صفحة جزء
[ عفا ]

عفا : في أسماء الله تعالى : العفو ، وهو فعول من العفو ، وهو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه ، وأصله المحو والطمس ، وهو من أبنية المبالغة . يقال : عفا يعفو عفوا ، فهو عاف وعفو ، قال الليث : العفو عفو الله - عز وجل - عن خلقه ، والله تعالى العفو الغفور . وكل من استحق عقوبة فتركتها فقد عفوت عنه . قال ابن الأنباري في قوله تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم محا الله عنك ، مأخوذ من قولهم عفت الرياح الآثار إذا درستها ومحتها ، وقد عفت الآثار تعفو عفوا ، لفظ اللازم والمتعدي سواء . قال الأزهري : قرأت بخط شمر لأبي زيد عفا الله تعالى عن العبد عفوا ، وعفت الريح الأثر عفاء فعفا الأثر عفوا . وفي حديث أبي بكر - رضي الله عنه : سلوا الله العفو والعافية والمعافاة ، فأما العفو فهو ما وصفناه من محو الله تعالى ذنوب عبده عنه ، وأما العافية فهو أن يعافيه الله تعالى من سقم أو بلية وهي الصحة ضد المرض . يقال : عافاه الله وأعفاه أي : وهب له العافية من العلل والبلايا . وأما المعافاة فأن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك أي : يغنيك عنهم ويغنيهم عنك ويصرف أذاهم عنك وأذاك عنهم ، وقيل : هي مفاعلة من العفو ، وهو أن يعفو عن الناس ويعفوا هم عنه . وقال الليث : العافية دفاع الله تعالى عن العبد . يقال : عافاه [ ص: 211 ] الله عافية ، وهو اسم يوضع موضع المصدر الحقيقي ، وهو المعافاة ، وقد جاءت مصادر كثيرة على فاعلة ، تقول سمعت راغية الإبل وثاغية الشاء أي : سمعت رغاءها وثغاءها . قال ابن سيده : وأعفاه الله وعافاه معافاة وعافية مصدر ، كالعاقبة والخاتمة ، أصحه وأبرأه . وعفا عن ذنبه عفوا : صفح ، وعفا الله عنه وأعفاه . وقوله تعالى : فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان قال الأزهري : وهذه آية مشكلة ، وقد فسرها ابن عباس ثم من بعده تفسيرا قربوه على قدر أفهام أهل عصرهم ، فرأيت أن أذكر قول ابن عباس وأؤيده بما يزيده بيانا ووضوحا ، روى مجاهد قال : سمعت ابن عباس يقول : كان القصاص في بني إسرائيل ولم تكن فيهم الدية ، فقال الله عز وجل لهذه الأمة : كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان فالعفو : أن تقبل الدية في العمد ، ذلك تخفيف من ربكم مما كتب على من كان قبلكم ، يطلب هذا بإحسان ويؤدي هذا بإحسان . قال الأزهري : فقول ابن عباس : العفو أن تقبل الدية في العمد ، الأصل فيه أن العفو في موضوع اللغة الفضل ، يقال : عفا فلان لفلان بماله إذا أفضل له ، وعفا له عما له عليه إذا تركه ، وليس العفو في قوله : فمن عفي له من أخيه عفوا من ولي الدم ، ولكنه عفو من الله عز وجل ، وذلك أن سائر الأمم قبل هذه الأمة لم يكن لهم أخذ الدية إذا قتل قتيل ، فجعله الله لهذه الأمة عفوا منه وفضلا مع اختيار ولي الدم ذلك في العمد ، وهو قوله عز وجل : فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف أي : من عفا الله جل اسمه بالدية حين أباح له أخذها ، بعدما كانت محظورة على سائر الأمم مع اختياره إياها على الدم ، فعليه اتباع بالمعروف أي : مطالبة للدية بمعروف ، وعلى القاتل أداء الدية إليه بإحسان ، ثم بين ذلك فقال : ذلك تخفيف من ربكم لكم يا أمة محمد ، وفضل جعله الله لأولياء الدم منكم ، ورحمة خصكم بها فمن اعتدى أي : فمن سفك دم قاتل وليه بعد قبوله الدية فله عذاب أليم والمعنى الواضح في قوله عز وجل : فمن عفي له من أخيه شيء أي : من أحل له أخذ الدية بدل أخيه المقتول عفوا من الله وفضلا مع اختياره ، فليطالب بالمعروف ، ومن في قوله : من أخيه معناها البدل ، والعرب تقول عرضت له من حقه ثوبا أي : أعطيته بدل حقه ثوبا ; ومنه قول الله عز وجل : ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون يقول : لو نشاء لجعلنا بدلكم ملائكة في الأرض ، والله أعلم . قال الأزهري : وما علمت أحدا أوضح من معنى هذه الآية ما أوضحته . وقال ابن سيده : كان الناس من سائر الأمم يقتلون الواحد بالواحد ، فجعل الله لنا نحن العفو عمن قتل إن شئناه ، فعفي على هذا متعد ، ألا تراه متعديا هنا إلى شيء ؟ وقوله تعالى : إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح معناه إلا أن يعفو النساء أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ، وهو الزوج أو الولي إذا كان أبا ، ومعنى عفو المرأة أن تعفو عن النصف الواجب لها فتتركه للزوج ، أو يعفو الزوج بالنصف فيعطيها الكل ; قال الأزهري : وأما قول الله - عز وجل - في آية ما يجب للمرأة من نصف الصداق إذا طلقت قبل الدخول بها فقال : إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فإن العفو هاهنا معناه الإفضال بإعطاء ما لا يجب عليه ، أو ترك المرأة ما يجب لها ; يقال : عفوت لفلان بمالي إذا أفضلت له فأعطيته ، وعفوت له عما لي عليه إذا تركته له ; وقوله : إلا أن يعفون فعل لجماعة النساء يطلقهن أزواجهن قبل أن يمسوهن مع تسمية الأزواج لهن مهورهن ، فيعفون لأزواجهن بما وجب لهن من نصف المهر ويتركنه لهم ، أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ، وهو الزوج ، بأن يتمم لها المهر كله ، وإنما وجب لها نصفه ، وكل واحد من الزوجين عاف أي : مفضل ، أما إفضال المرأة فأن تترك للزوج المطلق ما وجب لها عليه من نصف المهر ، وأما إفضاله فأن يتم لها المهر كاملا ، لأن الواجب عليه نصفه فيفضل متبرعا بالكل ، والنون من قوله : يعفون نون فعل جماعة النساء في يفعلن ، ولو كان للرجال لوجب أن يقال إلا أن يعفوا ، لأن " أن " تنصب المستقبل وتحذف النون ، وإذا لم يكن مع فعل الرجال ما ينصب أو يجزم قيل هم يعفون ، وكان في الأصل يعفوون ، فحذفت إحدى الواوين استثقالا للجمع بينهما ، فقيل يعفون ، وأما فعل النساء فقيل لهن يعفون لأنه على تقدير يفعلن . ورجل عفو عن الذنب : عاف . وأعفاه من الأمر : برأه . واستعفاه : طلب ذلك منه . والاستعفاء : أن تطلب إلى من يكلفك أمرا أن يعفيك منه . يقال : أعفني من الخروج معك أي : دعني منه . واستعفاه من الخروج معه أي : سأله الإعفاء منه . وعفت الإبل المرعى : تناولته قريبا . وعفاه يعفوه : أتاه ، وقيل : أتاه يطلب معروفه ، والعفو المعروف ، والعفو الفضل . وعفوت الرجل إذا طلبت فضله . والعافية والعفاة والعفى : الأضياف وطلاب المعروف ، وقيل : هم الذين يعفونك أي : يأتونك يطلبون ما عندك . وعافية الماء : واردته ، واحدهم عاف . وفلان تعفوه الأضياف وتعتفيه الأضياف وهو كثير العفاة وكثير العافية وكثير العفى . والعافي : الرائد والوارد لأن ذلك كله طلب ; قال الجذامي يصف ماء :


ذا عرمض تخضر كف عافيه

أي : وارده أو مستقيه . والعافية : طلاب الرزق من الإنس والدواب والطير ; أنشد ثعلب :


لعز علينا ونعم الفتى     مصيرك يا عمرو والعافيه

يعني أن قتلت فصرت أكلة للطير والضباع وهذا كله طلب . وفي الحديث : من أحيا أرضا ميتة فهي له ، وما أكلت العافية منها فهو له صدقة ، وفي رواية : العوافي . وفي الحديث في ذكر المدينة : يتركها أهلها على أحسن ما كانت مذللة للعوافي ; قال أبو عبيد : الواحد من العافية عاف ، وهو كل من جاءك يطلب فضلا أو رزقا فهو عاف ومعتف ، وقد عفاك يعفوك ، وجمعه عفاة ; وأنشد قول الأعشى :


تطوف العفاة بأبوابه‌‌     كطوف النصارى ببيت الوثن

قال : وقد تكون العافية في هذا الحديث من الناس وغيرهم ، قال : وبيان ذلك في حديث أم مبشر الأنصارية قالت : دخل علي رسول [ ص: 212 ] الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا في نخل لي فقال : من غرسه أمسلم أم كافر ؟ قلت : لا بل مسلم ، فقال : ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو دابة أو طائر أو سبع إلا كانت له صدقة . وأعطاه المال عفوا بغير مسألة ; قال الشاعر :


خذي العفو مني تستديمي مودتي‌     ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

وأنشد ابن بري :


فتملأ الهجم عفوا وهي وادعة‌‌     حتى تكاد شفاه الهجم تنثلم

وقال حسان بن ثابت :


خذ ما أتى منهم عفوا فإن منعوا     فلا يكن همك الشيء الذي منعوا

قال الأزهري : والمعفي الذي يصحبك ولا يتعرض لمعروفك ، تقول : اصطحبنا وكلنا معف ; وقال ابن مقبل :


فإنك لا تبلو امرأ دون صحبة     وحتى تعيشا معفيين وتجهدا

وعفو المال : ما يفضل عن النفقة . وقوله تعالى : ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال أبو إسحاق : العفو الكثرة والفضل ، فأمروا أن ينفقوا الفضل إلى أن فرضت الزكاة . وقوله تعالى : خذ العفو قيل : العفو الفضل الذي يجيء بغير كلفة ، والمعنى اقبل الميسور من أخلاق الناس ولا تستقص عليهم فيستقصي الله عليك مع ما فيه من العداوة والبغضاء . وفي حديث ابن الزبير : أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس ; قال : هو السهل الميسر ، أي : أمره أن يحتمل أخلاقهم ويقبل منها ما سهل وتيسر ولا يستقصي عليهم . وقال الفراء في قوله تعالى : ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال وجه الكلام فيه النصب ، يريد قل ينفقون العفو ، وهو فضل المال ; وقال أبو العباس : من رفع أراد الذي ينفقون العفو ، قال : وإنما اختار الفراء النصب لأن ماذا عندنا حرف واحد أكثر في الكلام ، فكأنه قال : ما ينفقون ، فلذلك اختير النصب ، قال : ومن جعل ذا بمعنى الذي رفع ، وقد يجوز أن يكون ماذا حرفا ، ويرفع بالائتناف ; وقال الزجاج : نزلت هذه الآية قبل فرض الزكاة فأمروا أن ينفقوا الفضل إلى أن فرضت الزكاة ، فكان أهل المكاسب يأخذ الرجل ما يحسبه في كل يوم أي : ما يكفيه ويتصدق بباقيه ، ويأخذ أهل الذهب والفضة ما يكفيهم في عامهم وينفقون باقيه ، هذا قد روي في التفسير ، والذي عليه الإجماع أن الزكاة في سائر الأشياء قد بين ما يجب فيها ، وقيل : العفو ما أتى بغير مسألة . والعافي : ما أتى على ذلك من غير مسألة أيضا ; قال :


يغنيك عافيه وعيد النحز

النحز : الكد والنخس ، يقول : ما جاءك منه عفوا أغناك عن غيره . وأدرك الأمر عفوا صفوا أي : في سهولة وسراح . ويقال : خذ من ماله ما عفا وصفا أي : ما فضل ولم يشق عليه . ابن الأعرابي : عفا يعفو إذا أعطى ، وعفا يعفو إذا ترك حقا ، وأعفى إذا أنفق العفو من ماله ، وهو الفاضل عن نفقته . وعفا القوم : كثروا . وفي التنزيل : حتى عفوا أي : كثروا . وعفا النبت والشعر وغيره يعفو فهو عاف : كثر وطال . وفي الحديث : أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بإعفاء اللحى ; هو أن يوفر شعرها ويكثر ولا يقص كالشوارب ، من عفا الشيء إذا كثر وزاد . يقال : أعفيته وعفيته لغتان إذا فعلت به كذلك . وفي الصحاح : وعفيته أنا وأعفيته لغتان إذا فعلت به ذلك ; ومنه حديث القصاص : لا أعفى من قتل بعد أخذ الدية ; هذا دعاء عليه أي : لا كثر ماله ولا استغنى ; ومنه الحديث : إذا دخل صفر وعفا الوبر وبرئ الدبر حلت العمرة لمن اعتمر ، أي : كثر وبر الإبل ، وفي رواية : وعفا الأثر ، بمعنى درس وامحى . وفي حديث مصعب بن عمير : إنه غلام عاف أي : وافي اللحم كثيره . والعافي : الطويل الشعر . وحديث عمر - رضي الله عنه : إن عاملنا ليس بالشعث ولا العافي ، ويقال للشعر إذا طال ووفى : عفاء ; قال زهير :


أذلك أم أجب البطن جأب‌‌     عليه من عقيقته عفاء

وناقة ذات عفاء : كثيرة الوبر . وعفا شعر ظهر البعير : كثر وطال فغطى دبره ; وقوله أنشده ابن الأعرابي :


هلا سألت إذا الكواكب أخلفت‌‌     وعفت مطية طالب الأنساب

فسره فقال : عفت أي : لم يجد أحد كريما يرحل إليه فعطل مطيته فسمنت وكثر وبرها . وأرض عافية : لم يرع نبتها فوفر وكثر . وعفوة المرعى : ما لم يرع فكان كثيرا . وعفت الأرض إذا غطاها النبات ; قال حميد يصف دارا :


عفت مثل ما يعفو الطليح فأصبحت     بها كبرياء الصعب وهي ركوب

يقول : غطاها العشب كما طر وبر البعير وبرأ دبره . وعفوة الماء : جمته قبل أن يستقى منه ، وهو من الكثرة . قال الليث : ناقة عافية اللحم كثيرة اللحم ، ونوق عافيات ; وقال لبيد :


بأسوق عافيات اللحم كوم

ويقال : عفوا ظهر هذا البعير أي : دعوه حتى يسمن . ويقال : عفا فلان على فلان في العلم إذا زاد عليه ; قال الراعي :


إذا كان الجراء عفت عليه

أي : زادت عليه في الجري ; وروى ابن الأعرابي بيت البعيث :


بعيد النوى جالت بإنسان عينه     عفاءة دمع جال حتى تحدرا

يعني دمعا كثر وعفا فسال . ويقال : فلان يعفو على منية المتمني وسؤال السائل أي : يزيد عطاؤه عليهما ; وقال لبيد :


يعفو على الجهد والسؤال كما‌‌     يعفو عهاد الأمطار والرصد

أي : يزيد ويفضل . وقال الليث : العفو أحل المال وأطيبه . وعفو كل شيء : خياره وأجوده وما لا تعب فيه ، وكذلك عفاوته وعفاوته .

[ ص: 213 ] وعفا الماء إذا لم يطأه شيء يكدره . وعفوة المال والطعام والشراب وعفوته ; الكسر عن كراع : خياره وما صفا منه وكثر ، وقد عفا عفوا وعفوا . وفي حديث ابن الزبير أنه قال للنابغة : أما صفو أموالنا فلآل الزبير ، وأما عفوه فإن تيما وأسدا تشغله عنك . قال الحربي : العفو أحل المال وأطيبه ، وقيل : عفو المال ما يفضل عن النفقة ; قال ابن الأثير : وكلاهما جائز في اللغة ، قال : والثاني أشبه بهذا الحديث : وعفو الماء : ما فضل عن الشاربة وأخذ بغير كلفة ، ولا مزاحمة عليه . ويقال : عفى على ما كان منه إذا أصلح بعد الفساد . أبو حنيفة : العفوة - بضم العين - من كل النبات لينه وما لا مؤونة على الراعية فيه . وعفوة كل شيء وعفاوته وعفاوته ; الضم عن اللحياني : صفوه وكثرته ، يقال : ذهبت عفوة هذا النبت أي : لينه وخيره ; قال ابن بري : ومنه قول الأخطل :


المانعين الماء حتى يشربوا     عفواته ويقسموه سجالا

والعفاوة : ما يرفع للإنسان من مرق . والعافي : ما يرد في القدر من المرقة إذا استعيرت . قال ابن سيده : وعافي القدر ما يبقي فيها المستعير لمعيرها ; قال مضرس الأسدي :


فلا تسأليني واسألي ما خليقتي     إذا رد عافي القدر من يستعيرها

قال ابن السكيت : عافي في هذا البيت في موضع الرفع لأنه فاعل ، ومن في موضع النصب لأنه مفعول به ، ومعناه أن صاحب القدر إذا نزل به الضيف نصب لهم قدرا ، فإذا جاءه من يستعير قدره فرآها منصوبة لهم رجع ولم يطلبها ، والعافي : هو الضيف ، كأنه يرد المستعير لارتداده دون قضاء حاجته ، وقال غيره : عافي القدر بقية المرقة يردها المستعير ، وهو في موضع النصب ، وكان وجه الكلام عافي القدر فترك الفتح للضرورة . قال ابن بري : قال ابن السكيت : العافي والعفوة والعفاوة ما يبقى في أسفل القدر من مرق وما اختلط به ، قال : وموضع عافي رفع لأنه هو الذي رد المستعير ، وذلك لكلب الزمان وكونه يمنع إعارة القدر لتلك البقية . والعفاوة : الشيء يرفع من الطعام للجارية تسمن فتؤثر به ; وقال الكميت :


وظل غلام الحي طيان ساغبا‌     وكاعبهم ذات العفاوة أسغب

قال الجوهري : والعفاوة - بالكسر - ما يرفع من المرق أولا يخص به من يكرم ، وأنشد بيت الكميت أيضا ، تقول منه : عفوت له من المرق إذا غرفت له أولا وآثرته به ، وقيل : العفاوة - بالكسر - أول المرق وأجوده ، والعفاوة - بالضم - آخره يردها مستعير القدر مع القدر ; يقال منه : عفوت القدر إذا تركت ذلك في أسفلها . والعفاء ، بالمد والكسر : ما كثر من الوبر والريش ، الواحدة عفاءة ; قال ابن بري : ومنه قول ساعدة بن جؤية يصف الضبع :


كمشي الأفتل الساري عليه‌     عفاء كالعباءة عفشليل

وعفاء النعام وغيره : الريش الذي على الزف الصغار ، وكذلك عفاء الديك ونحوه من الطير ، الواحدة عفاءة ممدودة . وناقة ذات عفاء ، وليست همزة العفاء والعفاءة أصلية ، إنما هي واو قلبت ألفا فمدت مثل السماء ، أصل مدتها الواو ، ويقال في الواحدة : سماوة وسماءة ، قال : ولا يقال للريشة الواحدة عفاءة حتى تكون كثيرة كثيفة ; وقال بعضهم في همزة العفاء : إنها أصلية ; قال الأزهري : وليست همزتها أصلية عند النحويين الحذاق ، ولكنها همزة ممدودة ، وتصغيرها عفي . وعفاء السحاب : كالخمل في وجهه لا يكاد يخلف . وعفوة الرجل وعفوته : شعر رأسه . وعفا المنزل يعفو وعفت الدار ونحوها عفاء وعفوا وعفت وتعفت تعفيا : درست ، يتعدى ولا يتعدى ، وعفتها الريح وعفتها ، شدد للمبالغة ; قال :


أهاجك ربع دارس الرسم باللوى     لأسماء عفى آيه المور والقطر

ويقال : عفى الله على أثر فلان وعفا الله عليه وقفى الله على أثر فلان وقفا عليه بمعنى واحد . والعفي : جمع عاف وهو الدارس . وفي حديث الزكاة : قد عفوت عن الخيل والرقيق فأدوا زكاة أموالكم أي : تركت لكم أخذ زكاتها وتجاوزت عنه ، من قولهم عفت الريح الأثر إذا طمسته ومحته ; ومنه حديث أم سلمة : قالت لعثمان - رضي الله عنهما : لا تعف سبيلا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحبها أي : لا تطمسها ; ومنه الحديث : تعافوا الحدود فيما بينكم ; أي : تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إلي فإني متى علمتها أقمتها . وفي حديث ابن عباس : وسئل عما في أموال أهل الذمة فقال العفو أي : عفي لهم عما فيها من الصدقة وعن العشر في غلاتهم . وعفا أثره عفاء : هلك ، على المثل ; قال زهير يذكر دارا :


تحمل أهلها منها فبانوا     على آثار من ذهب العفاء

والعفاء - بالفتح : التراب ; روى أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إذا كان عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء . قال أبو عبيد وغيره : العفاء التراب ، وأنشد بيت زهير يذكر الدار ، وهذا كقولهم : عليه الدبار إذا دعا عليه أن يدبر فلا يرجع . وفي حديث صفوان بن محرز : إذا دخلت بيتي فأكلت رغيفا وشربت عليه ماء فعلى الدنيا العفاء . والعفاء : الدروس والهلاك وذهاب الأثر . وقال الليث : يقال في السب بفيه العفاء ، وعليه العفاء ، والذئب العواء ; وذلك أن الذئب يعوي في إثر الظاعن إذا خلت الدار عليه ، وأما ما ورد في الحديث : إن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلم يدر لم عقلوه ولا لم أرسلوه ; قال ابن الأثير : أعفي المريض بمعنى عوفي . والعفو : الأرض الغفل لم توطأ وليست بها آثار . قال ابن السكيت : عفو البلاد ما لا أثر لأحد فيها بملك . وقال الشافعي في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحيا أرضا ميتة فهي له إنما ذلك في عفو البلاد التي لم تملك ; وأنشد ابن السكيت :


قبيلة كشراك النعل دارجة‌‌     إن يهبطوا العفو لا يوجد لهم أثر

قال ابن بري : الشعر للأخطل ; وقبله :


إن اللهازم لا تنفك تابعة     هم الذنابى وشرب التابع الكدر

[ ص: 214 ] قال : والذي في شعره :


تنزو النعاج عليها وهي باركة‌‌     تحكي عطاء سويد من بني غبرا
قبيلة كشراك النعل دارجة‌‌     إن يهبطوا عفو أرض لا ترى أثرا

قال الأزهري : والعفا من البلاد - مقصور - مثل العفو الذي لا ملك لأحد فيه . وفي الحديث : أنه أقطع من أرض المدينة ما كان عفا أي : ما ليس لأحد فيه أثر ، وهو من عفا الشيء إذا درس أو ما ليس لأحد فيه ملك ، من عفا الشيء يعفو إذا صفا وخلص . وفي الحديث : ويرعون عفاها أي : عفوها . والعفو والعفو والعفو والعفا والعفا - بقصرهما : الجحش ، وفي التهذيب : ولد الحمار ; وأنشد ابن السكيت والمفضل لأبي الطمحان حنظلة بن شرقي :


بضرب يزيل الهام عن سكناته     وطعن كتشهاق العفا هم بالنهق

والجمع أعفاء وعفاء وعفوة . والعفاوة - بكسر العين : الأتان بعينها ; عن ابن الأعرابي . أبو زيد : يقال عفو وثلاثة عفوة مثل قرطة ، قال : وهو الجحش والمهر أيضا ، وكذلك العجلة والظئبة جمع الظأب ، وهو السلف . أبو زيد : العفوة أفتاء الحمر ، قال : ولا أعلم في جميع كلام العرب واوا متحركة بعد حرف متحرك في آخر البناء غير واو عفوة ، قال : وهي لغة لقيس ، كرهوا أن يقولوا عفاة في موضع فعلة ، وهم يريدون الجماعة ، فتلتبس بوحدان الأسماء ، قال : ولو تكلف متكلف أن يبني من العفو اسما مفردا على بناء فعلة لقال عفاة . وفي حديث أبي ذر - رضي الله عنه : أنه ترك أتانين وعفوا ; العفو - بالكسر والضم والفتح : الجحش ، قال ابن الأثير : والأنثى عفوة وعفوة . ومعافى : اسم رجل ; عن ثعلب . .

التالي السابق


الخدمات العلمية