صفحة جزء
[ بقي ]

بقي : في أسماء الله الحسنى الباقي : هو الذي لا ينتهي تقدير وجوده في الاستقبال إلى آخر ينتهي إليه ، ويعبر عنه بأنه أبدي الوجود . والبقاء : ضد الفناء ، بقي الشيء يبقى بقاء وبقى بقيا ، الأخيرة لغة بلحرث بن كعب ، وأبقاه وبقاه وتبقاه واستبقاه ، والاسم البقيا والبقيا . قال ابن سيده : وأرى ثعلبا قد حكى البقوى ، بالواو وضم الباء . والبقوى والبقيا : اسمان يوضعان موضع الإبقاء ، إن قيل : لم قلبت العرب لام فعلى إذا كانت اسما وكان لامها ياء واوا حتى قالوا البقوى وما أشبه ذلك نحو التقوى والعوى فالجواب : أنهم إنما فعلوا ذلك في فعلى لأنهم قد قلبوا لام الفعلى إذا كانت اسما وكانت لامها واوا ياء طلبا للخفة ، وذلك نحو الدنيا والعليا والقصيا ، وهي من دنوت وعلوت وقصوت ، فلما قلبوا الواو ياء في هذا وفي غيره مما يطول تعداده عوضوا الواو من غلبة الياء عليها في أكثر المواضع بأن قلبوها في نحو البقوى والثنوى واوا ، ليكون ذلك ضربا من التعويض ومن التكافؤ بينهما . وبقي الرجل زمانا طويلا أي : عاش وأبقاه الله . الليث : تقول العرب : نشدتك الله . والبقيا هو : الإبقاء مثل الرعوى والرعيا من الإرعاء على الشيء ، وهو الإبقاء عليه . والعرب تقول للعدو إذا غلب : البقية ، أي أبقوا علينا ولا تستأصلونا ; ومنه قول الأعشى :


قالوا البقية والخطي يأخذهم .



وفي حديث النجاشي والهجرة : وكان أبقى الرجلين فينا أي أكثر إبقاء على قومه ، ويروى بالتاء من التقى . والباقية توضع موضع المصدر . ويقال : ما بقيت منهم باقية ولا وقاهم الله من واقية . وفي التنزيل العزيز : فهل ترى لهم من باقية ; قال الفراء : يريد من بقاء . ويقال : هل ترى منهم باقيا ، كل ذلك في العربية جائز حسن ، وبقي من الشيء بقية . وأبقيت على فلان إذا أرعيت عليه ورحمته . يقال : لا أبقى الله عليك إن أبقيت علي ، والاسم البقيا ، قال اللعين :


سأقضي بين كلب بني كليب     وبين القين قين بني عقال
فإن الكلب مطعمه خبيث     وإن القين يعمل في سفال
فما بقيا علي تركتماني     ولكن خفتما صرد النبال .



وكذلك البقوى ، بفتح الباء . ويقال : البقيا والبقوى كالفتيا والفتوى ، قال أبو القمقام الأسدي :


أذكر بالبقوى على ما أصابني     وبقواي أني جاهد غير مؤتلي .



واستبقيت من الشيء أي تركت بعضه . واستبقاه : استحياه ، وطيء تقول : بقى وبقت مكان بقي وبقيت ، وكذلك أخواتها من المعتل ، قال البولاني :


تستوقد النبل بالحضيض ، وتص     طاد نفوسا بنت على الكرم .



أي بنيت ، يعني إذا أخطأ يوري النار . والبقية : كالبقوى . والبقية أيضا : ما بقي من الشيء . وقوله - تعالى - : بقية الله خير لكم . قال الزجاج : معناه الحال التي تبقى لكم من الخير خير لكم ، وقيل : طاعة الله خير لكم . وقال الفراء : يا قوم ما أبقي لكم من الحلال خير لكم ، قال : ويقال مراقبة الله خير لكم . الليث : والباقي حاصل الخراج ونحوه ، ولغة طيء بقى يبقى ، وكذلك لغتهم في كل ياء انكسر ما قبلها ، يجعلونها ألفا نحو بقى ورضى وفنى ، وقوله - عز وجل - : والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا ، قيل : الباقيات الصالحات الصلوات الخمس ، وقيل هي الأعمال الصالحة كلها ، وقيل : هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . قال : والباقيات الصالحات - والله أعلم - كل عمل صالح يبقى ثوابه . والمبقيات من الخيل : التي يبقى جريها بعد انقطاع جري الخيل ; قال الكلحبة اليربوعي :


فأدرك إبقاء العرادة ظلعها     وقد جعلتني من حزيمة إصبعا .



وفي التهذيب : المبقيات من الخيل هي التي تبقي بعض جريها تدخره . والمبقيات : الأماكن التي تبقي ما فيها من مناقع الماء ولا تشربه ; قال ذو الرمة :


فلما رأى الرائي الثريا بسدفة     ونشت نطاف المبقيات الوقائع .



واستبقى الرجل وأبقى عليه : وجب عليه قتل فعفا عنه . وأبقيت ما بيني وبينهم : لم أبالغ في إفساده ، والاسم البقية ; قال :

إن تذنبوا ثم تأتيني بقيتكم     فما علي بذنب منكم فوت .



أي إبقاؤكم . ويقال : استبقيت فلانا إذا وجب عليه قتل فعفوت عنه . وإذا أعطيت شيئا وحبست بعضه قلت : استبقيت بعضه . واستبقيت فلانا : في معنى العفو عن زلله واستبقاء مودته ; قال النابغة :


ولست بمستبق أخا لا تلمه [ ص: 130 ]     على شعث أي الرجال المهذب ؟



وفي حديث الدعاء : لا تبقي على من يضرع إليها ، يعني النار . يقال : أبقيت عليه أبقي إبقاء إذا رحمته وأشفقت عليه . وفي الحديث : تبقه وتوقه ، هو أمر من البقاء والوقاء ، والهاء فيهما للسكت ، أي استبق النفس ولا تعرضها للهلاك وتحرز من الآفات . وقوله - تعالى - : فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد ، معناه أولو تمييز ، ويجوز أولو بقية أولو طاعة ، قال ابن سيده : فسر بأنه الإبقاء وفسر بأنه الفهم ، ومعنى البقية إذا قلت فلان بقية فمعناه فيه فضل فينا يمدح به ، وجمع البقية بقايا . وقال القتيبي : أولو بقية من دين قوم لهم بقية إذا كانت بهم مسكة وفيهم خير . قال أبو منصور : البقية اسم من الإبقاء كأنه أراد - والله أعلم - فلولا كان من القرون قوم أولو إبقاء على أنفسهم لتمسكهم بالدين المرضي ، ونصب إلا قليلا ؛ لأن المعنى في قوله فلولا كان فما كان ، وانتصاب قليلا على الانقطاع من الأول . والبقيا أيضا : الإبقاء ; وقوله أنشده ثعلب :


فلولا اتقاء الله بقياي فيكما     للمتكما لوما أحر من الجمر .



أراد بقياي عليكما ، فأبدل ( في ) مكان ( على ) ، وأبدل ( بقياي ) من ( اتقاء الله ) . وبقاه بقيا : انتظره ورصده ، وقيل : هو نظرك إليه ; قال الكميت : وقيل هو لكثير :


فما زلت أبقي الظعن ، حتى كأنها     أواقي سدى تغتالهن الحوائك .



يقول : شبهت الأظعان في تباعدها عن عيني ودخولها في السراب بالغزل الذي تسديه الحائكة فيتناقص أولا فأولا . وبقيته أي نظرت إليه وترقبته . وبقية الله : انتظار ثوابه ، وبه فسر أبو علي قوله : بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ; لأنه وإنما ينتظر ثوابه من آمن به . و بقية : اسم . وفي حديث معاذ : بقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تأخر لصلاة العتمة ، وفي نسخة : بقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان حتى خشينا فوت الفلاح أي انتظرناه . وبقيته ، بالتشديد ، وأبقيته وتبقيته كله بمعنى . وقال الأحمر في بقينا : انتظرنا وتبصرنا ، يقال منه : بقيت الرجل أبقيه أي انتظرته ورقبته ; وأنشد الأحمر :


فهن يعلكن حدائداتها     جنح النواصي نحو ألوياتها
كالطير تبقي متداوماتها .



يعني تنظر إليها . وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - وصلاة الليل : فبقيت كيف يصلي النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية : كراهة أن يرى أني كنت أبقيه أي أنظره وأرصده . اللحياني : بقيته وبقوته نظرت إليه ، وفي المحكم : بقاه بعينه بقاوة نظر إليه ، عن اللحياني . وبقوت الشيء : انتظرته ، لغة في بقيت ، والياء أعلى . وقالوا : ابقه بقوتك مالك وبقاوتك مالك أي احفظه حفظك مالك .

التالي السابق


الخدمات العلمية