صفحة جزء
[ عمي ]

عمي : العمى : ذهاب البصر كله ، وفي الأزهري : من العينين كلتيهما ، عمي يعمى عمى فهو أعمى ، واعماي يعماي اعمياء ، أرادوا حذو ادهام يدهام ادهيماما فأخرجوه على لفظ صحيح وكان في الأصل ادهامم فأدغموا لاجتماع الميمين ، فلما بنوا اعمايا على أصل ادهامم اعتمدت الياء الأخيرة على فتحة الياء الأولى فصارت ألفا ، فلما اختلفا لم يكن للإدغام فيها مساغ كمساغه في الميمين ؛ ولذلك لم يقولوا : اعماي فلان غير مستعمل . وتعمى : في معنى عمي ؛ وأنشد الأخفش :


صرفت ولم نصرف أوانا وبادرت نهاك دموع العين حتى تعمت

وهو أعمى وعم ، والأنثى عمياء وعمية ، وأما عمية فعلى حد فخذ في فخذ ، خففوا ميم عمية ؛ قال ابن سيده : حكاه سيبويه . قال الليث : رجل أعمى وامرأة عمياء ، ولا يقع هذا النعت على العين [ ص: 290 ] الواحدة ؛ لأن المعنى يقع عليهما جميعا ، يقال : عميت عيناه ، وامرأتان عمياوان ، ونساء عمياوات ، وقوم عمي . وتعامى الرجل أي : أرى من نفسه ذلك . وامرأة عمية عن الصواب ، وعمية القلب ، على فعلة ، وقوم عمون . وفيهم عميتهم أي : جهلهم ، والنسبة إلى أعمى أعموي وإلى عم عموي . وقال الله عز وجل : ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا قال الفراء : عدد الله نعم الدنيا على المخاطبين ثم قال : ومن كان في هذه أعمى يعني في نعم الدنيا التي اقتصصناها عليكم فهو في نعم الآخرة أعمى وأضل سبيلا ، قال : والعرب إذا قالوا هو أفعل منك قالوه في كل فاعل وفعيل ، وما لا يزاد في فعله شيء على ثلاثة أحرف ، فإذا كان على فعللت مثل زخرفت أو على افعللت مثل احمررت ، لم يقولوا هو أفعل منك حتى يقولوا هو أشد حمرة منك وأحسن زخرفة منك ، قال : وإنما جاز في العمى ؛ لأنه لم يرد به عمى العينين إنما أريد ، والله أعلم ، عمى القلب ، فيقال فلان أعمى من فلان في القلب ، ولا يقال هو أعمى منه في العين ، وذلك أنه لما جاء على مذهب أحمر وحمراء ترك فيه أفعل منه كما ترك في كثير ، قال : وقد تلقى بعض النحويين يقول : أجيزه في الأعمى والأعشى والأعرج والأزرق ؛ لأنا قد نقول عمي وزرق وعشي وعرج ولا نقول : حمر ، ولا بيض ولا صفر ، قال الفراء : وليس ذلك بشيء ، إنما ينظر في هذا إلى ما كان لصاحبه فيه فعل يقل أو يكثر ، فيكون أفعل دليلا على قلة الشيء وكثرته ، ألا ترى أنك تقول فلان أقوم من فلان وأجمل ؛ لأن قيام ذا يزيد على قيام ذا ، وجماله يزيد على جماله ، ولا تقول للأعميين هذا أعمى من ذا ، ولا لميتين هذا أموت من ذا فإن جاء شيء منه في شعر فهو شاذ كقوله :


أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم     لؤما وأبيضهم سربال طباخ

وقولهم : ما أعماه إنما يراد به ما أعمى قلبه ؛ لأن ذلك ينسب إليه الكثير الضلال ، ولا يقال في عمى العيون ما أعماه ؛ لأن ما لا يتزيد لا يتعجب منه .

وقال الفراء في قوله تعالى : وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد قرأها ابن عباس - رضي الله عنه - : عم . وقال أبو معاذ النحوي : من قرأ : وهو عليهم عمى فهو مصدر . يقال : هذا الأمر عمى ، وهذه الأمور عمى ؛ لأنه مصدر ، كقولك : هذه الأمور شبهة وريبة ، قال : ومن قرأ عم فهو نعت ، تقول أمر عم وأمور عمية . ورجل عم في أمره : لا يبصره ، ورجل أعمى في البصر ؛ وقال الكميت :


ألا هل عم في رأيه متأمل

ومثله قول زهير :


ولكنني عن علم ما في غد عم

والعامي : الذي لا يبصر طريقه ؛ وأنشد :


لا تأتيني تبتغي لين جانبي     برأسك نحوي عاميا متعاشيا

قال ابن سيده : وأعماه وعماه صيره أعمى ؛ قال ساعدة بن جؤية :


وعمى عليه الموت يأتي طريقه     سنان كعسراء العقاب ومنهب

يعني بالموت السنان فهو إذا بدل من الموت ، ويروى :


وعمى عليه الموت بابي طريقه

يعني عينيه . ورجل عم إذا كان أعمى القلب . ورجل عمي القلب أي : جاهل . والعمى : ذهاب نظر القلب ، والفعل كالفعل ، والصفة كالصفة ، إلا أنه لا يبنى فعله على افعال ؛ لأنه ليس بمحسوس ، وإنما هو على المثل ، وافعال إنما هو للمحسوس في اللون والعاهة . وقوله تعالى : وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور قال الزجاج : هذا مثل ضربه الله للمؤمنين والكافرين ، والمعنى وما يستوي الأعمى عن الحق ، وهو الكافر ، والبصير ، وهو المؤمن الذي يبصر رشده ، ولا الظلمات ولا النور ، الظلمات الضلالات ، والنور الهدى ، ولا الظل ولا الحرور أي : لا يستوي أصحاب الحق الذين هم في ظل من الحق ولا أصحاب الباطل الذين هم في حر دائم ؛ وقول الشاعر :


وثلاث بين اثنتين بها ير     سل أعمى بما يكيد بصيرا

يعني القدح ، جعله أعمى ؛ لأنه لا بصر له ، وجعله بصيرا ؛ لأنه يصوب إلى حيث يقصد به الرامي . وتعامى : أظهر العمى ، يكون في العين والقلب .

وقوله تعالى : ونحشره يوم القيامة أعمى قيل : هو مثل قوله : ونحشر المجرمين يومئذ زرقا وقيل : أعمى عن حجته ، وتأويله أنه لا حجة له يهتدي إليها ؛ لأنه ليس للناس على الله حجة بعد الرسل ، وقد بشر وأنذر ووعد وأوعد . وروي عن مجاهد في قوله تعالى : قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال : أعمى عن الحجة وقد كنت بصيرا بها . وقال نفطويه : يقال عمي فلان عن رشده وعمي عليه طريقه إذا لم يهتد لطريقه . ورجل عم وقوم عمون ، قال : وكلما ذكر الله جل وعز العمى في كتابه فذمه يريد عمى القلب .

قال تعالى : فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور . وقوله تعالى : صم بكم عمي هو على المثل جعلهم في ترك العمل بما يبصرون ووعي ما يسمعون بمنزلة الموتى ؛ لأن ما بين من قدرته وصنعته التي يعجز عنها المخلوقون دليل على وحدانيته . والأعميان : السيل والجمل الهائج ، وقيل : السيل والحريق ؛ كلاهما عن يعقوب . قال الأزهري : والأعمى الليل ، والأعمى السيل ، وهما الأبهمان أيضا بالباء للسيل والليل . وفي الحديث : نعوذ بالله من الأعميين ؛ هما السيل والحريق لما يصيب من يصيبانه من الحيرة في أمره ، أو ؛ لأنهما إذا حدثا ووقعا لا يبقيان موضعا ولا يتجنبان شيئا كالأعمى الذي لا يدري أين يسلك ، فهو يمشي حيث أدته رجله ؛ وأنشد ابن بري :


ولما رأيتك تنسى الذما     م ولا قدر عندك للمعدم
وتجفو الشريف إذا ما أخل     وتدني الدني على الدرهم
وهبت إخاءك للأعميين وللأثرمين ولم أظلم

أخل : من الخلة ، وهي الحاجة .

والأعميان : السيل والنار . [ ص: 291 ] والأثرمان : الدهر والموت . والعمياء والعماية والعمية والعمية ، كله : الغواية واللجاجة في الباطل . والعمية والعمية : الكبر من ذلك . وفي حديث أم معبد : تسفهوا عمايتهم . العماية : الضلال ، وهي فعالة من العمى . وحكى اللحياني : تركتهم في عمية وعمية ، وهو من العمى . وقتيل عميا أي : لم يدر من قتله . وفي الحديث : من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو ينصر عصبة أو يدعو إلى عصبة فقتل ، قتل قتلة جاهلية . هو فعيلة من العماء الضلالة كالقتال في العصبية والأهواء ، وحكى بعضهم فيها ضم العين . وسئل أحمد بن حنبل عمن قتل في عمية قال : الأمر الأعمى للعصبية لا تستبين ما وجهه . قال أبو إسحاق : إنما معنى هذا في تحارب القوم وقتل بعضهم بعضا ، يقول : من قتل فيها كان هالكا . قال أبو زيد : العمية الدعوة العمياء فقتيلها في النار . وقال أبو العلاء : العصبة بنو العم ، والعصبية أخذت من العصبة ، وقيل : العمية الفتنة ، وقيل : الضلالة ؛ وقال الراعي :


كما يذود أخو العمية النجد

يعني صاحب فتنة ؛ ومنه حديث الزبير : لئلا يموت ميتة عمية أي : ميتة فتنة وجهالة . وفي الحديث : من قتل في عميا في رمي يكون بينهم فهو خطأ - وفي رواية - : في عمية في رميا تكون بينهم بالحجارة فهو خطأ . العميا ، بالكسر والتشديد والقصر ، فعيلى من العمى كالرميا من الرمي والخصيصى من التخصص ، وهي مصادر ، والمعنى أن يوجد بينهم قتيل يعمى أمره ، ولا يبين قاتله ، فحكمه حكم قتيل الخطإ تجب فيه الدية . وفي الحديث الآخر : ينزو الشيطان بين الناس فيكون دما في عمياء في غير ضغينة .

أي : في جهالة من غير حقد وعداوة ، والعمياء تأنيث الأعمى ، يريد بها الضلالة والجهالة . والعماية : الجهالة بالشيء ؛ ومنه قوله :


تجلت عمايات الرجال عن الصبا

وعماية الجاهلية . جهالتها . والأعماء : المجاهل ، يجوز أن يكون واحدها عمى . وأعماء عامية على المبالغة ؛ قال رؤبة :

وبلد عامية أعماؤه

كأن لون أرضه سماؤه

يريد : ورب بلد . وقوله : عامية أعماؤه ، أراد متناهية في العمى على حد قولهم ليل لائل ، فكأنه قال أعماؤه عامية ، فقدم وأخر ، وقلما يأتون بهذا الضرب من المبالغ به إلا تابعا لما قبله كقولهم شغل شاغل وليل لائل ، لكنه اضطر إلى ذلك فقدم وأخر . قال الأزهري : عامية دارسة ، وأعماؤه مجاهله . بلد مجهل وعمى : لا يهتدى فيه . والمعامي : الأرضون المجهولة ، والواحدة معمية ، قال : ولم أسمع لها بواحدة . والمعامي من الأرضين : الأغفال التي ليس بها أثر عمارة ، وهي الأعماء أيضا . وفي الحديث : إن لنا المعامي ؛ يريد الأراضي المجهولة الأغفال التي ليس بها أثر عمارة ، واحدها معمى ، وهو موضع العمى كالمجهل . وأرض عمياء وعامية ومكان أعمى : لا يهتدى فيه ؛ قال : وأقرأني ابن الأعرابي :


وماء صرى عافي الثنايا كأنه     من الأجن أبوال المخاض الضوارب
عم شرك الأقطار بيني وبينه     مراري مخشي به الموت ناضب

قال ابن الأعرابي : عم شرك كما يقال عم طريقا وعم مسلكا ، يريد الطريق ليس بين الأثر ، وأما الذي في حديث سلمان : سئل ما يحل لنا من ذمتنا ؟ فقال : من عماك إلى هداك أي : إذا ضللت طريقا أخذت منهم رجلا حتى يقفك على الطريق ، وإنما رخص سلمان في ذلك ؛ لأن أهل الذمة كانوا صولحوا على ذلك وشرط عليهم ، فأما إذا لم يشرط فلا يجوز إلا بالأجرة ، وقوله : من ذمتنا أي : من أهل ذمتنا . ويقال : لقيته في عماية الصبح أي : في ظلمته قبل أن أتبينه . وفي حديث أبي ذر : أنه كان يغير على الصرم في عماية الصبح أي : في بقية ظلمة الليل . ولقيته صكة عمي وصكة أعمى أي : في أشد الهاجرة حرا ، وذلك أن الظبي إذا اشتد عليه الحر طلب الكناس وقد برقت عينه من بياض الشمس ولمعانها ، فيسدر بصره حتى يصك بنفسه الكناس لا يبصره ، وقيل : هو أشد الهاجرة حرا ، وقيل : حين كاد الحر يعمي من شدته ، ولا يقال في البرد ، وقيل : حين يقوم قائم الظهيرة ، وقيل : نصف النهار في شدة الحر ، وقيل : عمي الحر بعينه ، وقيل : عمي رجل من عدوان كان يفتي في الحج ، فأقبل معتمرا ومعه ركب حتى نزلوا بعض المنازل في يوم شديد الحر فقال عمي : من جاءت عليه هذه الساعة من غد وهو حرام لم يقض عمرته ، فهو حرام إلى قابل ، فوثب الناس يضربون حتى وافوا البيت ، وبينهم وبينه من ذلك الموضع ليلتان جوادان ، فضرب مثلا . وقال الأزهري : هو عمي كأنه تصغير أعمى ؛ قال : وأنشد ابن الأعرابي :


صك بها عين الظهيرة غائرا     عمي ولم ينعلن إلا ظلالها

وفي الحديث : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة نصف النهار إذا قام قائم الظهيرة صكة عمي ؛ قال : وعمي تصغير أعمى على الترخيم ، ولا يقال ذلك إلا في حمارة القيظ ، والإنسان إذا خرج نصف النهار في أشد الحر لم يتهيأ له أن يملأ عينيه من عين الشمس ، فأرادوا أنه يصير كالأعمى ، ويقال : هو اسم رجل من العمالقة أغار على قوم ظهرا فاستأصلهم فنسب الوقت إليه ؛ وقول الشاعر :


يحسبه الجاهل ما كان عمى     شيخا على كرسيه معمما

أي : إذا نظر إليه من بعيد ، فكأن العمى هنا البعد ، يصف وطب اللبن ، يقول إذا رآه الجاهل من بعد ظنه شيخا معمما لبياضه .

والعماء ممدود : السحاب المرتفع ، وقيل : الكثيف ؛ قال أبو زيد : هو شبه الدخان يركب رءوس الجبال ؛ قال ابن بري : شاهده قول حميد بن ثور :


فإذا احزألا في المناخ رأيته     كالطود أفرده العماء الممطر

وقال الفرزدق :


ووفراء لم تخرز بسير وكيعة     غدوت بها طبا يدي برشائها
[ ص: 292 ] ذعرت بها سربا نقيا جلوده     كنجم الثريا أسفرت من عمائها

ويروى :


إذ بدت من عمائها

وقال ابن سيده : العماء الغيم الكثيف الممطر ، وقيل : هو الرقيق ، وقيل : هو الأسود ، وقال أبو عبيد : هو الأبيض ، وقيل : هو الذي هراق ماءه ولم يتقطع تقطع الجفال ، واحدته عماءة .

وفي حديث أبي رزين العقيلي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض ؟ قال : في عماء تحته هواء وفوقه هواء .

قال أبو عبيد : العماء في كلام العرب السحاب ؛ قاله الأصمعي وغيره ، وهو ممدود ؛ وقال الحارث بن حلزة :


وكأن المنون تردي بنا أع     صم صم ينجاب عنه العماء

يقول : هو في ارتفاعه قد بلغ السحاب فالسحاب ينجاب عنه أي : ينكشف ؛ قال أبو عبيد : وإنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم ، ولا ندري كيف كان ذلك العماء ، قال : وأما العمى في البصر فمقصور وليس هو من هذا الحديث في شيء . قال الأزهري : وقد بلغني عن أبي الهيثم ، ولم يعزه إليه ثقة ، أنه قال في تفسير هذا الحديث ولفظه : إنه كان في عمى مقصور قال : وكل أمر لا تدركه القلوب بالعقول فهو عمى ، قال : والمعنى أنه كان حيث لا تدركه عقول بني آدم ولا يبلغ كنهه وصف ؛ قال الأزهري : والقول عندي ما قاله أبو عبيد أنه العماء ممدود ، وهو السحاب ، ولا يدرى كيف ذلك العماء بصفة تحصره ولا نعت يحده ، ويقوي هذا القول قوله تعالى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة والغمام : معروف في كلام العرب إلا أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله عز وجل يوم القيامة في ظلل منه ، فنحن نؤمن به ، ولا نكيف صفته ، وكذلك سائر صفات الله عز وجل ؛ وقال ابن الأثير : معنى قوله في عمى مقصور ليس معه شيء قال : ولا بد في قوله أين كان ربنا من مضاف محذوف كما حذف في قوله تعالى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ونحوه ، فيكون التقدير أين كان عرش ربنا ، ويدل عليه قوله تعالى : وكان عرشه على الماء . والعماية والعماءة : السحابة الكثيفة المطبقة ، قال : وقال بعضهم هو الذي هراق ماءه ولم يتقطع تقطع الجفل . والعرب تقول : أشد برد الشتاء شمال جربياء في غب سماء تحت ظل عماء . قال : ويقولون للقطعة الكثيفة عماءة ، قال : وبعض ينكر ذلك ويجعل العماء اسما جامعا . وفي حديث الصوم : فإن عمي عليكم ؛ هكذا جاء في رواية ، قيل : هو من العماء السحاب الرقيق أي : حال دونه ما أعمى الأبصار عن رؤيته . وعمى الشيء عميا : سال .

وعمى الماء يعمي إذا سال ، وهمى يهمي مثله ؛ قال الأزهري : وأنشد المنذري فيما أقرأني لأبي العباس عن ابن الأعرابي :


وغبراء معمي بها الآل لم يبن     بها من ثنايا المنهلين طريق

قال : عمى يعمي إذا سال ، يقول : سال عليها الآل .

ويقال : عميت إلى كذا وكذا أعمي عميانا وعطشت عطشانا إذا ذهبت إليه لا تريد غيره ، غير أنك تؤمه على الإبصار والظلمة ، عمى يعمي .

وعمى الموج بالفتح يعمي عميا إذا رمى بالقذى والزبد ودفعه . وقال الليث : العمي على مثال الرمي رفع الأمواج القذى والزبد في أعاليها ؛ وأنشد :


رها زبدا يعمي به الموج طاميا

وعمى البعير بلغامه عميا : هدر فرمى به أيا كان ، وقيل : رمى به على هامته . وقال المؤرج : رجل عام رام .

وعماني بكذا وكذا : رماني من التهمة ، قال : وعمى النبت يعمي واعتم واعتمى ، ثلاث لغات ، واعتمى الشيء : اختاره ، والاسم العمية . قال أبو سعيد : اعتميته اعتماء أي : قصدته ، وقال غيره : اعتميته اخترته ، وهو قلب الاعتيام ، وكذلك اعتمته ، والعرب تقول : عما والله ، وأما والله ، وهما والله ، يبدلون من الهمزة العين مرة والهاء أخرى ، ومنهم من يقول : غما والله بالغين المعجمة .

والعمو : الضلال ، والجمع أعماء . وعمي عليه الأمر : التبس ؛ ومنه قوله تعالى : فعميت عليهم الأنباء يومئذ . والتعمية : أن تعمي على الإنسان شيئا فتلبسه عليه تلبيسا . وفي حديث الهجرة : لأعمين على من ورائي . من التعمية والإخفاء والتلبيس ، حتى لا يتبعكما أحد . وعميت معنى البيت تعمية ، ومنه المعمى من الشعر ، وقرئ : ( فعميت عليهم ) بالتشديد . أبو زيد : تركناهم عمى إذا أشرفوا على الموت . قال الأزهري : وقرأت بخط أبي الهيثم في قول الفرزدق :


غلبتك بالمفقئ والمعمى     وبيت المحتبي والخافقات

قال : فخر الفرزدق في هذا البيت على جرير ؛ لأن العرب كانت إذا كان لأحدهم ألف بعير فقأ عين بعير منها ، فإذا تمت ألفان عماه وأعماه ، فافتخر عليه بكثرة ماله ، قال : والخافقات : الرايات . ابن الأعرابي : عما يعمو إذا خضع وذل . ومنه حديث ابن عمر : مثل المنافق مثل الشاة بين الربيضين ، تعمو مرة إلى هذه ومرة إلى هذه . يريد أنها كانت تميل إلى هذه وإلى هذه ، قال : والأعرف تعنو ، التفسير للهروي في الغريبين ؛ قال : ومنه قوله تعالى : مذبذبين بين ذلك . والعما : الطول . يقال : ما أحسن عما هذا الرجل أي : طوله . وقال أبو العباس : سألت ابن الأعرابي عنه فعرفه ، وقال : الأعماء الطوال من الناس . وعماية : جبل من جبال هذيل . وعمايتان : جبلان معروفان .

التالي السابق


الخدمات العلمية