صفحة جزء
[ غنا ]

غنا : في أسماء الله عز وجل : الغني . ابن الأثير : هو الذي لا [ ص: 94 ] يحتاج إلى أحد في شيء وكل أحد محتاج إليه ، وهذا هو الغنى المطلق ولا يشارك الله تعالى فيه غيره . ومن أسمائه المغني ، سبحانه وتعالى ، وهو الذي يغني من يشاء من عباده . ابن سيده : الغنى ، مقصور ، ضد الفقر ، فإذا فتح مد ، فأما قوله :


سيغنيني الذي أغناك عني فلا فقر يدوم ولا غناء



فإنه يروى بالفتح والكسر ، فمن رواه بالكسر أراد مصدر غانيت ومن رواه بالفتح أراد الغنى نفسه ؛ قال أبو إسحاق : إنما وجهه ولا غناء لأن الغناء غير خارج عن معنى الغنى ؛ قال : وكذلك أنشده من يوثق بعلمه . وفي الحديث : خير الصدقة ما أبقت غنى ، وفي رواية : ما كان عن ظهر غنى أي ما فضل عن قوت العيال وكفايتهم ، فإذا أعطيتها غيرك أبقيت بعدها لك ولهم غنى ، وكانت عن استغناء منك ومنهم عنها ، وقيل : خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسألة ؛ قال : ظاهر هذا الكلام أنه ما أغنى عن المسألة في وقته أو يومه ، وأما أخذه على الإطلاق ففيه مشقة للعجز عن ذلك . وفي حديث الخيل : رجل ربطها تغنيا وتعففا أي استغناء بها عن الطلب من الناس . وفي حديث الجمعة : من استغنى بلهو أو تجارة استغنى الله عنه ، والله غني حميد أي اطرحه الله ورمى به من عينه فعل من استغنى عن الشيء فلم يلتفت إليه ، وقيل : جزاه جزاء استغنائه عنها كقوله تعالى : نسوا الله فنسيهم . وقد غني به عنه غنية وأغناه الله . وقد غني غنى واستغنى واغتنى وتغانى وتغنى فهو غني . وفي الحديث : ليس منا من لم يتغن بالقرآن ؛ قال أبو عبيد : كان سفيان بن عيينة يقول : ليس منا من لم يستغن بالقرآن عن غيره ولم يذهب به إلى الصوت ؛ قال أبو عبيد : وهذا جائز فاش في كلام العرب ، تقول : تغنيت تغنيا بمعنى استغنيت وتغانيت تغانيا أيضا ؛ قال الأعشى :


وكنت امرأ زمنا بالعراق     عفيف المناخ طويل التغن


يريد الاستغناء وقيل : أراد من لم يجهر بالقراءة . قال الأزهري : وأما الحديث الآخر ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به ، قال : فإن عبد الملك أخبرني عن الربيع عن الشافعي أنه قال : معناه تحسين القراءة وترقيقها ، قال : ومما يحقق ذلك الحديث الآخر زينوا القرآن بأصواتكم ، قال : ونحو ذلك قال أبو عبيد ؛ وقال أبو العباس : الذي حصلناه من حفاظ اللغة في قوله ، صلى الله عليه وسلم : كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن أنه على معنيين : على الاستغناء وعلى التطريب ؛ قال الأزهري : فمن ذهب به إلى الاستغناء فهو من الغنى ، مقصور ، ومن ذهب به إلى التطريب فهو من الغناء الصوت ، ممدود . الأصمعي في المقصور والممدود : الغنى من المال مقصور ، ومن السماع ممدود ، وكل من رفع صوته ووالاه فصوته عند العرب غناء . والغناء ، بالفتح : النفع . والغناء ، بالكسر : من السماع . والغنى مقصور : اليسار . قال ابن الأعرابي : كانت العرب تتغنى بالركباني ، إذا ركبت الإبل ، وإذا جلست في الأفنية وعلى أكثر أحوالها ، فلما نزل القرآن أحب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن يكون هجيراهم بالقرآن مكان التغني ، بالركباني وأول من قرأ بالألحان عبيد الله بن أبي بكرة فورثه عنه عبيد الله بن عمر ولذلك يقال قرأت العمري وأخذ ذلك عنه سعيد العلاف الإباضي . وفي حديث عائشة ، رضي الله عنها : وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث أي تنشدان الأشعار التي قيلت يوم بعاث ، وهو حرب كانت بين الأنصار ، ولم ترد الغناء المعروف بين أهل اللهو واللعب ، وقد رخص عمر ، رضي الله عنه ، في غناء الأعراب وهو صوت كالحداء . واستغنى الله : سأله أن يغنيه ؛ عن الهجري ، قال : وفي الدعاء اللهم إني أستغنيك عن كل حازم ، وأستعينك على كل ظالم . وأغناه الله وغناه ، وقيل : غناه في الدعاء وأغناه في الخبر ، والاسم من الاستغناء عن الشيء الغنية والغنوة والغنية والغنيان . وتغانوا أي استغنى بعضهم عن بعض ؛ قال المغيرة بن حبناء التميمي :


كلانا غني عن أخيه حياته     ونحن إذا متنا أشد تغانيا



واستغنى الرجل : أصاب غنى . أبو عبيد : أغنى الله الرجل حتى غني غنى أي صار له مال ، وأقناه الله حتى قني قنى ، وهو أن يصير له قنية من المال . قال الله عز وجل : وأنه هو أغنى وأقنى . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه ، أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأغنياء فأتى أهله النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فلم يجعل عليه شيئا . قال ابن الأثير : قال الخطابي كان الغلام الجاني حرا وكانت جنايته خطأ وكانت عاقلته فقراء فلا شيء عليهم لفقرهم . قال : ويشبه أن يكون الغلام المجني عليه حرا أيضا ، لأنه لو كان عبدا لم يكن لاعتذار أهل الجاني بالفقر معنى لأن العاقلة لا تحمل عبدا كما لا تحمل عمدا ولا اعترافا ، فأما المملوك إذا جنى على عبد أو حر فجنايته في رقبته ، وللفقهاء في استيفائها منه خلاف ؛ وقول أبي المثلم :


لعمرك ! والمنايا غاليات     وما تغني التميمات الحماما

أراد من الحمام ، فحذف وعدى . قال ابن سيده : فأما ما أثر من أنه قيل لابنة الخس : ما مائة من الضأن فقالت : غنى ، فروي لي أن بعضهم قال : الغنى اسم المائة من الغنم ، قال : وهذا غير معروف في موضوع اللغة ، وإنما أرادت أن ذلك العدد غنى لمالكه كما قيل لها عند ذلك : وما مائة من الإبل ؟ فقالت : منى ، فقيل لها : وما مائة من الخيل ؟ فقالت : لا ترى ؛ فمنى ولا ترى ليسا باسمين للمائة من الإبل والمائة من الخيل ، وكتسمية أبي النجم في بعض شعره الحرباء بالشقي ، وليس الشقي باسم للحرباء وإنما سماه به لمكابدته للشمس واستقباله لها ، وهذا النحو كثير . والغني والغاني : ذو الوفر ؛ أنشد     ابن الأعرابي
لعقيل بن علفة قال :


    أرى المال يغشى ذا الوصوم فلا ترى
ويدعى من الأشراف من كان غانيا



و ؛ قال طرفة :


وإن كنت عنها غانيا فاغن وازدد



[ ص: 95 ] ورجل غان عن كذا أي مستغن ، وقد غني عنه . وما لك عنه غنى ولا غنية ولا غنيان ولا مغنى أي ما لك عنه بد . ويقال : ما يغني عنك هذا أي ما يجزئ عنك وما ينفعك . وقال في معتل الألف : لي عنه غنوة أي غنى ؛ حكاه اللحياني عن الكسائي ، والمعروف غنية . والغانية من النساء : التي غنيت بالزوج ؛ وقال جميل :


أحب الأيامى إذ بثينة أيم     وأحببت لما أن غنيت الغوانيا

وغنيت المرأة بزوجها غنيانا أي استغنت ، قال قيس بن الخطيم :


أجد بعمرة غنيانها     فتهجر أم شاننا شانها ؟



والغانية من النساء : الشابة المتزوجة ، وجمعها غوان ؛ وأنشد ابن بري لنصيب :


فهل تعودن ليالينا بذي سلم     كما بدأن وأيامي بها الأول
أيام ليلى كعاب غير غانية     وأنت أمرد معروف لك الغزل


والغانية : التي غنيت بحسنها وجمالها عن الحلي ، وقيل : هي التي تطلب ولا تطلب ، وقيل : هي التي غنيت ببيت أبويها ولم يقع عليها سباء . قال ابن سيده : وهذه أغربها ؛ وهي عن ابن جني وقيل : هي الشابة العفيفة ، كان لها زوج أو لم يكن . الفراء : الأغناء إملاكات العرائس . وقال ابن الأعرابي : الغنى التزويج ، والعرب تقول : الغنى حصن العزب أي التزويج . أبو عبيدة : الغواني ذوات الأزواج ؛ وأنشد :


أزمان ليلى كعاب غير غانية



وقال ابن السكيت عن عمارة : الغواني الشواب اللواتي يعجبن الرجال ويعجبهن الشبان . وقال غيره : الغانية الجارية الحسناء ، ذات زوج كانت أو غير ذات زوج ، سميت غانية لأنها غنيت بحسنها عن الزينة . وقال ابن شميل : كل امرأة غانية ، وجمعها الغواني ؛ وأما قول ابن قيس الرقيات :


لا بارك الله في الغواني هل     يصبحن إلا لهن مطلب ؟



فإنما حرك الياء بالكسرة للضرورة ورده إلى أصله ، وجائز في الشعر أن يرد الشيء إلى أصله ؛ وقوله :


وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه     ويعدن أعداء بعيد وداد

إنما أراد الغواني ، فحذف الياء تشبيها للام المعرفة بالتنوين من حيث كانت هذه الأشياء من خواص الأسماء ، فحذف الياء لأجل اللام كما تحذفها لأجل التنوين ؛ وقول المثقب العبدي :


هل عند غان لفؤاد صد     من نهلة في اليوم أو في غد ؟



إنما أراد ( غانية ) فذكر على إرادة الشخص ، وقد غنيت غنى . وأغنى عنه غناء فلان ومغناه ومغناته ومغناه ومغناته : ناب عنه وأجزأ عنه مجزأه . والغناء ، بالفتح : النفع . والغناء بفتح الغين ممدود : الإجزاء والكفاية . يقال : رجل مغن أي مجزئ كاف ؛ قال ابن بري : الغناء مصدر أغنى عنك أي كفاك على حذف الزوائد مثل قوله :


وبعد عطائك المائة الرتاعا



وفي حديث عثمان : أن عليا ، رضي الله عنهما ، بعث إليه بصحيفة فقال للرسول : أغنها عنا ، أي اصرفها وكفها كقوله تعالى : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه أي يكفه ويكفيه . يقال : أغن عني شرك أي اصرفه وكفه ؛ ومنه قوله تعالى : لن يغنوا عنك من الله شيئا وحديث ابن مسعود : وأنا لا أغني لو كانت لي منعة أي لو كان معي من يمنعني لكفيت شرهم وصرفتهم . وما فيه غناء ذلك أي إقامته والاضطلاع به . وغني به أي عاش . وغني القوم بالدار غنى : أقاموا . وغني بالمكان : أقام . قال ابن بري : تقول غني بالمكان مغنى وغني القوم في ديارهم إذا طال مقامهم فيها . قال الله عز وجل : كأن لم يغنوا فيها أي لم يقيموا فيها ؛ وقال مهلهل :


غنيت دارنا تهامة في الدهر     وفيها بنو معد حلولا

وقال الليث : يقال للشيء إذا فني كأن لم يغن بالأمس أي كأن لم يكن . وفي حديث علي ، رضي الله عنه : ورجل سماه الناس عالما ولم يغن في العلم يوما سالما أي لم يلبث في أخذ العلم يوما تاما ؛ من قولك غنيت بالمكان أغنى إذا أقمت به . والمغاني : المنازل التي كان بها أهلوها ، واحدها مغنى ، وقيل : المغنى المنزل الذي غني به أهله ثم ظعنوا عنه . وغنيت لك مني بالبر والمودة أي بقيت . وغنيت دارنا تهامة أي كانت دارنا تهامة ؛ وأنشد لمهلهل : غنيت دارنا أي كانت ؛ وقال تميم بن مقبل :


أأم تميم إن تريني عدوكم     وبيتي فقد أغنى الحبيب المصافيا

أي أكون الحبيب . الأزهري : وسمعت رجلا من العرب يبكت خادما له يقول : أغن عني وجهك بل شرك بمعنى اكفني شرك وكف عني شرك ؛ ومنه قوله تعالى : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه يقول : يكفيه شغل نفسه عن شغل غيره . والمغنى : واحد المغاني ، وهي المواضع التي كان بها أهلوها . والغناء من الصوت : ما طرب به ؛ قال حميد بن ثور :


عجبت لها أنى يكون غناؤها     فصيحا ولم تفغر بمنطقها فما


وقد غنى بالشعر وتغنى به قال :


تغن بالشعر إما كنت قائله     إن الغناء بهذا الشعر مضمار

أراد إن التغني ، فوضع الاسم موضع المصدر . وغناه بالشعر وغناه إياه . ويقال : غنى فلان يغني أغنية وتغنى بأغنية حسنة ، وجمعها الأغاني ؛ فأما ما أنشده ابن الأعرابي من قول الشاعر :


ثم بدت تنبض أحرادها     إن متغناة وإن حاديه

فإنه أراد إن متغنية ، فأبدل الياء ألفا كما قالوا الناصاة في الناصية ، والقاراة في القارية . وغنى بالمرأة : تغزل بها . وغناه بها : ذكره إياها في شعر ؛ قال :


ألا غننا بالزاهرية إنني     على النأي مما أن ألم بها ذكرا

[ ص: 96 ] وبينهم أغنية وإغنية يتغنون بها أي نوع من الغناء وليست الأولى بقوية إذ ليس في الكلام أفعلة إلا أسنمة ، فيمن رواه ، بالضم ، والجمع الأغاني . وغنى وتغنى بمعنى . وغنى بالرجل وتغنى به : مدحه أو هجاه . وفي الخبر : أن بعض بني كليب قال لجرير : هذا غسان السليطي يتغنى بنا أي يهجونا ؛ وقال جرير :


غضبتم علينا أم تغنيتم بنا     أن اخضر من بطن التلاع غميرها

وغنيت الركب به : ذكرته لهم في شعر . قال ابن سيده : وعندي أن الغزل والمدح والهجاء إنما يقال في كل واحد منها غنيت وتغنيت بعد أن يلحن فيغنى به . وغنى الحمام وتغنى : صوت . والغناء : رمل بعينه ؛ قال الراعي :


لها خصور وأعجاز ينوء بها     رمل الغناء وأعلى متنها رؤد

التهذيب : ورمل الغناء ممدود ؛ ومنه قول ذي الرمة :


تنطقن من رمل الغناء وعلقت     بأعناق أدمان الظباء القلائد

أي اتخذن من رمل الغناء أعجازا كالكثبان وكأن أعناقهن أعناق الظباء . وقال الأصمعي : الغناء موضع : ، واستشهد ببيت الراعي :


رمل الغناء وأعلى متنها رؤد



والمغني : الفصيل الذي يصرف بنابه ؛ قال :


يا أيها الفصيل المغني



وغني : حي من غطفان .

التالي السابق


الخدمات العلمية