صفحة جزء
كلم

كلم : القرآن كلام الله وكلم الله وكلماته وكلمته ، وكلام الله لا يحد ولا يعد ، وهو غير مخلوق ، تعالى الله عما يقول المفترون علوا كبيرا . وفي الحديث : أعوذ بكلمات الله التامات قيل : هي القرآن ؛ قال ابن الأثير : إنما وصف كلامه بالتمام لأنه لا يجوز أن يكون في شيء من كلامه نقص أو عيب كما يكون في كلام الناس ، وقيل : [ ص: 105 ] معنى التمام ها هنا أنها تنفع المتعوذ بها وتحفظه من الآفات وتكفيه . وفي الحديث : سبحان الله عدد كلماته كلمات الله أي كلامه ، وهو صفته وصفاته لا تنحصر بالعدد ، فذكر العدد ها هنا مجاز بمعنى المبالغة في الكثرة ، وقيل : يحتمل أن يريد عدد الأذكار أو عدد الأجور على ذلك ، ونصب عدد على المصدر ؛ وفي حديث النساء : استحللتم فروجهن بكلمة الله هي قوله تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقيل : هي إباحة الله الزواج وإذنه فيه . ابن سيده : الكلام القول ، معروف ، وقيل : الكلام ما كان مكتفيا بنفسه وهو الجملة ، والقول ما لم يكن مكتفيا بنفسه ، وهو الجزء من الجملة ؛ قال سيبويه : اعلم أن قلت إنما وقعت في الكلام على أن يحكى بها ما كان كلاما لا قولا ، ومن أدل الدليل على الفرق بين الكلام والقول إجماع الناس على أن يقولوا القرآن كلام الله ولا يقولوا القرآن قول الله ، وذلك أن هذا موضع ضيق متحجر لا يمكن تحريفه ولا يسوغ تبديل شيء من حروفه ، فعبر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون إلا أصواتا تامة مفيدة ؛ قال أبو الحسن : ثم إنهم قد يتوسعون فيضعون كل واحد منهما موضع الآخر ؛ ومما يدل على أن الكلام هو الجمل المتركبة في الحقيقة قول كثير :


لو يسمعون كما سمعت كلامها خروا لعزة ركعا وسجودا



فمعلوم أن الكلمة الواحدة لا تشجي ولا تحزن ولا تتملك قلب السامع ، وإنما ذلك فيما طال من الكلام وأمتع سامعيه لعذوبة مستمعه ورقة حواشيه ، وقد قال سيبويه : هذا باب أقل ما يكون عليه الكلم ، فذكر هنالك حرف العطف وفاءه ولام الابتداء وهمزة الاستفهام وغير ذلك مما هو على حرف واحد ، وسمى كل واحدة من ذلك كلمة . الجوهري : الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير ، والكلم لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأنه جمع كلمة مثل نبقة ونبق ، ولهذا قال سيبويه : هذا باب علم ما الكلم من العربية ، ولم يقل ما الكلام لأنه أراد نفس ثلاثة أشياء : الاسم والفعل والحرف ، فجاء بما لا يكون إلا جمعا وترك ما يمكن أن يقع على الواحد والجماعة ، وتميم تقول : هي كلمة ، بكسر الكاف ، وحكى الفراء فيها ثلاث لغات : كلمة وكلمة وكلمة ، مثل كبد وكبد وكبد ، وورق وورق وورق ، وقد يستعمل الكلام في غير الإنسان ؛ قال :


فصبحت والطير لم تكلم     جابية حفت بسيل مفعم



وكأن الكلام في هذا الاتساع إنما هو محمول على القول ، ألا ترى إلى قلة الكلام هنا وكثرة القول ؟ والكلمة : لغة تميمية ، والكلمة : اللفظة ، حجازية ، وجمعها كلم ، تذكر وتؤنث . يقال : هو الكلم وهي الكلم . التهذيب : والجمع في لغة تميم الكلم ؛ قال رؤبة :


لا يسمع الركب به رجع الكلم



وقول سيبويه : هذا باب الوقف في أواخر الكلم المتحركة في الوصل ، يجوز أن تكون المتحركة من نعت الكلم فتكون الكلم حينئذ مؤنثة ، ويجوز أن تكون من نعت الأواخر ، فإذا كان ذلك فليس في كلام سيبويه هنا دليل على تأنيث الكلم بل يحتمل الأمرين جميعا ؛ فأما قول مزاحم العقيلي :


لظل رهينا خاشع الطرف حطه     تحلب جدوى والكلام الطرائف



فوصفه بالجمع ، فإنما ذلك وصف على المعنى كما حكى أبو الحسن عنهم من قولهم : ذهب به الدينار الحمر والدرهم البيض ؛ وكما قال :


تراها الضبع أعظمهن رأسا



فأعاد الضمير على معنى الجنسية لا على لفظ الواحد ، لما كانت الضبع هنا جنسا ، وهي الكلمة ، تميمية وجمعها كلم ، ولم يقولوا كلما على اطراد فعل في جمع فعلة . وأما ابن جني فقال : بنو تميم يقولون كلمة وكلم ككسرة وكسر . وقوله تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات قال ثعلب : هي الخصال العشر التي في البدن والرأس . وقوله تعالى : فتلقى آدم من ربه كلمات قال أبو إسحاق : الكلمات ، والله أعلم ، اعتراف آدم وحواء بالذنب لأنهما قالا ربنا ظلمنا أنفسنا . قال أبو منصور : والكلمة تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء ، وتقع على لفظة مؤلفة من جماعة حروف ذات معنى ، وتقع على قصيدة بكمالها وخطبة بأسرها . يقال : قال الشاعر في كلمته أي في قصيدته . قال الجوهري : الكلمة القصيدة بطولها . وتكلم الرجل تكلما وتكلاما وكلمه كلاما ، جاءوا به على موازنة الأفعال ، وكالمه : ناطقه . وكليمك : الذي يكالمك . وفي التهذيب : الذي تكلمه ويكلمك . يقال : كلمته تكليما وكلاما مثل كذبته تكذيبا وكذابا . وتكلمت كلمة وبكلمة . وما أجد متكلما ، بفتح اللام ، أي موضع كلام . وكالمته إذا حادثته ، وتكالمنا بعد التهاجر . ويقال : كانا متصارمين فأصبحا يتكالمان ولا تقل يتكلمان . ابن سيده : تكالم المتقاطعان كلم كل واحد منهما صاحبه ، ولا يقال تكلما . وقال أحمد بن يحيى في قوله تعالى : وكلم الله موسى تكليما ، لو جاءت كلم الله موسى مجردة لاحتمل ما قلنا وما قالوا يعني المعتزلة ، فلما جاء " تكليما " خرج الشك الذي كان يدخل في الكلام ، وخرج الاحتمال للشيئين ، والعرب تقول إذا وكد الكلام لم يجز أن يكون التوكيد لغوا ، والتوكيد بالمصدر دخل لإخراج الشك . وقوله تعالى : وجعلها كلمة باقية في عقبه قال الزجاج : عنى بالكلمة هنا كلمة التوحيد ، وهي لا إله إلا الله ، جعلها باقية في عقب إبراهيم لا يزال من ولده من يوحد الله عز وجل . ورجل تكلام وتكلامة وتكلامة وكلماني : جيد الكلام فصيح حسن الكلام منطيق . وقال ثعلب : رجل كلماني كثير الكلام ، فعبر عنه بالكثرة ، قال : والأنثى كلمانية ، قال : ولا نظير لكلماني ، ولا لتكلامة . قال أبو الحسن : وله عندي نظير وهو قولهم رجل تلقاعة كثير الكلام . والكلم : الجرح ، والجمع كلوم وكلام ؛ أنشد ابن الأعرابي :


يشكو إذا شد له حزامه     شكوى سليم ذربت كلامه



سمى موضع نهشة الحية من السليم كلما ، وإنما حقيقته الجرح ، وقد [ ص: 106 ] يكون السليم هنا الجريح ، فإذا كان كذلك فالكلم هنا أصل لا مستعار . وكلمه يكلمه كلما وكلمه كلما : جرحه ، وأنا كالم ورجل مكلوم وكليم ؛ قال :


عليها الشيخ كالأسد الكليم



والكليم فالجر على قولك عليها الشيخ كالأسد الكليم إذا جرح فحمي أنفا ، والرفع على قولك عليها الشيخ الكليم كالأسد ، والجمع كلمى . وقوله تعالى : أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم قرئت : تكلمهم وتكلمهم ، فتكلمهم : تجرحهم وتسمهم ، وتكلمهم : من الكلام ، وقيل : تكلمهم وتكلمهم سواء كما تقول تجرحهم وتجرحهم ، قال الفراء : اجتمع القراء على تشديد تكلمهم وهو من الكلام ، وقال أبو حاتم : قرأ بعضهم تكلمهم وفسر تجرحهم ، والكلام : الجراح ، وكذلك إن شدد تكلمهم فذلك المعنى تجرحهم ، وفسر فقيل : تسمهم في وجوههم ، تسم المؤمن بنقطة بيضاء فيبيض وجهه ، وتسم الكافر بنقطة سوداء فيسود وجهه . والتكليم : التجريح ؛ قال عنترة :

إذ لا أزال على رحالة سابح     نهد تعاوره الكماة ، مكلم



وفي الحديث : ذهب الأولون لم تكلمهم الدنيا من حسناتهم شيئا أي : لم تؤثر فيهم ولم تقدح في أديانهم ، وأصل الكلم الجرح . وفي الحديث : إنا نقوم على المرضى ونداوي الكلمى ؛ جمع كليم وهو الجريح ، فعيل بمعنى مفعول ، وقد تكرر ذكره اسما وفعلا مفردا ومجموعا . وفي التهذيب في ترجمة مسح في قوله عز وجل : بكلمة منه اسمه المسيح قال أبو منصور : سمى الله ابتداء أمره كلمة لأنه ألقى إليها الكلمة ثم كون الكلمة بشرا ، ومعنى الكلمة معنى الولد ، والمعنى يبشرك بولد اسمه المسيح ؛ وقال الجوهري : وعيسى - عليه السلام - كلمة الله لأنه لما انتفع به في الدين كما انتفع بكلامه سمي به كما يقال فلان سيف الله وأسد الله . والكلام : أرض غليظة صليبة أو طين يابس ، قال ابن دريد : ولا أدري ما صحته ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية