صفحة جزء
[ أخر ]

أخر : في أسماء الله تعالى : الآخر والمؤخر ، فالآخر هو الباقي بعد فناء خلقه كله ناطقه وصامته ، والمؤخر هو الذي يؤخر الأشياء فيضعها في مواضعها ، وهو ضد المقدم ، والأخر ضد القدم . تقول : مضى قدما وتأخر أخرا ، والتأخر ضد التقدم; وقد تأخر عنه تأخرا وتأخرة واحدة; عن اللحياني ; وهذا مطرد ، وإنما ذكرناه لأن اطراد مثل هذا مما يجهله من لا دربة له بالعربية . وأخرته فتأخر ، واستأخر كتأخر . وفي التنزيل : لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وفيه أيضا : ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين يقول : علمنا من يستقدم منكم إلى الموت ومن يستأخر عنه ، وقيل : علمنا مستقدمي الأمم ومستأخريها ، وقال ثعلب : علمنا من يأتي منكم إلى المسجد متقدما ومن يأتي متأخرا ، وقيل : إنها كانت امرأة حسناء تصلي خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن يصلي في النساء فكان بعض من يصلي يتأخر في أواخر الصفوف ، فإذا سجد اطلع إليها من تحت إبطه ، والذين لا يقصدون هذا المقصد إنما كانوا يطلبون التقدم في الصفوف لما فيه من الفضل . وفي حديث عمر رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : أخر عني يا عمر ، يقال : أخر وتأخر ، وقدم وتقدم بمعنى ; كقوله تعالى : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ; أي لا تتقدموا ، وقيل : معناه أخر عني رأيك فاختصر إيجازا وبلاغة . والتأخير : ضد التقديم . ومؤخر كل شيء ، بالتشديد : خلاف مقدمه . يقال : ضرب مقدم رأسه ومؤخره . وآخرة العين ومؤخرها ومؤخرتها : ما ولي اللحاظ ، ولا يقال كذلك إلا في مؤخر العين . ومؤخر العين مثل مؤمن : الذي يلي الصدغ ، ومقدمها : الذي يلي الأنف ; يقال : نظر إليه بمؤخر عينه وبمقدم عينه ; ومؤخر العين ومقدمها : جاء في العين بالتخفيف خاصة . ومؤخرة الرحل ومؤخرته وآخرته وآخره ، كله خلاف قادمته ، وهي التي يستند إليها الراكب . وفي الحديث : إذا وضع أحدكم بين يديه مثل آخرة الرحل فلا يبالي من مر وراءه ; هي بالمد الخشبة التي يستند إليها الراكب من كور البعير ، وفي حديث آخر : مثل مؤخرة ; وهي بالهمز والسكون لغة قليلة في آخرته ، وقد منع منها بعضهم ولا يشدد . ومؤخرة السرج : خلاف قادمته . والعرب تقول : واسط الرحل للذي جعله الليث قادمه . ويقولون : مؤخرة الرحل وآخرة الرحل ، قال يعقوب : ولا تقل مؤخرة . وللناقة آخران وقادمان : فخلفاها المقدمان قادماها ، وخلفاها المؤخران آخراها ، والآخران من الأخلاف : اللذان يليان الفخذين ; والآخر : خلاف الأول ، والأنثى آخرة . حكى ثعلب : هن الأولات دخولا والآخرات خروجا . الأزهري : وأما الآخر ، بكسر الخاء ، قال الله عز وجل : هو الأول والآخر والظاهر والباطن . روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ، وهو يمجد الله : أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء . الليث : الآخر والآخرة نقيض المتقدم والمتقدمة ، والمستأخر نقيض المستقدم ، والآخر بالفتح : أحد الشيئين ، وهو اسم على أفعل ، والأنثى أخرى ، إلا أن فيه معنى الصفة لأن أفعل من كذا لا يكون إلا في الصفة . والآخر بمعنى ( غير ) كقولك رجل آخر وثوب آخر ، وأصله أفعل من التأخر ، فلما اجتمعت همزتان في حرف واحد استثقلتا فأبدلت الثانية ألفا لسكونها وانفتاح الأولى قبلها . قال الأخفش : لو جعلت في الشعر آخر مع جابر لجاز ; قال ابن جني : هذا الوجه القوي لأنه لا يحقق أحد همزة آخر ، ولو كان تحقيقها حسنا لكان التحقيق حقيقا بأن يسمع فيها ، وإذا كان بدلا ألبتة وجب أن يجرى على ما أجرته عليه العرب من مراعاة لفظه وتنزيل هذه الهمزة منزلة الألف الزائدة التي لا حظ فيها للهمز نحو عالم وصابر ، ألا تراهم لما كسروا ، قالوا : آخر وأواخر ، كما قالوا جابر وجوابر ; وقد جمع امرؤ القيس بين آخر وقيصر توهم الألف همزة ، قال :


إذا نحن صرنا خمس عشرة ليلة وراء الحساء من مدافع قيصرا     إذا قلت : هذا صاحب قد رضيته
وقرت به العينان بدلت آخرا

وتصغير آخر أويخر جرت الألف المخففة عن الهمزة مجرى ألف ضارب . وقوله تعالى : فآخران يقومان مقامهما فسره ثعلب فقال : [ ص: 66 ] فمسلمان يقومان مقام النصرانيين يحلفان أنهما اختانا ثم يرتجع على النصرانيين ، وقال الفراء : معناه أو آخران من غير دينكم من النصارى واليهود وهذا للسفر والضرورة لأنه لا تجوز شهادة كافر على مسلم في غير هذا ، والجمع بالواو والنون ، والأنثى أخرى . وقوله عز وجل : ولي فيها مآرب أخرى ; جاء على لفظ صفة الواحد لأن مآرب في معنى جماعة أخرى من الحاجات ولأنه رأس آية ، والجمع أخريات وأخر . وقولهم : جاء في أخريات الناس وأخرى القوم أي في أواخرهم ; وأنشد :


أنا الذي ولدت في أخرى الإبل

وقال الفراء في قوله تعالى : والرسول يدعوكم في أخراكم ; من العرب من يقول في أخراتكم ولا يجوز في القراءة . الليث : يقال هذا آخر وهذه أخرى في التذكير والتأنيث ، قال : وأخر جماعة أخرى . قال الزجاج في قوله تعالى : وأخر من شكله أزواج ; أخر لا ينصرف لأن وحدانها لا تنصرف ، وهو أخرى وآخر ، وكذلك كل جمع على فعل لا ينصرف إذا كانت وحدانه لا تنصرف مثل كبر وصغر ; وإذا كان فعل جمعا لفعلة فإنه ينصرف نحو سترة وستر وحفرة وحفر ، وإذا كان فعل اسما مصروفا عن فاعل لم ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة ، وإذا كان اسما لطائر أو غيره فإنه ينصرف نحو سبد ومرع ، وما أشبههما : وقرئ : وآخر من شكله أزواج ; على الواحد . وقوله : ومناة الثالثة الأخرى ; تأنيث الآخر ، ومعنى آخر شيء غير الأول ; وقول أبي العيال :


إذا سنن الكتيبة ص     د عن أخراتها ، العصب

قال السكري : أراد أخرياتها فحذف ; ومثله ما أنشده ابن الأعرابي :


ويتقي السيف بأخراته     من دون كف الجار والمعصم

قال ابن جني : وهذا مذهب البغداديين ، ألا تراهم يجيزون في تثنية قر قرى قر قران ، وفي نحو صلخدى صلخدان ؟ إلا أن هذا إنما هو فيما طال من الكلام ، وأخرى ليست بطويلة . قال : وقد يمكن أن تكون أخراته واحدة إلا أن الألف مع الهاء تكون لغير التأنيث ، فإذا زالت الهاء صارت الألف حينئذ للتأنيث ، ومثله بهماة ، ولا ينكر أن تقدر الألف الواحدة في حالتين ثنتين تقديرين اثنين ، ألا ترى إلى قولهم علقاة بالتاء ؟ ثم قال العجاج :


فحط في علقى وفي مكور

فجعلها للتأنيث ولم يصرف . قال ابن سيده : وحكى أصحابنا أن أبا عبيدة قال في بعض كلامه : أراهم كأصحاب التصريف يقولون إن علامة التأنيث لا تدخل على علامة التأنيث ، وقد قالالعجاج :


فحط في علقى وفي مكور

فلم يصرف ، وهم مع هذا يقولون علقاة ، فبلغ ذلك أبا عثمان فقال : إن أبا عبيدة أخفى من أن يعرف مثل هذا ; يريد ما تقدم ذكره من اختلاف التقديرين في حالين مختلفين . وقولهم : لا أفعله أخرى الليالي أي أبدا ، وأخرى المنون أي آخر الدهر ، قال :


وما القوم إلا خمسة أو ثلاثة     يخوتون أخرى القوم خوت الأجادل

أي من كان في آخرهم . والأجادل : جمع أجدل الصقر . وخوت البازي : انقضاضه للصيد ; قال ابن بري : وفي الحاشية بيت شاهد على أخرى المنون ليس من كلام الجوهري ، وهو لكعب بن مالك الأنصاري ، وهو :


ألا تزالوا ما تغرد طائر     أخرى المنون مواليا إخوانا

قال ابن بري : وقبله :


أنسيتم عهد النبي إليكم     ولقد ألظ وأكد الأيمانا ؟

وأخر : جمع أخرى ، وأخرى : تأنيث آخر ، وهو غير مصروف . وقال تعالى : فعدة من أيام أخر ، لأن أفعل الذي معه من لا يجمع ولا يؤنث ما دام نكرة ، تقول : مررت برجل أفضل منك وبامرأة أفضل منك ، فإن أدخلت عليه الألف واللام أو أضفته ثنيت وجمعت وأنثت ، تقول : مررت بالرجل الأفضل وبالرجال الأفضلين وبالمرأة الفضلى وبالنساء الفضل ، ومررت بأفضلهم وبأفضليهم وبفضلاهن وبفضلهن ; وقالت امرأة من العرب : صغراها مراها ; ولا يجوز أن تقول : مررت برجل أفضل ولا برجال أفضل ولا بامرأة فضلى حتى تصله بمن أو تدخل عليه الألف واللام وهما يتعاقبان عليه ، وليس كذلك آخر لأنه يؤنث ويجمع بغير من ، وبغير الألف واللام ، وبغير الإضافة ، تقول : مررت برجل آخر وبرجال أخر وآخرين ، وبامرأة أخرى وبنسوة أخر ، فلما جاء معدولا ، وهو صفة ، منع الصرف ، وهو مع ذلك جمع ، فإن سميت به رجلا صرفته في النكرة عند الأخفش ولم تصرفه عند سيبويه ; وقول الأعشى :


وعلقتني أخيرى ما تلائمني     فاجتمع الحب حب كله خبل

تصغير أخرى . والأخرى والآخرة : دار البقاء ، صفة غالبة . والآخر بعد الأول ، وهو صفة ، يقال : جاء أخرة وبأخرة ، بفتح الخاء وأخرة وبأخرة ; هذه عن اللحياني بحرف وبغير حرف أي آخر كل شيء . وفي الحديث : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس كذا وكذا أي في آخر جلوسه . قال ابن الأثير : ويجوز أن يكون في آخر عمره ، وهو بفتح الهمزة والخاء ; ومنه حديث أبي هريرة : لما كان بأخرة وما عرفته إلا بأخرة أي أخيرا . ويقال : لقيته أخيرا وجاء أخرا وأخيرا وأخريا وإخريا وآخريا وبآخرة ، بالمد ، أي آخر كل شيء ، والأنثى آخرة ، والجمع أواخر . وأتيتك آخر مرتين وآخرة مرتين ; عن ابن الأعرابي ، ولم يفسر آخر مرتين ولا آخرة مرتين ; قال ابن سيده : وعندي أنها المرة الثانية من المرتين . وشق ثوبه أخرا ومن أخر أي من خلف ; وقال امرؤ القيس يصف فرسا حجرا :


وعين لها حدرة بدرة [ ص: 67 ]     شقت مآقيهما من أخر

وعين حدرة أي مكتنزة صلبة . والبدرة : التي تبدر بالنظر ، ويقال : هي التامة كالبدر . ومعنى شقت من أخر : يعني أنها مفتوحة كأنها شقت من مؤخرها . وبعته سلعة بأخرة أي بنظرة وتأخير ونسيئة ، ولا يقال : بعته المتاع إخريا . ويقال في الشتم : أبعد الله الأخر ، بكسر الخاء وقصر الألف ، والأخير ولا تقوله للأنثى . وحكى بعضهم : أبعد الله الآخر ، بالمد ، والآخر والأخير الغائب . شمر في قولهم : إن الأخر فعل كذا وكذا ، قال ابن شميل : الأخر المؤخر المطروح ; وقال شمر : معنى المؤخر الأبعد ; قال : أراهم أرادوا الأخير فأندروا الياء . وفي حديث ماعز : إن الأخر قد زنى ; الأخر ، بوزن الكبد هو الأبعد المتأخر عن الخير . ويقال : لا مرحبا بالأخر أي بالأبعد ; ابن السكيت : يقال نظر إلي بمؤخر عينه . وضرب مؤخر رأسه ، وهي آخرة الرحل . والمئخار : النخلة التي يبقى حملها إلى آخر الصرام ; قال :


ترى الغضيض الموقر المئخارا     من وقعه ، ينتثر انتثارا

ويروى : ترى العضيد والعضيض . وقال أبو حنيفة : المئخار التي يبقى حملها إلى آخر الشتاء ، وأنشد البيت أيضا . وفي الحديث : المسألة أخر كسب المرء أي أرذله وأدناه ; ويروى بالمد أي أن السؤال آخر ما يكتسب به المرء عند العجز عن الكسب .

التالي السابق


الخدمات العلمية