صفحة جزء
نسأ

نسأ : نسئت المرأة تنسأ نسأ : تأخر حيضها عن وقته ، وبدأ حملها ، فهي نسء ونسيء ، والجمع أنساء ونسوء ، وقد يقال : نساء نسء ، على الصفة بالمصدر . يقال للمرأة أول ما تحمل : قد نسئت . ونسأ الشيء ينسؤه نسأ وأنسأه : أخره ، فعل وأفعل بمعنى ، والاسم النسيئة والنسيء . ونسأ الله في أجله ، وأنسأ أجله : أخره . وحكى ابن دريد : مد له في الأجل أنسأه فيه . قال ابن سيده : ولا أدري كيف هذا ، والاسم النساء . وأنسأه الله أجله ونسأه في أجله ، بمعنى . وفي الصحاح : ونسأ في أجله ، بمعنى . وفي الحديث عن أنس بن مالك : " من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ في أجله فليصل رحمه " . النسء : التأخير يكون في العمر والدين . وقوله ينسأ أي يؤخر . ومنه الحديث : " صلة الرحم مثراة في المال منسأة في الأثر " ، وهي مفعلة منه أي مظنة له وموضع . وفي حديث ابن عوف : وكان قد أنسيء له في العمر . وفي الحديث : " لا تستنسئوا الشيطان " ، أي إذا أردتم عملا صالحا ، فلا تؤخروه إلى غد ، ولا تستمهلوا الشيطان ; يريد : أن ذلك مهلة مسولة من الشيطان . والنسأة ، بالضم مثل الكلأة : التأخير . وقال فقيه العرب : من سره النساء ولا نساء ، فليخفف الرداء ، وليباكر الغداء ، وليقل غشيان النساء ، وفي نسخة : وليؤخر غشيان النساء ، أي تأخر العمر والبقاء . وقرأ أبو عمرو : ما ننسخ من آية أو ننسأها ، المعنى : ما ننسخ لك من اللوح المحفوظ ، أو ننسأها : نؤخرها ولا ننزلها . وقالأبو العباس : التأويل أنه نسخا بغيرها وأقر خطها ، وهذا عندهم الأكثر والأجود . ونسأ الشيء نسأ : باعه بتأخير ، والاسم النسيئة . تقول : نسأته البيع وأنسأته وبعته بنسأة وبعته بكلأة وبعته بنسيئة أي بأخرة . والنسيء : شهر كانت العرب تؤخره في الجاهلية ، فنهى الله - عز وجل - عنه . وقوله - عز وجل - : إنما النسيء زيادة في الكفر ، قال الفراء : النسيء المصدر ، ويكون المنسوء مثل قتيل ومقتول ، والنسيء فعيل بمعنى مفعول من قولك نسأت الشيء فهو منسوء إذا أخرته ، ثم يحول منسوء إلى نسيء كما يحول مقتول إلى قتيل . ورجل ناسئ وقوم نسأة ، مثل فاسق وفسقة ; وذلك أن العرب كانوا إذا صدروا عن منى يقوم رجل منهم من كنانة فيقول : أنا الذي لا أعاب ولا أجاب ولا يرد لي قضاء ، فيقولون : صدقت ! أنسئنا شهرا أي أخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر وأحل المحرم ; لأنهم كانوا يكرهون أن يتوالى عليهم ثلاثة أشهر حرم ، ولا يغيرون فيها لأن معاشهم كان من الغارة ، فيحل لهم المحرم ، فذلك الإنساء . قال أبو منصور : النسيء في قوله - عز وجل - : إنما النسيء زيادة في الكفر بمعنى الإنساء ; اسم وضع موضع المصدر الحقيقي من أنسأت . وقد قال بعضهم : نسأت في هذا الموضع بمعنى أنسأت . وقال عمير بن قيس بن جذل الطعان :


ألسنا الناسئين ، على معد شهور الحل ، نجعلها حراما

وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : كانت النسأة في كندة . النسأة ، بالضم وسكون السين : النسيء الذي ذكره الله في كتابه من تأخير الشهور بعضها إلى بعض . وانتسأت عنه : تأخرت وتباعدت . وكذلك الإبل إذا تباعدت في المرعى . ويقال : إن لي عنك لمنتسأ أي منتأى وسعة . وأنسأه الدين والبيع : أخره به أي جعله مؤخرا ، كأنه جعله له بأخرة . واسم ذلك الدين : النسيئة . وفي الحديث : " إنما الربا في النسيئة هي البيع إلى أجل معلوم " ; يريد : أن بيع الربويات بالتأخير من غير تقابض هو الربا ، وإن كان بغير زيادة . قال ابن الأثير : وهذا مذهب ابن عباس ، وكان يرى بيع الربويات متفاضلة مع التقابض جائزا ، وأن الربا مخصوص بالنسيئة . واستنسأه : سأله أن ينسئه دينه . وأنشد ثعلب :


قد استنسأت حقي ربيعة للحيا     وعند الحيا عار عليك عظيم
وإن قضاء المحل أهون ضيعة     من المخ ، في أنقاء كل حليم

قال : هذا رجل كان له على رجل بعير طلب منه حقه . قال : فأنظرني حتى أخصب . فقال : إن أعطيتني اليوم جملا مهزولا كان خيرا لك من أن تعطيه إذا أخصبت إبلك . وتقول : استنسأته الدين ، فأنسأني ، ونسأت عنه دينه : أخرته نساء ، بالمد . قال : وكذلك النساء في العمر ، ممدود . وإذا أخرت الرجل بدينه قلت : أنسأته ، فإذا زدت في الأجل زيادة يقع عليها تأخير قلت : قد نسأت في أيامك ، ونسأت في أجلك . وكذلك تقول للرجل : نسأ الله في أجلك ، لأن الأجل مزيد فيه ، ولذلك قيل للبن : النسيء لزيادة الماء فيه . وكذلك قيل : [ ص: 241 ] نسئت المرأة إذا حبلت ، جعلت زيادة الولد فيها كزيادة الماء في اللبن . ويقال للناقة : نسأتها أي زجرتها ليزداد سيرها . وما له نسأه الله أي أخزاه . ويقال : أخره الله ، وإذا أخره فقد أخزاه . ونسئت المرأة تنسأ نسأ ، على ما لم يسم فاعله ، إذا كانت عند أول حبلها ، وذلك حين يتأخر حيضها عن وقته ، فيرجى أنها حبلى . وهي امرأة نسيء . قال الأصمعي : يقال للمرأة أول ما تحمل قد نسئت . وفي الحديث : كانت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت أبي العاص بن الربيع ، فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة أرسلها إلى أبيها ، وهي نسوء أي مظنون بها الحمل . يقال : امرأة نسء ونسوء ، ونسوة نساء إذا تأخر حيضها ، ورجي حبلها ، فهو من التأخير ، وقيل بمعنى الزيادة من نسأت اللبن إذا جعلت فيه الماء تكثره به ، والحمل زيادة . قال الزمخشري : النسوء ، على فعول ، والنسء ، على فعل ، وروي نسوء ، بضم النون . فالنسوء كالحلوب ، والنسوء تسمية بالمصدر . وفي الحديث : أنه دخل على أم عامر بن ربيعة ، وهي نسوء ، وفي رواية نسء ، فقال لها أبشري بعبد الله خلفا من عبد الله ، فولدت غلاما ، فسمته عبد الله . وأنسأ عنه : تأخر وتباعد ، قال مالك بن زغبة الباهلي :


إذا أنسئوا فوت الرماح أتتهم عوائر نبل

، كالجراد تطيرها وفي رواية : إذا انتسئوا فوت الرماح . وناساه إذا أبعده ، جاءوا به غير مهموز ، وأصله الهمز . وعوائر نبل أي جماعة سهام متفرقة لا يدرى من أين أتت . وانتسأ القوم إذا تباعدوا . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : ارموا فإن الرمي جلادة ، وإذا رميتم فانتسوا عن البيوت ، أي تأخروا . قال ابن الأثير : هكذا يروى بلا همز ، والصواب : فانتسئوا ، بالهمز ، ويروى : فبنسوا أي تأخروا . ويقال : بنست إذا تأخرت . وقولهم : أنسأت سربتي أي أبعدت مذهبي . قال الشنفرى يصف خروجه وأصحابه إلى الغزو ، وأنهم أبعدوا المذهب :


غدون من الوادي الذي بين مشعل     وبين الحشا ، هيهات أنسأت سربتي

ويروى : أنشأت ، بالشين المعجمة . فالسربة في روايته بالسين المهملة : المذهب ، وفي روايته بالشين المعجمة : الجماعة ، وهي رواية الأصمعي والمفضل . والمعنى عندهما : أظهرت جماعتي من مكان بعيد لمغزى بعيد . قال ابن بري : أورده الجوهري : غدون من الوادي ، والصواب غدونا ; لأنه يصف أنه خرج هو وأصحابه إلى الغزو ، وأنهم أبعدوا المذهب . قال : وكذلك أنشده الجوهري أيضا : غدونا ; في فصل سرب . والسربة : المذهب ; في هذا البيت . ونسأ الإبل نسأ : زاد في وردها وأخرها عن وقته . ونسأها : دفعها في السير وساقها . ونسأت في ظمء الإبل أنسؤها نسأ إذا زدت في ظمئها يوما أو يومين أو أكثر من ذلك . ونسأتها أيضا عن الحوض إذا أخرتها عنه . والمنسأة : العصا ، يهمز ولا يهمز ، ينسأ بها . وأبدلوا إبدالا كليا فقالوا : منساة ، وأصلها الهمز ، ولكنها بدل لازم ; حكاه سيبويه . وقد قرئ بهما جميعا . قال الفراء في قوله - عز وجل - : تأكل منسأته ، هي العصا العظيمة التي تكون مع الراعي ، يقال لها المنسأة ، أخذت من نسأت البعير أي زجرته ليزداد سيره . قال أبو طالب عم سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهمز :


أمن أجل حبل ، لا أباك ، ضربته     بمنسأة ، قد جر حبلك أحبلا

هكذا أنشده الجوهري منصوبا . قال : والصواب قد جاء حبل بأحبل ، ويروى وأحبل ، بالرفع ، ويروى قد جر حبلك أحبل ، بتقديم المفعول . وبعده بإبيات :

هلم إلى حكم ابن صخرة إنه سيحكم فيما بيننا ، ثم يعدل كما كان يقضي في أمور تنوبنا ، فيعمد للأمر الجميل ، ويفصل وقال الشاعر في ترك الهمز :


إذا دببت على المنساة من هرم     فقد تباعد عنك اللهو والغزل

ونسأ الدابة والناقة والإبل ينسؤها نسأ : زجرها وساقها . قال :

وعنس ، كألواح الإران ، نسأتها ، إذا قيل للمشبوبتين : هما هما المشبوبتان : الشعريان . وكذلك نسأها تنسئة : زجرها وساقها . وأنشد الأعشى :


وما أم خشف ، بالعلاية ، شادن     تنسئ ، في برد الظلال ، غزالها

وخبر ما في البيت الذي بعده :

بأحسن منها ، يوم قام نواعم ، فأنكرن ، لما واجهتهن ، حالها ونسأت الدابة والماشية تنسأ نسأ : سمنت ، وقيل هو بدء سمنها حين ينبت وبرها بعد تساقطه . يقال : جرى النسء في الدواب يعني السمن . قال أبو ذؤيب يصف ظبية :


به أبلت شهري ربيع كليهما     فقد مار فيها نسؤها واقترارها

أبلت : جزأت بالرطب عن الماء . ومار : جرى . والنسء : بدء السمن . والاقترار : نهاية سمنها عن أكل اليبيس . وكل سمين ناسئ . والنسء ، بالهمز ، والنسيء : اللبن الرقيق الكثير الماء . وفي التهذيب : الممذوق بالماء . ونسأته نسأ ونسأته له ونسأته إياه : خلطته له بماء ، واسمه النسء . قال عروة بن الورد العبسي :

سقوني النسء ، ثم تكنفوني ، عداة الله ، من كذب وزور وقيل : النسء الشراب الذي يزيل العقل ، وبه فسر ابن الأعرابي النسء هاهنا . قال : إنما سقوه الخمر ، ويقوي ذلك رواية سيبويه : سقوني الخمر . وقال ابن الأعرابي مرة : هو النسيء ، بالكسر ، وأنشد :


يقولون لا تشرب نسيئا     فإنه عليك ، إذا ما ذقته ، لوخيم

وقال غيره : النسيء ، بالفتح ; وهو الصواب . قال : والذي قاله ابن الأعرابي خطأ ، لأن فعيلا ليس في الكلام إلا أن يكون ثاني الكلمة أحد حروف الحلق ، وما أطرف قوله . ولا يقال نسيء ، بالفتح ، مع علمنا أن كل فعيل بالكسر ففعيل ، بالفتح ، هي اللغة الفصيحة فيه ; فهذا خطأ من وجهين ، فصح أن النسيء ، بالفتح ، هو الصحيح . وكذلك [ ص: 242 ] رواية البيت :

لا تشرب نسيئا

، بالفتح ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية