صفحة جزء
[ عسر ]

عسر : العسر والعسر : ضد اليسر ، وهو الضيق والشدة والصعوبة ، قال الله تعالى : سيجعل الله بعد عسر يسرا ، وقال : فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا . روي عن ابن مسعود أنه قرأ ذلك [ ص: 145 ] وقال : لا يغلب عسر يسرين . وسئل أبو العباس عن تفسير قول ابن مسعود ومراده من هذا القول ، فقال : قال الفراء : العرب إذا ذكرت نكرة ثم أعادتها بنكرة مثلها صارتا اثنتين ، وإذا أعادتها بمعرفة فهي هي ، تقول من ذلك : إذا كسبت درهما فأنفق درهما ، فالثاني غير الأول ، وإذا أعدتها بالألف واللام فهي هي تقول من ذلك : إذا كسبت درهما فأنفق الدرهم ، فالثاني هو الأول . قال أبو العباس : وهذا معنى قول ابن مسعود ; لأن الله تعالى لما ذكر العسر ثم أعاده بالألف واللام علم أنه هو ، ولما ذكر يسرا ثم أعاده بلا ألف ولام ، علم أن الثاني غير الأول ، فصار العسر الثاني العسر الأول ، وصار يسر ثان غير يسر بدأ بذكره . ويقال : إن الله جل ذكره أراد بالعسر في الدنيا على المؤمن أنه يبدله يسرا في الدنيا ويسرا في الآخرة ، والله تعالى أعلم . قال الخطابي : العسر بين اليسرين إما فرج عاجل في الدنيا وإما ثواب آجل في الآخرة . وفي حديث عمر أنه كتب إلى أبي عبيدة وهو محصور : مهما تنزل بامرئ شديدة يجعل الله بعدها فرجا ، فإنه لن يغلب عسر يسرين . وقيل : لو دخل العسر جحرا لدخل اليسر عليه ، وذلك أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا في ضيق شديد ، فأعلمهم الله أنه سيفتح عليهم ، ففتح الله عليهم الفتوح وأبدلهم بالعسر الذي كانوا فيه اليسر . وقيل في قوله : فسنيسره لليسرى ، أي للأمر السهل الذي لا يقدر عليه إلا المؤمنون ، وقوله عز وجل : فسنيسره للعسرى قالوا : العسرى : العذاب والأمر العسير ، قال الفراء : يقول القائل : كيف قال الله تعالى : فسنيسره للعسرى وهل في العسرى تيسير ؟ قال الفراء : وهذا في جوازه بمنزلة قوله تعالى : وبشر الذين كفروا بعذاب أليم والبشارة في الأصل تقع على المفرج السار ، فإذا جمعت كل أمر في خير وشر جاز التبشير فيهما جميعا .

قال الأزهري : وتقول قابل غرب السانية لقائدها ، إذا انتهى الغرب طالعا من البئر إلى أيدي القابل وتمكن من عراقيها ، ألا ويسر السانية ، أي اعطف رأسها كي لا يجاور المنحاة فيرتفع الغرب إلى المحالة والمحور فينخرق ، ورأيتهم يسمون عطف السانية تيسيرا ; لما في خلافه من التعسير ، وقوله أنشده ابن الأعرابي :


أبي تذكرنيه كل نائبة والخير والشر والإيسار والعسر

ويجوز أن يكون العسر لغة في العسر ، كما قالوا : القفل في القفل ، والقبل في القبل ، ويجوز أن يكون احتاج فثقل ، وحسن له ذلك إتباع الضم الضم . قال عيسى بن عمر : كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم وأوسطه ساكن فمن العرب من يثقله ومنهم من يخففه ، مثل : عسر وعسر ، وحلم وحلم .

والعسرة والمعسرة والمعسرة والعسرى : خلاف الميسرة ، وهي الأمور التي تعسر ولا تتيسر ، واليسرى ما استيسر منها ، والعسرى تأنيث الأعسر من الأمور . والعرب تضع المعسور موضع العسر ، والميسور موضع اليسر ، وتجعل المفعول في الحرفين كالمصدر . قال ابن سيده : والمعسور كالعسر ، وهو أحد ما جاء من المصادر على مثال مفعول . ويقال : بلغت معسور فلان ، إذا لم ترفق به . وقد عسر الأمر يعسر عسرا ، فهو عسر . وعسر يعسر عسرا وعسارة ، فهو عسير : التاث . ويوم عسر وعسير : شديد ذو عسر ، قال الله تعالى في صفة يوم القيامة : فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير .

ويوم أعسر أي مشؤوم ، قال معقل الهذلي :


ورحنا بقوم من بدالة قرنوا     وظل لهم يوم من الشر أعسر

فسر أنه أراد به أنه مشئوم . وحاجة عسير وعسيرة : متعسرة ، أنشد ثعلب :


قد أنتحي للحاجة العسير     إذ الشباب لين الكسور

قال : معناه للحاجة التي تعسر على غيري ، وقوله :


إذ الشباب لين الكسور

أي : إذ أعضائي تمكنني وتطاوعني ، وأراد قد انتحيت ، فوضع الآتي موضع الماضي . وتعسر الأمر وتعاسر . واستعسر : اشتد والتوى وصار عسيرا . واعتسرت الكلام ، إذا اقتضبته قبل أن تزوره وتهيئه ، وقال الجعدي :


فذر ذا وعد إلى غيره     فشر المقالة ما يعتسر

قال الأزهري : وهذا من اعتسار البعير وركوبه قبل تذليله . ويقال : ذهبت الإبل عساريات وعسارى ، تقدير سكارى ، أي بعضها في إثر بعض . وأعسر الرجل : أضاق . والمعسر : نقيض الموسر . وأعسر فهو معسر : صار ذا عسرة وقلة ذات يد ، وقيل : افتقر . وحكى كراع : أعسر إعسارا وعسرا ، والصحيح أن الإعسار المصدر وأن العسرة الاسم . وفي التنزيل : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة والعسرة : قلة ذات اليد ، وكذلك الإعسار . واستعسره : طلب معسوره . وعسر الغريم يعسره ويعسره عسرا وأعسره : طلب منه الدين على عسرة وأخذه على عسرة ولم يرفق به إلى ميسرته . والعسر : مصدر عسرته ، أي أخذته على عسرة . والعسر - بالضم - : من الإعسار وهو الضيق . والمعسر : الذي يقعط على غريمه . ورجل عسر بين العسر : شكس ، وقد عاسره ، قال :


بشر أبو مروان إن عاسرته     عسر وعند يساره ميسور

، وتعاسر البيعان : لم يتفقا ، وكذلك الزوجان . وفي التنزيل : وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى . وأعسرت المرأة وعسرت : عسر عليها ولادها ، وإذا دعي عليها قيل : أعسرت وآنثت ، وإذا دعي لها قيل : أيسرت وأذكرت ، أي وضعت ذكرا وتيسر عليها الولاد . وعسر الزمان : اشتد علينا . وعسر عليه : ضيق حكاها سيبويه . وعسر عليه ما في بطنه : لم يخرج . وتغسر : التبس فلم يقدر على تخليصه ، والغين المعجمة لغة . قال ابن المظفر : يقال للغزل إذا التبس فلم يقدر على تخليصه قد تغسر - بالغين - ولا يقال بالعين إلا تحشما قال الأزهري : وهذا الذي قاله ابن المظفر صحيح وكلام العرب عليه ، سمعته من غير واحد منهم . وعسر عليه عسرا وعسر : خالفه .

والعسرى : نقيض اليسرى . ورجل أعسر يسر : يعمل بيديه جميعا ، فإن عمل بيده الشمال خاصة ، فهو أعسر بين العسر ، والمرأة عسراء ، وقد عسرت عسرا ، قال :

[ ص: 146 ]

لها منسم مثل المحارة خفه     كأن الحصى من خلفه خذف أعسرا

ويقال : رجل أعسر وامرأة عسراء ، إذا كانت قوتهما في أشملهما ، ويعمل كل واحد منهما بشماله ما يعمله غيره بيمينه . ويقال للمرأة : عسراء يسرة ، إذا كانت تعمل بيديها جميعا ، ولا يقال : أعسر أيسر ولا عسراء يسراء للأنثى ، وعلى هذا كلام العرب . ويقال من اليسر : في فلان يسرة . وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : أعسر يسرا . وفي حديث رافع بن سالم : إنا لنرتمي في الجبانة وفينا قوم عسران ينزعون نزعا شديدا . العسران جمع الأعسر ، وهو الذي يعمل بيده اليسرى ، كأسود وسودان . يقال : ليس شيء أشد رميا من الأعسر . ومنه حديث الزهري : أنه كان يدعم على عسرائه ، العسراء تأنيث الأعسر : اليد العسراء ، ويحتمل أنه كان أعسر . وعقاب عسراء : ريشها من الجانب الأيسر أكثر من الأيمن ، وقيل : في جناحها قوادم بيض . والعسراء : القادمة البيضاء ، قال ساعدة بن جؤية :


وعمى عليه الموت يأتي طريقه     سنان كعسراء العقاب ومنهب

، ويروى : بابي طريقه يعني عينيه ، ومنهب : فرس ينتهب الجري ، وقيل : هو اسم لهذا الفرس . وحمام أعسر : بجناحه من يساره بياض . والمعاسرة : ضد المياسرة ، والتعاسر : ضد التياسر ، والمعسور : ضد الميسور ، وهما مصدران ، وسيبويه يقول : هما صفتان ، ولا يجيء عنده المصدر على وزن مفعول ألبتة ، ويتأول قولهم : دعه إلى ميسوره وإلى معسوره - يقول : كأنه قال دعه إلى أمر يوسر فيه وإلى أمر يعسر فيه ، ويتأول المعقول أيضا . والعسرة : القادمة البيضاء ، ويقال : عقاب عسراء : في يدها قوادم بيض . وفي حديث عثمان : أنه جهز جيش العسرة . هو جيش غزوة تبوك ، سمي بها لأنه ندب الناس إلى الغزو في شدة القيظ ، وكان وقت إيناع الثمرة وطيب الظلال ، فعسر ذلك عليهم وشق . وعسرني فلان وعسرني يعسرني عسرا ، إذا جاء عن يساري . وعسرت الناقة عسرا إذا أخذتها من الإبل . واعتسر الناقة : أخذها ريضا قبل أن تذلل فخطمها وركبها ، وناقة عسير : اعتسرت من الإبل فركبت أو حمل عليها ولم تلين قبل ، وهذا على حذف الزائد ، وكذلك ناقة عيسر وعوسرانة وعيسرانة ، وبعير عسير وعيسران وعيسراني .

قال الأزهري : وزعم الليث أن العوسرانية والعيسرانية من النوق التي تركب قبل أن تراض ، قال : وكلام العرب على غير ما قال الليث ، قال الجوهري : وجمل عوسراني . والعسير : الناقة التي لم ترض . والعسير : الناقة التي لم تحمل سنتها . والعسيرة : الناقة إذا اعتاطت فلم تحمل عامها ، وفي التهذيب بغير هاء . وقال الليث : العسير : الناقة التي اعتاطت فلم تحمل سنتها ، وقد أعسرت وعسرت ، وأنشد قول الأعشى :


وعسير أدماء حادرة العي     ن خنوف عيرانة شملال

قال الأزهري : تفسير الليث للعسير أنها الناقة التي اعتاطت غير صحيح ، والعسير من الإبل عند العرب : التي اعتسرت فركبت ولم تكن ذللت قبل ذلك ولا ريضت ، وكذا فسره الأصمعي ، وكذلك قال ابن السكيت في تفسير قوله :


وروحة دنيا بين حيين رحتها     أسير عسيرا أو عروضا أروضها

قال : العسير الناقة التي ركبت قبل تذليلها . وعسرت الناقة تعسر عسرا وعسرانا ، وهي عاسر وعسير : رفعت ذنبها في عدوها ، قال الأعشى :


بناجية كأتان الثميل     تقضي السرى بعد أين عسيرا

، وعسرت فهي عاسر : رفعت ذنبها بعد اللقاح ، والعسر : أن تعسر الناقة بذنبها ، أي تشول به ، يقال : عسرت به تعسر عسرا ، قال ذو الرمة :


إذا هي لم تعسر به ذنبت به     تحاكي به سدو النجاء الهمرجل

والعسران : أن تشول الناقة بذنبها لتري الفحل أنها لاقح ، وإذا لم تعسر وذنبت به فهي غير لاقح . والهمرجل : الجمل الذي كأنه يدحو بيديه دحوا . قال الأزهري : وأما العاسرة من النوق فهي التي إذا عدت رفعت ذنبها ، وتفعل ذلك من نشاطها ، والذئب يفعل ذلك ، ومنه قول الشاعر :


إلا عواسر كالقداح معيدة     بالليل مورد أيم متغضف

، أراد بالعواسر الذئاب التي تعسر في عدوها وتكسر أذنابها . وناقة عوسرانية إذا كان من دأبها تكسير ذنبها ورفعه إذا عدت ، ومنه قول الطرماح :


عوسرانية إذا انتقض الخم     س نفاض الفضيض أي انتفاض

الفضيض : الماء السائل ، أراد أنها ترفع ذنبها من النشاط وتعدو بعد عطشها وآخر ظمئها في الخمس . والعسرى والعسرى : بقلة ، وقال أبو حنيفة : هي البقلة إذا يبست ، قال الشاعر :


وما منعاها الماء إلا ضنانة     بأطراف عسرى شوكها قد تخددا

والعيسران : نبت . والعسراء : بنت جرير بن سعيد الرياحي .

واعتسره : مثل اقتسره ، قال ذو الرمة :


أناس أهلكوا الرؤساء قتلا     وقادوا الناس طوعا واعتسارا

قال الأصمعي : عسره وقسره واحد . واعتسر الرجل من مال ولده إذا أخذ من ماله وهو كاره . وفي حديث عمر : يعتسر الوالد من مال ولده ، أي يأخذه منه وهو كاره ، من الاعتسار وهو الاقتسار والقهر ، ويروى بالصاد ، قال النضر في هذا الحديث : رواه بالسين وقال : معناه وهو كاره ، وأنشد :


معتسر الصرم أو مذل

[ ص: 147 ] والعسر : أصحاب البترية في التقاضي والعمل . والعسر : قبيلة من قبائل الجن ، قال بعضهم في قول ابن أحمر :


وفتيان كجنة آل عسر

، إن عسر قبيلة من الجن ، وقيل : عسر أرض تسكنها الجن . وعسر في قول زهير : موضع :


كأن عليهم بجنوب عسر

وفي الحديث ذكر العسير ، وهو بفتح العين وكسر السين : بئر بالمدينة كانت لأبي أمية المخزومي ، سماها النبي - صلى الله عليه وسلم - بيسيرة ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية