صفحة جزء
[ بلا ]

بلا : بلوت الرجل بلوا وبلاء وابتليته اختبرته وبلاه يبلوه بلوا إذا جربه واختبره . وفي حديث حذيفة : لا أبلي أحدا بعدك أبدا . وقد ابتليته فأبلاني أي استخبرته فأخبرني . وفي حديث أم سلمة : إن من أصحابي من لا يراني بعد أن فارقني ، فقال لها عمر : بالله أمنهم أنا ؟ قالت : لا ولن أبلي أحدا بعدك أي لا أخبر بعدك أحدا ، وأصله من قولهم : أبليت فلانا يمينا ، إذا حلفت له بيمين طيبت بها نفسه . وقال ابن الأعرابي : أبلى بمعنى أخبر . وابتلاه الله : امتحنه ، والاسم البلوى والبلوة والبلية والبلية والبلاء ، وبلي بالشيء بلاء وابتلي والبلاء يكون في الخير والشر . يقال : ابتليته بلاء حسنا وبلاء سيئا ، والله تعالى يبلي العبد بلاء حسنا ويبليه بلاء سيئا ، نسأل الله تعالى العفو والعافية ، والجمع البلايا ، صرفوا فعائل إلى فعالى كما قيل في إداوة . التهذيب : بلاه يبلوه بلوا ، إذا ابتلاه الله ببلاء يقال : ابتلاه الله ببلاء . وفيالحديث : اللهم لا تبلنا إلا بالتي هي أحسن ، والاسم البلاء أي لا تمتحنا . ويقال : أبلاه الله يبليه إبلاء حسنا إذا صنع به صنعا جميلا . وبلاه الله بلاء وابتلاه أي اختبره . والتبالي : الاختبار . والبلاء : الاختبار ، يكون بالخير والشر . وفي كتاب هرقل : فمشى قيصر إلى إيلياء لما أبلاه الله . قال القتيبي : يقال من الخير أبليته إبلاء ومن الشر بلوته أبلوه بلاء ; قال : والمعروف أن الابتلاء يكون في الخير والشر معا من غير فرق بين فعليهما ، ومنه قوله تعالى : ونبلوكم بالشر والخير فتنة ; قال : وإنما مشى قيصر شكرا لاندفاع فارس عنه . قال ابن بري : والبلاء الإنعام ، قال الله تعالى : وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين ; أي إنعام بين . وفي الحديث : " من أبلي فذكر فقد شكر " ، الإبلاء : الإنعام والإحسان . يقال : بلوت الرجل وأبليت عنده بلاء حسنا . وفي حديث كعب بن مالك : ما علمت أحدا أبلاه الله أحسن مما أبلاني ، والبلاء الاسم ممدود . يقال : أبلاه الله بلاء حسنا وأبليته معروفا ، قال زهير :


جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو .



أي صنع بهما خير الصنيع الذي يبلو به عباده . ويقال : بلي فلان وابتلي إذا امتحن . والبلوى : اسم من بلاه الله يبلوه . وفي حديث حذيفة : أنه أقيمت الصلاة فتدافعوها فتقدم حذيفة فلما سلم من صلاته قال : لتبتلن لها إماما أو لتصلن وحدانا ، قال شمر : قوله : لتبتلن لها إماما ، يقول : لتختارن ، وأصله من الابتلاء الاختبار من بلاه يبلوه ، وابتلاه أي جربه ; قال : وذكره غيره في الباء والتاء واللام وهو مذكور في موضعه وهو أشبه . ونزلت بلاء على الكفار مثل قطام : يعني البلاء . وأبليت فلانا عذرا أي بينت وجه العذر لأزيل عني اللوم . وأبلاه عذرا : أداه إليه فقبله ، وكذلك أبلاه جهده ونائله . وفي الحديث : إنما النذر ما ابتلي به وجه الله أي أريد به وجهه وقصد به . وقوله في حديث بر الوالدين : " أبل الله تعالى عذرا في برها " ، أي أعطه ، وأبلغ العذر فيها إليه المعنى أحسن فيما بينك وبين الله ببرك إياها . وفي حديث سعد يوم بدر : عسى أن يعطى هذا من لا يبلي بلائي ، أي يعمل مثل عملي في الحرب ، كأنه يريد أفعل فعلا أختبر به فيه ويظهر به خيري وشري . ابن الأعرابي : ويقال أبلى فلان إذا اجتهد في صفة حرب أو كرم . يقال : أبلى ذلك اليوم بلاء حسنا ; قال : ومثله بالى يبالي مبالاة ; وأنشد :


ما لي أراك قائما تبالي     وأنت قد قمت من الهزال ؟



قال : سمعه وهو يقول : أكلنا وشربنا وفعلنا ، يعدد المكارم وهو في ذلك كاذب ، وقال في موضع آخر : معناه تبالي تنظر أيهم أحسن بالا وأنت هالك . قال : ويقال بالى فلان فلانا مبالاة إذا فاخره ، وبالاه يباليه إذا ناقصه ، وبالى بالشيء يبالي به إذا اهتم به ، وقيل : اشتقاق باليت من البال بال النفس ، وهو الاكتراث ، ومنه أيضا : لم يخطر ببالي ذلك الأمر أي لم يكرثني . ورجل بلو شر وبلي خير أي قوي [ ص: 152 ] عليه مبتلى به . وإنه لبلو وبلي من أبلاء المال أي قيم عليه . ويقال للراعي الحسن الرعية : إنه لبلو من أبلائها ، وحبل من أحبالها ، وعسل من أعسالها ، وزر من أزرارها ، قال عمر بن لجإ :


فصادفت أعصل من أبلائها     يعجبه النزع على ظمائها .



قلبت الواو في كل ذلك ياء للكسرة ، وضعف الحاجز فصارت الكسرة كأنها باشرت الواو . وفلان بلي أسفار إذا كان قد بلاه السفر والهم ونحوهما . قال ابن سيده : وجعل ابن جني الياء في هذا بدلا من الواو لضعف حجز اللام كما ذكرناه في قوله فلان من علية الناس . وبلي الثوب يبلى بلى وبلاء وأبلاه هو ، قال العجاج :


والمرء يبليه بلاء السربال     كر الليالي وانتقال الأحوال .



أراد : إبلاء السربال ، أو أراد : فيبلى بلاء السربال ، إذا فتحت الباء مددت وإذا كسرت قصرت ، ومثله القرى والقراء والصلى والصلاء . وبلاه : كأبلاه ، قال العجير السلولي :


وقائلة : هذا العجير تقلبت     به أبطن بلينه وظهور
رأتني تجاذبت الغداة ، ومن يكن     فتى عام عام الماء ، فهو كبير .



وقال ابن أحمر :


لبست أبي حتى تبليت عمره     وبليت أعمامي وبليت خاليا .



يريد أي عشت المدة التي عاشها أبي ، وقيل : عامرته طول حياتي ، وأبليت الثوب . يقال للمجد : أبل ويخلف الله ، وبلاه السفر وبلى عليه وأبلاه ، أنشد ابن الأعرابي :


قلوصان عوجاوان ، بلى عليهما     دءوب السرى ، ثم اقتداح الهواجر .



وناقة بلو سفر ، بكسر الباء : أبلاها السفر ، وفي المحكم : قد بلاها السفر وبلي سفر وبلو شر وبلي شر ورذية سفر ورذي سفر ورذاة سفر ، ويجمع رذيات ، وناقة بلية : يموت صاحبها فيحفر لديها حفرة وتشد رأسها إلى خلفها وتبلى أي تترك هناك لا تعلف ولا تسقى حتى تموت جوعا وعطشا . كانوا يزعمون أن الناس يحشرون يوم القيامة ركبانا على البلايا ، أو مشاة إذا لم تعكس مطاياهم على قبورهم ، قلت : في هذا دليل على أنهم كانوا يرون في الجاهلية البعث والحشر بالأجساد ، تقول منه : بليت وأبليت ، قال الطرماح :


منازل لا ترى الأنصاب فيها     ولا حفر المبلي للمنون .



أي أنها منازل أهل الإسلام دون الجاهلية . وفي حديث عبد الرزاق : كانوا في الجاهلية يعقرون عند القبر بقرة أو ناقة أو شاة ويسمون العقيرة البلية ، كان إذا مات لهم من يعز عليهم أخذوا ناقة فعقلوها عند قبره فلا تعلف ولا تسقى إلى أن تموت ، وربما حفروا لها حفيرة وتركوها فيها إلى أن تموت ، وبلية : بمعنى مبلاة أو مبلاة ، وكذلك الرذية بمعنى مرذاة ، فعيلة بمعنى مفعلة ، وجمع البلية الناقة بلايا ، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك . ويقال : قامت مبليات فلان ينحن عليه ، وهن النساء اللواتي يقمن حول راحلته فينحن إذا مات أو قتل ، وقال أبو زبيد :


كالبلايا رءوسها في الولايا     مانحات السموم حر الخدود .



المحكم : ناقة بلو سفر قد بلاها السفر ، وكذلك الرجل والبعير ، والجمع أبلاء ; وأنشد الأصمعي لجندل بن المثنى :


ومنهل من الأنيس ناء     شبيه لون الأرض بالسماء
داويته برجع أبلاء .



ابن الأعرابي : البلي والبلية والبلايا التي قد أعيت وصارت نضوا هالكا . ويقال : ناقتك بلو سفر إذا أبلاها السفر . المحكم : والبلية الناقة أو الدابة التي كانت تعقل في الجاهلية ، تشد عند قبر صاحبها لا تعلف ولا تسقى حتى تموت ، كانوا يقولون : إن صاحبها يحشر عليها ، قال غيلان بن الربعي :


باتت وباتوا ، كبلايا الأبلاء     مطلنفئين عندها كالأطلاء .



يصف حلبة قادها أصحابها إلى الغاية ، وقد بليت . وأبليت الرجل : أحلفته . وابتلى هو : استحلف واستعرف ; قال :


تبغي أباها في الرفاق وتبتلي     وأودى به في لجة البحر تمسح .



أي تسألهم أن يحلفوا لها ، وتقول لهم : ناشدتكم الله ، هل تعرفون لأبي خبرا ؟ وأبلى الرجل : حلف له ; قال :


وإني لأبلي الناس في حب غيرها     فأما على جمل فإني لا أبلي .



أي أحلف للناس ، إذا قالوا هل تحب غيرها ؟ أني لا أحب غيرها ، فأما عليها فإني لا أحلف ، قال أبو سعيد : قوله تبتلي في البيت الأول تختبر ، والابتلاء الاختبار بيمين كان أو غيرها . وأبليت فلانا يمينا إبلاء إذا حلفت له فطيبت بها نفسه ، وقول أوس بن حجر :


كأن جديد الأرض ، يبليك عنهم     تقي اليمين ، بعد عهدك ، حالف .



أي يحلف لك ، التهذيب : يقول : كأن جديد أرض هذه الدار وهو وجهها لما عفا من رسومها وامحى من آثارها حالف تقي اليمين ، يحلف لك أنه ما حل بهذه الدار أحد لدروس معاهدها ومعالمها . وقال ابن السكيت في قوله يبليك عنهم : أراد كأن جديد الأرض في حال إبلائه إياك أي تطييبه إياك حالف تقي اليمين . ويقال : أبلى الله فلان إذا حلف ، قال الراجز :


فأوجع الجنب وأعر الظهرا     أو يبلي الله يمينا صبرا .



ويقال : ابتليت أي استحلفت ، قال الشاعر :

[ ص: 153 ]

تسائل أسماء الرفاق وتبتلي     ومن دون ما يهوين باب وحاجب .



أبو بكر : البلاء هو أن يقول لا أبالي ما صنعت مبالاة وبلاء ، وليس هو من بلي الثوب . ومن كلام الحسن : لم يبالهم الله بالة . وقولهم : لا أباليه لا أكترث له . ويقال : ما أباليه بالة وبالا ، قال ابن أحمر :


أغدوا واعد الحي الزيالا     وشوقا لا يبالي العين بالا .



وبلاء ومبالاة ولم أبال ولم أبل على القصر . وفي الحديث : وتبقى حثالة لا يباليهم الله بالة ، وفي رواية : لا يبالي بهم بالة أي لا يرفع لهم قدرا ولا يقيم لهم وزنا ، وأصل بالة بالية مثل عافاه عافية فحذفوا الياء منها تخفيفا كما حذفوا من لم أبل . يقال : ما باليته وما باليت به أي لم أكترث به . وفي الحديث : هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي ، وحكى الأزهري عن جماعة من العلماء : أن معناه لا أكره . وفي حديث ابن عباس : ما أباليه بالة : وحديث الرجل مع عمله وأهله وماله قال : هو أقلهم به بالة أي مبالاة . قال الجوهري : فإذا قالوا لم أبل حذفوا الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال كما حذفوا الياء من قولهم لا أدر ، كذلك يفعلون بالمصدر فيقولون ما أباليه بالة ، والأصل فيه بالية . قال ابن بري : لم يحذف الألف من قولهم لم أبل تخفيفا ، وإنما حذفت لالتقاء الساكنين . ابن سيده : قال سيبويه وسألت الخليل عن قولهم لم أبل ، فقال : هي من باليت ، ولكنهم لما أسكنوا اللام حذفوا الألف لئلا يلتقي ساكنان ، وإنما فعلوا ذلك بالجزم لأنه موضع حذف ، فلما حذفوا الياء التي هي من نفس الحرف بعد اللام صارت عندهم بمنزلة نون يكن حيث أسكنت ، فإسكان اللام هنا بمنزلة حذف النون من يكن ، وإنما فعلوا هذا بهذين حيث كثر في كلامهم حذف النون والحركات ، وذلك نحو مذ ولد وقد علم ، وإنما الأصل منذ ولدن وقد علم ، وهذا من الشواذ وليس مما يقاس عليه ويطرد ، وزعم أن ناسا من العرب يقولون لم أبله ، لا يزيدون على حذف الألف كما حذفوا علبطا ; حيث كثر الحذف في كلامهم كما حذفوا ألف احمر وألف علبط وواو غد ، وكذلك فعلوا بقولهم بلية كأنها بالية بمنزلة العافية ، ولم يحذفوا لا أبالي لأن الحذف لا يقوى هنا ولا يلزمه حذف ، كما أنهم إذا قالوا لم يكن الرجل فكانت في موضع تحرك لم تحذف ، وجعلوا الألف تثبت مع الحركة ألا ترى أنها لا تحذف في أبالي في غير موضع الجزم ، وإنما تحذف في الموضع الذي تحذف منه الحركة ؟ وهو بذي بلي وبلى وبلى وبلى وبلي وبليان وبليان ، بفتح الباء واللام ، إذا بعد عنك حتى لا تعرف موضعه . وقال ابن جني : قولهم أتى على ذي بليان غير مصروف وهو علم البعد . وفي حديث خالد بن الوليد : أنه قال : إن عمر استعملني على الشام وهو له مهم ، فلما ألقى الشام بوانيه وصار ثنيه عزلني واستعمل غيري ، فقال رجل : هذا والله الفتنة ، فقال خالد : أما وابن الخطاب حي فلا ، ولكن ذاك إذا كان الناس بذي بلي وذي بلى ، قوله : ألقى الشام بوانيه وصار ثنيه أي قر قراره واطمأن أمره ، وأما قوله إذا كان الناس بذي بلي فإن أبا عبيد قال : أراد تفرق الناس وأن يكونوا طوائف وفرقا من غير إمام يجمعهم ، وكذلك كل من بعد عنك حتى لا تعرف موضعه فهو بذي بلي ، وهو من بل في الأرض إذا ذهب ، أراد ضياع أمور الناس بعده ، وفيه لغة أخرى : بذي بليان ; قال : وكان الكسائي ينشد هذا البيت في رجل يطيل النوم :


تنام ويذهب الأقوام حتى     يقال : أتوا على ذي بليان .



يعني أنه أطال النوم ومضى أصحابه في سفرهم حتى صاروا إلى الموضع الذي لا يعرف مكانهم من طول نومه ، قال ابن سيده : وصرفه على مذهبه . ابن الأعرابي : يقال فلان بذي بلي وذي بليان إذا كان ضائعا بعيدا عن أهله . وتبلى وبلي : اسما قبيلتين . وبلي : حي من اليمن ، والنسبة إليهم بلوي . الجوهري : بلي ، على فعيل ، قبيلة من قضاعة ، والنسبة إليهم بلوي . والأبلاء : موضع . قال ابن سيده : وليس في الكلام اسم على أفعال إلا الأبواء والأنبار والأبلاء . وبلى : جواب استفهام فيه حرف نفي كقولك : ألم تفعل كذا ؟ فيقول : بلى . وبلى : جواب استفهام معقود بالجحد ، وقيل : يكون جوابا للكلام الذي فيه الجحد كقوله تعالى : ألست بربكم قالوا بلى . التهذيب : وإنما صارت بلى تتصل بالجحد ; لأنها رجوع عن الجحد إلى التحقيق ، فهو بمنزلة بل ، وبل سبيلها أن تأتي بعد الجحد كقولك : ما قام أخوك بل أبوك ، وما أكرمت أخاك بل أباك ; قال : وإذا قال الرجل للرجل ألا تقوم ؟ فقال له : بلى ، أراد بل أقوم ، فزادوا الألف على بل ليحسن السكوت عليها ; لأنه لو قال : بل ، كان يتوقع كلاما بعد بل ، فزادوا الألف ليزول عن المخاطب هذا التوهم ، قال الله تعالى : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ; ثم قال : بلى من كسب سيئة ; والمعنى بل من كسب سيئة ، وقال المبرد : بل حكمها الاستدراك أينما وقعت في جحد أو إيجاب ; قال : وبلى يكون إيجابا للمنفي لا غير . الفراء قال : بل تأتي لمعنيين : تكون إضرابا عن الأول وإيجابا للثاني ، كقولك : عندي له دينار لا بل ديناران ، والمعنى الآخر أنها توجب ما قبلها وتوجب ما بعدها وهذا يسمى الاستدراك ; لأنه أراده فنسيه ثم استدركه . قال الفراء : والعرب تقول بل والله لا آتيك وبن والله ، يجعلون اللام فيها نونا ; قال : وهي لغة بني سعد ولغة كلب ; قال : وسمعت الباهليين يقولون لا بن بمعنى لا بل . ابن سيده : وقوله - عز وجل - : بلى قد جاءتك آياتي ; جاء ببلى التي هي معقودة بالجحد ، وإن لم يكن في الكلام لفظ جحد ; لأن قوله تعالى : لو أن الله هداني ; في قوة الجحد كأنه قال ما هديت فقيل بلى قد جاءتك آياتي ; قال ابن سيده : وهذا محمول على الواو لأن الواو أظهر هنا من الياء ، فحملت ما لم تظهر فيه على ما ظهرت فيه ; قال : وقد قيل إن الإمالة جائزة في بلى ، فإذا كان ذلك فهو من الياء . وقال بعض النحويين : إنما جازت الإمالة في بلى ; لأنها شابهت بتمام الكلام واستقلاله بها وغنائها عما بعدها الأسماء المستقبلة بأنفسها ، فمن حيث جازت إمالة الأسماء جازت أيضا إمالة بلى ، ألا ترى أنك تقول في جواب من [ ص: 154 ] قال : ألم تفعل كذا وكذا : بلى ، فلا تحتاج لكونها جوابا مستقلا إلى شيء بعدها ، فلما قامت بنفسها وقويت لحقت في القوة بالأسماء في جواز إمالتها كما أميل أنى ومتى . الجوهري : بلى جواب للتحقيق يوجب ما يقال لك ; لأنها ترك للنفي ، وهي حرف لأنها نقيضة لا ، قال سيبويه : ليس بلى ونعم ، اسمين ، وقال : بل مخفف حرف ، يعطف بها الحرف الثاني على الأول فيلزمه مثل إعرابه ، وهو الإضراب عن الأول للثاني ، كقولك : ما جاءني زيد بل عمرو ، وما رأيت زيدا بل عمرا ، وجاءني أخوك بل أبوك ، تعطف بها بعد النفي والإثبات جميعا ، وربما وضعوه موضع رب كقول الراجز :


بل مهمه قطعت بعد مهمه .



يعني رب مهمه ، كما يوضع الحرف موضع غيره اتساعا ، وقال آخر :


بل جوز تيهاء كظهر الحجفت .



وقوله - عز وجل - : ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق ; قال الأخفش عن بعضهم : إن بل ههنا بمعنى إن ، فلذلك صار القسم عليها ; قال : وربما استعملته العرب في قطع كلام واستئناف آخر فينشد الرجل منهم الشعر فيقول :


بل ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا .



ويقول :


بل وبلدة ما الإنس من آهالها .



التالي السابق


الخدمات العلمية