صفحة جزء
[ بعد ]

بعد : البعد : خلاف القرب . بعد الرجل ، بالضم ، وبعد بالكسر ، بعدا وبعدا ، فهو بعيد وبعاد ، عن سيبويه ، أي تباعد ، وجمعهما بعداء ، وافق الذين يقولون فعيل الذي يقولون فعال ; لأنهما أختان ، وقد قيل : بعد ، وينشد قول النابغة :


فتلك تبلغني النعمان أن له فضلا على الناس ، في الأدنى وفي البعد

.

وفي الصحاح : وفي البعد ، بالتحريك ، جمع باعد مثل خادم وخدم ، وأبعده غيره وباعده وبعده تبعيدا ، وقول امرئ القيس :


قعدت له وصحبتي بين ضارج     وبين العذيب بعد ما متأمل .



إنما أراد : يا بعد متأمل ، يتأسف بذلك ، ومثله قول أبي العيال :


. . . . . رزية قومه     لم يأخذوا ثمنا ولم يهبوا .



أراد : يا رزية قومه ، ثم فسر الرزية ما هي فقال : لم يأخذوا ثمنا ولم يهبوا . وقيل : أراد بعد متأملي . وقوله - عز وجل - في سورة السجدة : أولئك ينادون من مكان بعيد ; قال ابن عباس : سألوا الرد حين لا رد ، وقيل : من مكان بعيد ، من الآخرة إلى الدنيا ، وقال مجاهد : أراد من مكان بعيد من قلوبهم يبعد عنها ما يتلى عليهم ; لأنهم إذا لم يعوا فهم بمنزلة من كان في غاية البعد ، وقوله تعالى : ويقذفون بالغيب من مكان بعيد ; قال قولهم : ساحر كاهن شاعر . وتقول : هذه القرية بعيد وهذه القرية قريب لا يراد به النعت ولكن يراد بهما الاسم ، والدليل على أنهما اسمان قولك : قريبه قريب وبعيده بعيد ، قال الفراء : العرب إذا قالت دارك منا بعيد أو قريب ، أو قالوا فلانة منا قريب أو بعيد ذكروا القريب والبعيد ; لأن المعنى هي في مكان قريب أو بعيد ، فجعل القريب والبعيد خلفا من المكان ، قال الله - عز وجل - : وما هي من الظالمين ببعيد ; وقال : وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ; وقال : إن رحمة الله قريب من المحسنين ; قال : ولو أنثتا وثنيتا على بعدت منك فهي بعيدة وقربت فهي قريبة كان صوابا . قال : [ ص: 110 ] ومن قال قريب وبعيد وذكرهما لم يثن قريبا وبعيدا ، فقال : هما منك قريب وهما منك بعيد ; قال : ومن أنثهما فقال : هي منك قريبة وبعيدة ثنى وجمع ، فقال : قريبات وبعيدات ; وأنشد :


عشية لا عفراء منك قريبة     فتدنو ، ولا عفراء منك بعيد .



وما أنت منا ببعيد ، وما أنتم منا ببعيد ، يستوي فيه الواحد والجمع ، وكذلك ما أنت منا ببعد وما أنتم منا ببعد أي بعيد . قال : وإذا أردت بالقريب والبعيد قرابة النسب أنثت لا غير ، لم تختلف العرب فيها . وقال الزجاج في قول الله - عز وجل - : إن رحمة الله قريب من المحسنين ; إنما قيل قريب ; لأن الرحمة والغفران والعفو في معنى واحد ، وكذلك كل تأنيث ليس بحقيقي ، قال وقال الأخفش : جائز أن تكون الرحمة ها هنا بمعنى المطر ، قال وقال بعضهم : يعني الفراء هذا ذكر ليفصل بين القريب من القرب والقريب من القرابة ; قال : وهذا غلط ، كل ما قرب في مكان أو نسب فهو جار على ما يصيبه من التذكير والتأنيث ، وبيننا بعدة من الأرض والقرابة ، قال الأعشى :


بأن لا تبغ الود من متباعد     ولا تنأ من ذي بعدة إن تقربا .



وفي الدعاء : بعدا له ! نصبوه على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره أي أبعده الله . وبعد باعد : على المبالغة وإن دعوت به فالمختار النصب ، وقوله :


مدا بأعناق المطي مدا     حتى توافي الموسم الأبعدا .



فإنه أراد الأبعد فوقف فشدد ، ثم أجراه في الوصل مجراه في الوقف ، وهو مما يجوز في الشعر ، كقوله :


ضخما يحب الخلق الأضخما .



وقال الليث : يقال هو أبعد وأبعدون وأقرب وأقربون وأباعد وأقارب ، وأنشد :


من الناس من يغشى الأباعد نفعه     ويشقى به ، حتى الممات ، أقاربه
فإن يك خيرا ، فالبعيد يناله     وإن يك شرا ، فابن عمك صاحبه .



والبعدان ، جمع بعيد ، مثل رغيف ورغفان . ويقال : فلان من قربان الأمير ومن بعدانه ، قال أبو زيد : يقال للرجل إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه ، يقول : إذا لم تكن ممن يقترب منه فتباعد عنه لا يصيبك شره . وفي حديث مهاجري الحبشة : وجئنا إلى أرض البعداء ، قال ابن الأثير : هم الأجانب الذين لا قرابة بيننا وبينهم ، واحدهم بعيد . وقال النضر في قولهم هلك الأبعد قال : يعني صاحبه ، وهكذا يقال إذا كنى عن اسمه . ويقال للمرأة : هلكت البعدى ، قال الأزهري : هذا مثل قولهم : فلا مرحبا بالآخر إذا كنى عن صاحبه وهو يذمه . وقال : أبعد الله الآخر ، قال : ولا يقال للأنثى منه شيء . وقولهم : كب الله الأبعد لفيه أي ألقاه لوجهه ، والأبعد : الخائن . والأباعد : خلاف الأقارب ، وهو غير بعيد منك وغير بعد . وباعده مباعدة وبعادا وباعد الله ما بينهما وبعد ، ويقرأ : ربنا باعد بين أسفارنا ، وبعد ، قال الطرماح :


تباعد منا من نحب اجتماعه     وتجمع منا بين أهل الضغائن .



ورجل مبعد : بعيد الأسفار ، قال كثير عزة :


مناقلة عرض الفيافي شملة     مطية قذاف على الهول مبعد .



وقال الفراء في قوله - عز وجل - مخبرا عن قوم سبإ : ربنا باعد بين أسفارنا ; قال : قرأه العوام باعد ، ويقرأ على الخبر : ربنا باعد بين أسفارنا ، وبعد . وبعد جزم ، وقرئ : ربنا بعد بين أسفارنا وبين أسفارنا ، قال الزجاج : من قرأ باعد وبعد فمعناهما واحد ، وهو على جهة المسألة ويكون المعنى أنهم سئموا الراحة وبطروا النعمة ، كما قال قوم موسى : فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض ( الآية ) ، ومن قرأ : بعد بين أسفارنا ، فالمعنى ما يتصل بسفرنا ، ومن قرأ بالنصب : بعد بين أسفارنا ، فالمعنى بعد ما بين أسفارنا وبعد سيرنا بين أسفارنا ، قال الأزهري : قرأ أبو عمرو وابن كثير : بعد ، بغير ألف ، وقرأ يعقوب الحضرمي : ربنا باعد ، بالنصب على الخبر ، وقرأ نافع وعاصم والكسائي وحمزة : باعد ، بالألف ، على الدعاء ، قال سيبويه : وقالوا بعدك يحذره شيئا من خلفه . وبعد بعدا وبعد : هلك أو اغترب ، فهو باعد . والبعد : الهلاك قال - تعالى - : ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ، وقال مالك بن الريب المازني :


يقولون لا تبعد ، وهم يدفنونني     وأين مكان البعد إلا مكانيا ؟



وهو من البعد . وقرأ الكسائي والناس : كما بعدت ، وكان أبو عبد الرحمن السلمي يقرؤها بعدت ، يجعل الهلاك والبعد سواء وهما قريبان من السواء ، إلا أن العرب بعضهم يقول : بعد وبعضهم يقول : بعد مثل سحق وسحق ، ومن الناس من يقول بعد في المكان وبعد في الهلاك ، وقال يونس : العرب تقول بعد الرجل : وبعد إذا تباعد في غير سب ، ويقال في السب : بعد وسحق لا غير . والبعاد : المباعدة ، قال ابن شميل : راود رجل من العرب أعرابية فأبت إلا أن يجعل لها شيئا ، فجعل لها درهمين فلما خالطها جعلت تقول : غمزا ودرهماك لك ، فإن لم تغمز فبعد لك ، رفعت البعد ، يضرب مثلا للرجل تراه يعمل العمل الشديد . والبعد والبعاد : اللعن ، منه أيضا . وأبعده الله : نحاه عن الخير وأبعده . تقول : أبعده الله أي لا يرثى له فيما يزل به ، وكذلك بعدا له وسحقا ! ونصب بعدا على المصدر ولم يجعله اسما . وتميم ترفع فتقول : بعد له وسحق ، كقولك : غلام له وفرس . وفي حديث شهادة الأعضاء يوم القيامة فيقول : بعدا لك وسحقا أي هلاكا ، ويجوز أن يكون من البعد ضد القرب . وفي الحديث : أن رجلا جاء فقال : إن الأبعد قد زنى ، معناه المتباعد عن الخير والعصمة . وجلست بعيدة منك وبعيدا منك ، يعني مكانا [ ص: 111 ] بعيدا ، وربما قالوا : هي بعيد منك أي مكانها ، وفي التنزيل : وما هي من الظالمين ببعيد . وأما بعيدة العهد ، فبالهاء ، ومنزل بعد بعيد . وتنح غير بعيد أي كن قريبا ، وغير باعد أي صاغر . يقال : انطلق يا فلان غير باعد أي لا ذهبت ، الكسائي . تنح غير باعد أي غير صاغر ، وقول النابغة الذبياني :


فضلا على الناس في الأدنى وفي البعد .



قال أبو نصر : في القريب والبعيد ، ورواه ابن الأعرابي : في الأدنى وفي البعد ، قال : بعيد وبعد . والبعد ، بالتحريك : جمع باعد مثل خادم وخدم ويقال : إنه لغير أبعد إذا ذمه أي لا خير فيه ، ولا له بعد : مذهب ، وقول صخر الغي :


الموعدينا في أن نقتلهم     أفناء فهم ، وبيننا بعد .



أي أن أفناء فهم ضروب منهم . بعد جمع بعدة . وقال الأصمعي : أتانا فلان من بعدة أي من أرض بعيدة . ويقال : إنه لذو بعدة أي لذو رأي وحزم . يقال ذلك للرجل إذا كان نافذ الرأي ذا غور وذا بعد رأي . وما عنده أبعد أي طائل ، قال رجل لابنه : إن غدوت على المربد ربحت عنا أو رجعت بغير أبعد أي بغير منفعة . وذو البعدة : الذي يبعد في المعاداة ، وأنشد ابن الأعرابي لرؤبة :


يكفيك عند الشدة اليبيسا     ويعتلي ذا البعدة النحوسا .



وبعد : ضد قبل يبنى مفردا ويعرب مضافا ، قال الليث : بعد كلمة دالة على الشيء الأخير ، تقول : هذا بعد هذا ، منصوب . وحكى سيبويه أنهم يقولون من بعد فينكرونه ، وافعل هذا بعدا . قال الجوهري : بعد نقيض قبل ، وهما اسمان يكونان ظرفين إذا أضيفا ، وأصلهما الإضافة ، فمتى حذفت المضاف إليه لعلم المخاطب بنيتهما على الضم ليعلم أنه مبني إذ كان الضم لا يدخلهما إعرابا ، لأنهما لا يصلح وقوعهما موضع الفاعل ولا موقع المبتدإ ولا الخبر ، وقوله - تعالى - : لله الأمر من قبل ومن بعد ، أي من قبل الأشياء وبعدها ، أصلهما هنا الخفض ولكن بنيا على الضم لأنهما غايتان ، فإذا لم يكونا غاية فهما نصب لأنهما صفة ، ومعنى غاية أي أن الكلمة حذفت منها الإضافة وجعلت غاية الكلمة ما بقي بعد الحذف وإنما بنيتا على الضم لأن إعرابهما في الإضافة النصب والخفض ، تقول رأيته قبلك ومن قبلك ، ولا يرفعان لأنهما لا يحدث عنهما ، استعملا ظرفين فلما عدلا عن بابهما حركا بغير الحركتين اللتين كانتا له يدخلان بحق الإعراب ، فأما وجوب بنائهما وذهاب إعرابهما فلأنهما عرفا من غير جهة التعريف ، لأنه حذف منهما ما أضيفتا إليه ، والمعنى : الأمر من قبل أن تغلب الروم ومن بعد ما غلبت . وحكى الأزهري عن الفراء قال : القراءة بالرفع بلا نون لأنهما في المعنى تراد بهما الإضافة إلى شيء لا محالة ، فلما أدتا غير معنى ما أضيفتا إليه وسمتا بالرفع وهما في موضع جر ، ليكون الرفع دليلا على ما سقط ، وكذلك ما أشبههما ، كقوله :


إن يأت من تحت أجيه من عل .



وقال الآخر :


إذا أنا لم أومن عليك ، ولم يكن     لقاؤك إلا من وراء وراء .



فرفع إذ جعله غاية ولم يذكر بعده الذي أضيف إليه ، قال الفراء : وإن نويت أن تظهر ما أضيف إليه وأظهرته فقلت : لله الأمر من قبل ومن بعد ، جاز كأنك أظهرت المخفوض الذي أضفت إليه قبل وبعد ، قال ابن سيده : ويقرأ لله الأمر من قبل ومن بعد ، يجعلونهما نكرتين ، المعنى : لله الأمر من تقدم وتأخر ، والأول أجود . وحكى الكسائي : لله الأمر من قبل ومن بعد ، بالكسر ، بلا تنوين ، قال الفراء : تركه على ما كان يكون عليه في الإضافة ، واحتج بقول الأول :


بين ذراعي وجبهة الأسد .



قال : وهذا ليس كذلك لأن المعنى بين ذراعي الأسد وجبهته ، وقد ذكر أحد المضاف إليهما ، ولو كان : لله الأمر من قبل ومن بعد كذا ، لجاز على هذا وكان المعنى : من قبل كذا ومن بعد كذا ، وقوله :


ونحن قتلنا الأسد أسد خفية     فما شربوا بعد على لذة خمرا .



إنما أراد بعد فنون ضرورة ، ورواه بعضهم بعد على احتمال الكف ، قال اللحياني وقال بعضهم : ما هو بالذي لا بعد له ، وما هو بالذي لا قبل له ، قال أبو حاتم : وقالوا : قبل وبعد من الأضداد ، وقال في قوله - عز وجل - : والأرض بعد ذلك دحاها ، أي قبل ذلك . قال الأزهري : والذي قاله أبو حاتم عمن قاله خطأ ، قبل وبعد كل واحد منهما نقيض صاحبه فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر ، وهو كلام فاسد . وأما قول الله - عز وجل - : والأرض بعد ذلك دحاها ، فإن السائل يسأل عنه فيقول : كيف قال بعد ذلك والأرض أنشأ خلقها قبل السماء ، والدليل على ذلك قوله - تعالى - : قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ، فلما فرغ من ذكر الأرض وما خلق فيها ، قال : ثم استوى إلى السماء ، وثم لا يكون إلا بعد الأول الذي ذكر قبله ، ولم يختلف المفسرون أن خلق الأرض سبق خلق السماء ، والجواب فيما سأل عنه السائل أن الدحو غير الخلق ، وإنما هو البسط ، والخلق هو الإنشاء الأول ، فالله - عز وجل - خلق الأرض أولا غير مدحوة ، ثم خلق السماء ثم دحا الأرض أي بسطها ، قال : والآيات فيها متفقة ، ولا تناقض بحمد الله فيها عند من يفهمها ، وإنما أتى الملحد الطاعن فيما شاكلها من الآيات من جهة غباوته وغلظ فهمه وقلة علمه بكلام العرب . وقولهم في الخطابة : أما بعد ، إنما يريدون أما بعد دعائي لك ، فإذا قلت : ( أما بعد ) فإنك لا تضيفه إلى شيء ولكنك تجعله غاية نقيضا لقبل ، وفي حديث زيد بن أرقم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبهم فقال : أما بعد ، تقدير الكلام : أما بعد حمد الله فكذا وكذا . وزعموا أن داود - عليه السلام - أول من قالها ، ويقال : هي فصل الخطاب ولذلك قال - جل وعز - : وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ، زعم ثعلب أن أول من قالها كعب بن لؤي . أبو عبيد : يقال لقيته بعيدات بين : إذا [ ص: 112 ] لقيته بعد حين ، وقيل : بعيدات بين أي بعيد فراق ، وذلك إذا كان الرجل يمسك عن إتيان صاحبه الزمان ، ثم يأتيه ثم يمسك عنه نحو ذلك أيضا ، ثم يأتيه ، قال : وهو من ظروف الزمان التي لا تتمكن ولا تستعمل إلا ظرفا ، وأنشد شمر :


وأشعث منقد القميص ، دعوته     بعيدات بين ، لا هدان ولا نكس .



ويقال : إنها لتضحك بعيدات بين أي بين المرة ثم المرة في الحين . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه كان إذا أراد البراز أبعد ، وفي آخر : يتبعد ، وفي آخر : أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يبعد في المذهب أي الذهاب عند قضاء حاجته ، معناه إمعانه في ذهابه إلى الخلاء . وأبعد فلان في الأرض إذا أمعن فيها . وفي حديث قتل أبي جهل : هل أبعد من رجل قتلتموه ؟ قال ابن الأثير : كذا جاء في سنن أبي داود معناه : أنهى وأبلغ ، لأن الشيء المتناهي في نوعه يقال : قد أبعد فيه وهذا أمر بعيد لا يقع مثله لعظمه ، والمعنى : أنك استعظمت شأني واستبعدت قتلي ، فهل هو أبعد من رجل قتله قومه ؟ قال : والروايات الصحيحة أعمد بالميم .

التالي السابق


الخدمات العلمية