صفحة جزء
[ بني ]

بني : بنا في الشرف يبنو ، وعلى هذا تئول قول الحطيئة :


أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا .



قال ابن سيده : قالوا إنه جمع بنوة أو بنوة ، قال الأصمعي : أنشدت أعرابيا هذا البيت أحسنوا البنا ، فقال : أي بنا أحسنوا البنا ، أراد بالأول أي بني . والابن : الولد ، ولامه في الأصل منقلبة عن واو عند بعضهم كأنه من هذا . وقال في معتل الياء : الابن الولد ، فعل محذوفة اللام مجتلب لها ألف الوصل ; قال : وإنما قضى أنه من الياء لأن بنى يبني أكثر في كلامهم من يبنو ، والجمع أبناء . وحكى اللحياني : أبناء أبنائهم . قال ابن سيده : والأنثى ابنة وبنت ، الأخيرة على غير بناء مذكرها ، ولام بنت واو ، والتاء بدل منها ، قال أبو حنيفة : أصله بنوة ووزنها فعل ، فألحقتها التاء المبدلة من لامها بوزن حلس ، فقالوا : بنت ، وليست التاء فيها بعلامة تأنيث كما ظن من لا خبرة له بهذا اللسان ، وذلك لسكون ما قبلها ، هذا مذهب سيبويه وهو الصحيح ، وقد نص عليه في باب ما لا ينصرف فقال : لو سميت بها رجلا لصرفتها معرفة ، ولو كانت للتأنيث لما انصرف الاسم ، على أن سيبويه قد تسمح في بعض ألفاظه في الكتاب فقال في بنت : هي علامة تأنيث ، وإنما ذلك تجوز منه في اللفظ لأنه أرسله غفلا ، وقد قيده وعلله في باب ما لا ينصرف ، والأخذ بقوله المعلل أقوى من القول بقوله المغفل المرسل ، ووجه تجوزه أنه لما كانت التاء لا تبدل من الواو فيها إلا مع المؤنث صارت كأنها علامة تأنيث ; قال : وأعني بالصيغة فيها بناءها على فعل وأصلها فعل بدلالة تكسيرهم إياها على أفعال ، وإبدال الواو فيها لازم لأنه عمل اختص به المؤنث ، ويدل أيضا على ذلك إقامتهم إياه مقام العلامة الصريحة وتعاقبها فيها على الكلمة الواحدة ، وذلك نحو ابنة وبنت فالصيغة في بنت قائمة مقام الهاء في ابنة فكما أن الهاء علامة تأنيث فكذلك صيغة بنت علامة تأنيثها ، وليست بنت من ابنة كصعب من صعبة ، إنما نظير صعبة من صعب ابنة من ابن ، ولا دلالة لك في البنوة على أن الذاهب من بنت واو ، لكن إبدال التاء من حرف العلة يدل على أنه من الواو ; لأن إبدال التاء من الواو أضعف من إبدالها من الياء . وقال ابن سيده في موضع آخر : قال سيبويه : وألحقوا ابنا الهاء فقالوا ابنة ; قال : وأما بنت فليس على ابن ، وإنما هي صيغة على حدة ، ألحقوها الياء للإلحاق ثم أبدلوا التاء منها ، وقيل : إنها مبدلة من واو ، قال سيبويه : وإنما بنت كعدل ، والنسب إلى بنت بنوي ، وقال يونس : بنتي وأختي ، قال ابن سيده : وهو مردود عند سيبويه . وقال ثعلب : العرب تقول هذه بنت فلان وهذه ابنة فلان ، بتاء ثابتة في الوقف والوصل ، وهما لغتان جيدتان ; قال : ومن قال ابنة فهو خطأ ولحن . قال الجوهري : لا تقل ابنة لأن الألف إنما اجتلبت لسكون الباء ، فإذا حركتها سقطت ، والجمع بنات لا غير . قال الزجاج : ابن كان في الأصل بنو أو بنو ، والألف ألف وصل في الابن ، يقال : ابن بين البنوة ; قال : ويحتمل أن يكون أصله بنيا ; قال : والذين قالوا بنون كأنهم جمعوا بنيا بنون ، وأبناء جمع فعل أو فعل ; قال : وبنت تدل على أنه يستقيم أن يكون فعلا ، ويجوز أن يكون فعلا نقلت إلى فعل كما نقلت أخت من فعل إلى فعل فأما بنات فليس بجمع بنت على لفظها ، إنما ردت إلى أصلها فجمعت بنات ، على أن أصل بنت فعلة مما حذفت لامه . قال : والأخفش يختار أن يكون المحذوف من ابن الواو ; قال : لأنه أكثر ما يحذف لثقله والياء تحذف أيضا لأنها تثقل ; قال : والدليل على ذلك أن يدا قد أجمعوا على أن المحذوف منه الياء ، ولهم دليل قاطع مع الإجماع يقال يديت إليه يدا ، ودم محذوف منه الياء ، والبنوة ليس بشاهد قاطع للواو ; لأنهم يقولون الفتوة والتثنية فتيان ، فابن يجوز أن يكون المحذوف منه الواو أو الياء ، وهما عندنا متساويان . قال الجوهري : والابن أصله بنو ، والذاهب منه واو كما ذهب من أب وأخ ; لأنك تقول في مؤنثه : بنت وأخت ، ولم نر هذه الهاء تلحق مؤنثا إلا ومذكره محذوف الواو ، يدلك على ذلك أخوات وهنوات فيمن رد ، وتقديره من الفعل فعل بالتحريك ; لأن جمعه أبناء مثل جمل وأجمال ، ولا يجوز أن يكون فعلا أو فعلا اللذين جمعهما أيضا أفعال مثل جذع وقفل ; لأنك تقول في جمعه بنون بفتح الباء ، ولا يجوز أيضا أن يكون فعلا ساكنة العين ; لأن الباب في جمعه إنما هو أفعل مثل كلب وأكلب ، أو فعول مثل فلس وفلوس . وحكى الفراء عن العرب : هذا من ابناوات الشعب ، وهم حي من كلب . وفي التنزيل العزيز : هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ; كنى ببناته عن نسائهم ، ونساء أمة كل نبي بمنزلة بناته ، وأزواجه بمنزلة أمهاتهم ، قال ابن سيده : هذا قول الزجاج . قال سيبويه : وقالوا ابنم فزادوا الميم كما زيدت في فسحم ودلقم ، وكأنها في ابنم أمثل قليلا ; لأن الاسم محذوف اللام ، فكأنها عوض منها وليس في فسحم ونحوه حذف ، فأما قول رؤبة :

[ ص: 159 ]

بكاء ثكلى فقدت حميما     فهي ترثي بأب وابناما .



فإنما أراد : وابنيما ، لكن حكى ندبتها ، واحتمل الجمع بين الياء والألف ههنا لأنه أراد الحكاية ، كأن النادبة آثرت وا ابنا على وا ابني ; لأن الألف ههنا أمتع ندبا وأمد للصوت ; إذ في الألف من ذلك ما ليس في الياء ، ولذلك قال بأبا ولم يقل بأبي ، والحكاية قد يحتمل فيها ما لا يحتمل في غيرها ألا ترى أنهم قد قالوا من زيدا في جواب من قال رأيت زيدا ، ومن زيد في جواب من قال مررت بزيد ؟ ويروى :


فهي تنادي بأبي وابنيما



فإذا كان ذلك فهو على وجهه وما في كل ذلك زائدة ، وجمع البنت بنات ، وجمع الابن أبناء ، وقالوا في تصغيره : أبينون ، قال ابن شميل : أنشدني ابن الأعرابي لرجل من بني يربوع ، قال ابن بري : هو السفاح بن بكير اليربوعي :


من يك لا ساء ، فقد ساءني     ترك أبينيك إلى غير راع
إلى أبي طلحة ، أو واقد     عمري فاعلمي للضياع .



قال : أبيني تصغير بنين ، كأن واحده إبن مقطوع الألف ، فصغره فقال أبين ، ثم جمعه فقال أبينون ، قال ابن بري عند قول الجوهري كأن واحده إبن ; قال : صوابه كأن واحده أبنى مثل أعمى ليصح فيه أنه معتل اللام ، وأن واوه لام لا نون بدليل البنوة ، أو أبن بفتح الهمزة على ميل الفراء أنه مثل أجر ، وأصله أبنو ; قال : وقوله فصغره فقال أبين إنما يجيء تصغيره عند سيبويه أبين مثل أعيم . وقال ابن عباس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أبيني لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس " . قال ابن الأثير : الهمزة زائدة وقد اختلف في صيغتها ومعناها ، فقيل : إنه تصغير أبنى كأعمى وأعيم ، وهو اسم مفرد يدل على الجمع ، وقيل : إن ابنا يجمع على أبنا مقصورا وممدودا ، وقيل : هو تصغير ابن ، وفيه نظر . وقال أبو عبيد : هو تصغير بني جمع ابن مضافا إلى النفس ; قال : وهذا يوجب أن يكون صيغة اللفظة في الحديث أبيني بوزن سريجي ، وهذه التقديرات على اختلاف الروايات والاسم البنوة . قال الليث : البنوة مصدر الابن . يقال : ابن بين البنوة . ويقال : تبنيته أي ادعيت بنوته . وتبناه : اتخذه ابنا . وقال الزجاج : تبنى به يريد تبناه . وفي حديث أبي حذيفة : أنه تبنى سالما أي اتخذه ابنا ، وهو تفعل من الابن ، والنسبة إلى الأبناء بنوي وأبناوي نحو الأعرابي ، ينسب إلى الأعراب ، والتصغير بني . قال الفراء : يا بني ويا بني لغتان مثل يا أبت ويا أبت ، وتصغير أبناء أبيناء ، وإن شئت أبينون على غير مكبره . قال الجوهري : والنسبة إلى ابن بنوي ، وبعضهم يقول ابني ; قال : وكذلك إذا نسبت إلى أبناء فارس قلت بنوي ; قال : وأما قولهم أبناوي فإنما هو منسوب إلى أبناء سعد ; لأنه جعل اسما للحي أو للقبيلة ، كما قالوا مدايني جعلوه اسما للبلد ; قال : وكذلك إذا نسبت إلى بنت أو إلى بنيات الطريق قلت بنوي لأن ألف الوصل عوض من الواو ، فإذا حذفتها فلا بد من رد الواو . ويقال : رأيت بناتك ، بالفتح ، ويجرونه مجرى التاء الأصلية . وبنيات الطريق : هي الطرق الصغار تتشعب من الجادة ، وهي الترهات . والأبناء : قوم من أبناء فارس . وقال في موضع آخر : وأبناء فارس قوم من أولادهم ارتهنتهم العرب ، وفي موضع آخر : ارتهنوا باليمن وغلب عليهم اسم الأبناء كغلبة الأنصار ، والنسب إليهم في ذلك أبناوي في لغة بني سعد ، كذلك حكاه سيبويه عنهم ; قال : وحدثني أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقولون في الإضافة إليه بنوي ، يردونه إلى الواحد ، فهذا على أن لا يكون اسما للحي ، والاسم من كل ذلك البنوة . وفي الحديث : وكان من الأبناء ; قال : الأبناء في الأصل جمع ابن . ويقال لأولاد فارس الأبناء ، وهم الذين أرسلهم كسرى مع سيف بن ذي يزن ، لما جاء يستنجدهم على الحبشة ، فنصروه وملكوا اليمن وتديروها وتزوجوا في العرب فقيل لأولادهم : الأبناء ، وغلب عليهم هذا الاسم لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم . وللأب والابن والبنت أسماء كثيرة تضاف إليها ، وعدد الأزهري منها أشياء كثيرة فقال ما يعرف بالابن : قال ابن الأعرابي ابن الطين آدم - عليه السلام - وابن ملاط العضد ، وابن مخدش رأس الكتف ، ويقال إنه النغض أيضا ، وابن النعامة عظم الساق وابن النعامة عرق في الرجل ، وابن النعامة محجة الطريق ، وابن النعامة الفرس الفارة ، وابن النعامة الساقي الذي يكون على رأس البئر ، ويقال للرجل العالم : هو ابن بجدتها وابن بعثطها وابن سرسورها وابن ثراها وابن مدينتها وابن زوملتها أي العالم بها ، وابن زوملة أيضا ابن أمة ، وابن نفيلة ابن أمة ، وابن تامورها العالم بها ، وابن الفأرة الدرص ، وابن السنور الدرص أيضا ، وابن الناقة البابوس ; قال : ذكره ابن أحمر في شعره ، وابن الخلة ابن مخاض ، وابن عرس السرعوب ، وابن الجرادة السرو ، وابن الليل اللص ، وابن الطريق اللص أيضا ، وابن غبراء اللص أيضا ، وقيل في قول طرفة :


رأيت بني غبراء لا ينكرونني .



إن بني غبراء اسم للصعاليك الذين لا مال لهم سموا بني غبراء للزوقهم بغبراء الأرض ، وهو ترابها ، أراد أنه مشهور عند الفقراء والأغنياء ، وقيل : بنو غبرائهم الرفقة يتناهدون في السفر ، وابن إلاهة وألاهة ضوء الشمس ، وهو الضح ، وابن المزنة الهلال ، ومنه قوله :


رأيت ابن مزنتها جانحا .



وابن الكروان الليل وابن الحبارى النهار وابن تمرة طائر ويقال التمرة ، وابن الأرض الغدير وابن طامر البرغوث ، وابن طامر الخسيس من الناس ، وابن هيان وابن بيان وابن هي وابن بي كله الخسيس من الناس ، وابن النخلة الدنيء ، وابن البحنة السوط والبحنة النخلة الطويلة ، وابن الأسد الشيع والحفص ، وابن القرد الحودل والرباح ، وابن البراء أول يوم من الشهر ، وابن المازن النمل ، وابن الغراب البج ، وابن الفوالي الجان يعني الحية ، وابن القاوية فرخ الحمام ، وابن الفاسياء القرنبى ، وابن الحرام السلا ، وابن الكرم [ ص: 160 ] القطف ، وابن المسرة غصن الريحان ، وابن جلا السيد ، وابن دأية الغراب ، وابن أوبر الكمأة ، وابن قترة الحية ، وابن ذكاء الصبح ، وابن فرتنى وابن ترنى ابن البغية ، وابن أحذار الرجل الحذر ، وابن أقوال الرجل الكثير الكلام ، وابن الفلاة الحرباء ، وابن الطود الحجر ، وابن جمير الليلة التي لا يرى فيها الهلال ، وابن آوى سبغ ، وابن مخاض وابن لبون من أولاد الإبل . ويقال للسقاء : ابن الأديم ، فإذا كان أكبر فهو ابن أديمين وابن ثلاثة آدمة . وروي عن أبي الهيثم أنه قال : يقال هذا ابنك ويزاد فيه الميم فيقال : هذا ابنمك ، فإذا زيدت الميم فيه أعرب من مكانين فقيل هذا ابنمك ، فضمت النون والميم وأعرب بضم النون وضم الميم ، ومررت بابنمك ورأيت ابنمك ، تتبع النون الميم في الإعراب والألف مكسورة على كل حال ، ومنهم من يعربه من مكان واحد فيعرب الميم ; لأنها صارت آخر الاسم ويدع النون مفتوحة على كل حال فيقول هذا ابنمك ، ومررت بابنمك ، ورأيت ابنمك ، وهذا ابنم زيد ، ومررت بابنم زيد ، ورأيت ابنم زيد ; وأنشد لحسان :


ولدنا بني العنقاء وابني محرق     فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما .



وزيادة الميم فيه كما زادوها في شدقم وزرقم وشجعم لنوع من الحيات ، وأما قول الشاعر :


ولم يحم أنفا عند عرس ولا ابنم .



فإنه يريد الابن ، والميم زائدة . ويقال فيما يعرف ببنات : بنات الدم بنات أحمر ، وبنات المسند صروف الدهر ، وبنات معى البعر ، وبنات اللبن ما صغر منها ، وبنات النقا هي الحلكة تشبه بهن بنان العذارى ، قال ذو الرمة :


بنات النقا تخفى مرارا وتظهر .



وبنات مخر وبنات بخر سحائب يأتين قبل الصيف منتصبات ، وبنات غير الكذب ، وبنات بئس الدواهي وكذلك بنات طبق وبنات برح وبنات أودك وابنة الجبل الصدى ، وبنات أعنق النساء ، ويقال : خيل نسبت إلى فحل يقال له أعنق ، وبنات صهال الخيل ، وبنات شحاج البغال ، وبنات الأخدري الأتن ، وبنات نعش من الكواكب الشمالية ، وبنات الأرض الأنهار الصغار ، وبنات المنى الليل ، وبنات الصدر الهموم ، وبنات المثال النساء ، والمثال الفراش ، وبنات طارق بنات الملوك ، وبنات الدو حمير الوحش وهي بنات صعدة أيضا ، وبنات عرجون الشماريخ ، وبنات عرهون الفطر ، وبنت الأرض وابن الأرض ضرب من البقل ، والبنات التماثيل التي يلعب بها الجواري . وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - : كنت ألعب مع الجواري بالبنات أي التماثيل التي تلعب بها الصبايا . وذكر لرؤبة رجل فقال : كان إحدى بنات مساجد الله تعالى ، كأنه جعله حصاة من حصى المسجد . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - أنه سأل رجلا قدم من الثغر فقال : هل شرب الجيش في البنيات الصغار ؟ قال : لا ، إن القوم ليؤتون بالإناء فيتداولونه حتى يشربوه كلهم ، البنيات ههنا : الأقداح الصغار وبنات الليل الهموم ، أنشد ثعلب :


تظل بنات الليل حولي عكفا     عكوف البواكي بينهن قتيل .



وقول أمية بن أبي عائذ الهذلي :


فسبت بنات القلب ، فهي رهائن     بخبائها كالطير في الأقفاص .



إنما عنى ببناته طوائفه ، وقوله أنشده ابن الأعرابي :


يا سعد يا ابن عملي يا سعد .



أراد : من يعمل عملي أو مثل عملي ; قال : والعرب تقول في الرفق بني الحلم أي مثله . والبني : نقيض الهدم ، بنى البناء البناء بنيا وبناء وبنى ، مقصور ، وبنيانا وبنية وبناية وابتناه وبناه ; قال :


وأصغر من قعب الوليد ، ترى به     بيوتا مبناة وأودية خضرا .



يعني العين ، وقول الأعور الشني في صفة بعير أكراه :


لما رأيت محمليه أنا     مخدرين ، كدت أن أجنا
قربت مثل العلم المبنى .



شبه البعير بالعلم لعظمه وضخمه ، وعنى بالعلم القصر يعني أنه شبهه بالقصر المبني المشيد ، كما قال الراجز :


كرأس الفدن المؤيد .



والبناء : المبني ، والجمع أبنية ، وأبنيات جمع الجمع ، واستعمل أبو حنيفة البناء في السفن فقال يصف لوحا يجعله أصحاب المراكب في بناء السفن : وإنه أصل البناء فيما لا ينمى كالحجر والطين ونحوه . والبناء : مدبر البنيان وصانعه ، فأما قولهم في المثل : أبناؤها أجناؤها ، فزعم أبو عبيد أن أبناء جمع بان كشاهد وأشهاد ، وكذلك أجناؤها جمع جان . والبنية والبنية : ما بنيته وهو البنى والبنى ; وأنشد الفارسي عن أبي الحسن :


أولئك قوم ، إن بنوا أحسنوا البنى     وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا .



ويروى : أحسنوا البنى ، قال أبو إسحاق : إنما أراد بالبنى جمع بنية ، وإن أراد البناء الذي هو ممدود جاز قصره في الشعر ، وقد تكون البناية في الشرف ، والفعل كالفعل ، قال يزيد بن الحكم :


والناس مبتنيان : مح     مود البناية ، أو ذميم .



وقال لبيد :


فبنى لنا بيتا رفيعا سمكه     فسما إليه كهلها وغلامها .



ابن الأعرابي : البنى الأبنية من المدر أو الصوف ، وكذلك البنى من الكرم ; وأنشد بيت الحطيئة :


أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى .



وقال غيره : يقال بنية ، وهي مثل رشوة ورشا ، كأن البنية الهيئة التي بني عليها مثل المشية والركبة . وبنى فلان بيتا بناء وبنى ، مقصورا ، [ ص: 161 ] شدد للكثرة . وابتنى دارا وبنى بمعنى . والبنيان : الحائط . الجوهري : والبنى ، بالضم مقصور ، مثل البنى . يقال : بنية وبنى وبنية وبنى ، بكسر الباء مقصور ، مثل جزية وجزى ، وفلان صحيح البنية أي الفطرة . وأبنيت الرجل : أعطيته بناء أو ما يبتني به داره ، وقول البولاني :


نستوقد النبل بالحضيض ، ونص     طاد نفوسا بنت على الكرم .



أي بنيت ، يعني إذا أخطأ يوري النار . التهذيب : أبنيت فلانا بيتا إذا أعطيته بيتا يبنيه أو جعلته يبني بيتا ، ومنه قول الشاعر :


لو وصل الغيث أبنين امرأ     كانت له قبة سحق بجاد .



قال ابن السكيت : قوله لو وصل الغيث أي لو اتصل الغيث لأبنين امرأ سحق بجاد بعد أن كانت له قبة ، يقول : يغرن عليه فيخربنه فيتخذ بناء من سحق بجاد بعد أن كانت له قبة . وقال غيره يصف الخيل فيقول : لو سمنها الغيث بما ينبت لها لأغرت بها على ذوي القباب فأخذت قبابهم حتى تكون البجد لهم أبنية بعدها . والبناء : يكون من الخباء ، والجمع أبنية . والبناء : لزوم آخر الكلمة ضربا واحدا من السكون أو الحركة لا لشيء أحدث ذلك من العوامل ، وكأنهم إنما سموه بناء ; لأنه لما لزم ضربا واحدا فلم يتغير تغير الإعراب ، سمي بناء من حيث كان البناء لازما موضعا لا يزول من مكان إلى غيره ، وليس كذلك سائر الآلات المنقولة المبتذلة كالخيمة والمظلة والفسطاط والسرادق ونحو ذلك ، وعلى أنه مذ أوقع على هذا الضرب من المستعملات المزالة من مكان إلى مكان لفظ البناء تشبيها بذلك من حيث كان مسكونا وحاجزا ومظلا بالبناء من الآجر والطين والجص . والعرب تقول في المثل : إن المعزى تبهي ولا تبني أي لا تعطي من الثلة ما يبنى منها بيت ، المعنى أنها لا ثلة لها حتى تتخذ منها الأبنية أي لا تجعل منها الأبنية لأن أبنية العرب طراف وأخبية ، فالطراف من أدم ، والخباء من صوف أو أدم ولا يكون من شعر ، وقيل : المعنى أنها تخرق البيوت بوثبها عليها ولا تعين على الأبنية ، ومعزى الأعراب جرد لا يطول شعرها فيغزل ، وأما معزى بلاد الصرد وأهل الريف فإنها تكون وافية الشعور والأكراد يسوون بيوتهم من شعرها . وفي حديث الاعتكاف : فأمر ببنائه فقوض ، البناء واحد الأبنية ، وهي البيوت التي تسكنها العرب في الصحراء ، فمنها الطراف والخباء والبناء والقبة المضرب . وفي حديث سليمان - عليه السلام - : من هدم بناء ربه - تبارك وتعالى - فهو ملعون ، يعني من قتل نفسا بغير حق لأن الجسم بنيان خلقه الله وركبه . والبنية على فعيلة : الكعبة لشرفها إذ هي أشرف مبني . يقال : لا ورب هذه البنية ما كان كذا وكذا . وفي حديث البراء بن معرور : رأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر ، يريد الكعبة ، وكانت تدعى بنية إبراهيم - عليه السلام - ; لأنه بناها ، وقد كثر قسمهم برب هذه البنية . وبنى الرجل : اصطنعه ، قال بعض المولدين :


يبني الرجال ، وغيره يبني القرى     شتان بين قرى وبين رجال .



وكذلك ابتناه . وبنى الطعام لحمه يبنيه بناء : أنبته وعظم من الأكل ; وأنشد :


بنى السويق لحمها واللت     كما بنى بخت العراق القت .



قال ابن سيده : وأنشد ثعلب :


مظاهرة شحما عتيقا وعوططا     فقد بنيا لحما لها متبانيا .



ورواه سيبويه : أنبتا . وروى شمر : أن مخنثا قال لعبد الله بن أبي أمية : إن فتح الله عليكم الطائف فلا تفلتن منك بادية بنت غيلان ، فإنها إذا جلست تبنت ، وإذا تكلمت تغنت ، وإذا اضطجعت تمنت ، وبين رجليها مثل الإناء المكفإ ، يعني ضخم ركبها ونهوده كأنه إناء مكبوب ، فإذا قعدت فرجت رجليها لضخم ركبها ، قال أبو منصور : ويحتمل أن يكون قول المخنث إذا قعدت تبنت أي صارت كالمبناة من سمنها وعظمها ، من قولهم : بنى لحم فلان طعامه إذا سمنه وعظمه ، قال ابن الأثير : كأنه شبهها بالقبة من الأدم ، وهي المبناة ، لسمنها وكثرة لحمها ، وقيل : شبهها بأنها إذا ضربت وطنبت انفرجت ، وكذلك هذه إذا قعدت تربعت وفرشت رجليها . وتبنى السنام : سمن ، قال يزيد بن الأعور الشني :


مستجملا أعرف قد تبنى .



وقول الأخفش في كتاب القوافي : أما غلامي إذا أردت الإضافة مع غلام في غير الإضافة فليس بإيطاء ، لأن هذه الياء ألزمت الميم الكسرة وصيرته إلى أن يبنى عليه ، وقولك لرجل ليس هذا الكسر الذي فيه ببناء ، قال ابن جني : المعتبر الآن في باب غلامي مع غلام هو ثلاثة أشياء : وهو أن غلام نكرة وغلامي معرفة ، وأيضا فإن في لفظ غلامي ياء ثابتة وليس غلام بلا ياء كذلك ، والثالث أن كسرة غلامي بناء عنده كما ذكر ، وكسرة ميم مررت بغلام إعراب لا بناء ، وإذا جاز رجل مع رجل وأحدهما معرفة والآخر نكرة ليس بينهما أكثر من هذا ، فما اجتمع فيه ثلاثة أشياء من الخلاف أجدر بالجواز ، قال : وعلى أن أبا الحسن الأخفش قد يمكن أن يكون أراد بقوله إن حركة ميم غلامي بناء أنه قد اقتصر بالميم على الكسرة ، ومنعت اختلاف الحركات التي تكون مع غير الياء نحو غلامه وغلامك ولا يريد البناء الذي يعاقب الإعراب نحو حيث وأين وأمس . والمبناة والمبناة : كهيئة الستر والنطع . والمبناة والمبناة أيضا : العيبة . وقال شريح بن هانئ : سألت عائشة - رضي الله عنها - عن صلاة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : لم يكن في الصلاة شيء أحرى أن يؤخرها من صلاة العشاء ، قالت : وما رأيته متقيا الأرض بشيء قط إلا أني أذكر يوم مطر فإنا بسطنا له بناء ، قال شمر : قوله بناء أي نطعا ، وهو متصل بالحديث ، قال ابن الأثير : هكذا جاء تفسيره في الحديث ، ويقال له المبناة والمبناة أيضا . وقال أبو عدنان : يقال للبيت هذا بناء آخرته ، عن الهوازني ، قال : [ ص: 162 ] المبناة من أدم كهيئة القبة تجعلها المرأة في كسر بيتها فتسكن فيها ، وعسى أن يكون لها غنم فتقتصر بها دون الغنم لنفسها وثيابها ، ولها إزار في وسط البيت من داخل يكنها من الحر ومن واكف المطر فلا تبلل هي وثيابها ، أنشد ابن الأعرابي للنابغة :


على ظهره مبناة جديد سيورها     يطوف بها وسط اللطيمة بائع .



قال : المبناة قبة من أدم . وقال الأصمعي : المبناة حصير أو نطع يبسطه التاجر على بيعه ، وكانوا يجعلون الحصر على الأنطاع يطوفون بها ، وإنما سميت مبناة لأنها تتخذ من أدم يوصل بعضها ببعض ، وقال جرير :


رجعت وفودهم بتيم بعدما     خرزوا المباني في بني زدهام .



وأبنيته بيتا أي أعطيته ما يبني بيتا . والبانية من القسي : التي لصق وترها بكبدها حتى كاد ينقطع وترها في بطنها من لصوقه بها ، وهو عيب ، وهي الباناة ، طائية . غيره : وقوس بانية بنت على وترها إذا لصقت به حتى يكاد ينقطع . وقوس باناة : فجاء ، وهي التي ينتحي عنها الوتر . ورجل باناة : منحن على وتره عند الرمي . قال امرؤ القيس :


عارض زوراء من نشم     غير باناة على وتره .



وأما البائنة فهي التي بانت عن وترها ، وكلاهما عيب . والبواني : أضلاع الزور . والبواني : قوائم الناقة . وألقى بوانيه : أقام بالمكان واطمأن وثبت كألقى عصاه وألقى أرواقه ، والأرواق جمع روق البيت ، وهو رواقه . والبواني : عظام الصدر ، قال العجاج بن رؤبة :


فإن يكن أمسى شبابي قد حسر     وفترت مني البواني وفتر .



وفي حديث خالد : فلما ألقى الشام بوانيه عزلني واستعمل غيري ، أي خيره وما فيه من السعة والنعمة . قال ابن الأثير : والبواني في الأصل أضلاع الصدر ، وقيل : الأكتاف والقوائم ، الواحدة بانية . وفي حديث علي - عليه السلام - : ألقت السماء برك بوانيها ، يريد ما فيها من المطر ، وقيل في قوله ألقى الشام بوانيه ، قال : فإن ابن حبلة رواه هكذا عن أبي عبيد ، بالنون ، قبل الياء ، ولو قيل بوائنه ، الياء قبل النون ، كان جائزا . والبوائن جمع البوان ، وهو اسم كل عمود في البيت ما خلا وسط البيت الذي له ثلاث طرائق . وبنيت عن حال الركية : نحيت الرشاء عنه لئلا يقع التراب على الحافر . والباني : العروس الذي يبني على أهله ، قال الشاعر :


يلوح كأنه مصباح باني .



وبنى فلان على أهله بناء ، ولا يقال بأهله ، هذا قول أهل اللغة ، وحكى ابن جني : بنى فلان بأهله وابتنى بها عداهما جميعا ، بالباء . وقد زفها وازدفها ، قال : والعامة تقول : بنى بأهله وهو خطأ ، وليس من كلام العرب ، وكأن الأصل فيه أن الداخل بأهله كان يضرب عليها قبة ليلة دخوله ليدخل بها فيها فيقال : بنى الرجل على أهله ، فقيل لكل داخل بأهله بان ، وقد ورد بنى بأهله في شعر جران العود ; قال :


بنيت بها قبل المحاق بليلة     فكان محاقا كله ذلك الشهر .



قال ابن الأثير : وقد جاء بنى بأهله في غير موضع من الحديث وغير الحديث . وقال الجوهري : لا يقال بنى بأهله ، وعاد فاستعمله في كتابه . وفي حديث أنس : كان أول ما أنزل من الحجاب في مبتنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزينب ، الابتناء والبناء : الدخول بالزوجة ، والمبتنى ههنا يراد به الابتناء فأقامه مقام المصدر . وفي حديث علي - عليه السلام - قال : يا نبي الله متى تبنيني أي تدخلني على زوجتي ؟ قال ابن الأثير : حقيقته متى تجعلني أبتني بزوجتي . قال الشيخ أبو محمد بن بري : وجارية بناة اللحم أي مبنية اللحم ، قال الشاعر :


سبته معصر ، من حضرموت     بناة اللحم جماء العظام .



ورأيت حاشية هنا قال : بناة اللحم في هذا البيت بمعنى طيبة الريح ، أي طيبة رائحة اللحم ، قال : وهذا من أوهام الشيخ ابن بري - رحمه الله - . وقوله في الحديث : من بنى في ديار العجم يعمل نيروزهم ومهرجانهم حشر معهم ، قال أبو موسى : هكذا رواه بعضهم ، والصواب تنأ أي أقام ، وسيأتي ذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية