صفحة جزء
كلا

كلا : ابن سيده : كلا كلمة مصوغة للدلالة على اثنين ، كما أن كلا مصوغة للدلالة على الجمع ، قال سيبويه : وليست كلا من لفظ كل ، كل صحيحة وكلا معتلة . ويقال للأنثيين كلتا وبهذه التاء حكم على أن ألف كلا منقلبة عن واو ؛ لأن بدل التاء من الواو أكثر من بدلها من الياء ، قال : وأما قول سيبويه جعلوا كلا كمعى ، فإنه لم يرد أن ألف كلا منقلبة عن ياء كما أن ألف معى منقلبة عن ياء ، بدليل قولهم معيان ، وإنما أراد سيبويه أن ألف كلا كألف معى في اللفظ ، لا أن الذي انقلبت عليه ألفاهما واحد ، فافهم ، وما توفيقنا إلا بالله ، وليس لك في إمالتها دليل على أنها من الياء لأنهم قد يميلون بنات الواو أيضا ، وإن كان أوله مفتوحا كالمكا والعشا ، فإذا كان ذلك مع الفتحة كما ترى فإمالتها مع الكسرة في كلا أولى ، قال : وأما تمثيل صاحب الكتاب لها بشروى ، وهي من شريت ، فلا يدل على أنها عنده من الياء دون الواو ، ولا من الواو دون الياء ؛ لأنه إنما أراد البدل حسب فمثل بما لامه من الأسماء من ذوات الياء ، مبدلة أبدا نحو الشروى والفتوى . قال ابن جني : أما كلتا فذهب سيبويه إلى أنها فعلى بمنزلة الذكرى والحفرى ، قال : وأصلها كلوا فأبدلت الواو تاء كما أبدلت في أخت وبنت ، والذي يدل على أن لام كلتا معتلة قولهم في مذكرها كلا ، وكلا فعل ولامه معتلة بمنزلة لام حجا ورضا ، وهما من الواو لقولهم حجا يحجو والرضوان ، ولذلك مثلها سيبويه بما اعتلت لامه فقال هي بمنزلة شروى ، وأما أبو عمر الجرمي فذهب إلى أنها فعتل ، وأن التاء فيها علم تأنيثها وخالف سيبويه ، ويشهد بفساد هذا القول أن التاء لا تكون علامة تأنيث الواحد إلا وقبلها فتحة نحو طلحة وحمزة وقائمة وقاعدة ، أو أن يكون قبلها ألف نحو سعلاة وعزهاة ، واللام في كلتا ساكنة كما ترى ، فهذا وجه ، ووجه آخر أن علامة التأنيث لا تكون أبدا وسطا ، إنما تكون آخرا لا محالة ، قال : وكلتا اسم مفرد يفيد معنى التثنية بإجماع من البصريين ، فلا يجوز أن يكون علامة تأنيثه التاء وما قبلها ساكن ، وأيضا فإن فعتلا مثال لا يوجد في الكلام أصلا فيحمل هذا عليه ، قال : وإن سميت بكلتا رجلا لم تصرفه في قول سيبويه معرفة ولا نكرة ؛ لأن ألفها للتأنيث بمنزلتها في ذكرى ، وتصرفه نكرة في قول أبي عمر لأن أقصى أحواله عنده أن يكون كقائمة وقاعدة وعزة وحمزة ، ولا تنفصل كلا ولا كلتا من الإضافة . وقال ابن الأنباري : من العرب من يميل ألف كلتا ومنهم من لا يميلها ، فمن أبطل إمالتها قال ألفها ألف تثنية كألف غلاما وذوا ، وواحد كلتا كلت ، وألف التثنية لا تمال ، ومن وقف على كلتا بالإمالة فقال كلتا اسم واحد عبر عن التثنية ، وهو بمنزلة شعرى وذكرى . وروى الأزهري عن المنذري عن أبي الهيثم أنه قال : العرب إذا أضافت كلا إلى اثنين لينت لامها وجعلت معها ألف التثنية ، ثم سوت بينهما في الرفع والنصب والخفض فجعلت إعرابها بالألف وأضافتها إلى اثنين وأخبرت عن واحد ، فقالت : كلا أخويك كان قائما ولم يقولوا كانا قائمين ، وكلا عميك كان فقيها ، وكلتا المرأتين كانت جميلة ، ولا يقولون كانتا جميلتين . قال الله عز وجل : كلتا الجنتين آتت أكلها ولم يقل آتتا . ويقال : مررت بكلا الرجلين ، وجاءني كلا الرجلين ، فاستوى في كلا إذا أضفتها إلى ظاهرين الرفع والنصب والخفض ، فإذا كنوا عن مخفوضها أجروها بما يصيبها من الإعراب فقالوا أخواك مررت بكليهما ، فجعلوا نصبها وخفضها بالياء ، وقالوا [ ص: 107 ] أخواي جاءاني كلاهما فجعلوا رفع الاثنين بالألف ، وقال الأعشى في موضع الرفع :


كلا أبويكم كان فرعا دعامة



يريد : كل واحد منهما كان فرعا ؛ وكذلك قال لبيد :


فغدت كلا الفرجين تحسب أنه     مولى المخافة خلفها وأمامها



غدت : يعني بقرة وحشية ، كلا الفرجين : أراد كلا فرجيها ، فأقام الألف واللام مقام الكناية ، ثم قال تحسب ، يعني البقرة ، أنه ولم يقل أنهما مولى المخافة أي ولي مخافتها ، ثم ترجم عن كلا الفرجين فقال خلفها وأمامها ، وكذلك تقول : كلا الرجلين قائم وكلتا المرأتين قائمة ؛ وأنشد :


كلا الرجلين أفاك أثيم



وقد ذكرنا تفسير كل في موضعه . الجوهري : كلا في تأكيد الاثنين نظير كل في المجموع ، وهو اسم مفرد غير مثنى ، فإذا ولي اسما ظاهرا كان في الرفع والنصب والخفض على حالة واحدة بالألف ، تقول : رأيت كلا الرجلين ، وجاءني كلا الرجلين ، ومررت بكلا الرجلين ، فإذا اتصل بمضمر قلبت الألف ياء في موضع الجر والنصب ، فقلت : رأيت كليهما ومررت بكليهما ، كما تقول عليهما ، وتبقى في الرفع على حالها ؛ وقال الفراء : هو مثنى مأخوذ من كل فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية ، وكذلك كلتا للمؤنث ، ولا يكونان إلا مضافين ولا يتكلم منهما بواحد ، ولو تكلم به لقيل كل وكلت وكلان وكلتان ؛ واحتج بقول الشاعر :


في كلت رجليها سلامى واحده     كلتاهما مقرونة بزائده



أراد : في إحدى رجليها ، فأفرد ، قال : وهذا القول ضعيف عند أهل البصرة ؛ لأنه لو كان مثنى لوجب أن تنقلب ألفه في النصب والجر ياء مع الاسم الظاهر ، ولأن معنى كلا مخالف لمعنى كل ؛ لأن كلا للإحاطة وكلا يدل على شيء مخصوص ، وأما هذا الشاعر فإنما حذف الألف للضرورة وقدر أنها زائدة ، وما يكون ضرورة لا يجوز أن يجعل حجة ، فثبت أنه اسم مفرد كمعى إلا أنه وضع ليدل على التثنية ، كما أن قولهم نحن اسم مفرد يدل على الاثنين فما فوقهما ؛ يدل على ذلك قول جرير :


كلا يومي أمامة يوم صد     وإن لم نأتها إلا لماما



قال : أنشدنيه أبو علي ، قال : فإن قال قائل فلم صار كلا بالياء في النصب والجر مع المضمر ولزمت الألف مع المظهر كما لزمت في الرفع مع المضمر ؟ قيل له : من حقها أن تكون بالألف على كل حال مثل عصا ومعى ، إلا أنها لما كانت لا تنفك من الإضافة شبهت بعلى ولدى ، فجعلت بالياء مع المضمر في النصب والجر ؛ لأن على لا تقع إلا منصوبة أو مجرورة ولا تستعمل مرفوعة ، فبقيت كلا في الرفع على أصلها مع المضمر ؛ لأنها لم تشبه بعلى في هذه الحال ، قال : وأما كلتا التي للتأنيث فإن سيبويه يقول ألفها للتأنيث والتاء بدل من لام الفعل ، وهي واو والأصل كلوا ، وإنما أبدلت تاء لأن في التاء علم التأنيث ، والألف في كلتا قد تصير ياء مع المضمر فتخرج عن علم التأنيث ، فصار في إبدال الواو تاء تأكيد للتأنيث . قال : وقال أبو عمر الجرمي : التاء ملحقة والألف لام الفعل ، وتقديرها عنده فعتل ، ولو كان الأمر كما زعم لقالوا في النسبة إليها كلتوي ، فلما قالوا كلوي وأسقطوا التاء دل أنهم أجروها مجرى التاء التي في أخت التي إذا نسبت إليها قلت أخوي ؛ قال ابن بري في هذا الموضع : كلوي قياس من النحويين إذا سميت بها رجلا ، وليس ذلك مسموعا فيحتج به على الجرمي . الأزهري في ترجمة كلأ عند قوله تعالى : قل من يكلؤكم بالليل والنهار ، قال الفراء : هي مهموزة ولو تركت همزة مثله في غير القرآن قلت يكلوكم ، بواو ساكنة ، ويكلاكم ، بألف ساكنة ، مثل يخشاكم ، ومن جعلها واوا ساكنة قال كلات ، بألف ، يترك النبرة منها ، ومن قال يكلاكم قال كليت مثل قضيت ، وهي من لغة قريش ، وكل حسن ، إلا أنهم يقولون في الوجهين مكلوة ومكلو أكثر مما يقولون مكلي ، قال : ولو قيل مكلي في الذين يقولون كليت كان صوابا ؛ قال : وسمعت بعض العرب ينشد :


ما خاصم الأقوام من ذي خصومة     كورهاء مشني ، إليها ، حليلها



فبنى على شنيت بترك النبرة . أبو نصر : كلى فلان يكلي تكلية ، وهو أن يأتي مكانا فيه مستتر ، جاء به غير مهموز . والكلوة : لغة في الكلية لأهل اليمن ؛ قال ابن السكيت : ولا تقل كلوة ، بكسر الكاف . الكليتان من الإنسان وغيره من الحيوان : لحمتان منتبرتان حمراوان لازقتان بعظم الصلب عند الخاصرتين في كظرين من الشحم ، وهما منبت بيت الزرع ، هكذا يسميان في الطب ، يراد به زرع الولد . سيبويه : كلية وكلى ، كرهوا أن يجمعوا بالتاء فيحركوا العين بالضمة فتجيء هذه الياء بعد ضمة ، فلما ثقل عليهم تركوه واجتزءوا ببناء الأكثر ، ومن خفف قال كليات . وكلاه كليا أصاب كليته . ابن السكيت : كليت فلانا فاكتلى ، وهو مكلي ، أصبت كليته ؛ قال حميد الأرقط :


من علق المكلي والموتون



وإذا أصبت كبده فهو مكبود . وكلا الرجل واكتلى : تألم لذلك ؛ قال العجاج :


لهن في شباته صئي     إذا اكتلى واقتحم المكلي



ويروى : كلا ؛ يقول : إذا طعن الثور الكلب في كليته وسقط الكلب المكلي الذي أصيبت كليته . وجاء فلان بغنمه حمر الكلى أي مهازيل ؛ وقوله أنشده ابن الأعرابي :


إذا الشوي كثرت ثوائجه     وكان من عند الكلى مناتجه



كثرت ثوائجه من الجدب لا تجد شيئا ترعاه . وقوله : من عند الكلى مناتجه ، يعني سقطت من الهزال فصاحبها يبقر بطونها من خواصرها في موضع كلاها فيستخرج أولادها منها . وكلية المزادة والراوية : جليدة مستديرة مشدودة العروة قد خرزت مع الأديم تحت عروة [ ص: 108 ] المزادة . وكلية الإداوة : الرقعة التي تحت عروتها ، وجمعها الكلى ، وأنشد :


كأنه من كلى مفرية سرب



الجوهري : والجمع كليات وكلى ، قال : وبنات الياء إذا جمعت بالتاء لم يحرك موضع العين منها بالضم . وكلية السحابة : أسفلها ، والجمع كلى . يقال : انبعجت كلاه ؛ قال :


يسيل الربى واهي الكلى عارض الذرى     أهلة نضاخ الندى سابغ القطر



وقيل : إنما سميت بكلية الإداوة ، وقول أبي حية :


حتى إذا سربت عليه وبعجت     وطفاء ساربة كلي مزاد



يحتمل أن يكون جمع كلية على كلي ، كما جاء حلية وحلي في قول بعضهم لتقارب البناءين ، ويحتمل أن يكون جمعه على اعتقاد حذف الهاء كبرد وبرود . والكلية من القوس : أسفل من الكبد ، وقيل : هي كبدها ، وقيل : معقد حمالتها ، وهما كليتان ، وقيل : كليتها مقدار ثلاثة أشبار من مقبضها . والكلية من القوس : ما بين الأبهر والكبد ، وهما كليتان . وقال أبو حنيفة : كليتا القوس مثبت معلق حمالتها . والكليتان : ما عن يمين النصل وشماله . والكلى : الريشات الأربع التي في آخر الجناح يلين جنبه . والكلية : اسم موضع ، قال الفرزدق :


هل تعلمون غداة يطرد سبيكم     بالسفح بين كلية وطحال ؟



والكليان : اسم موضع ، قال القتال الكلابي :


لظبية ربع بالكليين دارس     فبرق نعاج غيرته الروامس



قال الأزهري في المعتل ما صورته : تفسير كلا الفراء : قال : قال الكسائي لا تنفي حسب وكلا تنفي شيئا وتوجب شيئا غيره ، من ذلك قولك للرجل قال لك أكلت شيئا فقلت لا ، ويقول الآخر أكلت تمرا فتقول أنت كلا ، أردت أي أكلت عسلا لا تمرا ، قال : وتأتي كلا بمعنى قولهم حقا ، قال : روى ذلك أبو العباس أحمد بن يحيى . وقال ابن الأنباري في تفسيره كلا : هي عند الفراء تكون صلة لا يوقف عليها وتكون حرف رد بمنزلة نعم ولا في الاكتفاء ، فإذا جعلتها صلة لما بعدها لم تقف عليها كقولك كلا ورب الكعبة ، لا تقف على كلا لأنها بمنزلة إي والله ، قال الله سبحانه وتعالى : كلا والقمر الوقف على كلا قبيح لأنها صلة لليمين . قال : وقال الأخفش معنى كلا الردع والزجر ، قال الأزهري : وهذا مذهب سيبويه وإليه ذهب الزجاج في جميع القرآن . وقال أبو بكر بن الأنباري : قال المفسرون معنى كلا حقا ، قال : وقال أبو حاتم السجستاني جاءت كلا في القرآن على وجهين : فهي في موضع بمعنى لا ، وهو رد للأول كما قال العجاج :


قد طلبت شيبان أن تصاكموا     كلا ولما تصطفق مآتم



قال : وتجيء كلا بمعنى ألا التي للتنبيه كقوله تعالى : ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه وهي زائدة لو لم تأت كان الكلام تاما مفهوما ، قال : ومنه المثل كلا زعمت العير لا تقاتل ؛ وقال الأعشى :


كلا زعمتم بأنا لا نقاتلكم     إنا لأمثالكم ، يا قومنا قتل



قال أبو بكر : وهذا غلط معنى كلا في البيت . وفي المثل : لا ، ليس الأمر على ما تقولون . قال : وسمعت أبا العباس يقول لا يوقف على كلا في جميع القرآن لأنها جواب ، والفائدة تقع فيما بعدها ، قال : واحتج السجستاني في أن كلا بمعنى ألا بقوله جل وعز : كلا إن الإنسان ليطغى فمعناه ألا ؛ قال أبو بكر : ويجوز أن يكون بمعنى حقا إن الإنسان ليطغى ، ويجوز أن يكون ردا كأنه قال : لا ، ليس الأمر كما تظنون . أبو داود عن النضر : قال الخليل قال مقاتل بن سليمان ما كان في القرآن كلا فهو رد إلا موضعين ، فقال الخليل : أنا أقول كله رد . وروى ابن شميل عن الخليل أنه قال : كل شيء في القرآن كلا رد يرد شيئا ويثبت آخر . وقال أبو زيد : سمعت العرب تقول كلاك والله وبلاك والله ، في معنى كلا والله ، وبلى والله . وفي الحديث : تقع فتن كأنها الظلل ، فقال أعرابي : كلا يا رسول الله ؛ قال : كلا ردع في الكلام وتنبيه وزجر ، ومعناها انته لا تفعل ، إلا أنها آكد في النفي والردع من لا لزيادة الكاف ، وقد ترد بمعنى حقا كقوله تعالى : كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية . والظلل : السحاب ، وقد تكرر في الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية