صفحة جزء
[ قضى ]

قضى : القضاء : الحكم وأصله قضاي ; لأنه من قضيت إلا أن الياء لما جاءت بعد الألف همزت ، قال ابن بري : صوابه بعد الألف الزائدة طرفا همزت ، والجمع الأقضية ، والقضية مثله والجمع القضايا على فعالى وأصله فعائل . وقضى عليه يقضي قضاء وقضية ، الأخيرة مصدر كالأولى ، والاسم القضية فقط قال أبو بكر : قال أهل الحجاز : القاضي معناه في اللغة القاطع للأمور المحكم لها . واستقضي فلان ، أي : جعل قاضيا يحكم بين الناس . وقضى الأمير قاضيا : كما تقول أمر أميرا . وتقول : قضى بينهم قضية وقضايا . والقضايا : الأحكام واحدتها قضية . وفي صلح الحديبية : هذا ما قاضى عليه محمد ، هو فاعل من القضاء الفصل والحكم ; لأنه كان بينه وبين أهل مكة ، وقد تكرر في الحديث ذكر القضاء وأصله القطع والفصل . يقال : قضى يقضي قضاء فهو قاض إذا حكم وفصل . وقضاء الشيء : إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه فيكون بمعنى الخلق . وقال الزهري : القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه . وكل ما أحكم عمله أو أتم أو ختم أو أدي أداء أو أوجب أو أعلم أو أنفذ أو أمضي فقد قضي . قال : وقد جاءت هذه الوجوه كلها في الحديث ومنه القضاء المقرون بالقدر والمراد بالقدر التقدير وبالقضاء الخلق كقوله تعالى : فقضاهن سبع سماوات ، أي : خلقهن [ ص: 132 ] فالقضاء والقدر أمران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر ; لأن أحدهما بمنزلة الأساس وهو القدر والآخر بمنزلة البناء وهو القضاء فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه . وقضى الشيء قضاء : صنعه وقدره ومنه قوله تعالى : فقضاهن سبع سماوات في يومين ، أي : فخلقهن وعملهن وصنعهن وقطعهن وأحكم خلقهن ، والقضاء بمعنى العمل ويكون بمعنى الصنع والتقدير . وقوله تعالى : فاقض ما أنت قاض معناه فاعمل ما أنت عامل قال أبو ذؤيب :


وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع



قال ابن السيرافي : قضاهما : فرغ من عملهما . والقضاء : الحتم والأمر . وقضى ، أي : حكم ومنه القضاء والقدر . وقوله تعالى : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ، أي : أمر ربك وحتم ، وهو أمر قاطع حتم . وقال تعالى : فلما قضينا عليه الموت وقد يكون بمعنى الفراغ تقول : قضيت حاجتي . وقضى عليه عهدا : أوصاه وأنفذه ومعناه الوصية وبه يفسر قوله - عز وجل - : وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ، أي : عهدنا وهو بمعنى الأداء والإنهاء . تقول : قضيت ديني وهو أيضا من قوله تعالى : وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب وقوله : وقضينا إليه ذلك الأمر ، أي : أنهيناه إليه وأبلغناه ذلك وقضى ، أي : حكم . وقوله تعالى : ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ، أي : من قبل أن يبين لك بيانه . الليث في قوله : فلما قضينا عليه الموت ، أي : أتممنا عليه الموت . وقضى فلان صلاته ، أي : فرغ منها . وقضى عبرته ، أي : أخرج كل ما في رأسه قال أوس :


أم هل كبير بكى لم يقض عبرته     إثر الأحبة يوم البين معذور ؟



أي : لم يخرج كل ما في رأسه . والقاضية : المنية التي تقضي وحيا . والقاضية : الموت وقد قضى قضاء وقضي عليه وقوله :


تحن فتبدي ما بها من صبابة     وأخفي الذي لولا الأسا لقضاني



معناه قضى علي وقوله أنشده ابن الأعرابي :


سم ذراريح جهيزا بالقضي



فسره ، فقال : القضي الموت القاضي ، فإما أن يكون أراد القضي بالتخفيف وإما أن يكون أراد القضي فحذف إحدى الياءين كما قال :


ألم تكن تحلف بالله العلي     إن مطاياك لمن خير المطي ؟



وقضى نحبه قضاء : مات ، وقوله أنشده يعقوب للكميت :


وذا رمق منها يقضي وطافسا



إما أن يكون في معنى يقضي وإما أن يكون أن الموت اقتضاه فقضاه دينه وعليه قول القطامي :


في ذي جلول يقضي الموت صاحبه     إذا الصراري من أهواله ارتسما



أي : يقضي الموت ما جاءه يطلب منه وهو نفسه . وضربه فقضى عليه ، أي : قتله كأنه فرغ منه . وسم قاض ، أي : قاتل . ابن بري : يقال قضى الرجل وقضى إذا مات ، قال ذو الرمة :


إذا الشخص فيها هزه الآل أغمضت     عليه كإغماض المقضى هجولها



ويقال : قضى علي وقضاني بإسقاط حرف الجر ، قال الكلابي :


فمن يك لم يغرض فإني وناقتي     بحجر إلى أهل الحمى غرضان
تحن فتبدي ما بها من صبابة     وأخفي الذي لولا الأسا لقضاني



وقوله تعالى : ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون قال أبو إسحق : معنى قضي الأمر أتم إهلاكهم . قال : وقضى في اللغة على ضروب كلها ترجع إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه ومنه قوله تعالى : ثم قضى أجلا معناه ثم حتم بذلك وأتمه ومنه الإعلام ومنه قوله تعالى : وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ، أي : أعلمناهم إعلاما قاطعا ومنه القضاء للفصل في الحكم وهو قوله : ولولا أجل مسمى لقضي بينهم ، أي : لفصل الحكم بينهم ومثل ذلك قولهم : قد قضى القاضي

بين الخصوم ، أي : قد قطع بينهم في الحكم ومن ذلك : قد قضى فلان دينه ، تأويله أنه قد قطع ما لغريمه عليه وأداه إليه وقطع ما بينه وبينه . واقتضى دينه وتقاضاه بمعنى . وكل ما أحكم فقد قضي . تقول : قد قضيت هذا الثوب وقد قضيت هذه الدار إذا عملتها وأحكمت عملها ، وأما قوله : ثم اقضوا إلي ولا تنظرون فإن أبا إسحق قال : ثم افعلوا ما تريدون وقال الفراء : معناه ثم امضوا إلي كما يقال قد قضى فلان ، يريد قد مات ، ومضى وقال أبو إسحق : هذا مثل قوله في هود : فكيدوني جميعا ثم لا تنظروني يقول : اجهدوا جهدكم في مكايدتي والتألب علي ، ولا تنظرون ، أي : ولا تمهلوني قال : وهذا من أقوى آيات النبوة أن يقول النبي لقومه وهم متعاونون عليه افعلوا بي ما شئتم . ويقال : اقتتل القوم فقضوا بينهم قواضي وهي المنايا ، قال زهير :


فقضوا منايا بينهم ثم أصدروا



الجوهري : قضوا بينهم منايا بالتشديد ، أي : أنفذوها . وقضى اللبانة أيضا ، بالتشديد ، وقضاها ، بالتخفيف بمعنى . وقضى الغريم دينه قضاء : أداه إليه . واستقصاه : طلب إليه أن يقضيه . وتقاضاه الدين : قبضه منه قال :


إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة     تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا



أراد : إذا ما تقاضى المرء نفسه يوم وليلة . ويقال : تقاضيته حقي فقضانيه ، أي : تجازيته فجزانيه . ويقال : اقتضيت ما لي عليه ، أي : قبضته وأخذته . والقاضية من الإبل : ما يكون جائزا في الدية والفريضة التي تجب في الصدقة قال ابن أحمر :


لعمرك ما أعان أبو حكيم     بقاضية ولا بكر نجيب



ورجل قضي : سريع القضاء يكون من قضاء الحكومة ومن قضاء الدين . وقضى وطره : أتمه وبلغه . وقضاه : كقضاه وقوله أنشده أبو زيد :


لقد طال ما لبثتني عن صحابتي     وعن حوج قضاؤها من شفائيا



قال ابن سيده : هو عندي من قضى ككذاب من كذب قال : [ ص: 133 ] ويحتمل أن يريد اقتضاؤها فيكون من باب قتال كما حكاه سيبويه في اقتتال . والانقضاء : ذهاب الشيء وفناؤه وكذلك التقضي . وانقضى الشيء وتقضى بمعنى . وانقضاء الشيء وتقضيه : فناؤه وانصرامه قال :


وقربوا للبين والتقضي     من كل عجاج ترى للغرض
خلف رحى حيزومه كالغمض



أي : كالغمض الذي هو بطن الوادي ، فيقول ترى للغرض في جنبه أثرا عظيما كبطن الوادي . والقضاة : الجلدة الرقيقة التي تكون على وجه الصبي حين يولد . والقضة مخففة : نبتة سهلية وهي منقوصة ، وهي من الحمض والهاء عوض ، وجمعها قضى ، قال ابن سيده : وهي من معتل الياء وإنما قضينا بأن لامها ياء لعدم " ق ض و " ووجود " ق ض ي " . الأصمعي : من نبات السهل الرمث والقضة ، ويقال في جمعه قضات وقضون . ابن السكيت : تجمع القضة قضين ، وأنشد أبو الحجاج :


بساقين ساقي ذي قضين تحشه     بأعواد رند أو ألاوية شقرا



وقال أمية بن أبي الصلت :

عرفت الدار قد أقوت سنينا

لزينب إذ تحل بذي قضينا

وقضة أيضا : موضع كان به وقعة تحلاق اللمم وتجمع على قضاة وقضين ، وفي هذا اليوم أرسلت بنو حنيفة الفند الزماني إلى أولاد ثعلب ة حين طلبوا نصرهم على بني تغلب ، فقال بنو حنيفة : قد بعثنا إليكم بألف فارس وكان يقال له عديد الألف ، فلما قدم على بني ثعلبة قالوا له : أين الألف قال أنا ، أما ترضون أني أكون لكم فندا فلما كان من الغد وبرزوا للقتال حمل على فارس كان مردفا لآخر فانتظمهما ، وقال :


أيا طعنة ما شيخ     كبير يفن بالي



أبو عمرو : قضى الرجل إذا أكل القضا وهو عجم الزبيب قال ثعلب : وهو بالقاف ، قاله ابن الأعرابي . أبو عبيد : والقضاء من الدروع التي قد فرغ من عملها وأحكمت ويقال الصلبة ، قال النابغة :


وكل صموت نثلة تبعية     ونسج سليم كل قضاء ذائل



قال : والفعل من القضاء قضيتها ، قال أبو منصور : جعل القضاء فعالا من قضى ، أي : أتم وغيره يجعل القضاء فعلاء من قض يقض ، وهي الجديد الخشنة ، من إقضاض المضجع . وتقضى البازي ، أي : انقض وأصله تقضض فلما كثرت الضادات أبدلت من إحداهن ياء قال العجاج :


إذا الكرام ابتدروا الباع بدر     تقضي البازي إذا البازي كسر



وفي الحديث ذكر دار القضاء في المدينة قيل : هي دار الإمارة قال بعضهم : هو خطأ وإنما هي دار كانت لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بيعت بعد وفاته في دينه ثم صارت لمروان وكان أميرا بالمدينة ، ومن هاهنا دخل الوهم على من جعلها دار الإمارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية