبر فقيل لعابر الرؤيا : عابر ; لأنه يتأمل ناحيتي الرؤيا فيتفكر في أطرافها ويتدبر كل شيء منها ، ويمضي بفكره فيها من أول ما رأى النائم إلى آخر ما رأى ، وروي عن أبي رزين العقيلي : أنه سمع النبي يقول : الرؤيا على رجل طائر فإذا عبرت وقعت فلا تقصها إلا على واد أو ذي رأي ; لأن الواد لا يحب أن يستقبلك في تفسيرها إلا بما تحب ، وإن لم يكن عالما بالعبارة لم يعجل لك بما يغمك لا أن تعبيره يزيلها عما جعلها الله عليه ، وأما ذو الرأي فمعناه ذو العلم بعبارتها فهو يخبرك بحقيقة تفسيرها أو بأقرب ما يعلمه منها ، ولعله أن يكون في تفسيرها موعظة تردعك عن قبيح أنت عليه أو يكون فيها بشرى فتحمد الله على النعمة فيها ، وفي الحديث : الرؤيا لأول عابر ، العابر : الناظر في الشيء والمعتبر : المستدل بالشيء على الشيء ، وفي الحديث : للرؤيا كنى وأسماء فكنوها بكناها واعتبروها بأسمائها ، وفي حديث ابن سيرين : كان يقول إني أعتبر الحديث ، المعنى فيه أنه يعبر الرؤيا على الحديث ويعتبر به كما يعتبرها بالقرآن في تأويلها ، مثل أن يعبر الغراب بالرجل الفاسق والضلع بالمرأة ; لأن النبي سمى الغراب فاسقا ، وجعل المرأة كالضلع ونحو ذلك من الكنى والأسماء ، ويقال : عبرت الطير أعبرها إذا زجرتها ، وعبر عما في نفسه : أعرب وبين ، وعبر عنه غيره : عيي فأعرب عنه ، والاسم العبرة والعبارة والعبارة ، وعبر عن فلان : تكلم عنه واللسان يعبر عما في الضمير ، وعبر بفلان الماء ، وعبره به عن اللحياني ، والمعبر : ما عبر به النهر من فلك أو قنطرة أو غيره ، والمعبر : الشط المهيأ للعبور ، قال الأزهري : والمعبرة : سفينة يعبر عليها النهر ، وقال ابن شميل : عبرت متاعي ، أي : باعدته ، والوادي يعبر السيل عنا ، أي : يباعده ، والعبري من السدر : ما نبت على عبر النهر وعظم ، منسوب إليه نادر ، وقيل : هو ما لا ساق له منه ، وإنما يكون ذلك فيما قارب العبر ، وقال يعقوب : العبري والعمري منه ما شرب الماء وأنشد :


لاث به الأشاء والعبري



قال : والذي لا يشرب يكون بريا وهو الضال ، قال : وإن كان عذيا فهو الضال ، أبو زيد : يقال للسدر وما عظم من العوسج : العبري ، والعمري : القديم من السدر ، وأنشد قول ذي الرمة :

[ ص: 14 ]

قطعت إذا تخوفت العواطي     ضروب السدر عبريا وضالا



ورجل عابر سبيل ، أي : مار الطريق ، وعبر السبيل يعبرها عبورا : شقها وهم عابرو سبيل وعبار سبيل ، وقوله تعالى : ولا جنبا إلا عابري سبيل ، فسره فقال : معناه أن تكون له حاجة في المسجد وبيته بالبعد فيدخل المسجد ويخرج مسرعا ، وقال الأزهري : إلا عابري سبيل ، معناه إلا مسافرين ; لأن المسافر يعوزه الماء ، وقيل : إلا مارين في المسجد غير مريدين الصلاة ، وعبر السفر يعبره عبرا : شقه عن اللحياني ، والشعرى العبور ، وهما شعريان : أحدهما الغميصاء ، وهو أحد كوكبي الذراعين ، وأما العبور فهي مع الجوزاء تكون نيرة سميت عبورا ; لأنها عبرت المجرة ، وهي شامية ، وتزعم العرب أن الأخرى بكت على إثرها حتى غمصت فسميت الغميصاء ، وجمل عبر أسفار وجمال عبر أسفار يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث مثل الفلك الذي لا يزال يسافر عليها ، وكذلك عبر أسفار بالكسر ، وناقة عبر أسفار وسفر وعبر وعبر : قوية على السفر تشق ما مرت به وتقطع الأسفار عليها ، وكذلك الرجل الجريء على الأسفار الماضي فيها القوي عليها ، والعبار : الإبل القوية على السير ، والعبار : الجمل القوي على السير ، وعبر الكتاب يعبره عبرا : تدبره في نفسه ، ولم يرفع صوته بقراءته ، قال الأصمعي : يقال في الكلام لقد أسرعت استعبارك للدراهم ، أي : استخراجك إياها ، وعبر المتاع والدراهم يعبرها : نظر كم وزنها وما هي ، وعبرها : وزنها دينارا دينارا ، وقيل : عبر الشيء إذا لم يبالغ في وزنه أو كيله ، وتعبير الدراهم ، وزنها جملة بعد التفاريق ، والعبرة : العجب ، واعتبر منه : تعجب ، وفي التنزيل : فاعتبروا ياأولي الأبصار ، أي : تدبروا وانظروا فيما نزل بقريظة والنضير فقايسوا فعالهم واتعظوا بالعذاب الذي نزل بهم ، وفي حديث أبي ذر : فما كانت صحف موسى ، قال : كانت عبرا كلها ، العبر : جمع عبرة وهي كالموعظة مما يتعظ به الإنسان ، ويعمل به ويعتبر ليستدل به على غيره ، والعبرة : الاعتبار بما مضى ، وقيل : العبرة الاسم من الاعتبار ، الفراء : العبر الاعتبار قال : والعرب تقول : اللهم اجعلنا ممن يعبر الدنيا ولا يعبرها ، أي : ممن يعتبر بها ، ولا يموت سريعا حتى يرضيك بالطاعة ، والعبور : الجذعة من الغنم أو أصغر وعين اللحياني ذلك الصغر ، فقال : العبور من الغنم فوق الفطيم من إناث الغنم ، وقيل : هي أيضا التي لم تجز عامها ، والجمع عبائر ، وحكي عن اللحياني : لي نعجتان وثلاث عبائر ، والعبير : أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران ، وقيل : هو الزعفران وحده ، وقيل : هو الزعفران عند أهل الجاهلية قال الأعشى :


وتبرد برد رداء العرو     س في الصيف رقرقت فيه العبيرا



وقال أبو ذؤيب :


وسرب تطلى بالعبير كأنه     دماء ظباء بالنحور ذبيح



ابن الأعرابي : العبير الزعفرانة ، وقيل : العبير ضرب من الطيب ، وفي الحديث : أتعجز إحداكن أن تتخذ تومتين ثم تلطخهما بعبير أو زعفران ؟ وفي هذا الحديث بيان أن العبير غير الزعفران ، قال ابن الأثير : العبير نوع من الطيب ذو لون يجمع من أخلاط ، والعبرة : الدمعة ، وقيل : هو أن ينهمل الدمع ولا يسمع البكاء ، وقيل : هي الدمعة قبل أن تفيض ، وقيل : هي تردد البكاء في الصدر ، وقيل : هي الحزن بغير بكاء ، والصحيح الأول ، ومنه قوله :


وإن شفائي عبرة لو سفحتها



الأصمعي : ومن أمثالهم في عناية الرجل بأخيه وإيثاره إياه على نفسه قولهم : لك ما أبكي ولا عبرة بي ، يضرب مثلا للرجل يشتد اهتمامه بشأن أخيه ويروى : ولا عبرة لي ، أي : أبكي من أجلك ولا حزن لي في خاصة نفسي ، والجمع عبرات وعبر ، الأخيرة عن ابن جني ، وعبرة الدمع : جريه ، وعبرت عينه واستعبرت : دمعت ، وعبر عبرا واستعبر : جرت عبرته وحزن ، وحكى الأزهري عن أبي زيد : عبر الرجل يعبر عبرا إذا حزن ، وفي حديث أبي بكر - رضي الله عنه - : أنه ذكر النبي ثم استعبر فبكى ، هو استفعل من العبرة ، وهي تحلب الدمع ، ومن دعاء العرب على الإنسان : ما له سهر وعبر ، وامرأة عابر وعبرى وعبرة : حزينة ، والجمع عبارى ، قال الحارث بن وعلة الجرمي ، ويقال هو لابن عابس الجرمي :


يقول لي النهدي : هل أنت مردفي ؟     وكيف رداف الفر ؟ أمك عابر



أي ثاكل


يذكرني بالرحم بيني وبينه     وقد كان في نهد وجرم تدار



أي تقاطع


نجوت نجاء لم ير الناس مثله     كأني عقاب عند تيمن كاسر



والنهدي : رجل من بني نهد يقال له سليط سأل الحارث أن يردفه خلفه لينجو به فأبى أن يردفه ، وأدركت بنو سعد النهدي فقتلوه ، وعين عبرى ، أي : باكية ، ورجل عبران وعبر : حزين ، والعبر : الثكلى ، والعبر : البكاء بالحزن يقال لأمه العبر والعبر ، والعبر والعبران : الباكي ، والعبر والعبر : سخنة العين من ذلك كأنه يبكي لما به ، والعبر بالتحريك : سخنة في العين تبكيها ، ورأى فلان عبر عينه في ذلك الأمر وأراه عبر عينه ، أي : ما يبكيها أو يسخنها ، وعبر به : أراه عبر عينه ، قال ذو الرمة :


ومن أزمة حصاء تطرح أهلها     على ملقيات يعبرن بالغفر



وفي حديث أم زرع : وعبر جارتها ، أي : أن ضرتها ترى من عفتها ما تعتبر به ، وقيل : إنها ترى من جمالها ما يعبر عينها ، أي : يبكيها ، وامرأة مستعبرة ومستعبرة : غير حظية ، قال القطامي :


لها روضة في القلب لم ترع مثلها      [ ص: 15 ] فروك ولا المستعبرات الصلائف



والعبر بالضم : الكثير من كل شيء ، وقد غلب على الجماعة من الناس ، والعبر : جماعة القوم هذلية عن كراع ، ومجلس عبر وعبر : كثير الأهل ، وقوم عبير : كثير ، والعبر : السحائب التي تسير سيرا شديدا ، يقال : عبر بفلان هذا الأمر ، أي : اشتد عليه ومنه قول الهذلي :


ما أنا والسير في متلف     يعبر بالذكر الضابط



ويقال : عبر فلان إذا مات فهو عابر كأنه عبر سبيل الحياة ، وعبر القوم ، أي : ماتوا قال الشاعر :


فإن نعبر فإن لنا لمات     وإن نغبر فنحن على نذور



يقول : إن متنا فلنا أقران ، وإن بقينا فنحن ننتظر ما لا بد منه كأن لنا في إتيانه نذرا ، وقولهم : لغة عابرة ، أي : جائزة ، وجارية معبرة : لم تخفض ، وأعبر الشاة : وفر صوفها ، وجمل معبر : كثير الوبر كأن وبره وفر عليه وإن لم يقولوا أعبرته ، قال :


أو معبر الظهر ينبى عن وليته     ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا



وقال اللحياني : عبر الكبش ترك صوفه عليه سنة ، وأكبش عبر إذا ترك صوفها عليها ، ولا أدري كيف هذا الجمع ؟ ، الكسائي : أعبرت الغنم إذا تركتها عاما لا تجزها إعبارا ، وقد أعبرت الشاة فهي معبرة ، والمعبر : التيس الذي ترك عليه شعره سنوات فلم يجز ؛ قال بشر بن أبي خازم يصف كبشا :


جزيز القفا شبعان يربض حجرة     حديث الخصاء وارم العفل معبر



أي : غير مجزوز ، وسهم معبر وعبر : موفور الريش كالمعبر من الشاء والإبل ، ابن الأعرابي : العبر من الناس القلف واحدهم عبور ، وغلام معبر : كاد يحتلم ولم يختن بعد ، قال :


فهو يلوي باللحاء الأقشر     تلوية الخاتن زب المعبر



وقيل : هو الذي لم يختن قارب الاحتلام أو لم يقارب ، قال الأزهري : غلام معبر إذا كاد يحتلم ولم يختن ، وقال في الشتم : يا ابن المعبرة ، أي : العفلاء وأصله من ذلك ، والعبر : العقاب ، وقد قيل : إنه العثر بالثاء ، وسيذكر في موضعه ، وبنات عبر : الباطل ، قال :


إذا ما جئت جاء بنات عبر     وإن وليت أسرعن الذهابا



وأبو بنات عبر : الكذاب ، والعبيراء ممدود : نبت عن كراع حكاه مع الغبيراء ، والعوبر : جرو الفهد عن كراع أيضا ، والعبر وبنو عبرة كلاهما قبيلتان ، والعبر : قبيلة ، وعابر بن أرفخشذ بن سام بن نوح - عليه السلام - ، والعبرانية : لغة اليهود ، والعبري بالكسر : العبراني لغة اليهود .

التالي السابق


الخدمات العلمية