صفحة جزء
[ هنا ]

هنا : مضى هنو من الليل أي وقت . والهنو : أبو قبيلة أو قبائل ، وهو ابن الأزد . وهن المرأة : فرجها ، والتثنية هنان على القياس ، [ ص: 104 ] وحكى سيبويه هنانان ، ذكره مستشهدا على أن كلا ليس من لفظ كل ، وشرح ذلك أن هنانان ليس تثنية هن ، وهو في معناه ، كسبطر ليس من لفظ سبط ، وهو في معناه . أبو الهيثم : كل اسم على حرفين فقد حذف منه حرف . والهن : اسم على حرفين مثل الحر على حرفين ، فمن النحويين من يقول المحذوف من الهن والهنة الواو ، كان أصله هنو ، وتصغيره هني ، لما صغرته حركت ثانيه ففتحته وجعلت ثالث حروفه ياء التصغير ، ثم رددت الواو المحذوفة فقلت هنيو ، ثم أدغمت ياء التصغير في الواو فجعلتها ياء مشددة ، كما قلنا في أب وأخ إنه حذف منهما الواو وأصلهما أخو وأبو ; قال العجاج يصف ركابا قطعت بلدا :


جافين عوجا من جحاف النكت وكم طوين من هن وهنت

أي من أرض ذكر وأرض أنثى ، ومن النحويين من يقول أصل هن هن ، وإذا صغرت قلت هنين ; وأنشد :


يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم     أم الهنينين من زند لها واري

وأحد الهنينين هنين ، وتكبير تصغيره هن ثم يخفف فيقال هن . قال أبو الهيثم : وهي كناية عن الشيء يستفحش ذكره ، تقول : لها هن تريد لها حر كما قال العماني :


لها هن مستهدف الأركان     أقمر تطليه بزعفران
كأن فيه فلق الرمان

فكنى عن الحر بالهن ، فافهمه . وقولهم : يا هن أقبل ، يا رجل أقبل ، ويا هنان أقبلا ، ويا هنون أقبلوا ، ولك أن تدخل فيه الهاء لبيان الحركة ، فتقول يا هنه ، كما تقول لمه وماليه وسلطانيه ، ولك أن تشبع الحركة فتتولد الألف فتقول يا هناة أقبل ، وهذه اللفظة تختص بالنداء خاصة والهاء في آخره تصير تاء في الوصل ، معناه يا فلان كما يختص به قولهم يا فل ، ويا نومان ، ولك أن تقول يا هناه أقبل ، بهاء مضمومة ، ويا هنانيه أقبلا ، ويا هنوناه أقبلوا ، وحركة الهاء فيهن منكرة ، ولكن هكذا روى الأخفش ; وأنشد أبو زيد في نوادره لامرئ القيس :


وقد رابني قولها يا هنا     ه ويحك ألحقت شرا بشر

يعني كنا متهمين فحققت الأمر ، وهذه الهاء عند أهل الكوفة للوقف ، ألا ترى أنه شبهها بحرف الإعراب فضمها ؟ وقال أهل البصرة : هي بدل من الواو في هنوك وهنوات ، فلهذا جاز أن تضمها ; قال ابن بري : ولكن حكى ابن السراج عن الأخفش أن الهاء في هناه هاء السكت ، بدليل قولهم : يا هنانيه ، واستبعد قول من زعم أنها بدل من الواو ; لأنه يجب أن يقال يا هناهان في التثنية ، والمشهور يا هنانيه ، وتقول في الإضافة يا هني أقبل ، ويا هني أقبلا ، ويا هني أقبلوا ، ويقال للمرأة يا هنة أقبلي ، فإذا وقفت قلت يا هنه ; وأنشد :


أريد هنات من هنين وتلتوي     علي وآبى من هنين هنات

وقالوا : هنت ، بالتاء ساكنة النون ، فجعلوه بمنزلة بنت وأخت وهنتان وهنات ، تصغيرها هنية وهنيهة ، فهنية على القياس ، وهنيهة على إبدال الهاء من الياء في هنية للقرب الذي بين الهاء وحروف اللين ، والياء في هنية بدل من الواو في هنيوة ، والجمع هنات على اللفظ ، وهنوات على الأصل ; قال ابن جني : أما هنت فيدل على أن التاء فيها بدل من الواو قولهم : هنوات ; قال :


أرى ابن نزار قد جفاني وملني     على هنوات شأنها متتابع

وقال الجوهري في تصغيرها هنية ، تردها إلى الأصل وتأتي بالهاء كما تقول أخية وبنية ، وقد تبدل من الياء الثانية هاء فيقال هنيهة . وفي الحديث : أنه أقام هنية أي قليلا من الزمان ، وهو تصغير هنة ، ويقال هنيهة أيضا ، ومنهم من يجعلها بدلا من التاء التي في هنت ، قال : والجمع هنات ، ومن رد قال هنوات ; وأنشد ابن بري للكميت شاهدا لهنات :


وقالت لي النفس اشعب الصدع واهتبل     لإحدى الهنات المعضلات اهتبالها

وفي حديث ابن الأكوع : قال له ألا تسمعنا من هناتك أي من كلماتك أو من أراجيزك ، وفي رواية : من هنياتك ، على التصغير ، وفي أخرى : من هنيهاتك ، على قلب الياء هاء . وفي فلان هنوات أي خصلات شر ، ولا يقال ذلك في الخير . وفي الحديث : ستكون هنات وهنات فمن رأيتموه يمشي إلى أمة محمد ليفرق جماعتهم فاقتلوه ، أي شرور وفساد ، وواحدتها هنت ، وقد تجمع على هنوات ، وقيل : واحدتها هنة ، تأنيث هن ، فهو كناية عن كل اسم جنس . وفي حديث سطيح : ثم تكون هنات وهنات أي شدائد وأمور عظام . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : أنه دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت هنات من قرظ أي قطع متفرقة ; وأنشد الآخر في هنوات :


لهنك من عبسية لوسيمة     على هنوات كاذب من يقولها

ويقال في النداء خاصة : يا هناه ; بزيادة هاء في آخره تصير تاء في الوصل ، معناه يا فلان ، قال : وهي بدل من الواو التي في هنوك وهنوات ; قال امرؤ القيس :


وقد رابني قولها يا هنا     ه ويحك ألحقت شرا بشر

قال ابن بري في هذا الفصل من باب الألف اللينة : هذا وهم من الجوهري ; لأن هذه الهاء هاء السكت عند الأكثر ، وعند بعضهم بدل من الواو التي هي لام الكلمة منزلة منزلة الحرف الأصلي ، وإنما تلك الهاء التي في قولهم هنت التي تجمع هنات وهنوات ; لأن العرب تقف عليها بالهاء فتقول هنه ، وإذا وصلوها قالوا هنت فرجعت تاء ، قال ابن سيده : وقال بعض النحويين في بيت امرئ القيس ، قال : أصله هناو فأبدل الهاء من الواو في هنوات وهنوك ; لأن الهاء إذا قلت في باب شددت وقصصت فهي في باب سلس وقلق أجدر بالقلة فانضاف هذا إلى قولهم في معناه هنوك وهنوات ، فقضينا بأنها بدل من الواو ، ولو قال قائل إن الهاء في هناه إنما هي بدل من الألف المنقلبة من الواو الواقعة بعد ألف هناه إذ أصله هناو ، ثم صار هناء كما أن أصل عطاء عطاو ، ثم صار بعد القلب عطاء ، فلما صار هناء والتقت ألفان كره [ ص: 105 ] اجتماع الساكنين فقلبت الألف الأخيرة هاء ، فقالوا هناه ، كما أبدل الجميع من ألف عطاء الثانية همزة لئلا يجتمع همزتان ، لكان قولا قويا ، ولكان أيضا أشبه من أن يكون قلبت الواو في أول أحوالها هاء من وجهين : أحدهما أن من شريطة قلب الواو ألفا أن تقع طرفا بعد ألف زائدة ، وقد وقعت هنا كذلك ، والآخر أن الهاء إلى الألف أقرب منها إلى الواو ، بل هما في الطرفين ، ألا ترى أن أبا الحسن ذهب إلى أن الهاء مع الألف من موضع واحد ، لقرب ما بينهما ، فقلب الألف هاء أقرب من قلب الواو هاء ؟ قالأبو علي : ذهب أحد علمائنا إلى أن الهاء من هناه ، إنما ألحقت لخفاء الألف كما تلحق بعد ألف الندبة في نحو وازيداه ، ثم شبهت بالهاء الأصيلة فحركت فقالوا يا هناه . الجوهري : هن على وزن أخ ، كلمة كناية ، ومعناه شيء ، وأصله هنو . يقال : هذا هنك أي شيئك . والهن : الحر ; وأنشد سيبويه :


رحت وفي رجليك ما فيهما     وقد بدا هنك من المئزر

إنما سكنه للضرورة . وذهبت فهنيت : كناية عن فعلت من قولك هن ، وهما هنوان ، والجمع هنون ، وربما جاء مشددا للضرورة في الشعر كما شددوا لوا ; قال الشاعر :


ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة     وهني جاذ بين لهزمتي هن

وفي الحديث : من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا ، أي قولوا له عض بأير أبيك . وفي حديث أبي ذر : هن مثل الخشبة غير أني لا أكني يعني أنه أفصح باسمه ، فيكون قد قال أير مثل الخشبة ، فلما أراد أن يحكي كنى عنه . وقولهم : من يطل هن أبيه ينتطق به أي يتقوى بإخوته ; وهو كما قال الشاعر :


فلو شاء ربي كان أير أبيكم     طويلا كأير الحارث بن سدوس

وهو الحارث بن سدوس بن ذهل بن شيبان ; وكان له أحد وعشرون ذكرا . وفي الحديث : أعوذ بك من شر هني ، يعني الفرج . ابن سيده : قال بعض النحويين هنان وهنون أسماء لا تنكر أبدا ; لأنها كنايات وجارية مجرى المضمرة ، فإنما هي أسماء مصوغة للتثنية والجمع بمنزلة اللذين والذين ، وليس كذلك سائر الأسماء المثناة نحو زيد وعمرو ، ألا ترى أن تعريف زيد وعمرو إنما هما بالوضع والعلمية ، فإذا ثنيتهما تنكرا فقلت رأيت زيدين كريمين وعندي عمران عاقلان ، فإن آثرت التعريف بالإضافة أو باللام قلت الزيدان والعمران وزيداك وعمراك ، فقد تعرفا بعد التثنية من غير وجه تعرفهما قبلها ، ولحقا بالأجناس ففارقا ما كانا عليه من تعريف العلمية والوضع ; وقال الفراء في قول امرئ القيس :


وقد رابني قولها يا هنا     ه ويحك ألحقت شرا بشر

قال : العرب تقول : يا هن أقبل ، ويا هنوان أقبلا ، فقال : هذه اللغة على لغة من يقول هنوات ; وأنشد المازني :


على ما أنها هزئت وقالت     هنون أحن منشؤه قريب
فإن أكبر فإني في لداتي     وغايات الأصاغر للمشيب

قال : إنما تهزأ به ، قالت : هنون هذا غلام قريب المولد ، وهو شيخ كبير ، وإنما تهكم به ، وقولها : أحن أي وقع في محنة ، وقولها : منشؤه قريب أي مولده قريب ، تسخر منه . الليث : هن كلمة يكنى بها عن اسم الإنسان ، كقولك أتاني هن ، وأتتني هنة ، النون مفتوحة في هنة ، إذا وقفت عندها لظهور الهاء ، فإذا أدرجتها في كلام تصلها به سكنت النون ; لأنها بنيت في الأصل على التسكين ، فإذا ذهبت الهاء وجاءت التاء حسن تسكين النون مع التاء ، كقولك رأيت هنة مقبلة ، لم تصرفها ; لأنها اسم معرفة للمؤنث ، وهاء التأنيث إذا سكن ما قبلها صارت تاء مع الألف للفتح ; لأن الهاء تظهر معها لأنها بنيت على إظهار صرف فيها ، فهي بمنزلة الفتح الذي قبله ، كقولك الحياة القناة ، وهاء التأنيث أصل بنائها ، من التاء ولكنهم فرقوا بين تأنيث الفعل وتأنيث الاسم ، فقالوا في الفعل فعلت ، فلما جعلوها اسما قالوا فعلة ، وإنما وقفوا عند هذه التاء بالهاء من بين سائر الحروف ; لأن الهاء ألين الحروف الصحاح ، والتاء من الحروف الصحاح ، فجعلوا البدل صحيحا مثلها ، ولم يكن في الحروف حرف أهش من الهاء ; لأن الهاء نفس ، قال : وأما هن فمن العرب من يسكن ، يجعله كقد وبل ، فيقول : دخلت على هن يا فتى ، ومنهم من يقول هن ، فيجريها مجراها ، والتنوين فيها أحسن كقول رؤبة :


إذ من هن قول وقول من هن

والله أعلم . الأزهري : تقول العرب : يا هنا هلم ، ويا هنان هلم ، ويا هنون هلم . ويقال للرجل أيضا : يا هناه هلم ، ويا هنان هلم ، ويا هنون هلم ، ويا هناه ، وتلقى الهاء في الإدراج ، وفي الوقف يا هنتاه ، ويا هنات هلم ; هذه لغة عقيل وعامة قيس بعد . ابن الأنباري : إذا ناديت مذكرا بغير التصريح باسمه قلت يا هن أقبل ، وللرجلين : يا هنان أقبلا ، وللرجال : يا هنون أقبلوا ، وللمرأة : يا هنت أقبلي ، بتسكين النون ، وللمرأتين : يا هنتان أقبلا ، وللنسوة : يا هنات أقبلن ، ومنهم من يزيد الألف والهاء فيقول للرجل : يا هناه أقبل ، ويا هناه أقبل ، بضم الهاء وخفضها ; حكاهما الفراء ; فمن ضم الهاء قدر أنها آخر الاسم ، ومن كسرها قال كسرتها لاجتماع الساكنين ، ويقال في الاثنين على هذا المذهب : يا هنانيه أقبلا . الفراء : كسر النون وإتباعها الياء أكثر ، ويقال في الجمع على هذا المذهب : يا هنوناه أقبلوا ، قال : ومن قال للذكر يا هناه ويا هناه قال للأنثى يا هنتاه أقبلي ، ويا هنتاه ، وللاثنتين يا هنتانيه ، ويا هنتاناه أقبلا ، وللجمع من النساء يا هناتاه ; وأنشد :


وقد رابني قولها يا هنا     ه ويحك ألحقت شرا بشر

وفي الصحاح : ويا هنوناه أقبلوا . وإذا أضفت إلى نفسك قلت : يا هني أقبل ، وإن شئت قلت : يا هن أقبل ، وتقول : يا هني أقبلا ، وللجمع : يا هني أقبلوا ، فتفتح النون في التثنية وتكسرها في الجمع . وفي حديث أبي الأحوص الجشمي : ألست تنتجها وافية أعينها وآذانها فتجدع هذه وتقول صربى ، وتهن هذه وتقول بحيرة ، الهن والهن ، بالتخفيف والتشديد : كناية عن الشيء لا تذكره باسمه ، تقول أتاني هن وهنة ، مخففا ومشددا . وهننته أهنه هنا إذا أصبت منه هنا ، يريد أنك تشق آذانها أو تصيب شيئا من أعضائها ، وقيل : تهن هذه أي [ ص: 106 ] تصيب هن هذه أي الشيء منها كالأذن والعين ونحوها ; قال الهروي : عرضت ذلك على الأزهري فأنكره ، وقال : إنما هو وتهن هذه أي تضعفها ، يقال : وهنته أهنه وهنا ، فهو موهون أي أضعفته . وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وذكر ليلة الجن فقال : ثم إن هنينا أتوا عليهم ثياب بيض طوال ; قال ابن الأثير : هكذا جاء في مسند أحمد في غير موضع من حديثه مضبوطا مقيدا ، قال : ولم أجده مشروحا في شيء من كتب الغريب إلا أن أبا موسى ذكره في غريبه عقيب أحاديث الهن والهناة . وفي حديث الجن : فإذا هو بهنين كأنهم الزط ، ثم قال : جمعه جمع السلامة مثل كرة وكرين ، فكأنه أراد الكناية عن أشخاصهم . وفي الحديث : وذكر هنة من جيرانه أي حاجة ، ويعبر بها عن كل شيء . وفي حديث الإفك : قلت لها يا هنتاه ، أي يا هذه ، وتفتح النون وتسكن ، وتضم الهاء الأخيرة وتسكن ، وقيل : معنى يا هنتاه ، يا بلهاء ، كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرورهم . وفي حديث الصبي بن معبد : فقلت : يا هناه إني حريص على الجهاد . والهناة : الداهية ، والجمع كالجمع هنوات ; وأنشد :


على هنوات كلها متتابع

والكلمة يائية . وواوية ، والأسماء التي رفعها بالواو ونصبها بالألف وخفضها بالياء هي في الرفع : أبوك وأخوك وحموك وفوك وهنوك وذو مال ، وفي النصب : رأيت أباك وأخاك وفاك وحماك وهناك وذا مال ، وفي الخفض : مررت بأبيك وأخيك وحميك وفيك وهنيك وذي مال ; قال النحويون : يقال هذا هنوك للواحد في الرفع ، ورأيت هناك في النصب ومررت بهنيك في موضع الخفض ، مثل تصريف أخواتها كما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية