صفحة جزء
نوأ

نوأ : ناء بحمله ينوء نوءا وتنواء : نهض بجهد ومشقة . وقيل : أثقل فسقط ، فهو من الأضداد . وكذلك نؤت به . ويقال : ناء بالحمل : إذا نهض به مثقلا . وناء به الحمل : إذا أثقله . والمرأة تنوء بها عجيزتها أي تثقلها ، وهي تنوء بعجيزتها أي تنهض بها مثقلة . وناء به الحمل وأناءه مثل أناعه : أثقله وأماله كما يقال ذهب به وأذهبه ، بمعنى . وقوله تعالى : ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة قال : نوءها بالعصبة أن تثقلهم . والمعنى إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أي تميلهم من ثقلها ، فإذا أدخلت الباء قلت تنوء بهم كما قال الله تعالى : آتوني أفرغ عليه قطرا والمعنى ائتوني بقطر أفرغ عليه ، فإذا حذفت الباء زدت على الفعل في أوله . قال الفراء : وقد قال رجل من أهل العربية : ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه ، فحول الفعل إلى المفاتح ، كما قال الراجز :


إن سراجا لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره



وهو الذي يحلى بالعين فإن كان سمع آتوا بهذا فهو وجه ، وإلا فإن الرجل جهل المعنى . قال الأزهري : وأنشدني بعض العرب :


حتى إذا ما التأمت مواصله     وناء في شق الشمال كاهله



يعني الرامي لما أخذ القوس ونزع مال عليها . قال : ونرى أن قول [ ص: 376 ] العرب ما ساءك وناءك ، من ذلك ، إلا أنه ألقى الألف ؛ لأنه متبع لساءك ، كما قالت العرب : أكلت طعاما فهنأني ومرأني ، معناه إذا أفرد أمرأني فحذف منه الألف لما أتبع ما ليس فيه الألف ، ومعناه : ما ساءك وأناءك . وكذلك : إني لآتيه بالغدايا والعشايا ، والغداة لا تجمع على غدايا . وقال الفراء : لتنيء بالعصبة : تثقلها ، وقال :


إني وجدك لا أقضي الغريم وإن حان القضاء     وما رقت له كبدي إلا عصا
أرزن طارت برايتها     تنوء ضربتها بالكف والعضد



أي تثقل ضربتها الكف والعضد . وقالوا : له عندي ما ساءه وناءه أي أثقله وما يسوءه وينوءه . قال بعضهم : أراد ساءه وناءه وإنما قال ناءه ، وهو لا يتعدى لأجل ساءه ، فهم إذا أفردوا قالوا أناءه ؛ لأنهم إنما قالوا ناءه ، وهو لا يتعدى لمكان ساءه ليزدوج الكلام . والنوء : النجم إذا مال للمغيب ، والجمع أنواء ونوآن ، حكاه ابن جني ، مثل عبد وعبدان وبطن وبطنان . ، قال حسان بن ثابت ، رضي الله عنه :


ويثرب تعلم أنا بها     إذا قحط الغيث نوآنها



وقد ناء نوءا واستناء واستنأى ، الأخيرة على القلب . قال :


يجر ويستنئي نشاصا كأنه     بغيقة لما جلجل الصوت جالب



قال أبو حنيفة : استنأوا الوسمي : نظروا إليه ، وأصله من النوء ، فقدم الهمزة . وقول ابن أحمر :


الفاضل العادل الهادي نقيبته     والمستناء إذا ما يقحط المطر



المستناء : الذي يطلب نوءه . قال أبو منصور : معناه الذي يطلب رفده . وقيل : معنى النوء سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه ، وهو نجم آخر يقابله من ساعته في المشرق في كل ليلة إلى ثلاثة عشر يوما . وهكذا كل نجم منها إلى انقضاء السنة ما خلا الجبهة ، فإن لها أربعة عشر يوما ، فتنقضي جميعها مع انقضاء السنة . قال : وإنما سمي نوءا ؛ لأنه إذا سقط الغارب ناء الطالع ، وذلك الطلوع هو النوء . وبعضهم يجعل النوء السقوط ، كأنه من الأضداد . قال أبو عبيد : ولم يسمع في النوء أنه السقوط إلا في هذا الموضع ، وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها . وقال الأصمعي : إلى الطالع منها في سلطانه ، فتقول مطرنا بنوء كذا ، وقال أبو حنيفة : نوء النجم : هو أول سقوط يدركه بالغداة ، إذا همت الكواكب بالمصوح ، وذلك في بياض الفجر المستطير . التهذيب : ناء النجم ينوء نوءا : إذا سقط . وفي الحديث : ثلاث من أمر الجاهلية : الطعن في الأنساب والنياحة والأنواء . قال أبو عبيد : الأنواء ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها من الصيف والشتاء والربيع والخريف ، يسقط منها في كل ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر ، ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته ، وكلاهما معلوم مسمى ، وانقضاء هذه الثمانية وعشرين كلها مع انقضاء السنة ، ثم يرجع الأمر إلى النجم الأول مع استئناف السنة المقبلة . وكانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم وطلع آخر قالوا : لا بد من أن يكون عند ذلك مطر أو رياح ، فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلى ذلك النجم ، فيقولون : مطرنا بنوء الثريا والدبران والسماك . والأنواء واحدها نوء . قال وإنما سمي نوءا ؛ لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق ينوء نوءا أي نهض وطلع ، وذلك النهوض هو النوء ، فسمي النجم به ، وذلك كل ناهض بثقل وإبطاء ، فإنه ينوء عند نهوضه ، وقد يكون النوء السقوط . قال : ولم أسمع أن النوء السقوط إلا في هذا الموضع . قال ذو الرمة :


تنوء بأخراها فلأيا قيامها وتمشي     الهوينى عن قريب فتبهر



معناه : أن أخراها وهي عجيزتها ، تنيئها إلى الأرض لضخمها وكثرة لحمها في أردافها . قال : وهذا تحويل للفعل أيضا . وقيل : أراد بالنوء الغروب ، وهو من الأضداد . قال شمر : هذه الثمانية وعشرون التي أراد أبو عبيد هي منازل القمر ، وهي معروفة عند العرب وغيرهم من الفرس والروم والهند لم يختلفوا في أنها ثمانية وعشرون ، ينزل القمر كل ليلة في منزلة منها . ومنه قوله تعالى : والقمر قدرناه منازل قال شمر : وقد رأيتها بالهندية والرومية والفارسية مترجمة . قال : وهي بالعربية فيما أخبرني به ابن الأعرابي : الشرطان ، والبطين ، والنجم ، والدبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنثرة ، والطرف ، والجبهة ، والخراتان ، والصرفة ، والعواء ، والسماك ، والغفر ، والزبانى ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، وفرغ الدلو المقدم ، وفرغ الدلو المؤخر ، والحوت . قال : ولا تستنيء العرب بها كلها إنما تذكر بالأنواء بعضها ، وهي معروفة في أشعارهم وكلامهم . وكان ابن الأعرابي يقول : لا يكون نوء حتى يكون معه مطر ، وإلا فلا نوء . قال أبو منصور : أول المطر : الوسمي ، وأنواؤه العرقوتان المؤخرتان . قال أبو منصور : هما الفرغ المؤخر ثم الشرط ثم الثريا ثم الشتوي ، وأنواؤه الجوزاء ، ثم الذراعان ، ونثرتهما ، ثم الجبهة ، وهي آخر الشتوي وأول الدفئي والصيفي ، ثم الصيفي وأنواؤه السماكان الأول الأعزل ، والآخر الرقيب ، وما بين السماكين صيف ، وهو نحو من أربعين يوما ، ثم الحميم ، وهو نحو من عشرين ليلة عند طلوع الدبران ، وهو بين الصيف والخريف وليس له نوء ، ثم الخريفي وأنواؤه النسران ، ثم الأخضر ، ثم عرقوتا الدلو الأوليان . قال أبو منصور : وهما الفرغ المقدم . قال : وكل مطر من الوسمي إلى الدفئي ربيع . وقال الزجاج في بعض أماليه وذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : من قال سقينا بالنجم فقد آمن بالنجم وكفر بالله ، ومن قال سقانا الله فقد آمن بالله وكفر بالنجم . قال : ومعنى مطرنا بنوء كذا أي مطرنا بطلوع نجم وسقوط آخر . قال : والنوء على الحقيقة سقوط نجم في المغرب وطلوع آخر في المشرق ، فالساقطة في المغرب هي الأنواء ، والطالعة في المشرق هي البوارح . قال : وقال [ ص: 377 ] بعضهم : النوء ارتفاع نجم من المشرق وسقوط نظيره في المغرب ، وهو نظير القول الأول ، فإذا قال القائل مطرنا بنوء الثريا ، فإنما تأويله أنه ارتفع النجم من المشرق ، وسقط نظيره في المغرب ، أي مطرنا بما ناء به هذا النجم . قال : وإنما غلظ النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها لأن العرب كانت تزعم أن ذلك المطر الذي جاء بسقوط نجم هو فعل النجم ، وكانت تنسب المطر إليه ، ولا يجعلونه سقيا من الله ، وإن وافق سقوط ذلك النجم المطر يجعلون النجم هو الفاعل ، لأن في الحديث دليل هذا ، وهو قوله : من قال سقينا بالنجم فقد آمن بالنجم وكفر بالله . قال أبو إسحاق : وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا ولم يرد ذلك المعنى ومراده أنا مطرنا في هذا الوقت ، ولم يقصد إلى فعل النجم ، فذلك والله أعلم جائز كما جاء عن عمر - رضي الله عنه - أنه استسقى بالمصلى ثم نادى العباس : كم بقي من نوء الثريا ؟ فقال : إن العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعا بعد وقوعها ، فوالله ما مضت تلك السبع حتى غيث الناس ، فإنما أراد عمر - رضي الله تعالى عنه - كم بقي من الوقت الذي جرت به العادة أنه إذا تم أتى الله بالمطر . قال ابن الأثير : أما من جعل المطر من فعل الله تعالى ، وأراد بقوله مطرنا بنوء كذا أي في وقت كذا وهو هذا النوء الفلاني ، فإن ذلك جائز أي إن الله تعالى قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه الأوقات . قال : وروى علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في قوله تعالى : وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال : يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا . قال أبو منصور : معناه : وتجعلون شكر رزقكم الذي رزقكموه الله التكذيب أنه من عند الرزاق ، وتجعلون الرزق من عند غير الله ، وذلك كفر ، فأما من جعل الرزق من عند الله - عز وجل - وجعل النجم وقتا وقته للغيث ، ولم يجعله المغيث الرزاق رجوت أن لا يكون مكذبا والله أعلم . قال : وهو معنى ما قاله أبو إسحاق وغيره من ذوي التمييز . قال أبو زيد : هذه الأنواء في غيبوبة هذه النجوم . قال أبو منصور : وأصل النوء : الميل في شق . وقيل لمن نهض بحمله : ناء به ؛ لأنه إذا نهض به وهو ثقيل أناء الناهض أي أماله . وكذلك النجم إذا سقط ، مائل نحو مغيبه الذي يغيب فيه ، وفي بعض نسخ الإصلاح : ما بالبادية أنوأ من فلان ، أي أعلم بأنواء النجوم منه ، ولا فعل له . وهذا أحد ما جاء من هذا الضرب من غير أن يكون له فعل ، وإنما هو من باب أحنك الشاتين ، وأحنك البعيرين . قال أبو عبيد : سئل ابن عباس - رضي الله عنه - عن رجل جعل أمر امرأته بيدها ، فقالت له : أنت طالق ثلاثا ، فقال ابن عباس : خطأ الله نوءها ألا طلقت نفسها ثلاثا . قال أبو عبيد : النوء هو النجم الذي يكون به المطر ، فمن همز الحرف أراد الدعاء عليها أي أخطأها المطر ، ومن قال خط الله نوءها جعله من الخطيطة . قال أبو سعيد : معنى النوء النهوض لا نوء المطر ، والنوء نهوض الرجل إلى كل شيء يطلبه ، أراد : خطأ الله منهضها ونوءها إلى كل ما تنويه ، كما تقول : لا سدد الله فلانا لما يطلب ، وهي امرأة قال لها زوجها : طلقي نفسك ، فقالت له : طلقتك ، فلم ير ذلك شيئا ، ولو عقلت لقالت : طلقت نفسي . وروى ابن الأثير هذا الحديث عن عثمان ، وقال فيه : إن الله خطأ نوءها ألا طلقت نفسها . وقال في شرحه : قيل هو دعاء عليها ، كما يقال : لا سقاه الله الغيث ، وأراد بالنوء الذي يجيء فيه المطر . وقال الحربي : هذا لا يشبه الدعاء إنما هو خبر ، والذي يشبه أن يكون دعاء حديث ابن عباس - رضي الله عنهما : خطأ الله نوءها ، والمعنى فيهما لو طلقت نفسها لوقع الطلاق ، فحيث طلقت زوجها لم يقع الطلاق ، وكانت كمن يخطئه النوء فلا يمطر . وناوأت الرجل مناوأة ونواء : فاخرته وعاديته . يقال : إذا ناوأت الرجل فاصبر ، وربما لم يهمز وأصله الهمز ؛ لأنه من ناء إليك ونؤت إليه أي نهض إليك ونهضت إليه . قال الشاعر :


إذا أنت ناوأت الرجال فلم تنؤ بقرنين     غرتك القرون الكوامل ولا يستوي قرن
النطاح الذي به تنوء وقرن     كلما نؤت مائل



والنوء والمناوأة : المعاداة . وفي الحديث في الخيل : ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام ، أي معاداة لهم . وفي الحديث : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على من ناوأهم . أي ناهضهم وعاداهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية