صفحة جزء
[ قرأ ]

قرأ : القرآن : التنزيل العزيز ، وإنما قدم على ما هو أبسط منه لشرفه . قرأه يقرؤه ، ويقرؤه الأخيرة عن الزجاج قرءا وقراءة وقرآنا ، الأولى عن اللحياني ، فهو مقروء . أبو إسحاق النحوي : يسمى كلام الله تعالى الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم كتابا وقرآنا وفرقانا ، ومعنى القرآن معنى الجمع وسمي قرآنا لأنه يجمع السور فيضمها ؛ وقوله تعالى : إن علينا جمعه وقرآنه ، أي : جمعه وقراءته فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ، أي : قراءته . قال ابن عباس رضي الله عنهما : فإذا بيناه لك بالقراءة فاعمل بما بيناه لك ، فأما قوله :


هن الحرائر لا ربات أخمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسور



فإنه أراد لا يقرأن السور ، فزاد الباء كقراءة من قرأ : تنبت بالدهن وقراءة من قرأ : ( يكاد سنى برقه يذهب بالأبصار ) ، أي : تنبت الدهن ويذهب الأبصار . وقرأت الشيء قرآنا : جمعته وضممت بعضه إلى بعض . ومنه قولهم : ما قرأت هذه الناقة سلى قط ، وما قرأت جنينا قط ، أي : لم يضطم رحمها على ولد ، وأنشد عمرو بن كلثوم :


هجان اللون لم تقرأ جنينا



وقال : قال أكثر الناس معناه : لم تجمع جنينا ، أي : لم يضطم رحمها على الجنين . قال وفيه قول آخر : لم تقرأ جنينا ، أي : لم تلقه . ومعنى قرأت القرآن : لفظت به مجموعا ، أي : ألقيته . وروي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قرأ القرآن على إسماعيل بن قسطنطين ، وكان يقول : القران اسم وليس بمهموز . ولم يؤخذ من قرأت ، ولكنه اسم لكتاب الله مثل التوراة ، والإنجيل ، ويهمز قرأت ولا يهمز القران [ ص: 51 ] كما تقول إذا قرأت القران . قال وقال إسماعيل : قرأت على شبل ، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير ، وأخبر عبد الله أنه قرأ على مجاهد ، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس رضي الله عنهما ، وأخبر ابن عباس أنه قرأ على أبي وقرأ أبي على النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أبو بكر بن مجاهد المقرئ : كان أبو عمرو بن العلاء لا يهمز القرآن ، وكان يقرؤه كما روى عن ابن كثير . وفي الحديث : أقرؤكم أبي . قال ابن الأثير : قيل أراد من جماعة مخصوصين أو في وقت من الأوقات ، فإن غيره كان أقرأ منه . قال : ويجوز أن يريد به أكثرهم قراءة ، ويجوز أن يكون عاما وأنه أقرأ الصحابة ، أي : أتقن للقرآن وأحفظ . ورجل قارئ من قوم قراء وقرأة وقارئين . وأقرأ غيره يقرئه إقراء . ومنه قيل : فلان المقرئ . قال سيبويه : قرأ واقترأ بمعنى ، بمنزلة علا قرنه واستعلاه . وصحيفة مقروءة لا يجيز الكسائي والفراء غير ذلك ، وهو القياس . وحكى أبو زيد : صحيفة مقرية ، وهو نادر إلا في لغة من قال : قريت . وقرأت الكتاب قراءة وقرآنا ، ومنه سمي القرآن . وأقرأه القرآن فهو مقرئ . وقال ابن الأثير : تكرر في الحديث ذكر القراءة والاقتراء ، والقارئ ، والقرآن ، والأصل في هذه اللفظة الجمع وكل شيء جمعته فقد قرأته . وسمي القرآن ؛ لأنه جمع القصص ، والأمر والنهي ، والوعد ، والوعيد ، والآيات والسور بعضها إلى بعض ، وهو مصدر كالغفران ، والكفران . قال : وقد يطلق على الصلاة ; لأن فيها قراءة تسمية للشيء ببعضه ، وعلى القراءة نفسها ، يقال : قرأ يقرأ قراءة وقرآنا . والاقتراء : افتعال من القراءة . قال : وقد تحذف الهمزة منه تخفيفا ، فيقال : قران وقريت وقار ، ونحو ذلك من التصريف . وفي الحديث : أكثر منافقي أمتي قراؤها ، أي : أنهم يحفظون القرآن نفيا للتهمة عن أنفسهم وهم معتقدون تضييعه . وكان المنافقون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة . وقارأه مقارأة وقراء بغير هاء : دارسه . واستقراه : طلب إليه أن يقرأ . وروي عن ابن مسعود : تسمعت للقرأة فإذا هم متقارئون حكاه اللحياني ولم يفسره . قال ابن سيده : وعندي أن الجن كانوا يرومون القراءة . وفي حديث أبي في ذكر سورة الأحزاب : إن كانت لتقارئ سورة البقرة أو هي أطول ، أي : تجاريها مدى طولها في القراءة أو إن قارئها ليساوي قارئ البقرة في زمن قراءتها ، وهي مفاعلة من القراءة . قال الخطابي : هكذا رواه ابن هاشم وأكثر الروايات : إن كانت لتوازي . ورجل قراء : حسن القراءة من قوم قرائين ولا يكسر . وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أنه كان لا يقرأ في الظهر ، والعصر ، ثم قال في آخره : وما كان ربك نسيا ، معناه : أنه كان لا يجهر بالقراءة فيهما ، أو لا يسمع نفسه قراءته كأنه رأى قوما يقرءون فيسمعون نفوسهم ومن قرب منهم . ومعنى قوله : وما كان ربك نسيا يريد أن القراءة التي تجهر بها أو تسمعها نفسك يكتبها الملكان ، وإذا قرأتها في نفسك لم يكتباها والله يحفظها لك ولا ينساها ليجازيك عليها . والقارئ ، والمتقرئ ، والقراء كله : الناسك ، مثل حسان وجمال .

؛ وقول زيد بن تركي الزبيدي وفي الصحاح قال الفراء . أنشدني أبو صدقة الدبيري :


بيضاء تصطاد الغوي وتستبي     بالحسن قلب المسلم القراء



القراء : يكون من القراءة جمع قارئ ولا يكون من التنسك ، وهو أحسن . قال ابن بري : صواب إنشاده بيضاء بالفتح ; لأن قبله :


ولقد عجبت لكاعب مودونة     أطرافها بالحلي ، والحناء



ومودونة : ملينة ، ودنوه ، أي : رطبوه . وجمع القراء : قراءون وقرائئ جاءوا بالهمز في الجمع لما كانت غير منقلبة بل موجودة في قرأت . الفراء يقال : رجل قراء وامرأة قراءة . وتقرأ : تفقه وتقرأ تنسك . ويقال : قرأت ، أي : صرت قارئا ناسكا . وتقرأت تقرؤا في هذا المعنى . وقال بعضهم : قرأت : تفقهت . ويقال : أقرأت في الشعر ، وهذا الشعر على قرء هذا الشعر ، أي : طريقته ومثاله . ابن بزرج : هذا الشعر على قري هذا . وقرأ عليه السلام يقرؤه عليه وأقرأه إياه : أبلغه . وفي الحديث : إن الرب عز وجل يقرئك السلام . يقال : أقرئ فلانا السلام واقرأ عليه السلام ، كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ، ويرده . وإذا قرأ الرجل القرآن ، والحديث على الشيخ يقول : أقرأني فلان ، أي : حملني على أن أقرأ عليه . والقرء : الوقت . قال الشاعر :


إذا ما السماء لم تغم ، ثم أخلفت     قروء الثريا أن يكون لها قطر



يريد وقت نوئها الذي يمطر فيه الناس . ويقال للحمى : قرء ، وللغائب : قرء وللبعيد : قرء . والقرء ، والقرء : الحيض والطهر ضد . وذلك أن القرء الوقت فقد يكون للحيض والطهر . قال أبو عبيد : القرء يصلح للحيض والطهر . قال : وأظنه من أقرأت النجوم إذا غابت . والجمع : أقراء . وفي الحديث : دعي الصلاة أيام أقرائك . وقروء على فعول ، وأقرؤ الأخيرة عن اللحياني في أدنى العدد ، ولم يعرف سيبويه أقراء ولا أقرؤا . قال : استغنوا عنه بفعول . وفي التنزيل : ثلاثة قروء أراد ثلاثة أقراء من قروء ، كما قالوا : خمسة كلاب يراد بها خمسة من الكلاب . وكقوله :


خمس بنان قانئ الأظفار



أراد خمسا من البنان . وقال الأعشى :


مورثة مالا وفي الحي رفعة     لما ضاع فيها من قروء نسائكا



وقال الأصمعي في قوله تعالى : ثلاثة قروء قال : جاء هذا على غير قياس ، والقياس ثلاثة أقرؤ ، ولا يجوز أن يقال : ثلاثة فلوس ، إنما يقال ثلاثة أفلس ، فإذا كثرت فهي الفلوس ولا يقال : ثلاثة رجال ، إنما هي ثلاثة رجلة ، ولا يقال : ثلاثة كلاب ، إنما هي ثلاثة أكلب . قال أبو حاتم : والنحويون قالوا في قوله تعالى : ثلاثة قروء . أراد ثلاثة من القروء . أبو عبيد : الأقراء : الحيض ، والأقراء : الأطهار ، وقد أقرأت المرأة في الأمرين جميعا ، وأصله من دنو وقت الشيء . قال الشافعي رضي الله عنه : القرء اسم للوقت فلما كان الحيض يجيء لوقت والطهر يجيء لوقت جاز أن يكون الأقراء حيضا وأطهارا . قال : ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله [ ص: 52 ] عز وجل أراد بقوله : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء الأطهار ، وذلك أن ابن عمر لما طلق امرأته ، وهي حائض فاستفتى عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيما فعل ، فقال : مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلقها ، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء . وقال أبو إسحاق : الذي عندي في حقيقة هذا أن القرء في اللغة الجمع ، وأن قولهم قريت الماء في الحوض ، وإن كان قد ألزم الياء فهو جمعت ، وقرأت القرآن : لفظت به مجموعا ، والقرد يقري ، أي : يجمع ما يأكل في فيه ، فإنما القرء اجتماع الدم في الرحم وذلك إنما يكون في الطهر . وصح عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا : الأقراء ، والقروء : الأطهار . وحقق هذا اللفظ من كلام العرب قول الأعشى :


لما ضاع فيها من قروء نسائكا



فالقروء هنا الأطهار لا الحيض ; لأن النساء إنما يؤتين في أطهارهن لا في حيضهن ، فإنما ضاع بغيبته عنهن أطهارهن . ويقال : قرأت المرأة : طهرت وقرأت : حاضت . قال حميد :


أراها غلامانا الخلا فتشذرت     مراحا ولم تقرأ جنينا ولا دما



يقال : لم تحمل علقة ، أي : دما ولا جنينا . قال الأزهري : وأهل العراق يقولون : القرء : الحيض وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم : دعي الصلاة أيام أقرائك ، أي : أيام حيضك . وقال الكسائي والفراء معا : أقرأت المرأة إذا حاضت فهي مقرئ . وقال الفراء : أقرأت الحاجة إذا تأخرت . وقال الأخفش : أقرأت المرأة إذا حاضت وما قرأت حيضة ، أي : ما ضمت رحمها على حيضة . قال ابن الأثير : قد تكررت هذه اللفظة في الحديث مفردة ومجموعة فالمفردة بفتح القاف ، وتجمع على أقراء وقروء ، وهو من الأضداد يقع على الطهر ، وإليه ذهب الشافعي وأهل الحجاز ، ويقع على الحيض ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأهل العراق ، والأصل في القرء الوقت المعلوم ، ولذلك وقع على الضدين ; لأن لكل منهما وقتا . وأقرأت المرأة إذا طهرت وإذا حاضت . وهذا الحديث أراد بالأقراء فيه الحيض ؛ لأنه أمرها فيه بترك الصلاة . وأقرأت المرأة ، وهي مقرئ : حاضت وطهرت . وقرأت إذا رأت الدم . والمقرأة : التي ينتظر بها انقضاء أقرائها . قال أبو عمرو بن العلاء : دفع فلان جاريته إلى فلانة تقرئها ، أي : تمسكها عندها حتى تحيض للاستبراء . وقرئت المرأة : حبست حتى انقضت عدتها . وقال الأخفش : أقرأت المرأة إذا صارت صاحبة حيض ، فإذا حاضت قلت : قرأت بلا ألف . يقال : قرأت المرأة حيضة أو حيضتين . والقرء انقضاء الحيض . وقال بعضهم : ما بين الحيضتين . وفي إسلام أبي ذر : لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلا يلتئم على لسان أحد ، أي : على طرق الشعر وبحوره ، واحدها قرء بالفتح . وقال الزمخشري أو غيره : أقراء الشعر : قوافيه التي يختم بها . كأقراء الطهر التي ينقطع عندها . الواحد قرء وقرء وقريء ؛ لأنها مقاطع الأبيات وحدودها . وقرأت الناقة والشاة تقرأ : حملت . قال :


هجان اللون لم تقرأ جنينا



وناقة قارئ بغير هاء وما قرأت سلى قط : ما حملت ملقوحا ، وقال اللحياني : معناه ما طرحت . وقرأت الناقة : ولدت . وأقرأت الناقة والشاة : استقر الماء في رحمها ، وهي في قروتها على غير قياس ، والقياس قرأتها . وروى الأزهري عن أبي الهيثم أنه قال : يقال : ما قرأت الناقة سلى قط وما قرأت ملقوحا قط . قال بعضهم : لم تحمل في رحمها ولدا قط . وقال بعضهم : ما أسقطت ولدا قط ، أي : لم تحمل . ابن شميل : ضرب الفحل الناقة على غير قرء ، وقرء الناقة : ضبعتها . وهذه ناقة قارئ ، وهذه نوق قوارئ يا هذا ، وهو من أقرأت المرأة إلا أنه يقال في المرأة بالألف وفي الناقة بغير ألف . وقرء الفرس : أيام وداقها أو أيام سفادها ، والجمع أقراء . واستقرأ الجمل الناقة إذا تاركها لينظر ألقحت أم لا . أبو عبيدة : ما دامت الوديق في وداقها فهي في قروئها وأقرائها . وأقرأت النجوم : حان مغيبها . وأقرأت النجوم أيضا : تأخر مطرها . وأقرأت الرياح : هبت لأوانها ودخلت في أوانها . والقارئ : الوقت ؛ وقول مالك بن الحرث الهذلي :


كرهت العقر عقر بني شليل     إذا هبت لقارئها الرياح



أي : لوقت هبوبها وشدة بردها . والعقر : موضع بعينه . وشليل : جد جرير بن عبد الله البجلي . ويقال : هذا قارئ الريح : لوقت هبوبها ، وهو من باب الكاهل ، والغارب ، وقد يكون على طرح الزائد . وأقرأ أمرك وأقرأت حاجتك قيل : دنا ، وقيل : استأخر . وفي الصحاح : وأقرأت حاجتك : دنت . وقال بعضهم : أعتمت قراك أم أقرأته ، أي : أحبسته وأخرته وأقرأ من أهله : دنا . وأقرأ من سفره : رجع . وأقرأت من سفري ، أي : انصرفت . والقرأة بالكسر مثل القرعة : الوباء . وقرأة البلاد : وباؤها . قال الأصمعي : إذا قدمت بلادا فمكثت بها خمس عشرة ليلة فقد ذهبت عنك قرأة البلاد ، وقرء البلاد . فأما قول أهل الحجاز قرة البلاد فإنما هو على حذف الهمزة المتحركة ، وإلقائها على الساكن الذي قبلها ، وهو نوع من القياس ، فأما إغراب أبي عبيد وظنه إياه لغة فخطأ . وفي الصحاح : أن قولهم قرة بغير همز معناه : أنه إذا مرض بها بعد ذلك فليس من وباء البلاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية