صفحة جزء
[ عهد ]

عهد : قال الله تعالى : وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا قال الزجاج : قال بعضهم : ما أدري ما العهد ، وقال غيره : العهد كل ما عوهد الله عليه ، وكل ما بين العباد من المواثيق ، فهو عهد . وأمر اليتيم من العهد ، وكذلك كل ما أمر الله به في هذه الآيات ونهى عنه . وفي حديث الدعاء : وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت . أي : أنا مقيم على ما عاهدتك عليه من الإيمان بك والإقرار بوحدانيتك لا أزول [ ص: 318 ] عنه ، واستثنى بقوله ما استطعت موضع القدر السابق في أمره أي : إن كان قد جرى القضاء أن أنقض العهد يوما ما فإني أخلد عند ذلك إلى التنصل والاعتذار ، لعدم الاستطاعة في دفع ما قضيته علي ؛ وقيل : معناه إني متمسك بما عهدته إلي من أمرك ونهيك ومبلي العذر في الوفاء به قدر الوسع والطاقة ، وإن كنت لا أقدر أن أبلغ كنه الواجب فيه . والعهد : الوصية ، كقول سعد حين خاصم عبد بن زمعة في ابن أمته فقال : ابن أخي عهد إلي فيه . أي : أوصى ؛ ومنه الحديث : تمسكوا بعهد ابن أم عبد . أي : ما يوصيكم به ويأمركم ، ويدل عليه حديثه الآخر : رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد . لمعرفته بشفقته عليهم ونصيحته لهم ، وابن أم عبد : هو عبد الله بن مسعود . ويقال : عهد إلي في كذا . أي : أوصاني .

ومنه حديث علي كرم الله وجهه : عهد إلي النبي الأمي .

أي : أوصى .

ومنه قوله عز وجل : ألم أعهد إليكم يا بني آدم يعني الوصية والأمر . والعهد : التقدم إلى المرء في الشيء . والعهد : الذي يكتب للولاة ، وهو مشتق منه ، والجمع عهود ، وقد عهد إليه عهدا . والعهد : الموثق واليمين يحلف بها الرجل ، والجمع كالجمع . تقول : علي عهد الله وميثاقه ، وأخذت عليه عهد الله وميثاقه ؛ وتقول : علي عهد الله لأفعلن كذا ؛ ومنه قول الله تعالى : وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم وقيل : ولي العهد ؛ لأنه ولي الميثاق الذي يؤخذ على من بايع الخليفة . والعهد أيضا : الوفاء . وفي التنزيل : وما وجدنا لأكثرهم من عهد أي : من وفاء ؛ قال أبو الهيثم : العهد جمع العهدة ، وهو الميثاق واليمين التي تستوثق بها ممن يعاهدك ، وإنما سمي اليهود والنصارى أهل العهد : للذمة التي أعطوها والعهدة المشترطة عليهم ولهم . والعهد والعهدة واحد ؛ تقول : برئت إليك من عهدة هذا العبد أي : مما يدركك فيه من عيب كان معهودا فيه عندي . وقال شمر : العهد الأمان ، وكذلك الذمة ؛ تقول : أنا أعهدك من هذا الأمر أي : أؤمنك منه أو أنا كفيلك ، وكذلك لو اشترى غلاما فقال : أنا أعهدك من إباقه ، فمعناه أنا أؤمنك منه وأبرئك من إباقه ؛ ومنه اشتقاق العهدة ؛ ويقال : عهدته على فلان أي : ما أدرك فيه من درك فإصلاحه عليه . وقولهم : لا عهدة أي : لا رجعة . وفي حديث عقبة بن عامر : عهدة الرقيق ثلاثة أيام . هو أن يشتري الرقيق ولا يشترط البائع البراءة من العيب ، فما أصاب المشترى من عيب في الأيام الثلاثة فهو من مال البائع ويرد إن شاء بلا بينة ، فإن وجد به عيبا بعد الثلاثة فلا يرد إلا ببينة . وعهيدك : المعاهد لك يعاهدك وتعاهده وقد عاهده ؛ قال :


فللترك أوفى من نزار بعهدها فلا يأمنن الغدر يوما عهيدها

والعهدة : كتاب الحلف والشراء . واستعهد من صاحبه : اشترط عليه وكتب عليه عهدة ، وهو من باب العهد والعهدة ؛ لأن الشرط عهد في الحقيقة ؛ قال جرير يهجو الفرزدق حين تزوج بنت زيق :


وما استعهد الأقوام من ذي ختونة     من الناس إلا منك أو من محارب

والجمع عهد . وفيه عهدة لم تحكم أي : عيب . وفي الأمر عهدة إذا لم يحكم بعد . وفي عقله عهدة أي : ضعف .

وفي خطه عهدة إذا لم يقم حروفه .

والعهد : الحفاظ ورعاية الحرمة . وفي الحديث : أن عجوزا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فسأل بها وأحفى وقال : إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد من الإيمان . وفي حديث أم سلمة : قالت لعائشة : وتركت عهيدى .

العهيدى بالتشديد والقصر فعيلى من العهد كالجهيدى من الجهد ، والعجيلى من العجلة . والعهد : الأمان . وفي التنزيل : لا ينال عهدي الظالمين وفيه : فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم . وعاهد الذمي : أعطاه عهدا ، وقيل : معاهدته مبايعته لك على إعطائه الجزية والكف عنه . والمعاهد : الذمي . وأهل العهد : أهل الذمة ، فإذا أسلموا سقط عنهم اسم العهد . وتقول : عاهدت الله أن لا أفعل كذا وكذا ؛ ومنه الذمي المعاهد الذي فورق فأومر على شروط استوثق منه بها ، وأومن عليها ، فإن لم يف بها حل سفك دمه . وفي الحديث : إن كرم العهد من الإيمان . أي : رعاية المودة . وفي الحديث : عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده .

معناه : لا يقتل مؤمن بكافر ، تم الكلام ، ثم قال : ولا يقتل أيضا ذو عهد أي : ذو ذمة وأمان ما دام على عهده الذي عوهد عليه ، فنهى صلى الله عليه وسلم عن قتل المؤمن بالكافر ، وعن قتل الذمي المعاهد الثابت على عهده . وفي النهاية : لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده أي : ولا ذو ذمة في ذمته ، ولا مشرك أعطي أمانا فدخل دار الإسلام ، فلا يقتل حتى يعود إلى مأمنه . قال ابن الأثير : ولهذا الحديث تأويلان بمقتضى مذهبي الشافعي وأبي حنيفة : أما الشافعي فقال : لا يقتل المسلم بالكافر مطلقا معاهدا كان أو غير معاهد حربيا كان أو ذميا مشركا أو كتابيا ، فأجرى اللفظ على ظاهره ولم يضمر له شيئا ، فكأنه نهى عن قتل المسلم بالكافر وعن قتل المعاهد ، وفائدة ذكره بعد قوله : لا يقتل مسلم بكافر لئلا يتوهم متوهم أنه قد نفى عنه القود بقتله الكافر ، فيظن أن المعاهد لو قتله كان حكمه كذلك فقال : ولا يقتل ذو عهد في عهده ، ويكون الكلام معطوفا على ما قبله منتظما في سلكه من غير تقدير شيء محذوف ؛ وأما أبو حنيفة فإنه خصص الكافر في الحديث بالحربي دون الذمي ، وهو بخلاف الإطلاق ؛ لأن من مذهبه أن المسلم يقتل بالذمي فاحتاج أن يضمر في الكلام شيئا مقدرا ويجعل فيه تقديما وتأخيرا ، فيكون التقدير : لا يقتل مسلم ولا ذو عهد في عهده بكافر أي : لا يقتل مسلم ولا كافر معاهد بكافر ، فإن الكافر قد يكون معاهدا وغير معاهد . وفي الحديث : من قتل معاهدا لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا .

يجوز أن يكون بكسر الهاء وفتحها على الفاعل والمفعول ، وهو في الحديث بالفتح أشهر وأكثر . والمعاهد : من كان بينك وبينه عهد ، وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة ، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة ما ؛ ومنه الحديث : لا يحل لكم كذا وكذا ولا لقطة معاهد .

أي : لا يجوز أن تتملك لقطته الموجودة من ماله ؛ لأنه معصوم المال ، يجري حكمه مجرى حكم الذمي . والعهد : الالتقاء . وعهد الشيء عهدا : عرفه ؛ ومن العهد أن تعهد الرجل [ ص: 319 ] على حال أو في مكان ، يقال : عهدي به في موضع كذا وفي حال كذا ، وعهدته بمكان كذا أي : لقيته وعهدي به قريب ؛ وقول أبي خراش الهذلي :


ولم أنس أياما لنا ولياليا     بحلية إذ نلقى بها ما نحاول
فليس كعهد الدار يا أم مالك     ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل

أي : ليس الأمر كما عهدت ولكن جاء الإسلام فهدم ذلك ، وأراد بالسلاسل الإسلام وأنه أحاط برقابنا فلا نستطيع أن نعمل شيئا مكروها .

وفي حديث أم زرع : ولا يسأل عما عهد . أي : عما كان يعرفه في البيت من طعام وشراب ونحوهما لسخائه وسعة نفسه . والتعهد : التحفظ بالشيء وتجديد العهد به ، وفلان يتعهده صرع . والعهدان : العهد . والعهد : ما عهدته فثافنته . يقال : عهدي بفلان وهو شاب أي : أدركته فرأيته كذلك ؛ وكذلك المعهد . والمعهد : الموضع كنت عهدته أو عهدت هوى لك أو كنت تعهد به شيئا ، والجمع المعاهد . والمعاهدة والاعتهاد والتعاهد والتعهد واحد ، وهو إحداث العهد بما عهدته . ويقال للمحافظ على العهد : متعهد ؛ ومنه قول أبي عطاء السندي وكان فصيحا يرثي ابن هبيرة :


وإن تمس مهجور الفناء فربما     أقام به بعد الوفود وفود
فإنك لم تبعد على متعهد     بلى كل من تحت التراب بعيد

أراد : محافظ على عهدك بذكره إياي . ويقال : متى عهدك بفلان . أي : متى رؤيتك إياه . وعهده : رؤيته . والعهد : المنزل الذي لا يزال القوم إذا انتأوا عنه رجعوا إليه ، وكذلك المعهد . والمعهود : الذي عهد وعرف . والعهد : المنزل المعهود به الشيء ، سمي بالمصدر ؛ قال ذو الرمة :


هل تعرف العهد المحيل رسمه

وتعهد الشيء وتعاهده واعتهده : تفقده وأحدث العهد به ؛ قال الطرماح :


ويضيع الذي قد اوجبه الله     عليه وليس يعتهده

وتعهدت ضيعتي وكل شيء ، وهو أفصح من قولك تعاهدته ؛ لأن التعاهد إنما يكون بين اثنين . وفي التهذيب : ولا يقال تعاهدته ، قال : وأجازهما الفراء . ورجل عهد بالكسر : يتعاهد الأمور ويحب الولايات والعهود ؛ قال الكميت يمدح قتيبة بن مسلم الباهلي ويذكر فتوحه :


نام المهلب عنها في إمارته     حتى مضت سنة لم يقضها العهد

وكان المهلب يحب العهود ؛ وأنشد أبو زيد :


فهن مناخات يجللن زينة     كما اقتان بالنبت العهاد المحوف

المحوف : الذي قد نبتت حافتاه واستدار به النبات . والعهاد : مواقع الوسمي من الأرض . وقال الخليل : فعل له معهود ومشهود وموعود ؛ قال : مشهود يقول هو الساعة ، والمعهود ما كان أمس ، والموعود ما يكون غدا . والعهد بفتح العين : أول مطر والولي الذي يليه من الأمطار أي : يتصل به . وفي المحكم : العهد أول المطر الوسمي ؛ عن ابن الأعرابي ، والجمع العهاد . والعهد : المطر الأول . والعهد والعهدة والعهدة : مطر بعد مطر يدرك آخره بلل أوله ؛ وقيل : هو كل مطر بعد مطر ، وقيل : هو المطرة التي تكون أولا لما يأتي بعدها ، وجمعها عهاد وعهود ؛ قال :


أراقت نجوم الصيف فيها سجالها     عهادا لنجم المربع المتقدم

قال أبو حنيفة : إذا أصاب الأرض مطر بعد مطر ، وندى الأول باق ، فذلك العهد ؛ لأن الأول عهد بالثاني . قال : وقال بعضهم العهاد : الحديثة من الأمطار ؛ قال : وأحسبه ذهب فيه إلى قول الساجع في وصف الغيث : أصابتنا ديمة بعد ديمة على عهاد غير قديمة ؛ وقال ثعلب : على عهاد قديمة تشبع منها الناب قبل الفطيمة ؛ وقوله : تشبع منها الناب قبل الفطيمة ؛ فسره ثعلب فقال : معناه هذا النبت قد علا وطال فلا تدركه الصغيرة لطوله ، وبقي منه أسافله فنالته الصغيرة . وقال ابن الأعرابي : العهاد ضعيف مطر الوسمي وركاكه . وعهدت الروضة : سقتها العهدة ، فهي معهودة . وأرض معهودة إذا عمها المطر . والأرض المعهدة تعهيدا : التي تصيبها النفضة من المطر ، والنفضة المطرة تصيب القطعة من الأرض وتخطئ القطعة . يقال : أرض منفضة تنفيضا ؛ قال أبو زبيد :


أصلبي تسمو العيون إليه     مستنير كالبدر عام العهود

ومطر العهود أحسن ما يكون لقلة غبار الآفاق ؛ قيل : عام العهود عام قلة الأمطار . ومن أمثالهم في كراهة المعايب : الملسى لا عهدة له ؛ المعنى ذو الملسى لا عهدة له . والملسى : ذهاب في خفية ، وهو نعت لفعلته ، والملسى مؤنثة ، قال : معناه أنه خرج من الأمر سالما فانقضى عنه لا له ولا عليه ؛ وقيل : الملسى أن يبيع الرجل سلعة يكون قد سرقها فيملس ويغيب بعد قبض الثمن ، وإن استحقت في يدي المشتري لم يتهيأ له أن يبيع البائع بضمان عهدتها ؛ لأنه املس هاربا ، وعهدتها أن يبيعها وبها عيب أو فيها استحقاق لمالكها . تقول : أبيعك الملسى لا عهدة أي : تنملس وتنفلت فلا ترجع إلي . ويقال في المثل : متى عهدك بأسفل فيك ؟ وذلك إذا سألته عن أمر قديم لا عهد له به ؛ ومثله : عهدك بالفاليات قديم ؛ يضرب مثلا للأمر الذي قد فات ولا يطمع فيه ؛ ومثله : هيهات طار غرابها بجرادتك ؛ وأنشد :


وعهدي بعهد الفاليات قديم

وأنشد أبو الهيثم :


وإني لأطوي السر في مضمر الحشا     كمون الثرى في عهدة ما يريمها

[ ص: 320 ] أراد بالعهدة مقنوءة لا تطلع عليها الشمس فلا يريمها الثرى . والعهد : الزمان . وقرية عهيدة أي : قديمة أتى عليها عهد طويل . وبنو عهادة : بطين من العرب .

التالي السابق


الخدمات العلمية