صفحة جزء
[ فطر ]

فطر : فطر الشيء يفطره فطرا فانفطر وفطره : شقه . وتفطر الشيء : تشقق . والفطر : الشق ، وجمعه فطور . وفي التنزيل العزيز : هل ترى من فطور وأنشد ثعلب :


شققت القلب ثم ذررت فيه هواك فليم فالتأم الفطور



وأصل الفطر : الشق ; ومنه قوله تعالى : إذا السماء انفطرت أي انشقت . وفي الحديث : قام رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حتى تفطرت قدماه أي انشقتا . يقال : تفطرت وانفطرت ، بمعنى ; ومنه أخذ فطر الصائم لأنه يفتح فاه . ابن سيده : تفطر الشيء وفطر وانفطر . وفي التنزيل العزيز : السماء منفطر به ذكر على النسب كما قالوا دجاجة معضل . وسيف فطار : فيه صدوع وشقوق ; قال عنترة :


وسيفي كالعقيقة وهو كمعي     سلاحي لا أفل ولا فطارا



ابن الأعرابي : الفطاري من الرجال الفدم الذي لا خير عنده ولا شر ، مأخوذ من السيف الفطار الذي لا يقطع . وفطر ناب البعير يفطر فطرا : شق وطلع ، فهو بعير فاطر ; وقول هميان :


آمل أن يحملني أميري     على علاة لأمة الفطور



يجوز أن يكون الفطور فيه الشقوق أي أنها ملتئمة ما تباين من غيرها فلم يلتئم ، وقيل : معناه شديدة عند فطور نابها موثقة . وفطر الناقة والشاة يفطرها فطرا : حلبها بأطراف أصابعه ، وقيل : هو أن يحلبها كما تعقد بالإبهامين والسبابتين . الجوهري : الفطر حلب الناقة بالسبابة والإبهام ، والفطر : القليل من اللبن حين يحلب . التهذيب : والفطر شيء قليل من اللبن يحلب ساعتئذ ; تقول : ما حلبنا إلا فطرا ; قال المرار :


عاقر لم يحتلب منها فطر



أبو عمرو : الفطير اللبن ساعة يحلب . والفطر : المذي ; شبه بالفطر في الحلب . يقال : فطرت الناقة أفطرها فطرا ، وهو الحلب بأطراف الأصابع . ابن سيده : الفطر المذي ، شبه بالحلب لأنه لا يكون إلا بأطراف الأصابع فلا يخرج اللبن إلا قليلا ، وكذلك المذي يخرج قليلا ، وليس المني كذلك ; وقيل : الفطر مأخوذ من تفطرت قدماه دما أي سالتا ، وقيل : سمي فطرا لأنه شبه بفطر ناب البعير لأنه يقال : فطر نابه طلع ، فشبه طلوع هذا من الإحليل بطلوع ذلك . وسئل عمر ، رضي الله عنه ، عن المذي فقال : ذلك الفطر ; كذا رواه أبو عبيد بالفتح ، ورواه ابن شميل : ذلك الفطر ، بضم الفاء ; قال ابن الأثير : يروى بالفتح والضم ، فالفتح من مصدر فطر ناب البعير فطرا إذا شق اللحم وطلع فشبه به خروج المذي في قلته ، أو هو مصدر فطرت الناقة أفطرها إذا حلبتها بأطراف الأصابع ، وأما الضم فهو اسم ما يظهر من اللبن على حلمة الضرع . وفطر نابه إذا بزل ; قال الشاعر :


حتى نهى رائضه عن فره     أنياب عاس شاقئ عن فطره



وانفطر الثوب إذا انشق ، وكذلك تفطر . وتفطرت الأرض بالنبات إذا تصدعت . وفي حديث عبد الملك : كيف تحلبها مصرا أم فطرا ؟ هو أن تحلبها بإصبعين بطرف الإبهام . والفطر : ما تفطر من النبات ، والفطر أيضا : جنس من الكمء أبيض عظام لأن الأرض تنفطر عنه ، واحدته فطرة . والفطر : العنب إذا بدت رءوسه لأن القضبان تتفطر . والتفاطير : أول نبات الوسمي ، ونظيره التعاشيب والتعاجيب وتباشير الصبح ولا واحد لشيء من هذه الأربعة . والتفاطير [ ص: 197 ] والنفاطير : بثر تخرج في وجه الغلام والجارية ; قال :


نفاطير الجنون بوجه سلمى     قديما لا تفاطير الشباب



واحدتها نفطور . وفطر أصابعه فطرا : غمزها . وفطر الله الخلق يفطرهم : خلقهم وبدأهم . والفطرة : الابتداء والاختراع . وفي التنزيل العزيز : الحمد لله فاطر السماوات والأرض قال ابن عباس ، رضي الله عنهما : ما كنت أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها أي أنا ابتدأت حفرها . وذكر أبو العباس أنه سمع ابن الأعرابي يقول : أنا أول من فطر هذا أي ابتدأه . والفطرة ، بالكسر : الخلقة ; أنشد ثعلب :


هون عليك ! فقد نال الغنى رجل     في فطرة الكلب لا بالدين والحسب



والفطرة : ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة به . وقد فطره يفطره ، بالضم ، فطرا أي خلقه . الفراء في قوله تعالى : فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله قال : نصبه على الفعل ، وقال أبو الهيثم : الفطرة الخلقة التي يخلق عليها المولود في بطن أمه ; قال : وقوله تعالى : الذي فطرني فإنه سيهدين أي خلقني ، وكذلك قوله تعالى : وما لي لا أعبد الذي فطرني . قال : وقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة ; يعني الخلقة التي فطر عليها في الرحم من سعادة أو شقاوة ، فإذا ولده يهوديان هوداه في حكم الدنيا ، أو نصرانيان نصراه في الحكم ، أو مجوسيان مجساه في الحكم ، وكان حكمه حكم أبويه حتى يعبر عنه لسانه ، فإن مات قبل بلوغه مات على ما سبق له من الفطرة التي فطر عليها ، فهذه فطرة المولود ; قال : وفطرة ثانية وهي الكلمة التي يصير بها العبد مسلما وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله جاء بالحق من عنده ، فتلك الفطرة للدين ; والدليل على ذلك حديث البراء بن عازب ، رضي الله عنه ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : أنه علم رجلا أن يقول إذا نام وقال : فإنك إن مت من ليلتك مت على الفطرة . قال : وقوله : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها فهذه فطرة فطر عليها المؤمن . قال : وقيل : فطر كل إنسان على معرفته بأن الله رب كل شيء وخالقه ، والله أعلم . قال : وقد يقال كل مولود يولد على الفطرة التي فطر الله عليها بني آدم حين أخرجهم من صلب آدم كما قال تعالى : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى . وقال أبو عبيد : بلغني عن ابن المبارك أنه سئل عن تأويل هذا الحديث فقال : تأويله الحديث الآخر : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، سئل عن أطفال المشركين فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ; يذهب إلى أنهم إنما يولدون على ما يصيرون إليه من إسلام أو كفر . قال أبو عبيد : وسألت محمد بن الحسن عن تفسير هذا الحديث فقال : كان هذا في أول الإسلام قبل نزول الفرائض ; يذهب إلى أنه لو كان يولد على الفطرة ثم مات قبل أن يهوده أبوان ما ورثهما ولا ورثاه لأنه مسلم وهما كافران ; قال أبو منصور : غبا على محمد بن الحسن معنى الحديث فذهب إلى أن قول رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة ، حكم من النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قبل نزول الفرائض . ثم نسخ ذلك الحكم من بعد ; قال : وليس الأمر على ما ذهب إليه لأن معنى قوله : كل مولود يولد على الفطرة خبر أخبر به النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن قضاء سبق من الله للمولود ، وكتاب كتبه الملك بأمر الله جل وعز من سعادة أو شقاوة ، والنسخ لا يكون في الأخبار إنما النسخ في الأحكام ; قال : وقرأت بخط شمر في تفسير هذين الحديثين : أن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي روى حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة " الحديث " ثم قرأ أبو هريرة بعدما حدث بهذا الحديث : فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله . قال إسحاق : ومعنى قول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، على ما فسر أبو هريرة حين قرأ : فطرة الله وقوله : لا تبديل يقول : لتلك الخلقة التي خلقهم عليها إما لجنة أو لنار حين أخرج من صلب آدم كل ذرية هو خالقها إلى يوم القيامة ، فقال : هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار ، فيقول كل مولود يولد على تلك الفطرة ، ألا ترى غلام الخضر ، عليه السلام ؟ قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : طبعه الله يوم طبعه كافرا وهو بين أبوين مؤمنين فأعلم الله الخضر ، عليه السلام ، بخلقته التي خلقه لها ، ولم يعلم موسى ، عليه السلام ، ذلك فأراه الله تلك الآية ليزداد علما إلى علمه ; قال : وقوله : فأبواه يهودانه وينصرانه ، يقول : بالأبوين يبين لكم ما تحتاجون إليه في أحكامكم من المواريث وغيرها ، يقول : إذا كان الأبوان مؤمنين فاحكموا لولدهما بحكم الأبوين في الصلاة والمواريث والأحكام ، وإن كانا كافرين فاحكموا لولدهما بحكم الكفر . . . أنتم في المواريث والصلاة ، وأما خلقته التي خلق لها فلا علم لكم بذلك ، ألا ترى أن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، حين كتب إليه نجدة في قتل صبيان المشركين ، كتب إليه : إن علمت من صبيانهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتله فاقتلهم ؟ أراد به أنه لا يعلم علم الخضر أحد في ذلك لما خصه الله به كما خصه بأمر السفينة والجدار ، وكان منكرا في الظاهر فعلمه الله علم الباطن ، فحكم بإرادة الله تعالى في ذلك ; قال أبو منصور : وكذلك أطفال قوم نوح ، عليه السلام ، الذين دعا على آبائهم وعليهم بالغرق ، إنما استجاز الدعاء عليهم بذلك وهم أطفال لأن الله عز وجل أعلمه أنهم لا يؤمنون حيث قال له : لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فأعلمه أنهم فطروا على الكفر . قال أبو منصور : والذي قاله إسحاق هو القول الصحيح الذي دل عليه الكتاب ثم السنة ; وقال أبو إسحاق في قول الله عز وجل : فطرة الله التي فطر الناس عليها منصوب بمعنى اتبع فطرة الله ، لأن معنى قوله : فأقم وجهك اتبع الدين القيم اتبع فطرة الله أي خلقة الله التي خلق عليها البشر . قال : وقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة ، معناه أن الله فطر الخلق على الإيمان به على ما جاء في الحديث : إن الله أخرج من صلب آدم ذريته كالذر ، وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم ، وهو قوله تعالى : وإذ أخذ ربك من بني آدم إلى قوله : قالوا بلى شهدنا قال : وكل مولود هو من تلك الذرية التي شهدت بأن الله خالقها ، فمعنى فطرة [ ص: 198 ] الله أي دين الله التي فطر الناس عليها ; قال الأزهري : والقول ما قال إسحاق بن إبراهيم في تفسير الآية ومعنى الحديث ، قال : والصحيح في قوله : فطرة الله التي فطر الناس عليها اعلم فطرة الله التي فطر الناس عليها من الشقاء والسعادة ، والدليل على ذلك قوله تعالى : لا تبديل لخلق الله أي لا تبديل لما خلقهم له من جنة أو نار ; والفطرة : ابتداء الخلقة هاهنا ; كما قال إسحاق . ابن الأثير في قوله : كل مولود يولد على الفطرة ، قال : الفطر الابتداء والاختراع ، والفطرة منه الحالة ، كالجلسة والركبة ، والمعنى أنه يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيء لقبول الدين ، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها ، وإنما يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد ، ثم مثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم عن مقتضى الفطرة السليمة ; وقيل : معناه كل مولود يولد على معرفة الله تعالى والإقرار به فلا تجد أحدا إلا وهو يقر بأن له صانعا ، وإن سماه بغير اسمه ، ولو عبد معه غيره ، وتكرر ذكر الفطرة في الحديث . وفي حديث حذيفة : على غير فطرة محمد ; أراد دين الإسلام الذي هو منسوب إليه . وفي الحديث : عشر من الفطرة أي من السنة ; يعني سنن الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، التي أمرنا أن نقتدي بهم فيها . وفي حديث علي ، رضي الله عنه : وجبار القلوب على فطراتها أي على خلقها ، جمع فطر ، وفطر جمع فطرة ، وهي جمع فطرة ككسرة وكسرات ، بفتح طاء الجميع . يقال فطرات وفطرات وفطرات . ابن سيده : وفطر الشيء أنشأه ، وفطر الشيء بدأه ، وفطرت إصبع فلان أي ضربتها فانفطرت دما . والفطر للصائم ، والاسم الفطر ، والفطر : نقيض الصوم ، وقد أفطر وفطر وأفطره وفطره تفطيرا . قال سيبويه : فطرته فأفطر ، نادر . ورجل فطر . والفطر : القوم المفطرون . وقوم فطر ، وصف بالمصدر ، ومفطر من قوم مفاطير ; عن سيبويه ، مثل موسر ومياسير ; قال أبو الحسن : إنما ذكرت مثل هذا الجمع لأن حكم مثل هذا أن يجمع بالواو والنون في المذكر ، وبالألف والتاء في المؤنث . والفطور : ما يفطر عليه ، وكذلك الفطوري ، كأنه منسوب إليه . وفي الحديث : إذا أقبل الليل وأدبر النهار فقد أفطر الصائم أي دخل في وقت الفطر وحان له أن يفطر ، وقيل : معناه أنه قد صار في حكم المفطرين ، وإن لم يأكل ولم يشرب . ومنه الحديث : أفطر الحاجم والمحجوم أي تعرضا للإفطار ، وقيل : حان لهما أن يفطرا ، وقيل : هو على جهة التغليظ لهما والدعاء عليهما . وفطرت المرأة العجين حتى استبان فيه الفطر ، والفطير : خلاف الخمير ، وهو العجين الذي لم يختمر . وفطرت العجين أفطره فطرا إذا أعجلته عن إدراكه . تقول : عندي خبز خمير وحيس فطير أي طري . وفي حديث معاوية : ماء نمير وحيس فطير أي طري قريب حديث العمل . ويقال : فطرت الصائم فأفطر ، ومثله بشرته فأبشر . وفي الحديث : أفطر الحاجم والمحجوم . وفطر العجين يفطره ويفطره ، فهو فطير إذا اختبزه من ساعته ولم يخمره ، والجمع فطرى ، مقصورة . الكسائي : خمرت العجين وفطرته ، بغير ألف ، وخبز فطير وخبزة فطير ، كلاهما بغير هاء ; عن اللحياني ، وكذلك الطين . وكل ما أعجل عن إدراكه : فطير . الليث : فطرت العجين والطين ، وهو أن تعجنه ثم تختبزه من ساعته ، وإذا تركته ليختمر فقد خمرته ، واسمه الفطير . وكل شيء أعجلته عن إدراكه ، فهو فطير . يقال : إياي والرأي الفطير ; ومنه قولهم : شر الرأي الفطير . وفطر جلده فهو فطير ، وأفطره : لم يروه من دباغ ; عن ابن الأعرابي . ويقال : قد أفطرت جلدك إذا لم تروه من الدباغ . والفطير من السياط : المحرم الذي لم يجد دباغه . وفطر من أسمائهم : محدث ، وهو فطر بن خليفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية