صفحة جزء
[ غرق ]

غرق : الغرق : الرسوب في الماء . ويشبه الذي ركبه الدين وغمرته البلايا ، يقال : رجل غرق وغريق ، وقد غرق غرقا وهو غارق ؛ قال أبو النجم :


فأصبحوا في الماء والخنادق من بين مقتول وطاف غارق

والجمع غرقى ، وهو فعيل بمعنى مفعل ، أغرقه الله إغراقا ، فهو غريق ، وكذلك مريض أمرضه الله فهو مريض ، وقوم مرضى ، والنزيف : السكران ، وجمعه نزفى والنزيف فعيل بمعنى مفعول أو مفعل ؛ لأنه يقال نزفته الخمر وأنزفته ، ثم يرد مفعل أو مفعول إلى فعيل فيجمع فعلى ؛ وقيل : الغرق الراسب في الماء والغريق الميت فيه ، وقد أغرقه غيره وغرقه ، فهو مغرق وغريق . وفي الحديث الحرق والغرق ، وفيه : يأتي على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغرق ؛ قال أبو عدنان : الغرق ، بكسر ، الراء الذي قد غلبه الماء ولما يغرق ، فإذا غرق فهو الغريق ؛ قال الشاعر :

أتبعتهم مقلة إنسانها غرق هل ما أرى تارك للعين إنسانا يقول : هذا الذي أرى من البين والبكاء غير مبق للعين إنسانها ، ومعنى الحديث كأنه أراد إلا من أخلص الدعاء لأن من أشفى على الهلاك أخلص في دعائه طلب النجاة ؛ ومنه الحديث : اللهم إني أعوذ بك من الغرق والحرق ؛ الغرق ؛ بفتح الراء : المصدر . وفي حديث وحشي : أنه مات غرقا في الخمر أي متناهيا في شربها والإكثار منه ، مستعار من الغرق . وفي حديث علي وذكر مسجد الكوفة : في زاويته فار التنور وفيه هلك يغوث ويعوق وهو الغاروق ؛ هو فاعول من الغرق لأن الغرق في زمان نوح ، عليه السلام ، كان منه . وفي حديث أنس : وغرقا فيه دباء ؛ قال ابن الأثير : هكذا جاء في رواية والمعروف ومرقا ، والغرق المرق . وفي التنزيل : أخرقتها لتغرق أهلها . والغرق : الذي غلبه الدين . ورجل غرق في الدين والبلوى وغريق وقد غرق فيه ، وهو مثل بذلك . والمغرق : الذي قد أغرقه قوم فطردوه وهو هارب عجلان . والتغريق : القتل . والغرق في الأصل : دخول الماء في سمي الأنف حتى تمتلئ منافذه فيهلك ، والشرق في الفم حتى يغص به لكثرته . يقال : غرق في الماء وشرق إذا غمره الماء فملأ منافذه حتى يموت ، ومن هذا يقال غرقت القابلة الولد ، وذلك إذا لم ترفق بالولد حتى تدخل السابياء أنفه فتقتله ، وغرقت القابلة المولود فغرق : خرقت به فانفتقت السابياء فانسد أنفه وفمه وعيناه فمات ؛ قال الأعشى يهجو يعني قيس بن مسعود الشيباني :


أطورين في عام غزاة ورحلة [ ص: 40 ]     ألا ليت قيسا غرقته القوابل

ويقال : إن القابلة كانت تغرق المولود في ماء السلى عام القحط ، ذكرا كان أو أنثى ، حتى يموت ، ثم جعل كل قتل تغريقا ؛ ومنه قول ذي الرمة :


إذا غرقت أرباضها ثني بكرة     بتيهاء لم تصبح رؤوما سلوبها

الأرباض : الحبال والبكرة : الناقة الفتية ، وثنيها : بطنها الثاني وإنما لم تعطف على ولدها لما لحقها من التعب . التهذيب : والعشراء من النوق إذا شد عليها الرحل بالحبال ربما غرق الجنين في ماء السابياء فتسقطه ، وأنشد قول ذي الرمة .


وأغرق النبل وغرقه

: بلغ به غاية المد في القوس .

وأغرق النازع في القوس

أي استوفى مدها . والاستغراق : الاستيعاب . وأغرق في الشيء : جاوز الحد وأصله من نزع السهم . وفي التنزيل : والنازعات غرقا قال الفراء : ذكر أنها الملائكة وأن النزع نزع الأنفس من صدور الكفار ، وهو قولك والنازعات إغراقا كما يغرق النازع في القوس ؛ قال الأزهري : الغرق اسم أقيم مقام المصدر الحقيقي من أغرقت إغراقا . ابن شميل : يقال نزع في قوسه فأغرق ، قال : والإغراق الطرح هو أن يباعد السهم من شدة النزع يقال إنه لطروح . أسيد الغنوي : الإغراق في النزع أن ينزع حتى يشرب بالرصاف وينتهي إلى كبد القوس وربما قطع يد الرامي ، قال : وشرب القوس الرصاف أن يأتي النزع على الرصاف كله إلى الحديدة ؛ يضرب مثلا للغلو والإفراط . واغترق الفرس الخيل : خالطها ثم سبقها ، وفي حديث ابن الأكوع : وأنا على رجلي فأغترقها . يقال : اغترق الفرس الخيل إذا خالطها ثم سبقها ، ويروى بالعين المهملة ، وهو مذكور في موضعه . واغتراق النفس : استيعابه في الزفير ؛ قال الليث : والفرس إذا خالط الخيل ثم سبقها يقال اغترقها ؛ وأنشد للبيد :

يغرق الثعلب في شرته     صائب الخدبة في غير فشل

قال أبو منصور : لا أدري بم جعل قوله :


يغرق الثعلب في شرته

حجة لقوله اغترق الخيل إذا سبقها ، ومعنى الإغراق غير معنى الاغتراق ، والاغتراق مثل الاستغراق . قال أبو عبيدة : يقال للفرس إذا سبق الخيل قد اغترق حلبة الخيل المتقدمة ؛ وقيل في قول لبيد :


يغرق الثعلب في شرته

قولان : أحدهما أنه ؛ يعني الفرس يسبق الثعلب بحضره في شرته أي نشاطه فيخلفه ، والثاني أن الثعلب هاهنا ثعلب الرمح في السنان فأراد أنه يطعن به حتى يغيبه في المطعون لشدة حضره . ويقال : فلانة تغترق نظر الناس أي تشغلهم بالنظر إليها عن النظر إلى غيرها بحسنها ومنه قول قيس بن الخطيم :


تغترق الطرف وهي لاهية     كأنما شف وجهها نزف

قوله تغترق الطرف ؛ يعني امرأة تغترق وتستغرق واحد أي تستغرق عيون الناس بالنظر إليها وهي لاهية أي غافلة كأنما شف وجهها نزف : معناه أنها رقيقة المحاسن وكأن دمها ودم وجهها نزف ، والمرأة أحسن ما تكون غب نفاسها لأنه ذهب تهيج الدم فصارت رقيقة المحاسن ، والطرف هاهنا : النظر لا العين ؛ ويقال : طرف يطرف طرفا إذا نظر ، أراد أنها تستميل نظر النظار إليها بحسنها وهي غير محتفلة ولا عامدة لذلك ، ولكنها لاهية ، وإنما يفعل ذلك حسنها . ويقال للبعير إذا أجفر جنباه وضخم بطنه فاستوعب الحزام حتى ضاق عنها : قد اغترق التصدير والبطان واستغرقه . والمغرق من الإبل : التي تلقي ولدها لتمام أو لغيره فلا تظأر ولا تحلب وليست مرية ولا خلفة . واغرورقت عيناه بالدموع : امتلأتا ، زاد التهذيب : ولم تفيضا ، وقال : كذلك قال ابن السكيت . وفي الحديث : فلما رآهم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، احمر وجهه واغرورقت عيناه أي غرقتا بالدموع ، وهو افعوعلت من الغرق . والغرقة ، بالضم : القليل من اللبن قدر القدح ، وقيل : هي الشربة من اللبن ، والجمع غرق ؛ قال الشماخ يصف الإبل :


تضح وقد ضمنت ضراتها غرقا     من ناصع اللون حلو الطعم مجهود

ورواه ابن القطاع : حلو غير مجهود ، والروايتان تصحان ، والمجهود : المشتهى من الطعام والمجهود من اللبن : الذي أخرج زبده ، والرواية الصحيحة : تصبح وقد ضمنت وقبله :


إن تمس في عرفط صلع جماجمه     من الأسالق عاري الشوك مجرود

ويروى مخضود ، والأسالق : العرفط الذي ذهب ورقه ، والصلع : التي أكل رؤوسها ؛ يقول : هي على قلة رعيها وخبثه غزيرة اللبن . أبو عبيد : الغرقة مثل الشربة من اللبن وغيره من الأشربة ؛ ومنه الحديث : فتكون أصول السلق غرقه ، وفي أخرى : فصارت عرقه ، وقد رواه بعضهم بالفاء أي مما يغرف . وفي حديث ابن عباس : فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله أي أضاع أعماله الصالحة بما ارتكب من المعاصي . وفي حديث علي : لقد أغرق في النزع أي بالغ في الأمر وانتهى فيه وأصله من نزع القوس ومدها ثم استعير لمن بالغ في كل شيء . وأغرقه الناس : كثروا عليه فغلبوه ، وأغرقته السباع كذلك ؛ عن ابن الأعرابي . والغرياق : طائر . والغرقئ : القشرة الملتزقة ببياض البيض . النضر : الغرقئ البياض الذي يؤكل . أبو زيد : الغرقئ القشرة القيقية . وغرقأت البيضة : خرجت وعليها قشرة رقيقة وغرقأت الدجاجة : فعلت ذلك . وغرقأ البيضة : أزال غرقئها ؛ قال ابن جني : ذهب أبو إسحاق إلى أن همزة الغرقئ زائدة ولم يعلل ذلك باشتقاق ولا غيره ، قال : ولست أرى للقضاء بزيادة هذه الهمزة وجها من طريق القياس وذلك أنها ليست بأولى فنقضي بزيادتها ولا نجد فيها معنى غرق ، اللهم إلا أن يقول إن الغرقئ يحتوي على جميع ما يخفيه من البيضة ويغترقه ، قال : وهذا عندي فيه بعد ، ولو جاز اعتقاد مثله على ضعفه لجاز لك أن تعتقد في همزة كرفئة أنها زائدة ، وتذهب إلى أنها في معنى كرف [ ص: 41 ] الحمار إذا رفع رأسه لشم البول ، وذلك لأن السحاب أبدا كما تراه مرتفع ، وهذا مذهب ضعيف ؛ قال أبو منصور : واتفقوا على همزة الغرقئ وأن همزته ليست بأصلية . ولجام مغرق بالفضة أي محلى ، وقيل : هو إذا عمته الحلية وقد غرق .

التالي السابق


الخدمات العلمية