صفحة جزء
كون

كون : الكون : الحدث ، وقد كان كونا وكينونة ; عن اللحياني وكراع ، والكينونة في مصدر كان يكون أحسن . قال الفراء : العرب تقول في ذوات الياء مما يشبه زغت وسرت : طرت طيرورة وحدت حيدودة فيما لا يحصى من هذا الضرب ، فأما ذوات الواو مثل قلت ورضت ، فإنهم لا يقولون ذلك ، وقد أتى عنهم في أربعة أحرف : منها الكينونة من كنت ، والديمومة من دمت ، والهيعوعة من الهواع ، والسيدودة من سدت ، وكان ينبغي أن يكون كونونة ، ولكنها لما قلت في مصادر الواو وكثرت في مصادر الياء ألحقوها بالذي هو أكثر مجيئا منها ، إذا كانت الواو والياء متقاربتي المخرج . قال : [ ص: 136 ] وكان الخليل يقول كينونة فيعولة هي في الأصل كيونونة ، التقت منها ياء وواو والأولى منهما ساكنة فصيرتا ياء مشددة مثل ما قالوا الهين من هنت ، ثم خففوها فقالوا كينونة كما قالوا هين لين ، قال الفراء : وقد ذهب مذهبا إلا أن القول عندي هو الأول ; وقول الحسن بن عرفطة ، جاهلي :


لم يك الحق سوى أن هاجه رسم دار قد تعفى بالسرر

إنما أراد : لم يكن الحق ، فحذف النون لالتقاء الساكنين ، وكان حكمه إذا وقعت النون موقعا تحرك فيه فتقوى بالحركة أن لا يحذفها لأنها بحركتها قد فارقت شبه حروف اللين ، إذ كن لا يكن إلا سواكن ، وحذف النون من يكن أقبح من حذف التنوين ونون التثنية والجمع ، لأن نون يكن أصل وهي لام الفعل ، والتنوين والنون زائدان ، فالحذف منهما أسهل منه في لام الفعل ، وحذف النون أيضا من يكن أقبح من حذف النون من قوله : غير الذي قد يقال ملكذب ، لأن أصله يكون قد حذفت منه الواو لالتقاء الساكنين ، فإذا حذفت منه النون أيضا لالتقاء الساكنين أجحفت به لتوالي الحذفين ، لا سيما من وجه واحد ، قال : ولك أيضا أن تقول إن ( من ) حرف ، والحذف في الحرف ضعيف إلا مع التضعيف ، نحو إن ورب ، قال : هذا قول ابن جني ، قال : وأرى أنا شيئا غير ذلك ، وهو أن يكون جاء بالحق بعدما حذف النون من يكن ، فصار يك مثل قوله عز وجل : ولم يك شيئا فلما قدره يك ، جاء بالحق بعدما جاز الحذف في النون ، وهي ساكنة تخفيفا ، فبقي محذوفا بحاله فقال : لم يك الحق ، ولو قدره يكن فبقي محذوفا ، ثم جاء بالحق لوجب أن يكسر لالتقاء الساكنين فيقوى بالحركة ، فلا يجد سبيلا إلى حذفها إلا مستكرها ، فكان يجب أن يقول لم يكن الحق ، ومثله قول الخنجر بن صخر الأسدي :


فإن لا تك المرآة أبدت وسامة     فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم

يريد : فإن لا تكن المرآة . وقال الجوهري : لم يك أصله يكون ، فلما دخلت عليها لم جزمتها فالتقى ساكنان فحذفت الواو فبقي لم يكن ، فلما كثر استعماله حذفوا النون تخفيفا ، فإذا تحركت أثبتوها ، قالوا لم يكن الرجل ، وأجاز يونس حذفها مع الحركة وأنشد :


إذا لم تك الحاجات من همة الفتى     فليس بمغن عنك عقد الرتائم

ومثله ما حكاه قطرب : أن يونس أجاز لم يك الرجل منطلقا ; وأنشد بيت الحسن بن عرفطة :


لم يك الحق سوى أن هاجه الكائنة

: الحادثة . وحكى سيبويه : أنا أعرفك مذ كنت أي مذ خلقت ، والمعنيان متقاربان . ابن الأعرابي : التكون التحرك ، تقول العرب لمن تشنؤه : لا كان ولا تكون ; لا كان : لا خلق ، ولا تكون : لا تحرك أي مات . والكائنة : الأمر الحادث . وكونه فتكون : أحدثه فحدث . وفي الحديث : من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتكونني ، وفي رواية : لا يتكون على صورتي . وكون الشيء : أحدثه . والله مكون الأشياء يخرجها من العدم إلى الوجود . وبات فلان بكينة سوء وبجيبة سوء أي بحالة سوء . والمكان : الموضع ، والجمع أمكنة وأماكن ، توهموا الميم أصلا حتى قالوا تمكن في المكان ، وهذا كما قالوا في تكسير المسيل أمسلة ، وقيل : الميم في المكان أصل كأنه من التمكن دون الكون ، وهذا يقويه ما ذكرناه من تكسيره على أفعلة ; وقد حكى سيبويه في جمعه أمكن ، وهذا زائد في الدلالة على أن وزن الكلمة فعال دون مفعل ، فإن قلت فإن فعالا لا يكسر على أفعل إلا أن يكون مؤنثا كأتان وآتن . الليث : المكان اشتقاقه من كان يكون ، ولكنه لما كثر في الكلام صارت الميم كأنها أصلية ، والمكان مذكر ، قيل : توهموا فيه طرح الزائد كأنهم كسروا مكنا وأمكن ، عند سيبويه ، مما كسر على غير ما يكسر عليه مثله ، ومضيت مكانتي ومكينتي أي على طيتي . والاستكانة : الخضوع . الجوهري : والمكانة المنزلة . وفلان مكين عند فلان بين المكانة . والمكانة الموضع . قال تعالى : ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم قال : ولما كثر لزوم الميم توهمت أصلية فقيل تمكن كما قالوا من المسكين تمسكن ، ذكر الجوهري ذلك في هذه الترجمة ، قال ابن بري : مكين فعيل ومكان فعال ومكانة فعالة ليس شيء منها من الكون فهذا سهو ، وأمكنة أفعلة ، وأما تمسكن فهو تمفعل كتمدرع مشتقا من المدرعة بزيادته ، فعلى قياسه يجب في تمكن تمكون لأنه تمفعل على اشتقاقه لا تمكن ، وتمكن وزنه تفعل ، وهذا كله سهو وموضعه فصل الميم من باب النون ، وسنذكره هناك . وكان ويكون : من الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار ، كقولك كان زيد قائما ويكون عمرو ذاهبا ، والمصدر كونا وكيانا . قال الأخفش في كتابه الموسوم بالقوافي : ويقولون أزيدا كنت له ; قال ابن جني : ظاهره أنه محكي عن العرب لأن الأخفش إنما يحتج بمسموع العرب لا بمقيس النحويين ، وإذا كان قد سمع عنهم أزيدا كنت له ، ففيه دلالة على جواز تقديم خبر كان عليها ، قال : وذلك أنه لا يفسر الفعل الناصب المضمر إلا بما لو حذف مفعوله لتسلط على الاسم الأول فنصبه ، ألا تراك تقول أزيدا ضربته ، ولو شئت لحذفت المفعول فتسلطت ضربت هذه الظاهرة على زيد نفسه فقلت أزيدا ضربت ، فعلى هذا قولهم أزيدا كنت له يجوز في قياسه أن تقول أزيدا كنت ، ومثل سيبويه كان بالفعل المتعدي فقال : وتقول كناهم كما تقول ضربناهم ، وقال إذا لم تكنهم فمن ذا يكونهم كما تقول إذا لم تضربهم فمن ذا يضربهم ، قال : وتقول هو كائن ومكون كما تقول ضارب ومضروب . غيره : وكان تدل على خبر ماض في وسط الكلام وآخره ، ولا تكون صلة في أوله لأن الصلة تابعة لا متبوعة ; وكان في معنى جاء كقول الشاعر :


إذا كان الشتاء فأدفئوني     فإن الشيخ يهرمه الشتاء

قال : وكان تأتي باسم وخبر ، وتأتي باسم واحد وهو خبرها كقولك كان الأمر وكانت القصة ، أي وقع الأمر ووقعت القصة وهذه تسمى [ ص: 137 ] التامة المكتفية ; وكان تكون جزاء ، قال أبو العباس : اختلف الناس في قوله تعالى : كيف نكلم من كان في المهد صبيا فقال بعضهم : كان هاهنا صلة ، ومعناه كيف نكلم من هو في المهد صبيا ، قال : وقال الفراء كان هاهنا شرط وفي الكلام تعجب ، ومعناه من يكن في المهد صبيا فكيف يكلم ، وأما قوله عز وجل : وكان الله عفوا غفورا وما أشبهه فإن أبا إسحاق الزجاج قال : قد اختلف الناس في كان فقال الحسن البصري : كان الله عفوا غفورا لعباده وعن عباده قبل أن يخلقهم ، وقال النحويون البصريون : كأن القوم شاهدوا من الله رحمة فأعلموا أن ذلك ليس بحادث وأن الله لم يزل كذلك ، وقال قوم من النحويين : كان وفعل من الله تعالى بمنزلة ما في الحال ، فالمعنى والله أعلم ، والله عفو غفور ، قال أبو إسحاق : الذي قاله الحسن وغيره أدخل في العربية وأشبه بكلام العرب ، وأما القول الثالث فمعناه يؤول إلى ما قاله الحسن وسيبويه ، إلا أن كون الماضي بمعنى الحال يقل ، وصاحب هذا القول له من الحجة ، قولنا غفر الله لفلان بمعنى ليغفر الله ، فلما كان في الحال دليل على الاستقبال وقع الماضي مؤديا عنها استخفافا ، لأن اختلاف ألفاظ الأفعال إنما وقع لاختلاف الأوقات . وروي عن ابن الأعرابي في قوله عز وجل : كنتم خير أمة أخرجت للناس ; أي أنتم خير أمة ، قال : ويقال معناه كنتم خير أمة في علم الله . وفي الحديث : أعوذ بك من الحور بعد الكون ، قال ابن الأثير : الكون مصدر كان التامة ; يقال : كان يكون كونا أي وجد واستقر ، يعني أعوذ بك من النقص بعد الوجود والثبات ، ويروى : بعد الكور ، بالراء ، وقد تقدم موضعه . الجوهري : كان إذا جعلته عبارة عما مضى من الزمان احتاج إلى خبر لأنه دل على الزمان فقط ، تقول : كان زيد عالما ، وإذا جعلته عبارة عن حدوث الشيء ووقوعه استغنى عن الخبر لأنه دل على معنى وزمان ، تقول : كان الأمر وأنا أعرفه مذ كان أي مذ خلق ; قال مقاس العائذي :


فدا لبني ذهل بن شيبان ناقتي     إذا كان يوم ذو كواكب أشهب

قوله : ذو كواكب أي قد أظلم فبدت كواكبه لأن شمسه كسفت بارتفاع الغبار في الحرب ، وإذا كسفت الشمس ظهرت الكواكب ; قال : وقد تقع زائدة للتوكيد كقولك كان زيد منطلقا ، ومعناه زيد منطلق ; قال تعالى : وكان الله غفورا رحيما ; وقال أبو جندب الهذلي :


وكنت إذا جاري دعا لمضوفة     أشمر حتى ينصف الساق مئزري

وإنما يخبر عن حاله وليس يخبر بكنت عما مضى من فعله ، قال ابن بري عند انقضاء كلام الجوهري - رحمهما الله : كان تكون بمعنى مضى وتقضى ، وهي التامة ، وتأتي بمعنى اتصال الزمان من غير انقطاع ، وهي الناقصة ، ويعبر عنها بالزائدة أيضا ، وتأتي زائدة ، وتأتي بمعنى يكون في المستقبل من الزمان ، وتكون بمعنى الحدوث والوقوع ; فمن شواهدها بمعنى مضى وانقضى قول أبي الغول :


عسى الأيام أن يرجع     ن قوما كالذي كانوا

وقال ابن الطثرية :


فلو كنت أدري أن ما كان كائن     وأن جديد الوصل قد جد غابره

وقال أبو الأحوص :


كم من ذوي خلة قبلي وقبلكم     كانوا ، فأمسوا إلى الهجران قد صاروا

وقال أبو زبيد :


ثم أضحوا كأنهم لم يكونوا     وملوكا كانوا وأهل علاء

وقال نصر بن حجاج وأدخل اللام على ما النافية :


ظننت بي الأمر الذي لو أتيته     لما كان لي ، في الصالحين مقام

وقال أوس بن حجر :


هجاؤك إلا أن ما كان قد مضى     علي كأثواب الحرام المهينم

وقال عبد الله بن عبد الأعلى :


يا ليت ذا خبر عنهم يخبرنا     بل ليت شعري ، ماذا بعدنا فعلوا ؟
كنا وكانوا فما ندري على وهم     أنحن فيما لبثنا أم هم عجلوا ؟ أي نحن أبطأنا

; ومنه قول الآخر :


فكيف إذا مررت بدار قوم     وجيران لنا كانوا كرام

وتقديره : وجيران لنا كرام انقضوا وذهب جودهم ; ومنه ما أنشده ثعلب :


فلو كنت أدري أن ما كان كائن     حذرتك أيام الفؤاد سليم
ولكن حسبت الصرم شيئا أطيقه     إذا رمت أو حاولت أمر غريم

ومنه ما أنشده الخليل لنفسه :


بلغا عني المنجم أني     كافر بالذي قضته الكواكب
عالم إن ما يكون وما كا     ن قضاء من المهيمن واجب

ومن شواهدها بمعنى اتصال الزمان من غير انقطاع قوله سبحانه وتعالى : وكان الله غفورا رحيما ; أي : لم يزل على ذلك ; وقال المتلمس :


وكنا إذا الجبار صعر خده     أقمنا له من ميله فتقوما

وقول الفرزدق :


وكنا إذا الجبار صعر خده     ضربناه تحت الأنثيين على الكرد

وقول قيس بن الخطيم :


وكنت امرأ لا أسمع الدهر سبة     أسب بها ، إلا كشفت غطاءها

وفي القرآن العظيم أيضا : إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم [ ص: 138 ] مشكورا وفيه : إنه كان لآياتنا عنيدا ; وفيه : كان مزاجها زنجبيلا . ومن أقسام كان الناقصة أيضا أن تأتي بمعنى صار كقوله سبحانه : كنتم خير أمة ; وقوله تعالى : فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان وفيه : فكانت هباء منبثا ; وفيه : وكانت الجبال كثيبا مهيلا ; وفيه : كيف نكلم من كان في المهد صبيا ; وفيه : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها أي صرت إليها ; وقال ابن أحمر :


بتيهاء قفر والمطي كأنها     قطا الحزن ، قد كانت فراخا بيوضها

وقال شمعلة بن الأخضر يصف قتل بسطام بن قيس :


فخر على الألاءة لم يوسد     وقد كان الدماء له خمارا

ومن أقسام كان الناقصة أيضا أن يكون فيها ضمير الشأن والقصة ، وتفارقها من اثني عشر وجها ، لأن اسمها لا يكون إلا مضمرا غير ظاهر ، ولا يرجع إلى مذكور ، ولا يقصد به شيء بعينه ، ولا يؤكد به ، ولا يعطف عليه ، ولا يبدل منه ، ولا يستعمل إلا في التفخيم ، ولا يخبر عنه إلا بجملة ، ولا يكون في الجملة ضمير ، ولا يتقدم على كان ، ومن شواهد كان الزائدة قول الشاعر :


بالله قولوا بأجمعكم :     يا ليت ما كان لم يكن

وكان الزائدة لا تزاد أولا ، وإنما تزاد حشوا ، ولا يكون لها اسم ولا خبر ، ولا عمل لها ; ومن شواهدها بمعنى يكون للمستقبل من الزمان قول الطرماح بن حكيم :


وإني لآتيكم تشكر ما مضى     من الأمر واستنجاز ما كان في غد

وقال سلمة الجعفي :


وكنت أرى كالموت من بين ساعة     فكيف ببين كان ميعاده الحشرا

وقد تأتي تكون بمعنى كان كقول زياد الأعجم :


وانضخ جوانب قبره بدمائها     ولقد يكون أخا دم وذبائح

ومنه قول جرير :


ولقد يكون على الشباب بصيرا

قال : وقد يجيء خبر كان فعلا ماضيا كقول حميد الأرقط :


وكنت خلت الشيب والتبدينا     والهم مما يذهل القرينا

وكقول الفرزدق :


وكنا ورثناه على عهد تبع     طويلا سواريه ، شديدا دعائمه

وقال عبدة بن الطبيب :


وكان طوى كشحا على مستكنة     فلا هو أبداها ولم يتجمجم

وهذا البيت أنشده في ترجمة كنن ونسبه لزهير ، قال : وتقول كان كونا وكينونة أيضا ، شبهوه بالحيدودة والطيرورة من ذوات الياء ، قال : ولم يجئ من الواو على هذا إلا أحرف : كينونة وهيعوعة وديمومة وقيدودة ، وأصله كينونة ، بتشديد الياء ، فحذفوا كما حذفوا من هين وميت ، ولولا ذلك لقالوا كونونة لأنه ليس في الكلام فعلول ، وأما الحيدودة فأصله فعلولة بفتح العين فسكنت . قال ابن بري : أصل كينونة كيونونة ، ووزنها فيعلولة ، ثم قلبت الواو ياء فصار كينونة ، ثم حذفت الياء تخفيفا فصار كينونة ، وقد جاءت بالتشديد على الأصل ; قال أبو العباس أنشدني النهشلي :


قد فارقت قرينها القرينه     وشحطت عن دارها الظعينه
يا ليت أنا ضمنا سفينه     حتى يعود الوصل كينونه

قال : والحيدودة أصل وزنها فيعلولة ، وهو حيودودة ، ثم فعل بها ما فعل بكينونة . قال ابن بري : واعلم أنه يلحق بباب كان وأخواتها كل فعل سلب الدلالة على الحدث ، وجرد للزمان وجاز في الخبر عنه أن يكون معرفة ونكرة ، ولا يتم الكلام دونه ، وذلك مثل عاد ورجع وآض وأتى وجاء وأشباهها كقول الله عز وجل : يأت بصيرا ; وكقول الخوارج ل ابن عباس : ما جاءت حاجتك أي ما صارت ; يقال لكل طالب أمر يجوز أن يبلغه وأن لا يبلغه . وتقول : جاء زيد الشريف أي صار زيد الشريف ; ومنها : طفق يفعل ، وأخذ يكتب ، وأنشأ يقول ، وجعل يقول . وفي حديث توبة كعب : رأى رجلا لا يزول به السراب ، فقال كن أبا خيثمة أي صره . يقال للرجل يرى من بعد : كن فلانا أي أنت فلان أو هو فلان . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : أنه دخل المسجد فرأى رجلا بذ الهيئة ، فقال : كن أبا مسلم ، يعني الخولاني . ورجل كنتي : كبير ، نسب إلى كنت . وقد قالوا كنتني نسب إلى كنت أيضا ، والنون الأخيرة زائدة ; قال :


وما أنا كنتي ولا أنا عاجن     وشر الرجال الكنتني وعاجن

وزعم سيبويه أن إخراجه على الأصل أقيس فتقول كوني ، على حد ما يوجب النسب إلى الحكاية . الجوهري : يقال للرجل إذا شاخ هو كنتي ، كأنه نسب إلى قوله كنت في شبابي كذا ; وأنشد :


فأصبحت كنتيا ، وأصبحت عاجنا     وشر خصال المرء كنت وعاجن

قال ابن بري : ومنه قول الشاعر :


إذا ما كنت ملتمسا لغوث     فلا تصرخ بكنتي كبير
فليس بمدرك شيئا بسعي     ولا سمع ، ولا نظر بصير

وفي الحديث : أنه دخل المسجد وعامة أهله الكنتيون ; هم الشيوخ الذين يقولون كنا كذا ، وكان كذا ، وكنت كذا ، فكأنه منسوب إلى كنت . يقال : كأنك والله قد كنت وصرت إلى كان وكنت أي صرت [ ص: 139 ] إلى أن يقال عنك : كان فلان ، أو يقال لك في حاله الهرم : كنت مرة كذا ، وكنت مرة كذا . الأزهري في ترجمة كنت : ابن الأعرابي كنت فلان في خلقه ، وكان في خلقه ، فهو كنتي وكاني . ابن بزرج : الكنتي القوي الشديد ; وأنشد :


قد كنت كنتيا فأصبحت عاجنا     وشر رجال الناس كنت وعاجن

يقول : إذا قام اعتجن أي عمد على كرسوعه ; وقال أبو زيد : الكنتي الكبير ; وأنشد :


فلا تصرخ بكنتي كبير

وقال عدي بن زيد :


فاكتنت ، لا تك عبدا طائرا     واحذر الأقتال منا والثؤر

قال أبو نصر : اكتنت ارض بما أنت فيه ; وقال غيره : الاكتنات الخضوع ; قال أبو زبيد :


مستضرع ما دنا منهن مكتنت     للعظم مجتلم ما فوقه فنع

قال الأزهري : وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال لا يقال فعلتني إلا من الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين ، مثل ظننتني ورأيتني ، ومحال أن تقول ضربتني وصبرتني لأنه يشبه إضافة الفعل إلى ني ، ولكن تقول صبرت نفسي ، وضربت نفسي وليس يضاف من الفعل إلى ني إلا حرف واحد ، وهو قولهم كنتي وكنتني ; وأنشد :


وما كنت كنتيا وما كنت عاجنا     وشر الرجال الكنتني وعاجن

فجمع كنتيا وكنتنيا في البيت . ثعلب عن ابن الأعرابي : قيل لصبية من العرب ما بلغ الكبر من أبيك ؟ قالت : قد عجن وخبز وثنى وثلث وألصق وأورص وكان وكنت . قال أبو العباس : وأخبرني سلمة عن الفراء قال : الكنتني في الجسم ، والكاني في الخلق . قال : وقال ابن الأعرابي إذا قال كنت شابا وشجاعا فهو كنتي ، وإذا قال كان لي مال فكنت أعطي منه فهو كاني . وقال ابن هانئ في باب المجموع مثلثا : رجل كنتأو ورجلان كنتأوان ورجال كنتأوون ، وهو الكثير شعر اللحية الكثها ; ومنه : جمل سندأو وسندأوان وسندأوون ، وهو الفسيح من الإبل في مشيته ، ورجل قندأو ورجلان قندأوان ، ورجال قندأوون مهموزات . وفي الحديث : دخل عبد الله بن مسعود المسجد وعامة أهله الكنتيون ، فقلت : ما الكنتيون ؟ فقال : الشيوخ الذين يقولون كان كذا وكذا وكنت ، فقال عبد الله : دارت رحى الإسلام علي خمسة وثلاثين ، ولأن تموت أهل داري أحب إلي من عدتهم من الذبان والجعلان . قال شمر : قال الفراء تقول كأنك والله قد مت وصرت إلى كان ، وكأنكما متما وصرتما إلى كانا ، والثلاثة كانوا ; المعنى صرت إلى أن يقال كان وأنت ميت لا وأنت حي ، قال : والمعنى له الحكاية على كنت مرة للمواجهة ومرة للغائب ، كما قال عز من قائل : قل للذين كفروا ستغلبون وسيغلبون ; هذا على معنى كنت وكنت ; ومنه قوله : وكل أمر يوما يصير كان . وتقول للرجل : كأني بك وقد صرت كانيا أي يقال كان وللمرأة كانية ، وإن أردت أنك صرت من الهرم إلى أن يقال كنت مرة وكنت مرة ، قيل : أصبحت كنتيا وكنتنيا ، وإنما قال كنتنيا لأنه أحدث نونا مع الياء في النسبة ليتبين الرفع ، كما أرادوا تبين النصب في ضربني ، ولا يكون من حروف الاستثناء ، تقول : جاء القوم لا يكون زيدا ، ولا تستعمل إلا مضمرا فيها ، وكأنه قال لا يكون الآتي زيدا وتجيء كان زائدة كقوله :


سراة بني أبي بكر تساموا     على كان المسومة العراب

أي على المسومة العراب . وروى الكسائي عن العرب : نزل فلان على كان ختنه أي نزل على ختنه ; وأنشد الفراء :


جادت بكفي كان من أرمى البشر

أي جادت بكفي من هو من أرمى البشر

قال : والعرب تدخل كان في الكلام لغوا ، فتقول مر على كان زيد ، يريدون مر على زيد فأدخل كان لغوا ، وأما قول الفرزدق :


فكيف ولو مررت بدار قوم     وجيران لنا كانوا كرام ؟

ابن سيده : فزعم سيبويه أن كان هنا زائدة ; وقال أبو العباس : إن تقديره وجيران كرام كانوا لنا ; قال ابن سيده : وهذا أسوغ لأن كان قد عملت هاهنا في موضع الضمير ، وفي موضع لنا فلا معنى لما ذهب إليه سيبويه من أنها زائدة هنا ، وكان عليه كونا وكيانا واكتان : وهو من الكفالة . قال أبو عبيد : قال أبو زيد اكتنت به اكتيانا ، والاسم منه الكيانة ، وكنت عليهم أكون كونا مثله من الكفالة أيضا . ابن الأعرابي : كان إذا كفل . والكيانة : الكفالة ، كنت على فلان أكون كونا أي تكفلت به . وتقول : كنتك وكنت إياك كما تقول ظننتك زيدا وظننت زيدا إياك ، تضع المنفصل موضع المتصل في الكناية عن الاسم والخبر ، لأنهما منفصلان في الأصل ، لأنهما مبتدأ وخبر ; قال أبو الأسود الدؤلي :


دع الخمر تشربها الغواة فإنني     رأيت أخاها مجزيا لمكانها
فإن لا يكنها أو تكنه ، فإنه     أخوها ، غذته أمه بلبانها

يعني الزبيب . والكون : واحد الأكوان . وسمع الكيان : كتاب للعجم ; قال ابن بري : سمع الكيان بمعنى سماع الكيان ; وسمع بمعنى ذكر الكيان ، وهو كتاب ألفه أرسطو . وكيوان زحل : القول فيه كالقول في خيوان ; وهو مذكور في موضعه ، والمانع له من الصرف العجمة ، كما أن المانع لخيوان من الصرف إنما هو التأنيث وإرادة البقعة أو الأرض أو القرية . والكانون : إن جعلته من الكن فهو فاعول ، وإن جعلته فعلولا على تقدير قربوس فالألف فيه أصلية ، وهي من الواو ، سمي به موقد النار .

التالي السابق


الخدمات العلمية