صفحة جزء
[ فتن ]

فتن : الأزهري وغيره : جماع معنى الفتنة الابتلاء والامتحان والاختبار ، وأصلها مأخوذ من قولك فتنت الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيد ، وفي الصحاح : إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته ، ودينار مفتون . والفتن : الإحراق ، ومن هذا قوله عز وجل : يوم هم على النار يفتنون أي يحرقون بالنار . ويسمى الصائغ الفتان ، وكذلك الشيطان ، ومن هذا قيل للحجارة السود التي كأنها أحرقت بالنار : الفتين ، وقيل في قوله : يوم هم على النار يفتنون قال : يقررون والله بذنوبهم . وورق فتين أي فضة محرقة . ابن الأعرابي : الفتنة الاختبار ، والفتنة المحنة ، والفتنة المال ، والفتنة الأولاد ، والفتنة الكفر ، والفتنة اختلاف الناس بالآراء ، والفتنة الإحراق بالنار ؛ وقيل : الفتنة في التأويل الظلم . يقال : فلان مفتون بطلب الدنيا قد غلا في طلبها . ابن سيده : الفتنة الخبرة . وقوله عز وجل : إنا جعلناها فتنة للظالمين أي خبرة ، ومعناه أنهم أفتنوا بشجرة الزقوم وكذبوا بكونها ، وذلك أنهم لما سمعوا أنها تخرج في أصل الجحيم قالوا : الشجر يحترق في النار فكيف ينبت الشجر في النار ؟ فصارت فتنة لهم . وقوله عز وجل : ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين يقول : لا تظهرهم علينا فيعجبوا ويظنوا أنهم خير منا ، فالفتنة هاهنا إعجاب الكفار بكفرهم . ويقال : فتن الرجل بالمرأة وافتتن ، وأهل الحجاز يقولون : فتنته المرأة إذ ولهته وأحبها ، وأهل نجد يقولون : أفتنته ؛ قال أعشى همدان فجاء باللغتين :


لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت سعيدا فأمسى قد قلا كل مسلم

قال ابن بري : قال ابن جني ويقال هذا البيت لابن قيس ، وقال الأصمعي : هذا سمعناه من مخنث وليس بثبت ، لأنه كان ينكر أفتن ، وأجازه أبو زيد ؛ وقال هو في رجز رؤبة ؛ يعني قوله :


يعرضن إعراضا لدين المفتن

وقوله أيضا :


إني وبعض المفتنين داود     ويوسف كادت به المكاييد

قال : وحكى أبو القاسم الزجاج في أماليه بسنده عن الأصمعي قال : حدثنا عمر بن أبي زائدة قال : حدثتني أم عمرو بنت الأهتم قالت : مررنا ونحن جوار بمجلس فيه سعيد بن جبير ، ومعنا جارية تغني بدف معها وتقول :

لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت سعيدا فأمسى قد قلا كل مسلم وألقى مصابيح القراءة واشترى وصال الغواني بالكتاب المتمم

فقال سعيد : كذبتن كذبتن . والفتنة : إعجابك بالشيء ، فتنه يفتنه فتنا وفتونا ، فهو فاتن ، وأفتنه ؛ وأباها الأصمعي بالألف فأنشد بيت رؤبة :


يعرضن إعراضا لدين المفتن

فلم يعرف البيت في الأرجوزة ؛ وأنشد الأصمعي أيضا :


لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت

فلم يعبأ به ، ولكن أهل اللغة أجازوا اللغتين . وقال سيبويه : فتنه جعل فيه فتنة ، وأفتنه أوصل الفتنة إليه . قال سيبويه : إذا قال أفتنته فقد تعرض لفتن ، وإذا قال فتنته فلم يتعرض لفتن . وحكى أبو زيد : أفتن الرجل ، بصيغة ما لم يسم فاعله أي فتن . وحكى الأزهري عن ابن شميل : افتتن الرجل وافتتن لغتان ، قال : وهذا صحيح ، قال : وأما فتنته ففتن فهي لغة ضعيفة . قال أبو زيد : فتن الرجل يفتن فتونا إذا أراد الفجور ، وقد فتنته فتنة وفتونا . وقال أبو [ ص: 126 ] السفر : أفتنته إفتانا ، فهو مفتن ، وأفتن الرجل وفتن ، فهو مفتون إذا أصابته فتنة فذهب ماله أو عقله ، وكذلك إذا اختبر . قال تعالى : وفتناك فتونا . وقد فتن وافتتن ، جعله لازما ومتعديا ، وفتنته تفتينا فهو مفتن أي مفتون جدا . والفتون أيضا : الافتتان ، يتعدى ولا يتعدى ، ومنه قولهم : قلب فاتن أي مفتتن ؛ قال الشاعر :


رخيم الكلام قطيع القيام     أمسى فؤادي بها فاتنا

والمفتون : الفتنة ، صيغ المصدر على لفظ المفعول كالمعقول والمجلود . وقوله تعالى : فستبصر ويبصرون بأييكم المفتون قال أبو إسحاق : معنى المفتون الذي فتن بالجنون ؛ قال أبو عبيدة : معنى الباء الطرح كأنه قال أيكم المفتون ؛ قال أبو إسحاق : ولا يجوز أن تكون الباء لغوا ، ولا ذلك جائز في العربية ، وفيه قولان للنحويين : أحدهما أن المفتون هاهنا بمعنى الفتون ، مصدر على المفعول ، كما قالوا ما له معقول ولا معقود رأي ، وليس لفلان مجلود أي ليس له جلد ومثله الميسور والمعسور كأنه قال بأيكم الفتون ، وهو الجنون ، والقول الثاني فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون ، أي في فرقة الإسلام أو في فرقة الكفر ، أقام الباء مقام في ؛ وفي الصحاح : إن الباء في قوله تعالى : بأيكم المفتون زائدة كما زيدت في قوله تعالى : ( قل كفى بالله شهيدا ) قال : والمفتون الفتنة ، وهو مصدر كالمحلوف والمعقول . ويكون أيكم الابتداء والمفتون خبره ؛ قال : وقال المازني المفتون هو رفع بالابتداء وما قبله خبره كقولهم بمن مرورك وعلى أيهم نزولك ، لأن الأول في معنى الظرف ، قال ابن بري : إذا كانت الباء زائدة فالمفتون الإنسان ، وليس بمصدر ، فإن جعلت الباء غير زائدة فالمفتون مصدر ، بمعنى الفتون . وافتتن في الشيء : فتن فيه . وفتن إلى النساء فتونا وفتن إليهن : أراد الفجور بهن . والفتنة : الضلال والإثم . والفاتن : المضل عن الحق . والفاتن : الشيطان لأنه يضل العباد ، صفة غالبة . وفي حديث قيلة : المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفتان ؛ الفتان : الشيطان الذي يفتن الناس بخداعه وغروره وتزيينه المعاصي ، فإذا نهى الرجل أخاه عن ذلك فقد أعانه على الشيطان . قال : والفتان أيضا اللص الذي يعرض للرفقة في طريقهم فينبغي لهم أن يتعاونوا على اللص ، وجمع الفتان فتان ، والحديث يروى بفتح الفاء وضمها ، فمن رواه بالفتح فهو واحد وهو الشيطان لأنه يفتن الناس عن الدين ، ومن رواه ، بالضم ، فهو جمع فاتن أي يعاون أحدهما الآخر على الذين يضلون الناس عن الحق ويفتنونهم ، وفتان من أبنية المبالغة في الفتنة ، ومن الأول قوله في الحديث : أفتان أنت يا معاذ وروى الزجاج عن المفسرين في قوله عز وجل : فتنتم أنفسكم وتربصتم استعملتموها في الفتنة ، وقيل : أنمتموها . وقوله تعالى : وفتناك فتونا أي أخلصناك إخلاصا . وقوله عز وجل : ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني أي لا تؤثمني بأمرك إياي بالخروج ، وذلك غير متيسر لي فآثم ؛ قال الزجاج : وقيل إن المنافقين هزءوا بالمسلمين في غزوة تبوك فقالوا يريدون بنات الأصفر فقال : لا تفتني أي لا تفتني ببنات الأصفر ، فأعلم الله سبحانه وتعالى أنهم قد سقطوا في الفتنة أي في الإثم . وفتن الرجل أي أزاله عما كان عليه ، ومنه قوله عز وجل : وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك أي يميلونك ويزيلونك . ابن الأنباري : وقولهم فتنت فلانة فلانا ، قال بعضهم : معناه أمالته عن القصد ، والفتنة في كلامهم معناه المميلة عن الحق . وقوله عز وجل : ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صالي الجحيم فسره ثعلب فقال : لا تقدرون أن تفتنوا إلا من قضي عليه أن يدخل النار ، وعدى بفاتنين بعلى لأن فيه معنى قادرين فعداه بما كان يعدى به قادرين لو لفظ به ، وقيل : الفتنة الإضلال في قوله : ما أنتم عليه بفاتنين يقول ما أنتم بمضلين إلا من أضله الله أي لستم تضلون إلا أهل النار الذين سبق علم الله في ضلالهم ؛ قال الفراء : أهل الحجاز يقولون ما أنتم عليه بفاتنين ، وأهل نجد يقولون بمفتنين من أفتنت ، والفتنة : الجنون وكذلك الفتون . وقوله تعالى : والفتنة أشد من القتل معنى الفتنة هاهنا الكفر ، كذلك قال أهل التفسير . قال ابن سيده : والفتنة الكفر . وفي التنزيل العزيز : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة والفتنة : الفضيحة . وقوله عز وجل : ومن يرد الله فتنته قيل : معناه فضيحته ، وقيل : كفره ؛ قال أبو إسحاق : ويجوز أن يكون اختباره بما يظهر به أمره . والفتنة : العذاب نحو تعذيب الكفار ضعفى المؤمنين في أول الإسلام ليصدوهم عن الإيمان ، كما مطي بلال على الرمضاء يعذب حتى افتكه أبو بكر الصديق ، رضي الله تعالى ، عنه فأعتقه . والفتنة : ما يقع بين الناس من القتال . والفتنة : القتل ؛ ومنه قوله تعالى : إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا قال : وكذلك قوله في سورة يونس : على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم أي يقتلهم ؛ وأما قول النبي ، صلى الله عليه وسلم : إني أرى الفتن خلال بيوتكم ، فإنه يكون القتل والحروب والاختلاف الذي يكون بين فرق المسلمين إذا تحزبوا ، ويكون ما يبلون به من زينة الدنيا وشهواتها فيفتنون بذلك عن الآخرة والعمل لها . وقوله ، عليه السلام : ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء ؛ يقول : أخاف أن يعجبوا بهن فيشتغلوا عن الآخرة والعمل لها . والفتنة : الاختبار . وفتنه يفتنه : اختبره . وقوله عز وجل : أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين قيل : معناه يختبرون بالدعاء إلى الجهاد ، وقيل : يفتنون بإنزال العذاب والمكروه . والفتن : الإحراق بالنار . وفتن الشيء في النار يفتنه : أحرقه . والفتين من الأرض : الحرة التي قد ألبستها كلها حجارة سود كأنها محرقة ، والجمع فتن . وقال شمر : كل ما غيرته النار عن حاله فهو مفتون ، ويقال للأمة السوداء مفتونة لأنها كالحرة في السواد كأنها محترقة ؛ وقال أبو قيس بن الأسلت :


غراس كالفتائن معرضات     على آبارها أبدا عطون



وكأن واحدة الفتائن فتينة ، وقال بعضهم : الواحدة فتينة ، وجمعها فتين ، قال الكميت :


ظعائن من بني الحلاف تأوي     إلى خرس نواطق كالفتينا



فحذف الهاء وترك النون منصوبة ، ورواه بعضهم : كالفتينا . ويقال : واحدة الفتين فتنة مثل عزة وعزين . وحكى ابن بري : يقال فتون في [ ص: 127 ] الرفع وفتين في النصب والجر ؛ وأنشد بيت الكميت . والفتنة : الإحراق . وفتنت الرغيف في النار إذا أحرقته . وفتنة الصدر : الوسواس . وفتنة المحيا : أن يعدل عن الطريق . وفتنة الممات : أن يسأل في القبر . وقوله عز وجل : إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا أي أحرقوهم بالنار الموقدة في الأخدود يلقون المؤمنين فيها ليصدوهم عن الإيمان . وفي حديث الحسن : إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات قال : فتنوهم بالنار أي امتحنوهم وعذبوهم وقد جعل الله تعالى امتحان عبيده المؤمنين باللأواء ليبلو صبرهم فيثيبهم ، أو جزعهم على ما ابتلاهم به فيجزيهم ، جزاؤهم فتنة . قال الله تعالى : الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون جاء في التفسير : وهم لا يبتلون في أنفسهم وأموالهم فيعلم بالصبر على البلاء الصادق الإيمان من غيره ، وقيل : وهم لا يفتنون وهم لا يمتحنون بما يبين به حقيقة إيمانهم ، وكذلك قوله تعالى : ولقد فتنا الذين من قبلهم أي اختبرنا وابتلينا . وقوله تعالى مخبرا عن الملكين هاروت وماروت : إنما نحن فتنة فلا تكفر معناه إنما نحن ابتلاء واختبار لكم . وفي الحديث : المؤمن خلق مفتنا أي ممتحنا يمتحنه الله بالذنب ثم يتوب ثم يعود ثم يتوب ، من فتنته إذا امتحنته . ويقال فيهما أفتنته أيضا ، وهو قليل . قال ابن الأثير : وقد كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه ثم كثر حتى استعمل بمعنى الإثم والكفر والقتال والإحراق والإزالة والصرف عن الشيء . وفتانا القبر : منكر ونكير . وفي حديث الكسوف : وإنكم تفتنون في القبور يريد مساءلة منكر ونكير ، من الفتنة الامتحان ، وقد كثرت استعاذته من فتنة القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات وغير ذلك . وفي الحديث : فبي تفتنون وعني تسألون أي تمتحنون بي في قبوركم ويتعرف إيمانكم بنبوتي . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه : أنه سمع رجلا يتعوذ من الفتن ، فقال : أتسأل ربك أن لا يرزقك أهلا ولا مالا ؟ تأول قوله عز وجل : إنما أموالكم وأولادكم فتنة ولم يرد فتن القتال والاختلاف . وهما فتنان أي ضربان ولونان ؛ قال نابغة بني جعدة :


هما فتنان مقضي عليه     لساعته فآذن بالوداع



الواحد : فتن وروى أبو عمرو الشيباني قول عمر بن أحمر الباهلي :


إما على نفسي وإما لها     والعيش فتنان فحلو ، ومر

قال أبو عمرو : الفتن الناحية ، ورواه غيره : فتنان بفتح الفاء أي حالان وفنان قال ذلك أبو سعيد قال : ورواه بعضهم فنان أي ضربان . والفتان بكسر الفاء : غشاء يكون للرحل من أدم قال لبيد :


فثنيت كفي والفتان ونمرقي     ومكانهن الكور والنسعان



والجمع فتن .

التالي السابق


الخدمات العلمية