صفحة جزء
[ بلل ]

بلل : البلل : الندى . ابن سيده : البلل والبلة الندوة ، قال بعض الأغفال :


وقطقط البلة في شعيري .



أراد : وبلة القطقط فقلب . والبلال : كالبلة ، وبله بالماء وغيره يبله بلا وبلة وبلله فابتل وتبلل ; قال ذو الرمة :


وما شنتا خرقاء واهية الكلى     سقى بهما ساق ولما تبللا .



والبل : مصدر بللت الشيء أبله بلا . الجوهري : بله يبله أي نداه وبلله ، شدد للمبالغة فابتل . والبلال : الماء . والبلالة : البلل . والبلال : جمع بلة نادر . واسقه على بلته أي ابتلاله . وبلة الشباب وبلته : طراؤه ، والفتح أعلى . والبليل والبليلة : ريح باردة مع ندى ، ولا تجمع . قال أبو حنيفة : إذا جاءت الريح مع برد ويبس وندى فهي بليل ، وقد بلت تبل بلولا ، فأما قول زياد الأعجم :


إني رأيت عداتكم     كالغيث ، ليس له بليل .



فمعناه أنه ليس لها مطل فيكدرها ، كما أن الغيث إذا كانت معه ريح بليل كدرته . أبو عمرو : البليلة الريح الممغرة ، وهي التي تمزجها المغرة ، والمغرة المطرة الضعيفة ، والجنوب أبل الرياح . وريح بلة أي فيها بلل . وفي حديث المغيرة : بليلة الإرعاد ، أي لا تزال ترعد وتهدد ، والبليلة : الريح فيها ندى ، جعل الإرعاد مثلا للوعيد والتهديد من قولهم أرعد الرجل وأبرق إذا تهدد وأوعد ، والله أعلم . ويقال : ما في سقائك بلال ، أي ماء . وكل ما يبل به الحلق من الماء واللبن بلال ، ومنه قولهم : انضحوا الرحم ببلالها ، أي صلوها بصلتها وندوها ، قال أوس يهجو الحكم بن مروان بن زنباع :


كأني حلوت الشعر حين مدحته     صفا صخرة صماء يبس بلالها .



وبل رحمه يبلها بلا وبلالا : وصلها . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : " بلوا أرحامكم ولو بالسلام " أي ندوها بالصلة ، قال ابن الأثير : وهم يطلقون النداوة على الصلة كما يطلقون اليبس على القطيعة ، لأنهم لما رأوا بعض الأشياء يتصل ويختلط بالنداوة ، ويحصل بينهما التجافي والتفرق باليبس ، استعاروا البل لمعنى الوصل واليبس لمعنى القطيعة ، ومنه الحديث : فإن لكم رحما سأبلها ببلالها ، أي أصلكم في الدنيا ولا أغني عنكم من الله شيئا ، والبلال : جمع بلل ، وقيل : هو كل ما بل الحلق من ماء أو لبن أو غيره ، ومنه حديث طهفة : ما تبض ببلال أراد به اللبن ، وقيل المطر ، ومنه حديث عمر - رضي الله عنه - : إن رأيت بللا من عيش أي خصبا لأنه يكون من الماء . أبو عمرو وغيره : بللت رحمي أبلها بلا وبلالا وصلتها ونديتها ; قال الأعشى :


إما لطالب نعمة تممتها     ووصال رحم قد بردت بلالها .



وقول الشاعر :


والرحم فابللها بخير البلان     فإنها اشتقت من اسم الرحمن .



قال ابن سيده : يجوز أن يكون البلان اسما واحدا كالغفران والرجحان ، وأن يكون جمع بلل الذي هو المصدر ، وإن شئت جعلته [ ص: 146 ] المصدر لأن بعض المصادر قد يجمع كالشغل والعقل والمرض ويقال : ما في سقائك بلال أي ماء ، وما في الركية بلال . ابن الأعرابي : البلبلة الهودج للحرائر وهي المشجرة . ابن الأعرابي : التبلل الدوام وطول المكث في كل شيء ، قال الربيع بن ضبع الفزاري :


ألا أيها الباغي الذي طال طيله     وتبلاله في الأرض حتى تعودا .



وبلك الله ابنا وبلك بابن بلا أي رزقك ابنا ، يدعو له ، والبلة : الخير والرزق . والبل : الشفاء . ويقال : ما قدم بهلة ولا بلة ، وجاءنا فلان فلم يأتنا بهلة ولا بلة ، قال ابن السكيت : فالهلة من الفرح والاستهلال ، والبلة من البلل والخير . وقولهم : ما أصاب هلة ولا بلة ، أي شيئا . وفي الحديث : من قدر في معيشته بله الله ، أي أغناه . وبلة اللسان : وقوعه على مواضع الحروف واستمراره على المنطق ، تقول : ما أحسن بلة لسانه وما يقع لسانه إلا على بلته ; وأنشد أبو العباس عن ابن الأعرابي :


ينقرن بالحيحاء شاء صعائد     ومن جانب الوادي الحمام المبللا .



وقال : المبلل الدائم الهدير ، وقال ابن سيده : ما أحسن بلة لسانه أي طوعه بالعبارة وإسماحه وسلاسته ووقوعه على موضع الحروف . وبل يبل بلولا وأبل : نجا ، حكاه ثعلب ; وأنشد :


من صقع باز لا تبل لحمه .



لحمة البازي : الطائر يطرح له أو يصيده . وبل من مرضه يبل بلا وبللا وبلولا واستبل وأبل : برأ وصح ، قال الشاعر :


إذا بل من داء به ، خال أنه     نجا ، وبه الداء الذي هو قاتله .



يعني الهرم ، وقال الشاعر يصف عجوزا :


صمحمحة لا تشتكي الدهر رأسها     ولو نكزتها حية لأبلت .



الكسائي والأصمعي : بللت وأبللت من المرض ، بفتح اللام ، من بللت والبلة : العافية . وابتل وتبلل : حسنت حاله بعد الهزال . والبل : المباح ، وقالوا : هو لك حل وبل ، فبل شفاء من قولهم بل فلان من مرضه وأبل إذا برأ ، ويقال : بل مباح مطلق ، يمانية حميرية ، ويقال : بل إتباع لحل ، وكذلك يقال للمؤنث : هي لك حل على لفظ المذكر ، ومنه قول عبد المطلب في زمزم : لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل ، وهذا القول نسبه الجوهري للعباس بن عبد المطلب ، والصحيح أن قائله عبد المطلب كما ذكره ابن سيده وغيره ، وحكاه ابن بري عن علي بن حمزة ، وحكي أيضا عن الزبير بن بكار : أن زمزم لما حفرت وأدرك منها عبد المطلب ما أدرك ، بنى عليها حوضا وملأه من ماء زمزم وشرب منه الحاج فحسده قوم من قريش فهدموه فأصلحه فهدموه بالليل ، فلما أصبح أصلحه ، فلما طال عليه ذلك دعا ربه فأري في المنام أن يقول : اللهم إني لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل فإنك تكفى أمرهم ، فلما أصبح عبد المطلب نادى بالذي رأى فلم يكن أحد من قريش يقرب حوضه إلا رمي في بدنه فتركوا حوضه ، قال الأصمعي : كنت أرى أن بلا إتباع لحل حتى زعم المعتمر بن سليمان أن بلا مباح في لغة حمير ، وقال أبو عبيد وابن السكيت : لا يكون بل إتباعا لحل لمكان الواو . والبلة ، بالضم : ابتلال الرطب . وبلة الأوابل : بلة الرطب . وذهبت بلة الأوابل أي ذهب ابتلال الرطب عنها ; وأنشد لإهاب بن عمير :


حتى إذا أهرأن بالأصائل     وفارقتها بلة الأوابل .



يقول : سرن في برد الروائح إلى الماء بعدما يبس الكلأ ، والأوابل : الوحوش التي اجتزأت بالرطب عن الماء . الفراء : البلة بقية الكلإ . وطويت الثوب على بللته وبلته وبلالته أي على رطوبته . ويقال : اطو السقاء على بللته ، أي اطوه وهو ندي قبل أن يتكسر . ويقال : ألم أطوك على بللتك وبلتك أي على ما كان فيك ; وأنشد لحضرمي بن عامر الأسدي :


ولقد طويتكم على بللاتكم     وعلمت ما فيكم من الأذراب .



أي طويتكم على ما فيكم من أذى وعداوة . وبللات ، بضم اللام : جمع بللة ، بضم اللام أيضا ، وقد روي على بللاتكم ، بفتح اللام ، والواحدة بللة ، بفتح اللام أيضا ، وقيل في قوله على بللاتكم : يضرب مثلا لإبقاء المودة وإخفاء ما أظهروه من جفائهم ، فيكون مثل قولهم : اطو الثوب على غره ليضم بعضه إلى بعض ولا يتباين ، ومنه قولهم : اطو السقاء على بللته لأنه إذا طوي وهو جاف تكسر ، وإذا طوي على بلله لم يتكسر ولم يتباين ، وانصرف القوم ببللتهم وبللتهم وبلولتهم أي وفيهم بقية ، وقيل : انصرفوا ببللتهم أي بحال صالحة وخير ، ومنه بلال الرحم وبللته : أعطيته . ابن سيده : طواه على بللته وبلولته وبلته ، أي على ما فيه من العيب ، وقيل : على بقية وده ، قال : وهو الصحيح ، وقيل : تغافلت عما فيه من عيب كما يطوى السقاء على عيبه ; وأنشد :


وألبس المرء أستبقي بلولته     طي الرداء على أثنائه الخرق .



قال : وتميم تقول البلولة من بلة الثرى ، وأسد تقول : البللة . وقال الليث : البلل والبلة الدون . الجوهري : طويت فلانا على بلته وبلالته وبلوله وبلولته وبللته وبللته إذا احتملته على ما فيه من الإساءة والعيب وداريته وفيه بقية من الود ، قال الشاعر :


طوينا بني بشر على بللاتهم     وذلك خير من لقاء بني بشر .



يعني باللقاء الحرب ، وجمع البلة بلال مثل برمة وبرام ; قال الراجز :


وصاحب مرامق داجيته     على بلال نفسه طويته .



وكتب عمر يستحضر المغيرة من البصرة : يمهل ثلاثا ثم يحضر على بلته ، أي على ما فيه من الإساءة والعيب ، وهي بضم الباء . وبللت به [ ص: 147 ] بللا : ظفرت به . وقيل : بللت أبل ظفرت به ، حكاها الأزهري عن الأصمعي وحده . قال شمر : ومن أمثالهم : ما بللت من فلان بأفوق ناصل أي ما ظفرت ، والأفوق : السهم الذي انكسر فوقه ، والناصل : الذي سقط نصله ، يضرب مثلا للرجل المجزئ الكافي أي ظفرت برجل كامل غير مضيع ولا ناقص . وبللت به بللا : صليت وشقيت . وبللت به بللا وبلالة وبلولا وبللت : منيت به وعلقته . وبللته : لزمته ; قال :


دلو تمأى دبغت بالحلب     بلت بكفي عزب مشذب
فلا تقعسرها ولكن صوب .



تقعسرها أي تعازها . أبو عمرو : بل يبل إذا لزم إنسانا ودام على صحبته ، وبل يبل مثلها ; ومنه قول ابن أحمر :


فبلي إن بللت بأريحي     من الفتيان لا يمشي بطينا .



ويروى فبلي يا غني ، الجوهري : بللت به ، بالكسر ، إذا ظفرت به وصار في يدك ; وأنشد ابن بري :


بيضاء تمشي مشية الرهيص     بل بها أحمر ذو دريص .



يقال : لئن بلت يدي لا تفارقني أو تؤدي حقي . النضر : البذر والبلل واحد ، يقال : بلوا الأرض إذا بذروها بالبلل . ورجل بل بالشيء : لهج ; قال :


وإني لبل بالقرينة ما ارعوت     وإني إذا صرمتها لصروم .



ولا تبلك عندي بالة ، وبلال مثل قطام أي لا يصيبك مني خير ولا ندى ولا أنفعك ولا أصدقك . ويقال : لا تبل لفلان عندي بالة وبلال مصروف عن بالة أي ندى وخير ، وفي كلام علي - كرم الله وجهه - : فإن شكوا انقطاع شرب أو بالة ، هو من ذلك ، قالت ليلى الأخيلية :


نسيت وصاله وصدرت عنه     كما صدر الأزب عن الظلال
فلا وأبيك ، يا ابن أبي عقيل     تبلك بعدها فينا بلال
فلو آسيته لخلاك ذم     وفارقك ابن عمك غير قالي .



ابن أبي عقيل كان مع توبة حين قتل ففر عنه وهو ابن عمه . والبلة : الغنى بعد الفقر . وبلت مطيته على وجهها إذا همت ضالة ; وقالكثير :


فليت قلوصي ، عند عزة ، قيدت     بحبل ضعيف غر منها فضلت
فأصبح في القوم المقيمين رحلها     وكان لها باغ سواي فبلت .



وأبل الرجل : ذهب في الأرض . وأبل : أعيا فسادا وخبثا . والأبل الشديد الخصومة الجدل ، وقيل : هو الذي لا يستحي ، وقيل : هو الشديد اللؤم الذي لا يدرك ما عنده ، وقيل : هو المطول الذي يمنع بالحلف من حقوق الناس ما عنده ; وأنشد ابن الأعرابي للمرار بن سعيد الأسدي :


ذكرنا الديون ، فجادلتنا     جدالك في الدين بلا حلوفا .



وقال الأصمعي : أبل الرجل يبل إبلالا إذا امتنع وغلب . قال : وإذا كان الرجل حلافا قيل : رجل أبل ; وقال الشاعر :


ألا تتقون الله يا آل عامر ؟     وهل يتقي الله الأبل المصمم ؟



وقيل : الأبل الفاجر ، والأنثى بلاء ، وقد بل بللا في كل ذلك ، عن ثعلب . الكسائي : رجل أبل وامرأة بلاء وهو الذي لا يدرك ما عنده من اللؤم ، ورجل أبل بين البلل إذا كان حلافا ظلوما . وأما قول خالد بن الوليد : أما وابن الخطاب حي فلا ولكن إذا كان الناس بذي بلي وذي بلى ، قال أبو عبيد : يريد تفرق الناس وأن يكونوا طوائف وفرقا من غير إمام يجمعهم وبعد بعضهم من بعض ، وكل من بعد عنك حتى لا تعرف موضعه ، فهو بذي بلي ، وهو من بل في الأرض أي ذهب ، أراد ضياع أمور الناس بعده ، قال : وفيه لغة أخرى بذي بليان ، وهو فعليان مثل صليان ; وأنشد الكسائي :


ينام ويذهب الأقوام حتى     يقال : أتوا على ذي بليان .



يقول : إنه أطال النوم ومضى أصحابه في سفرهم حتى صاروا إلى موضع لا يعرف مكانهم من طول نومه . وأبل عليه : غلبه ; قال ساعدة :


ألا يا فتى ، ما عبد شمس ! بمثله     يبل على العادي وتؤبى المخاسف .



الباء في بمثله متعلقة بقوله يبل ، وقوله ما عبد شمس تعظيم ، كقولك : سبحان الله ما هو ومن هو ، لا تريد الاستفهام عن ذاته - تعالى - إنما هو تعظيم وتفخيم . وخصم مبل : ثبت . أبو عبيد : المبل الذي يعينك أي يتابعك على ما تريد ; وأنشد :


أبل فما يزداد إلا حماقة ونوكا     وإن كانت كثيرا مخارجه .



وصفاة بلاء أي ملساء . ورجل بل وأبل : مطول ، عن ابن الأعرابي ; وأنشد :


جدالك مالا وبلا حلوفا .



والبلة : نور السمر والعرفط . وفي حديث عثمان : ألست ترعى بلتها ؟ البلة : نور العضاه قبل أن ينعقد . التهذيب : البلة والفتلة نور برمة السمر ، قال : وأول ما يخرج البرمة ثم أول ما يخرج من بدو الحبلة كعبورة نحو بدو البسرة فتيك البرمة ، ثم ينبت فيها زغب بيض هو نورتها ، فإذا أخرجت تيك سميت البلة والفتلة ، فإذا سقطن عن طرف العود الذي ينبتن فيه نبتت فيه الخلبة في طرف عودهن وسقطن ، والخلبة وعاء الحب كأنها وعاء الباقلاء ، ولا تكون الخلبة إلا [ ص: 148 ] للسمر والسلم ، وفيها الحب وهن عراض كأنهن نصال ، ثم الطلح فإن وعاء ثمرته للغلف وهي سنفة عراض . وبلال : اسم رجل : وبلال بن حمامة : مؤذن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحبشة . وبلال آباد : موضع . التهذيب : والبلبل العندليب . ابن سيده : البلبل طائر حسن الصوت يألف الحرم ويدعوه أهل الحجاز النغر . والبلبل : قناة الكوز الذي فيه بلبل إلى جنب رأسه . التهذيب : البلبلة ضرب من الكيزان في جنبه بلبل ينصب منه الماء . وبلبل متاعه : إذا فرقه وبدده . والمبلل : الطاووس الصراخ والبلبل الكعيت . والبلبلة : تفريق الآراء . وتبلبلت الألسن : اختلطت . والبلبلة : اختلاط الألسنة . التهذيب : البلبلة بلبلة الألسن ، وقيل : سميت أرض بابل لأن الله - تعالى - حين أراد أن يخالف بين ألسنة بني آدم بعث ريحا فحشرهم من كل أفق إلى بابل فبلبل الله بها ألسنتهم ، ثم فرقتهم تلك الريح في البلاد . والبلبلة والبلابل والبلبال : شدة الهم والوسواس في الصدور وحديث النفس ، فأما البلبال ، بالكسر ، فمصدر . وفي حديث سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أمتي أمة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة ، إنما عذابها في الدنيا البلابل والزلازل والفتن " ، قال ابن الأنباري : البلابل وسواس الصدر ; وأنشد ابن بري لباعث بن صريم ويقال أبو الأسود الأسدي :


سائل بيشكر هل ثأرت بمالك     أم هل شفيت النفس من بلبالها ؟



ويروى :


سائل أسيد هل ثأرت بوائل ؟



ووائل : أخو باعث بن صريم . وبلبل القوم بلبلة وبلبالا : حركهم وهيجهم ، والاسم البلبال ، وجمعه البلابل . والبلبال : البرحاء في الصدر ، وكذلك البلبالة ، عن ابن جني ; وأنشد :


فبات منه القلب في بلباله     ينزو كنزو الظبي في الحباله .



ورجل بلبل وبلابل : خفيف في السفر معوان ، قال أبو الهيثم : قال لي أبو ليلى الأعرابي : أنت قلقل بلبل ، أي ظريف خفيف . ورجل بلابل : خفيف اليدين وهو لا يخفى عليه شيء . والبلبل من الرجال : الخفيف ; قال كثير بن مزرد :


ستدرك ما تحمي الحمارة وابنها     قلائص رسلات ، وشعث بلابل .



والحمارة : اسم حرة وابنها الجبل الذي يجاورها ، أي ستدرك هذه القلائص ما منعته هذه الحرة وابنها . والبلبول : الغلام الذكي الكيس . وقال ثعلب : غلام بلبل خفيف في السفر ، وقصره على الغلام . ابن السكيت : له أليل وبليل ، وهما الأنين مع الصوت ; وقال المرار بن سعيد :


إذا ملنا على الأكوار ألقت     بألحيها لأجرنها بليل .



أراد إذا ملنا عليها نازلين إلى الأرض مدت جرنها على الأرض من التعب . أبو تراب عن زائدة : ما فيه بلالة ولا علالة ، أي ما فيه بقية . وبلبول : اسم بلد . والبلبول : اسم جبل ; قال الراجز :


قد طال ما عارضها بلبول     وهي تزول وهو لا يزول .



وقوله في حديث لقمان : ما شيء أبل للجسم من اللهو ، قال ابن الأثير : هو شيء كلحم العصفور أي أشد تصحيحا وموافقة له . ومن خفيف هذا الباب بل ، كلمة استدراك وإعلام بالإضراب عن الأول ، وقولهم : قام زيد بل عمرو وبن زيد فإن النون بدل من اللام ، ألا ترى إلى كثرة استعمال بل وقلة استعمال بن ، والحكم على الأكثر لا الأقل ؟ قال ابن سيده : هذا هو الظاهر من أمره ، قال : وقال ابن جني : لست أدفع مع هذا أن تكون بن لغة قائمة بنفسها . التهذيب في ترجمة بلى : بلى تكون جوابا للكلام الذي فيه الجحد . قال الله - تعالى - : ألست بربكم قالوا بلى ; قال : وإنما صارت بلى تتصل بالجحد لأنها رجوع عن الجحد إلى التحقيق ، فهو بمنزلة بل ، وبل سبيلها أن تأتي بعد الجحد كقولك : ما قام أخوك بل أبوك ، وما أكرمت أخاك بل أباك ، وإذا قال الرجل للرجل : ألا تقوم ؟ فقال له : بلى ، أراد بل أقوم ، فزادوا الألف على بل ليحسن السكوت عليها ، لأنه لو قال : بل كان يتوقع كلاما بعد بل ، فزادوا الألف ليزول عن المخاطب هذا التوهم ، قال الله - تعالى - : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ; ثم قال بعد : بلى من كسب سيئة ; والمعنى بل من كسب سيئة ، وقال المبرد : بل حكمها الاستدراك أينما وقعت في جحد أو إيجاب ، قال : وبلى تكون إيجابا للمنفي لا غير . قال الفراء : بل تأتي بمعنيين : تكون إضرابا عن الأول وإيجابا للثاني كقولك : عندي له دينار لا بل ديناران ، والمعنى الآخر أنها توجب ما قبلها وتوجب ما بعدها ، وهذا يسمى الاستدراك لأنه أراده فنسيه ثم استدركه . قال الفراء : والعرب تقول : بل والله لا آتيك وبن والله ، يجعلون اللام فيها نونا ، وهي لغة بني سعد ولغة كلب ، قال : وسمعت الباهليين يقولون : لا بن بمعنى لا بل . الجوهري : بل مخفف حرف ، يعطف بها الحرف الثاني على الأول ، فيلزمه مثل إعرابه ، وهو للإضراب عن الأول للثاني ، كقولك : ما جاءني زيد بل عمرو ، وما رأيت زيدا بل عمرا ، وجاءني أخوك بل أبوك تعطف بها بعد النفي والإثبات جميعا ، وربما وضعوه موضع رب ، كقول الراجز :


بل مهمه قطعت بعد مهمه .



يعني رب مهمه كما يوضع الحرف موضع غيره اتساعا ، وقال آخر :


بل جوز تيهاء كظهر الحجفت .



وقوله - عز وجل - : ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق ; قال الأخفش عن بعضهم : إن بل ههنا بمعنى إن فلذلك صار القسم عليها ، قال : وربما استعملت العرب في قطع كلام واستئناف آخر فينشد الرجل منهم الشعر فيقول :


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . بل     ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا .



ويقول : [ ص: 149 ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . بل     وبلدة ما الإنس من آهالها
ترى بها العوهق من رئالها     كالنار جرت طرفي حبالها .



قوله : بل ليست من البيت ولا تعد في وزنه ولكن جعلت علامة لانقطاع ما قبله ، والرجز الأول لرؤبة وهو :


أعمى الهدى بالجاهلين العمه     بل مهمه قطعت بعد مهمه .



والثاني لسؤر الذئب وهو :


بل جوز تيهاء كظهر الحجفت     يمسي بها وحوشها قد جئفت .



قال : وبل نقصانها مجهول ، وكذلك هل وقد ، إن شئت جعلت نقصانها واوا قلت : بلو هلو قدو ، وإن شئت جعلته ياء . ومنهم من يجعل نقصانها مثل آخر حروفها فيدغم ويقول : هل وبل وقد ، بالتشديد . قال ابن بري : الحروف التي هي على حرفين مثل قد وبل وهل لا يقدر فيها حذف حرف ثالث كما يكون ذلك في الأسماء نحو يد ودم ، فإن سميت بها شيئا لزمك أن تقدر لها ثالثا ، قال : ولهذا لو صغرت إن التي للجزاء لقلت : أني ، ولو سميت بإن المخففة من الثقيلة لقلت : أنين ، فرددت ما كان محذوفا ، قال : وكذلك رب المخففة تقول في تصغيرها اسم رجل ربيب ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية