صفحة جزء
كيد

كيد : كاد يفعل كذا كيدا : قارب . قال ابن سيده : قال سيبويه : [ ص: 141 ] لم يستعملوا الاسم والمصدر اللذين في موضعهما يفعل في كاد وعسى ، يعني أنهم لا يقولون كاد فاعلا أو فعلا فترك هذا من كلامهم للاستغناء بالشيء عن الشيء ، وربما خرج في كلامهم ; قال تأبط شرا :


فأبت إلى فهم وما كدت آئبا وكم مثلها فارقتها ، وهي تصفر

قال : هكذا صحة هذا البيت ، وكذلك هو في شعره ، فأما رواية من لا يضبطه وما كنت آئبا ولم أك آئبا فلبعده عن ضبطه ; قال : قال ذلك ابن جني قال : ويؤكد ما رويناه نحن مع وجوده في الديوان أن المعنى عليه ألا ترى أن معناه فأبت وما كدت أءوب ; فأما كنت فلا وجه لها في هذا الموضع ; ولا أفعل ذلك ولا كيدا ولا هما . قال ابن سيده : وحكى سيبويه أن ناسا من العرب يقولون كيد زيد يفعل كذا ; وقال أبو الخطاب : وما زيل يفعل كذا ; يريدون كاد وزال ; فنقلوا الكسر إلى الكاف في فعل كما نقلوا في فعلت ; وقد روي بيت أبي خراش :


وكيد ضباع القف يأكلن جثتي     وكيد خراش يوم ذلك ييتم

قال سيبويه : وقد قالوا كدت تكاد فاعتلت من فعل يفعل ; كما اعتلت مت تموت عن فعل يفعل ; ولم يجئ تموت على ما كثر في فعل . قال : وقوله عز وجل : أكاد أخفيها ; قال الأخفش : معناه أخفيها . الليث : الكيد من المكيدة ; وقد كاده مكيدة . والكيد : الخبث والمكر ; كاده يكيده كيدا ومكيدة ، وكذلك المكايدة . وكل شيء تعالجه فأنت تكيده . وفي حديث عمرو بن العاص : ما قولك في عقول كادها خالقها ؟ وفي رواية : تلك عقول كادها بارئها أي أرادها بسوء . يقال : كدت الرجل أكيده . والكيد : الاحتيال والاجتهاد ، وبه سميت الحرب كيدا . وهو يكيد بنفسه كيدا : يجود بها ويسوق سياقا . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على سعد بن معاذ وهو يكيد بنفسه ، فقال : جزاك الله من سيد قوم فقد صدقت الله ما وعدته وهو صادقك ما وعدك ; يكيد بنفسه : يريد النزع . والكيد : السوق . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : تخرج المرأة إلى أبيها يكيد بنفسه أي عند نزع روحه وموته . الفراء : العرب تقول : ما كدت أبلغ إليك وأنت قد بلغت ; قال : وهذا هو وجه العربية ; ومن العرب من يدخل كاد ويكاد في اليقين وهو بمنزلة الظن أصله الشك ثم يجعل يقينا . وقال الأخفش في قوله تعالى : لم يكد يراها ; حمل على المعنى وذلك أنه لا يراها ، وذلك أنك إذا قلت كاد يفعل إنما تعني قارب الفعل ، ولم يفعل على صحة الكلام ، وهكذا معنى هذه الآية إلا أن اللغة قد أجازت لم يكد يفعل وقد فعل بعد شدة ، وليس هذا صحة الكلام لأنه إذا قال كاد يفعل فإنما يعني قارب الفعل ، وإذا قال لم يكد يفعل يقول لم يقارب الفعل إلا أن اللغة جاءت على ما فسر ; قال : وليس هو على صحة الكلمة . وقال الفراء : كلما أخرج يده لم يكد يراها من شدة الظلمة لأن أقل من هذه الظلمة لا ترى اليد فيه ، وأما لم يكد يقوم فقد قام ، هذا أكثر اللغة . ابن الأنباري : قال اللغويون كدت أفعل معناه عند العرب قاربت الفعل ، ولم أفعل وما كدت أفعل معناه فعلت بعد إبطاء . قال : وشاهده قوله تعالى : فذبحوها وما كادوا يفعلون ; معناه فعلوا بعد إبطاء لتعذر وجدان البقرة عليهم . وقد يكون : ما كدت أفعل بمعنى ما فعلت ولا قاربت إذا أكد الكلام بأكاد . قال أبو بكر في قولهم : قد كاد فلان يهلك ; معناه قد قارب الهلاك ولم يهلك ، فإذا قلت ما كاد فلان يقوم فمعناه قام بعد إبطاء ; وكذلك كاد يقوم معناه قارب القيام ولم يقم ; قال : وهذا وجه الكلام ، ثم قال : وتكون كاد صلة للكلام ، أجاز ذلك الأخفش وقطرب وأبو حاتم ، واحتج قطرب بقول الشاعر :


سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه فما     إن يكاد قرنه يتنفس معناه ما يتنفس قرنه

; وقال حسان :


وتكاد تكسل أن تجيء فراشها

معناه وتكسل . وقوله تعالى : لم يكد يراها ; معناه لم يرها ولم يقارب ذلك ، وقال بعضهم : رآها من بعد أن لم يكد يراها من شدة الظلمة ; وقول أبي ضبة الهذلي :


لقيت لبته السنان فكبه     مني تكايد طعنة وتأيد

قال السكري : تكايد تشدد . وكادت المرأة : حاضت ; ومنه حديث ابن عباس : أنه نظر إلى جوار قد كدن في الطريق فأمر أن يتنحين ; معناه حضن في الطريق . يقال : كادت تكيد كيدا إذا حاضت . وكاد الرجل : قاء . والكيد : القيء ; ومنه حديث قتادة : إذا بلغ الصائم الكيد أفطر ; قال ابن سيده : حكاه الهروي في الغريبين . ابن الأعرابي : الكيد صياح الغراب بجهد ، ويسمى إجهاد الغراب في صياحه كيدا ، وكذلك القيء . والكيد : إخراج الزند النار . والكيد : التدبير بباطل أو حق . والكيد : الحيض . والكيد : الحرب . ويقال : غزا فلان فلم يلق كيدا . وفي حديث ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة كذا فرجع ولم يلق كيدا أي حربا . وفي حديث صلح نجران : أن عليهم عارية السلاح إن كان ب اليمن كيد ذات غدر أي حرب ولذلك أنثها . ابن بزرج : يقال من كادهما يتكايدان . وأصحاب النحو يقولون يتكاودان ، وهو خطأ لأنهم يقولون إذا حمل أحدهم على ما يكره . لا والله ولا كيدا ولا هما ، يريد لا أكاد ولا أهم . وحكى ابن مجاهد عن أهل اللغة : كاد يكاد كان في الأصل كيد يكيد . وقوله عز وجل : إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا ; قال الزجاج : يعني به الكفار ، إنهم يخاتلون النبي - صلى الله عليه وسلم - ويظهرون ما هم على خلافه ; وأكيد كيدا ; قال : كيد الله تعالى لهم استدراجهم من حيث لا يعلمون . ويقال : فلان يكيد أمرا ما أدري ما هو إذا كان يريغه ، ويحتال له ويسعى له ويختله . وقال : بلغوا الأمر الذي كادوا ، يريد : طلبوا أو أرادوا ; وأنشد أبو بكر في كاد بمعنى أراد للأفوه :


فإن تجمع أوتاد وأعمدة     وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا

أراد الذي أرادوا

وأنشد :


كادت وكدت ، وتلك خير إرادة     لو كان من لهو الصبابة ما مضى

[ ص: 142 ] قال : معناه أرادت وأردت . قال : ويحتمله قوله تعالى : لم يكد يراها ، لأن الذي عاين من الظلمات آيسه من التأمل ليده والإبصار إليها . قال : ويراها بمعنى أن يراها فلما أسقط أن رفع كقوله تعالى : تأمروني أعبد ; معناه أن أعبد .

التالي السابق


الخدمات العلمية