صفحة جزء
كذب

كذب : الكذب : نقيض الصدق ; كذب يكذب كذبا وكذبا وكذبة وكذبة : هاتان عن اللحياني ، وكذابا وكذابا ; وأنشد اللحياني :


نادت حليمة بالوداع وآذنت أهل الصفاء وودعت بكذاب



ورجل كاذب وكذاب وتكذاب وكذوب وكذوبة وكذبة ، مثال همزة ، وكذبان وكيذبان وكيذبان ومكذبان ومكذبانة وكذبذبان وكذبذب وكذبذب ; قال جريبة بن الأشيم :


فإذا سمعت بأنني قد بعتكم     بوصال غانية فقل كذبذب



قال ابن جني : أما كذبذب خفيف ، وكذبذب ثقيل ، فهاتان بناءان لم يحكهما سيبويه . قال : ونحوه ما رويته عن بعض أصحابنا ، من قول بعضهم ذرحرح ، بفتح الراءين . والأنثى : كاذبة وكذابة وكذوب . والكذب : جمع كاذب ، مثل راكع وركع ; قال أبو دواد الرؤاسي :


متى يقل تنفع الأقوام قولته     إذا اضمحل حديث الكذب الولعه
أليس أقربهم خيرا وأبعدهم     شرا ، وأسمحهم كفا لمن منعه
لا يحسد الناس فضل الله عندهم     إذا تشوه نفوس الحسد الجشعه



الولعة : جمع والع ، مثل كاتب وكتبة . والوالع : الكاذب ، والكذب جمع كذوب مثل صبور وصبر ، ومنه قرأ بعضهم : ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ) ، فجعله نعتا للألسنة . الفراء : يحكى عن العرب أن بني نمير ليس لهم مكذوبة . وكذب الرجل : أخبر بالكذب . وفي المثل : ليس لمكذوب رأي . ومن أمثالهم : المعاذر مكاذب . ومن أمثالهم : أن الكذوب قد يصدق ، وهو كقولهم : مع الخواطئ سهم صائب . اللحياني رجل تكذاب وتصداق أي يكذب ويصدق . النضر : يقال للناقة التي يضربها الفحل فتشول ، ثم ترجع حائلا : مكذب وكاذب ، وقد كذبت وكذبت . أبو عمرو : يقال للرجل يصاح به وهو ساكت يري أنه نائم : قد أكذب ، وهو الإكذاب . وقوله تعالى : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ; قراءة أهل المدينة ، وهي قراءة عائشة - رضي الله عنها - بالتشديد وضم الكاف . روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم أن يصدقوهم ، وظنت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله ، وكانت تقرؤه بالتشديد ، وهي قراءة نافع ، وابن كثير ، وأبي عمرو ، وابن عامر ; وقرأ عاصم وحمزة والكسائي : كذبوا ، بالتخفيف . وروي عن ابن عباس أنه قال : كذبوا ، بالتخفيف وضم الكاف . وقال : كانوا بشرا يعني الرسل يذهب إلى أن الرسل ضعفوا ; فظنوا أنهم قد أخلفوا . قال أبو منصور : إن صح هذا عن ابن عباس ، فوجهه عندي ، والله أعلم ، أن الرسل خطر في أوهامهم ما يخطر في أوهام البشر من غير أن حققوا تلك الخواطر ولا ركنوا إليها ، ولا كان ظنهم ظنا اطمأنوا إليه ، ولكنه كان خاطرا يغلبه اليقين . وقد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : تجاوز الله عن أمتي ما حدثت به أنفسها ، ما لم ينطق به لسان أو تعمله يد ، فهذا وجه ما روي عن ابن عباس . وقد روي عنه أيضا : أنه قرأ حتى إذا استيأس الرسل من قومهم الإجابة ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبهم الوعيد . قال أبو منصور : وهذه الرواية أسلم ، وبالظاهر أشبه ; ومما يحققها ما روي عن سعيد بن جبير أنه قال : استيأس الرسل من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا ، جاءهم نصرنا ; وسعيد أخذ التفسير عن ابن عباس . وقرأ بعضهم : وظنوا أنهم قد كذبوا أي ظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم . قال أبو منصور : وأصح الأقاويل ما روينا عن عائشة - رضي الله عنها - وبقراءتها قرأ أهل الحرمين ، وأهل البصرة ، وأهل الشام . وقوله تعالى : ليس لوقعتها كاذبة ; قال الزجاج : أي ليس يردها شيء ، كما [ ص: 38 ] تقول حملة فلان لا تكذب أي لا يرد حملته شيء . قال : وكاذبة مصدر ، كقولك : عافاه الله عافية ، وعاقبه عاقبة ، وكذلك كذب كاذبة ، وهذه أسماء وضعت مواضع المصادر كالعاقبة والعافية والباقية . وفي التنزيل العزيز : فهل ترى لهم من باقية أي بقاء . وقال الفراء : ليس لوقعتها كاذبة أي ليس لها مردود ولا رد ، فالكاذبة هاهنا ، مصدر . يقال : حمل فما كذب . وقوله تعالى : ما كذب الفؤاد ما رأى ; يقول : ما كذب فؤاد محمد ما رأى ; يقول : قد صدقه فؤاده الذي رأى . وقرئ : ما كذب الفؤاد ما رأى ، وهذا كله قول الفراء . وعن أبي الهيثم : أي لم يكذب الفؤاد رؤيته ، وما رأى بمعنى الرؤية ، كقولك : ما أنكرت ما قال زيد أي قول زيد . ويقال : كذبني فلان أي لم يصدقني فقال لي الكذب ; وأنشد للأخطل :


كذبتك عينك ، أم رأيت بواسط     غلس الظلام من الرباب خيالا ؟



معناه : أوهمتك عينك أنها رأت ، ولم تر . يقول : ما أوهمه الفؤاد أنه رأى ، ولم ير ، بل صدقه الفؤاد رؤيته . وقوله : ( ناصية كاذبة ) أي صاحبها كاذب ، فأوقع الجزء موقع الجملة . ورؤيا كذوب : كذلك ; أنشد ثعلب :


فحيت فحياها فهب فحلقت     مع النجم رؤيا في المنام كذوب



والأكذوبة : الكذب . والكاذبة : اسم للمصدر ، كالعافية . ويقال : لا مكذبة ، ولا كذبى ولا كذبان أي لا أكذبك . وكذب الرجل تكذيبا ، وكذابا : جعله كاذبا ، وقال له : كذبت ، وكذلك كذب بالأمر تكذيبا وكذابا . وفي التنزيل العزيز : وكذبوا بآياتنا كذابا . وفيه : لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا أي كذبا ، عن اللحياني : قال الفراء : خففهما علي بن أبي طالب - عليه السلام - جميعا وثقلهما عاصم ، وأهل المدينة ، وهي لغة يمانية فصيحة . يقولون : كذبت به كذابا ، وخرقت القميص خراقا . وكل فعلت فمصدره فعال ، في لغتهم ، مشددة . قال : وقال لي أعرابيا مرة على المروة يستفتيني : ألحلق أحب إليك أم القصار ؟ وأنشدني بعض بني كليب :


لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي     وعن حوج قضاؤها من شفائيا



وقال الفراء : كان الكسائي يخفف ( لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ) لأنها مقيدة بفعل يصيرها مصدرا ، ويشدد : ( وكذبوا بآياتنا كذابا ) لأن كذبوا يقيد الكذاب . قال : والذي قال حسن ، ومعناه : لا يسمعون فيها لغوا أي باطلا ، ولا كذابا أي لا يكذب بعضهم بعضا ، غيره . ويقال للكذب : كذاب ، ومنه قوله تعالى : لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا أي كذبا ; وأنشد أبو العباس قول أبي دواد :


قلت لما نصلا من قنة :     كذب العير ، وإن كان برح



قال معناه : كذب العير أن ينجو مني أي طريق أخذ ، سانحا أو بارحا ; قال : وقال الفراء هذا إغراء أيضا . وقال اللحياني ، قال الكسائي : أهل اليمن يجعلون مصدر فعلت فعالا ، وغيرهم من العرب تفعيلا . قال الجوهري : كذابا أحد مصادر المشدد ، لأن مصدره قد يجيء على التفعيل مثل التكليم ، وعلى فعال مثل كذاب ، وعلى تفعلة مثل توصية ، وعلى مفعل مثل : ( ومزقناهم كل ممزق ) . والتكاذب مثل التصادق . وتكذبوا عليه : زعموا أنه كاذب ; قال أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه :


رسول أتاهم صادق فتكذبوا     عليه ، وقالوا : لست فينا بماكث



وتكذب فلان إذا تكلف الكذب . وأكذبه : ألفاه كاذبا ، أو قال له : كذبت . وفي التنزيل العزيز : فإنهم لا يكذبونك ، قرئت بالتخفيف والتثقيل . وقال الفراء : وقرئ لا يكذبونك ، قال : ومعنى التخفيف - والله أعلم - لا يجعلونك كذابا ، وأن ما جئت به باطل ، لأنهم لم يجربوا عليه كذبا فيكذبوه ، إنما أكذبوه أي قالوا : إن ما جئت به كذب ، لا يعرفونه من النبوة . قال : والتكذيب أن يقال : كذبت . وقال الزجاج : معنى كذبته ، قلت له : كذبت ، ومعنى أكذبته أريته أن ما أتى به كذب . قال : وتفسير قوله لا يكذبونك ، لا يقدرون أن يقولوا لك فيما أنبأت به مما في كتبهم : كذبت . قال : ووجه آخر لا يكذبونك بقلوبهم ، أي يعلمون أنك صادق ; قال : وجائز أن يكون فإنهم لا يكذبونك أي أنت عندهم صدوق ، ولكنهم جحدوا بألسنتهم ، ما تشهد قلوبهم بكذبهم فيه . وقال الفراء في قوله تعالى : فما يكذبك بعد بالدين ; يقول فما الذي يكذبك بأن الناس يدانون بأعمالهم ، كأنه قال : فمن يقدر على تكذيبنا بالثواب والعقاب ، بعدما تبين له خلقنا للإنسان على ما وصفنا لك ؟ وقيل : قوله تعالى : فما يكذبك بعد بالدين ; أي ما يجعلك مكذبا ، وأي شيء يجعلك مكذبا بالدين أي بالقيامة ؟ وفي التنزيل العزيز : وجاءوا على قميصه بدم كذب . روي في التفسير أن إخوة يوسف لما طرحوه في الجب ، أخذوا قميصه ، وذبحوا جديا ، فلطخوا القميص بدم الجدي ، فلما رأى يعقوب - عليه السلام - القميص ، قال : كذبتم لو أكله الذئب لمزق قميصه . وقال الفراء في قوله تعالى : بدم كذب ، معناه مكذوب . قال : والعرب تقول للكذب : مكذوب وللضعف : مضعوف ، وللجلد : مجلود ، وليس له معقود رأي ، يريدون عقد رأي ، فيجعلون المصادر في كثير من الكلام مفعولا . وحكي عن أبي ثروان أنه قال : إن بني نمير ليس لحدهم مكذوبة أي كذب . قال الأخفش : بدم كذب ، جعل الدم كذبا ، لأنه كذب فيه ، كما قال سبحانه : فما ربحت تجارتهم . وقال أبو العباس : هذا مصدر في معنى مفعول ، أراد بدم مكذوب . وقال الزجاج : بدم كذب أي ذي كذب ; والمعنى : دم مكذوب فيه . وقرئ بدم كدب ، بالدال المهملة ، وقد تقدم في ترجمة كدب . ابن الأنباري في قوله تعالى : فإنهم لا يكذبونك ، قال : سأل سائل كيف خبر عنهم أنهم لا يكذبون النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد كانوا يظهرون تكذيبه ويخفونه ؟ قال : فيه ثلاثة أقوال : أحدها فإنهم لا يكذبونك بقلوبهم ، بل يكذبونك بألسنتهم ; والثاني قراءة نافع والكسائي . [ ص: 39 ] ورويت عن علي - عليه السلام - فإنهم لا يكذبونك ، بضم الياء ، وتسكين الكاف ، على معنى لا يكذبون الذي جئت به ، إنما يجحدون بآيات الله ويتعرضون لعقوبته . وكان الكسائي يحتج لهذه القراءة ، بأن العرب تقول : كذبت الرجل إذا نسبته إلى الكذب ; وأكذبته إذا أخبرت أن الذي يحدث به كذب ; قال ابن الأنباري : ويمكن أن يكون : فإنهم لا يكذبونك ، بمعنى لا يجدونك كذابا ، عند البحث والتدبر والتفتيش . والثالث أنهم لا يكذبونك فيما يجدونه موافقا في كتابهم ؛ لأن ذلك من أعظم الحجج عليهم . الكسائي : أكذبته إذا أخبرت أنه جاء بالكذب ، ورواه : وكذبته إذا أخبرت أنه كاذب ; وقال ثعلب : أكذبه وكذبه بمعنى ; وقد يكون أكذبه بمعنى بين كذبه ، أو حمله على الكذب ، وبمعنى وجده كاذبا . وكاذبته مكاذبة وكذابا : كذبته وكذبني ; وقد يستعمل الكذب في غير الإنسان ، قالوا : كذب البرق ، والحلم ، والظن ، والرجاء ، والطمع ; وكذبت العين : خانها حسها . وكذب الرأي : توهم الأمر بخلاف ما هو به . وكذبته نفسه : منته بغير الحق . والكذوب : النفس ، لذلك قال :


إني وإن منتني الكذوب     لعالم أن أجلي قريب



أبو زيد : الكذوب والكذوبة : من أسماء النفس . ابن الأعرابي : المكذوبة من النساء الضعيفة . والمكذوبة : المرأة الصالحة . ابن الأعرابي : تقول العرب للكذاب : فلان لا يؤالف خيلاه ، ولا يساير خيلاه كذبا ; أبو الهيثم ، أنه قال في قول لبيد :


أكذب النفس إذا حدثتها



يقول : من نفسك العيش الطويل ، لتأمل الآمال البعيدة ، فتجد في الطلب ، لأنك إذا صدقتها ، فقلت : لعلك تموتين اليوم أو غدا ، قصر أملها ، وضعف طلبها ; ثم قال :


غير أن لا تكذبنها في التقى



أي لا تسوف بالتوبة ، وتصر على المعصية . وكذبته عفاقته ، وهي استه ونحوه كثير . وكذب عنه : رد ، وأراد أمرا ، ثم كذب عنه أي أحجم . وكذب الوحشي وكذب : جرى شوطا ، ثم وقف لينظر ما وراءه . وما كذب أن فعل ذلك تكذيبا أي ما كع ولا لبث . وحمل عليه فما كذب بالتشديد ، أي ما انثنى ، وما جبن ، وما رجع ; وكذلك حمل فما هلل وحمل ثم كذب أي لم يصدق الحملة ; قال زهير :


ليث بعثر يصطاد الرجال ، إذا     ما الليث كذب عن أقرانه صدقا



وفي حديث الزبير : أنه حمل يوم اليرموك على الروم ، وقال للمسلمين : إن شددت عليهم فلا تكذبوا أي لا تجبنوا وتولوا . قال شمر : يقال للرجل إذا حمل ثم ولى ولم يمض : قد كذب عن قرنه تكذيبا ، وأنشد بيت زهير . والتكذيب في القتال : ضد الصدق فيه . يقال : صدق القتال إذا بذل فيه الجد . وكذب إذا جبن ; وحملة كاذبة ، كما قالوا في ضدها : صادقة ، وهي المصدوقة والمكذوبة في الحملة . وفي الحديث : صدق الله وكذب بطن أخيك ; استعمل الكذب هاهنا مجازا ، حيث هو ضد الصدق ، والكذب يختص بالأقوال ، فجعل بطن أخيه حيث لم ينجع فيه العسل كذبا ؛ لأن الله قال : فيه شفاء للناس . وفي حديث صلاة الوتر : كذب أبو محمد أي أخطأ ; سماه كذبا ؛ لأنه يشبهه في كونه ضد الصواب ، كما أن الكذب ضد الصدق ، وإن افترقا من حيث النية والقصد ؛ لأن الكاذب يعلم أن ما يقوله كذب ، والمخطئ لا يعلم ، وهذا الرجل ليس بمخبر ، وإنما قاله باجتهاد أداه إلى أن الوتر واجب ، والاجتهاد لا يدخله الكذب ، وإنما يدخله الخطأ ; و أبو محمد صحابي ، واسمه مسعود بن زيد ; وقد استعملت العرب الكذب في موضع الخطإ ، وأنشد بيت الأخطل :


كذبتك عينك أم رأيت بواسط



وقال ذو الرمة :


وما في سمعه كذب



وفي حديث عروة ، قيل له : إن ابن عباس يقول إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبث بمكة بضع عشرة سنة ، فقال : كذب ، أي أخطأ . ومنه قول عمران لسمرة حين قال : المغمى عليه يصلي مع كل صلاة صلاة حتى يقضيها ، فقال : كذبت ولكنه يصليهن معا ، أي أخطأت . وفي الحديث : لا يصلح الكذب إلا في ثلاث قيل : أراد به معاريض الكلام الذي هو كذب من حيث يظنه السامع ، وصدق من حيث يقول القائل ، كقوله : إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ، وكالحديث الآخر : أنه كان إذا أراد سفرا ورى بغيره . وكذب عليكم الحج ، والحج ; من رفع ، جعل كذب بمعنى وجب ، ومن نصب ، فعلى الإغراء ، ولا يصرف منه آت ، ولا مصدر ، ولا اسم فاعل ، ولا مفعول ، وله تعليل دقيق ، ومعان غامضة تجيء في الأشعار . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : كذب عليكم الحج ، كذب عليكم العمرة ، كذب عليكم الجهاد ، ثلاثة أسفار كذبن عليكم ، قال ابن السكيت : كأن كذبن ، هاهنا ، إغراء أي عليكم بهذه الأشياء الثلاثة . قال : وكان وجهه النصب على الإغراء ، ولكنه جاء شاذا مرفوعا ; وقيل معناه : وجب عليكم الحج ; وقيل معناه : الحث والحض . يقول : إن الحج ظن بكم حرصا عليه ، ورغبة فيه ، فكذب ظنه لقلة رغبتكم فيه . وقال الزمخشري : معنى كذب عليكم الحج على كلامين : كأنه قال كذب الحج عليك الحج ; أي ليرغبك الحج ; هو واجب عليك فأضمر الأول لدلالة الثاني عليه ومن نصب الحج ، فقد جعل عليك اسم فعل ، وفي كذب ضمير الحج ، وهي كلمة نادرة جاءت على غير القياس . وقيل : كذب عليك الحج أي وجب عليكم الحج . وهو في الأصل ، إنما هو : إن قيل لا حج ، فهو كذب ; ابن شميل : كذبك الحج أي أمكنك فحج ، وكذبك الصيد أي أمكنك فارمه ; قال : ورفع الحج بكذب معناه نصب ، لأنه يريد أن يأمر بالحج ، كما يقال أمكنك الصيد ، يريد ارمه ; قال عنترة يخاطب زوجته :


كذب العتيق ، وماء شن بارد     إن كنت سائلتي غبوقا ، فاذهبي !



[ ص: 40 ] يقول لها : عليك بأكل العتيق ، وهو التمر اليابس ، وشرب الماء البارد ولا تتعرضي لغبوق اللبن ، وهو شربه عشيا ؛ لأن اللبن خصصت به مهري الذي أنتفع به ويسلمني وإياك من أعدائي . وفي حديث عمر : شكا إليه عمرو بن معديكرب أو غيره النقرس ، فقال : كذبتك الظهائر أي عليك بالمشي فيها والظهائر جمع ظهيرة ، وهي شدة الحر . وفي رواية : كذب عليك الظواهر ، جمع ظاهرة وهي ما ظهر من الأرض وارتفع . وفي حديث له آخر : إن عمرو بن معديكرب شكا إليه المعص ، فقال : كذب عليك العسل ، يريد العسلان ، وهو مشي الذئب ، أي عليك بسرعة المشي ، والمعص ، بالعين المهملة ، التواء في عصب الرجل ، ومنه حديث علي - عليه السلام - : كذبتك الحارقة ، أي عليك بمثلها ; والحارقة : المرأة التي تغلبها شهوتها ، وقيل : الضيقة الفرج . قال أبو عبيد : قال الأصمعي معنى كذب عليكم ، معنى الإغراء ، أي عليكم به وكأن الأصل في هذا أن يكون نصبا ، ولكنه جاء عنهم بالرفع شاذا ، على غير قياس ; قال : ومما يحقق ذلك أنه مرفوع قول الشاعر :


كذبت عليك لا تزال تقوفني     كما قاف ، آثار الوسيقة قائف



فقوله : كذبت عليك إنما أغراه بنفسه ، أي عليك بي فجعل نفسه في موضع رفع ، ألا تراه قد جاء بالتاء فجعلها اسمه ؟ قال معقر بن حمار البارقي :


وذبيانية أوصت بنيها     بأن كذب القراطف والقروف



قال أبو عبيد : ولم أسمع في هذا حرفا منصوبا إلا في شيء كان أبو عبيدة يحكيه عن أعرابي نظر إلى ناقة نضو لرجل ، فقال : كذب عليك البزر والنوى ; وقال أبو سعيد الضرير في قوله :


كذبت عليك لا تزال تقوفني



أي ظننت بك أنك لا تنام عن وتري ، فكذبت عليكم ; فأذله بهذا الشعر ، وأخمل ذكره ; وقال في قوله :


بأن كذب القراطف والقروف



قال : القراطف أكسية حمر ، وهذه امرأة كان لها بنون يركبون في شارة حسنة ، وهم فقراء لا يملكون وراء ذلك شيئا ، فساء ذلك أمهم لأن رأتهم فقراء ، فقالت : كذب القراطف أي إن زينتهم هذه كاذبة ، ليس وراءها عندهم شيء . ابن السكيت : تقول للرجل إذا أمرته بشيء وأغريته : كذب عليك كذا وكذا أي عليك به ، وهي كلمة نادرة ; قال وأنشدني ابن الأعراب لخداش بن زهير :


كذبت عليكم أوعدوني وعللوا     بي الأرض والأقوام قردان موظب



أي عليكم بي وبهجائي إذا كنتم في سفر ، واقطعوا بذكري الأرض ، وأنشدوا القوم هجائي يا قردان موظب . وكذب لبن الناقة أي ذهب ، هذه عن اللحياني . وكذب البعير في سيره إذا ساء سيره ; قال الأعشى :


جمالية تغتلي بالرداف     إذا كذب الآثمات الهجيرا



ابن الأثير في الحديث : الحجامة على الريق فيها شفاء وبركة ، فمن احتجم فيوم الأحد والخميس كذباك أو يوم الاثنين والثلاثاء ; معنى كذباك ، أي عليك بهما ، يعني اليومين المذكورين . قال الزمخشري : هذه كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم ، فلذلك لم تصرف ولزمت طريقة واحدة في كونها فعلا ماضيا معلقا بالمخاطب وحده ، وهي في معنى الأمر كقولهم في الدعاء : رحمك الله أي ليرحمك الله . قال : والمراد بالكذب الترغيب والبعث ، من قول العرب : كذبته نفسه إذا منته الأماني ، وخيلت إليه من الآمال ما لا يكاد يكون ، وذلك مما يرغب الرجل في الأمور ويبعثه على التعرض لها ; ويقولون في عكسه صدقته نفسه ، وخيلت إليه العجز والنكد في الطلب . ومن ثم قالوا للنفس : الكذوب . فمعنى قوله : كذباك أي ليكذباك ولينشطاك ويبعثاك على الفعل ; قال ابن الأثير : وقد أطنب فيه الزمخشري وأطال ، وكان هذا خلاصة قوله ; وقال ابن السكيت : كأن كذب ، هاهنا ، إغراء أي عليك بهذا الأمر ، وهي كلمة نادرة جاءت على غير القياس . يقال : كذب عليك أي وجب عليك . والكذابة : ثوب يصبغ بألوان ينقش كأنه موشي . وفي حديث المسعودي : رأيت في بيت القاسم كذابتين في السقف ; الكذابة : ثوب يصور ويلزق بسقف البيت ، سميت به ؛ لأنها توهم أنها في السقف ، وإنما هي في الثوب دونه . والكذاب : اسم لبعض رجاز العرب . والكذابان : مسيلمة الحنفي والأسود العنسي .

التالي السابق


الخدمات العلمية