صفحة جزء
[ عشا ]

عشا : العشا - مقصور - : سوء البصر بالليل والنهار ، يكون في الناس والدواب والإبل والطير ، وقيل : هو ذهاب البصر ، حكاه ثعلب ، قال ابن سيده : وهذا لا يصح إذا تأملته ، وقيل : هو أن لا يبصر بالليل ، وقيل : العشا يكون سوء البصر من غير عمى ، ويكون الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار ، وقد عشا يعشو عشوا ، وهو أدنى بصره ، وإنما يعشو بعدما يعشى . قال سيبويه : أمالوا العشا ، وإن كان من ذوات الواو ; تشبيها بذوات الواو من الأفعال كغزا ونحوها ، قال : وليس يطرد في الأسماء ، إنما يطرد في الأفعال ، وقد عشي يعشى عشى ، وهو عش وأعشى ، والأنثى عشواء ، والعشو جمع الأعشى ، قال ابن الأعرابي : العشو من الشعراء سبعة : أعشى بني قيس أبو بصير ، وأعشى باهلة أبو قحافة ، وأعشى بني نهشل الأسود بن يعفر ، وفي الإسلام أعشى بني ربيعة من بني شيبان ، وأعشى همدان ، وأعشى تغلب ابن جاوان ، وأعشى طرود من سليم ، وقال غيره : وأعشى بني مازن من تميم ، ورجلان أعشيان وامرأتان عشواوان ، ورجال عشو وأعشون .

وعشى الطير : أوقد لها نارا لتعشى منها فيصيدها . وعشا يعشو إذا ضعف بصره ، وأعشاه الله . وفي حديث ابن المسيب : أنه ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى ، أي يبصر بها بصرا ضعيفا . وعشا عن الشيء يعشو : ضعف بصره عنه ، وخبطه خبط عشواء : لم يتعمده . وفلان خابط خبط عشواء ، وأصله من الناقة العشواء ; لأنها لا تبصر ما أمامها فهي تخبط بيديها ، وذلك أنها ترفع رأسها فلا تتعهد مواضع أخفافها ، قال زهير :


رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم

. ومن أمثالهم السائرة : هو يخبط خبط عشواء ، يضرب مثلا للسادر الذي يركب رأسه ولا يهتم لعاقبته ، كالناقة العشواء التي لا تبصر ، فهي تخبط بيديها كل ما مرت به ، وشبه زهير المنايا بخبط عشواء ; لأنها تعم الكل ولا تخص . ابن الأعرابي : العقاب العشواء التي لا تبالي كيف خبطت وأين ضربت بمخالبها ، كالناقة العشواء لا تدري كيف تضع يدها . وتعاشى : أظهر العشا ، وأرى من نفسه أنه أعشى وليس به . وتعاشى الرجل في أمره إذا تجاهل ، على المثل . وعشا يعشو إذا أتى نارا للضيافة وعشا إلى النار وعشاها عشوا وعشوا واعتشاها واعتشى بها - كله : رآها ليلا على بعد فقصدها مستضيئا بها ، قال الحطيئة :


متى تأته تعشو إلى ضوء ناره     تجد خير نار عندها خير موقد

، أي : متى تأته لا تتبين ناره من ضعف بصرك ، وأنشد ابن الأعرابي :


وجوها لو أن المدلجين اعتشوا بها     صدعن الدجى حتى ترى الليل ينجلي

، وعشوته : قصدته ليلا ، هذا هو الأصل ، ثم صار كل قاصد عاشيا . وعشوت إلى النار أعشو إليها عشوا ، إذا استدللت عليها ببصر ضعيف ، وينشد بيت الحطيئة أيضا ، وفسره فقال : المعنى متى تأته عاشيا ، وهو مرفوع بين مجزومين ; لأن الفعل المستقبل إذا وقع موقع الحال يرتفع ، كقولك : إن تأت زيدا تكرمه يأتك ، جزمت تأت بإن ، وجزمت يأتك بالجواب ، ورفعت تكرمه بينهما وجعلته حالا ، وإن صدرت عنه إلى غيره قلت : عشوت عنه . ومنه قوله تعالى : [ ص: 163 ] ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين . قال الفراء : معناه : من يعرض عن ذكر الرحمن ، قال : ومن قرأ : ومن يعش عن ذكر الرحمن فمعناه من يعم عنه ، وقال القتيبي : معنى قوله : ومن يعش عن ذكر الرحمن أي : يظلم بصره ، قال : وهذا قول أبي عبيدة ، ثم ذهب يرد قول الفراء ، ويقول : لم أر أحدا يجيز عشوت عن الشيء أعرضت عنه ، إنما يقال تعاشيت عن الشيء ، أي تغافلت عنه كأني لم أره ، وكذلك تعاميت ، قال : وعشوت إلى النار ، أي استدللت عليها ببصر ضعيف .

قال الأزهري : أغفل القتيبي موضع الصواب واعترض مع غفلته على الفراء يرد عليه ، فذكرت قوله لأبين عواره فلا يغتر به الناظر في كتابه . والعرب تقول : عشوت إلى النار أعشو عشوا ، أي قصدتها مهتديا بها ، وعشوت عنها ، أي أعرضت عنها ، فيفرقون بين إلى وعن موصولين بالفعل . وقال أبو زيد : يقال : عشا فلان إلى النار يعشو عشوا إذا رأى نارا في أول الليل فيعشو إليها يستضيء بضوئها . وعشا الرجل إلى أهله يعشو : وذلك من أول الليل إذا علم مكان أهله فقصد إليهم . وقال أبو الهيثم : عشي الرجل يعشى إذا صار أعشى لا يبصر ليلا ، وقال مزاحم العقيلي : فجعل الاعتشاء بالوجوه كالاعتشاء بالنار يمدح قوما بالجمال :


يزين سنا الماوي كل عشية     على غفلات الزين والمتجمل
وجوه لو ان المدلجين اعتشوا بها     سطعن الدجى حتى ترى الليل ينجلي

، وعشا عن كذا وكذا يعشو عنه إذا مضى عنه . وعشا إلى كذا وكذا يعشو إليه عشوا وعشوا إذا قصد إليه مهتديا بضوء ناره . ويقال : استعشى فلان نارا إذا اهتدى بها ، وأنشد :


يتبعن حروبا إذا هبن قدم     كأنه بالليل يستعشي ضرم

يقول : هو نشيط صادق الطرف جريء على الليل كأنه مستعش ضرمة ، وهي النار ، وهو الرجل الذي قد ساق الخارب إبله فطردها ، فعمد إلى ثوب فشقه وفتله فتلا شديدا ، ثم غمره في زيت أو دهن فرواه ، ثم أشعل في طرفه النار ، فاهتدى بها واقتص أثر الخارب ليستنقذ إبله ، قال الأزهري : وهذا كله صحيح ، وإنما أتى القتيبي في وهمه الخطأ من جهة أنه لم يفرق بين عشا إلى النار وعشا عنها ، ولم يعلم أن كل واحد منهما ضد الآخر من باب الميل إلى الشيء والميل عنه ، كقولك : عدلت إلى بني فلان إذا قصدتهم ، وعدلت عنهم إذا مضيت عنهم ، وكذلك ملت إليهم ، وملت عنهم ، ومضيت إليهم ، ومضيت عنهم وهكذا قال أبو إسحاق الزجاج في قوله عز وجل : ومن يعش عن ذكر الرحمن أي : يعرض عنه ، كما قال الفراء قال أبو إسحاق : ومعنى الآية أن من أعرض عن القرآن وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلين ، نعاقبه بشيطان نقيضه له حتى يضله ويلازمه قرينا له فلا يهتدي ; مجازاة له حين آثر الباطل على الحق البين ، قال الأزهري : وأبو عبيدة صاحب معرفة بالغريب وأيام العرب ، وهو بليد النظر في باب النحو ومقاييسه .

وفي حديث ابن عمر : أن رجلا أتاه فقال له : كما لا ينفع مع الشرك عمل هل يضر مع الإيمان ذنب ؟ فقال ابن عمر : عش ولا تغتر ، ثم سأل ابن عباس فقال مثل ذلك ، هذا مثل للعرب تضربه في التوصية بالاحتياط والأخذ بالحزم ، وأصله أن رجلا أراد أن يقطع مفازة بإبله ولم يعشها ; ثقة على ما فيها من الكلإ ، فقيل له : عش إبلك قبل أن تفوز وخذ بالاحتياط ، فإن كان فيها كلأ لم يضرك ما صنعت ، وإن لم يكن فيها شيء كنت قد أخذت بالثقة والحزم ، فأراد ابن عمر بقوله هذا اجتنب الذنوب ولا تركبها اتكالا على الإسلام ، وخذ في ذلك بالثقة والاحتياط ، قال ابن بري : معناه تعش إذا كنت في سفر ولا تتوان ثقة منك أن تتعشى عند أهلك ، فلعلك لا تجد عندهم شيئا . وقال الليث : العشو إتيانك نارا ترجو عندها هدى أو خيرا ، تقول : عشوتها أعشوها عشوا وعشوا ، والعاشية : كل شيء يعشو بالليل إلى ضوء نار من أصناف الخلق كالفراش وغيره ، وكذلك الإبل العواشي تعشو إلى ضوء نار ، وأنشد :


وعاشية حوش بطان ذعرتها     بضرب قتيل وسطها يتسيف

، قال الأزهري : غلط في تفسير الإبل العواشي أنها التي تعشو إلى ضوء النار ، والعواشي جمع العاشية وهي التي ترعى ليلا وتتعشى ، وسنذكرها في هذا الفصل . والعشوة والعشوة : النار يستضاء بها . والعاشي : القاصد ، وأصله من ذلك ; لأنه يعشو إليه كما يعشو إلى النار ، قال ساعدة بن جؤية :


شهابي الذي أعشو الطريق بضوئه     ودرعي فليل الناس بعدك أسود

، والعشوة : ما أخذ من نار ليقتبس أو يستضاء به . أبو عمرو : العشوة كالشعلة من النار ، وأنشد :


حتى إذا اشتال سهيل بسحر     كعشوة القابس ترمي بالشرر

قال أبو زيد : ابغونا عشوة ، أي نارا نستضيء بها . قال أبو زيد : عشي الرجل عن حق أصحابه يعشى عشى شديدا ، إذا ظلمهم ، وهو كقولك : عمي عن الحق ، وأصله من العشا ، وأنشد :


ألا رب أعشى ظالم متخمط     جعلت بعينيه ضياء فأبصرا

، وقال : عشي علي فلان يعشى عشى - منقوص - ظلمني . وقال الليث : يقال للرجال يعشون ، وهما يعشيان ، وفي النساء هن يعشين ، قال : لما صارت الواو في عشي ياء لكسرة الشين ، تركت في يعشيان ياء على حالها ، وكان قياسه يعشوان فتركوا القياس ، وفي تثنية الأعشى : هما يعشيان ، ولم يقولوا : يعشوان ; لأن الواو لما صارت في الواحد ياء لكسرة ما قبلها تركت في التثنية على حالها ، والنسبة إلى أعشى أعشوي ، وإلى العشية عشوي .

والعشوة والعشوة والعشوة : ركوب الأمر على غير بيان . وأوطأني عشوة وعشوة وعشوة : لبس علي ، والمعنى فيه أنه حمله على أن يركب أمرا غير مستبين الرشد [ ص: 164 ] فربما كان فيه عطبه ، وأصله من عشواء الليل وعشوته ، مثل ظلماء الليل وظلمته ، تقول : أوطأتني عشوة ، أي أمرا ملتبسا ، وذلك إذا أخبرته بما أوقعته به في حيرة أو بلية . وحكى ابن بري عن ابن قتيبة : أوطأته عشوة ، أي غررته وحملته على أن يطأ ما لا يبصره فربما وقع في بئر . وفي حديث علي - كرم الله وجهه - : خباط عشوات ، أي يخبط في الظلام والأمر الملتبس فيتحير . وفي الحديث : يا معشر العرب ، احمدوا الله الذي رفع عنكم العشوة ، يريد ظلمة الكفر ، كلما ركب الإنسان أمرا بجهل لا يبصر وجهه فهو عشوة من عشوة الليل ، وهو ظلمة أوله . يقال : مضى من الليل عشوة - بالفتح - وهو ما بين أوله إلى ربعه . وفي الحديث : حتى ذهب عشوة من الليل . ويقال : أخذت عليهم بالعشوة ، أي بالسواد من الليل . والعشوة بالضم والفتح والكسر : الأمر الملتبس . وركب فلان العشواء إذا خبط أمره على غير بصيرة . وعشوة الليل والسحر وعشواؤه : ظلمته .

وفي حديث ابن الأكوع : فأخذ عليهم بالعشوة ، أي بالسواد من الليل ، ويجمع على عشوات . وفي الحديث : أنه - عليه السلام - كان في سفر فاعتشى في أول الليل أي : سار وقت العشاء كما يقال : استحر وابتكر . والعشاء : أول الظلام من الليل ، وقيل : هو من صلاة المغرب إلى العتمة . والعشاءان : المغرب والعتمة ، قال الأزهري : يقال لصلاتي المغرب والعشاء العشاءان ، والأصل العشاء فغلب على المغرب ، كما قالوا الأبوان وهما الأب والأم ، ومثله كثير . وقال ابن شميل : العشاء حين يصلي الناس العتمة ، وأنشد :


ومحول ملث العشاء دعوته     والليل منتشر السقيط بهيم

، قال الأزهري : صلاة العشاء هي التي بعد صلاة المغرب ، ووقتها حين يغيب الشفق ، وهو قوله تعالى : ومن بعد صلاة العشاء . وأما العشي فقال أبو الهيثم : إذا زالت الشمس دعي ذلك الوقت العشي ، فتحول الظل شرقيا وتحولت الشمس غربية ، قال الأزهري : وصلاتا العشي هما الظهر والعصر . وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي وأكبر ظني أنها العصر ، وساقه ابن الأثير فقال : صلى بنا إحدى صلاتي العشي ، فسلم من اثنتين يريد صلاة الظهر أو العصر . وقال الأزهري : يقع العشي على ما بين زوال الشمس إلى وقت غروبها ، كل ذلك عشي ، فإذا غابت الشمس فهو العشاء ، وقيل : العشي من زوال الشمس إلى الصباح ، ويقال لما بين المغرب والعتمة : عشاء ، وزعم قوم أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ، وأنشدوا في ذلك :


غدونا غدوة سحرا بليل     عشاء بعدما انتصف النهار

، وجاء عشوة ، أي عشاء ، لا يتمكن ، لا تقول مضت عشوة . والعشي والعشية : آخر النهار ، يقال : جئته عشية وعشية ، حكى الأخيرة سيبويه .

وأتيته العشية : ليومك ، وآتيه عشي غد - بغير هاء - إذا كان للمستقبل ، وأتيتك عشيا ، غير مضاف ، وآتيه بالعشي والغد ، أي كل عشية وغداة ، وإني لآتيه بالعشايا والغدايا . وقال الليث : العشي ، بغير هاء ، آخر النهار ، فإذا قلت عشية فهو ليوم واحد ، يقال : لقيته عشية يوم كذا وكذا ، ولقيته عشية من العشيات ، وقال الفراء في قوله تعالى : لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها يقول القائل : وهل للعشية ضحى ؟ قال : وهذا جيد من كلام العرب ، يقال : آتيك العشية أو غداتها ، وآتيك الغداة أو عشيتها ، فالمعنى لم يلبثوا إلا عشية أو ضحى العشية ، فأضاف الضحى إلى العشية ، وأما ما أنشده ابن الأعرابي :


ألا ليت حظي من زيارة أميه     غديات قيظ أو عشيات أشتيه

فإنه قال : الغدوات في القيظ أطول وأطيب ، والعشيات في الشتاء أطول وأطيب ، وقال : غدية وغديات مثل عشية وعشيات ، وقيل : العشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة ، وتقول : أتيته عشي أمس وعشية أمس .

وقوله تعالى : ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا وليس هناك بكرة ولا عشي ، وإنما أراد : لهم رزقهم في مقدار ما بين الغداة والعشي ، وقد جاء في التفسير أن معناه : ولهم رزقهم كل ساعة ، وتصغير العشي عشيشيان - على غير القياس - وذلك عند شفى وهو آخر ساعة من النهار ، وقيل : تصغير العشي عشيان ، على غير قياس مكبره ، كأنهم صغروا عشيانا ، والجمع عشيانات . ولقيته عشيشية وعشيشيات وعشيشيانات وعشيانات ، كل ذلك نادر ، ولقيته مغيربان الشمس ومغيربانات الشمس . وفي حديث جندب الجهني : فأتينا بطن الكديد فنزلنا عشيشية قال : هي تصغير عشية على غير قياس ، أبدل من الياء الوسطى شين ، كأن أصله عشيية . وحكي عن ثعلب : أتيته عشيشة وعشيشيانا وعشيانا ، قال : ويجوز في تصغير عشية : عشية وعشيشية . قال الأزهري : كلام العرب في تصغير عشية عشيشية جاء نادرا على غير قياس ، ولم أسمع عشية في تصغير عشية ; وذلك أن عشية تصغير العشوة وهو أول ظلمة الليل ، فأرادوا أن يفرقوا بين تصغير العشية وبين تصغير العشوة ، وأما ما أنشده ابن الأعرابي من قوله :


هيفاء عجزاء خريد بالعشي     تضحك عن ذي أشر عذب نقي

فإنه أراد بالليل ، فإما أن يكون سمى الليل عشيا لمكان العشاء الذي هو الظلمة ، وإما أن يكون وضع العشي موضع الليل لقربه منه من حيث كان العشي آخر النهار ، وآخر النهار متصل بأول الليل ، وإنما أراد الشاعر أن يبالغ بتخردها واستحيائها ; لأن الليل قد يعدم فيه الرقباء والجلساء ، وأكثر من يستحيا منه ، يقول : فإذا كان ذلك مع عدم هؤلاء فما ظنك بتخردها نهارا إذا حضروا ؟ وقد يجوز أن يعني به استحياءها عند المباعلة ; لأن المباعلة أكثر ما تكون ليلا .

والعشي : طعام العشي والعشاء ، قلبت فيه الواو ياء لقرب الكسرة . والعشاء : كالعشي ، وجمعه أعشية . وعشي الرجل يعشى وعشا وتعشى ، كله : أكل العشاء فهو عاش . وعشيت الرجل إذا أطعمته العشاء ، وهو الطعام الذي يؤكل بعد العشاء . ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 165 ] إذا حضر العشاء والعشاء فابدءوا بالعشاء العشاء بالفتح والمد : الطعام الذي يؤكل عند العشاء ، وهو خلاف الغداء وأراد بالعشاء صلاة المغرب ، وإنما قدم العشاء لئلا يشتغل قلبه به في الصلاة ، وإنما قيل : إنها المغرب ; لأنها وقت الإفطار ولضيق وقتها . قال ابن بري : وفي المثل سقط العشاء به على سرحان ، يضرب للرجل يطلب الأمر التافه فيقع في هلكة ، وأصله أن دابة طلبت العشاء فهجمت على أسد . وفي حديث الجمع بعرفة : صلى الصلاتين كل صلاة وحدها والعشاء بينهما أي : أنه تعشى بين الصلاتين . قال الأصمعي : ومن كلامهم : لا يعشى إلا بعدما يعشو ، أي لا يعشى إلا بعدما يتعشى . وإذا قيل : تعش قلت : ما بي من تعش ، أي احتياج إلى العشاء ، ولا تقل ما بي عشاء . وعشوت ، أي تعشيت . ورجل عشيان : متعش ، والأصل عشوان ، وهو من باب أشاوى في الشذوذ وطلب الخفة . قال الأزهري : رجل عشيان وهو من ذوات الواو ; لأنه يقال : عشيته وعشوته فأنا أعشوه أي عشيته ، وقد عشي يعشى إذا تعشى .

وقال أبو حاتم : يقال من الغداء والعشاء رجل غديان وعشيان ، والأصل غدوان وعشوان ; لأن أصلهما الواو ، ولكن الواو تقلب إلى الياء كثيرا ; لأن الياء أخف من الواو . وعشاه عشوا وعشيا فتعشى : أطعمه العشاء ، الأخيرة نادرة ، وأنشد ابن الأعرابي :


قصرنا عليه بالمقيظ لقاحنا     فعيلنه من بين عشي وتقييل

وأنشد ابن بري لقرط بن التؤام اليشكري :


كان ابن أسماء يعشوه ويصبحه     من هجمة كفسيل النخل درار

، وعشاه تعشية وأعشاه كعشاه ، قال أبو ذؤيب :


فأعشيته من بعد ما راث عشيه     بسهم كسير التابرية لهوق

، عداه بالباء ; لأنه في معنى غذيته . وعشيت الرجل : أطعمته العشاء . ويقال : عش إبلك ولا تغتر ، وقوله :


بات يعشيها بعضب باتر     يقصد في أسؤقها وجائر

أي : أقام لها السيف مقام العشاء . الأزهري : العشي ما يتعشى به ، وجمعه أعشاء ، قال الحطيئة :


وقد نظرتكم أعشاء صادرة     للخمس طال بها حوزي وتنساسي

قال شمر : يقول انتظرتكم انتظار إبل خوامس ; لأنها إذا صدرت تعشت طويلا وفي بطونها ماء كثير ، فهي تحتاج إلى بقل كثير ، وواحد الأعشاء عشي . وعشي الإبل : ما تتعشاه ، وأصله الواو . والعواشي : الإبل والغنم التي ترعى بالليل ، صفة غالبة والفعل كالفعل ، قال أبو النجم :


يعشى إذا أظلم عن عشائه     ثم غدا يجمع من غدائه

يقول : يتعشى في وقت الظلمة . قال ابن بري : ويقال عشي بمعنى تعشى . وفي حديث ابن عمر : ما من عاشية أشد أنقا ولا أطول شبعا من عالم من علم . العاشية : التي ترعى بالعشي من المواشي وغيرها . يقال : عشيت الإبل وتعشت ، المعنى : أن طالب العلم لا يكاد يشبع منه ، كالحديث الآخر : منهومان لا يشبعان : طالب علم وطالب دنيا . وفي كتاب أبي موسى : ما من عاشية أدوم أنقا ولا أبعد ملالا من عاشية علم . وفسره فقال : العشو إتيانك نارا ترجو عندها خيرا .

يقال : عشوته أعشوه ، فأنا عاش من قوم عاشية ، وأراد بالعاشية هاهنا طالبي العلم الراجين خيره ونفعه . وفي المثل : العاشية تهيج الآبية ، أي إذا رأت التي تأبى الرعي التي تتعشى هاجتها للرعي فرعت معها ، وأنشد :


ترى المصك يطرد العواشيا     جلتها والأخر الحواشيا

، وبعير عشي : يطيل العشاء ، قال أعرابي ووصف بعيره :


عريض عروض عشي عطو

وعشا الإبل وعشاها : أرعاها ليلا . وعشيت الإبل إذا رعيتها بعد غروب الشمس . وعشيت الإبل تعشى عشا إذا تعشت ، فهي عاشية . وجمل عش وناقة عشية : يزيدان على الإبل في العشاء ، كلاهما على النسب دون الفعل ، وقولكثير يصف سحابا :


خفي تعشى في البحار ودونه     من اللج خضر مظلمات وسدف

، إنما أراد أن السحاب تعشى من ماء البحر ، جعله كالعشاء له ، وقول أحيحة بن الجلاح :


تعشى أسافلها بالجبوب     وتأتي حلوبتها من عل

يعني بها النخل ، يعني أنها تتعشى من أسفل ، أي تشرب الماء ويأتي حملها من فوق ، وعنى بحلوبتها : حملها ، كأنه وضع الحلوبة موضع المحلوب . وعشي عليه عشى : ظلمه . وعشى عن الشيء : رفق به كضحى عنه . والعشوان : ضرب من التمر أو النخل . والعشواء ممدود : ضرب من متأخر النخل حملا .

التالي السابق


الخدمات العلمية