صفحة جزء
ورث

ورث : الوارث : صفة من صفات الله - عز وجل - ، وهو الباقي الدائم الذي يرث الخلائق ، ويبقى بعد فنائهم ، والله - عز وجل - يرث الأرض ومن عليها ، وهو خير الوارثين أي يبقى بعد فناء الكل ، ويفنى من سواه فيرجع ما كان ملك العباد إليه وحده لا شريك له . وقوله تعالى : أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس ; قال ثعلب : يقال إنه ليس في الأرض إنسان إلا وله منزل في الجنة ، فإذا لم يدخله هو ورثه غيره ; قال : وهذا قول ضعيف . ورثه ماله ومجده وورثه عنه ورثا ورثة ووراثة وإراثة . أبو زيد : ورث فلان أباه يرثه وراثة وميراثا وميراثا . وأورث الرجل ولده مالا إيراثا حسنا . ويقال : ورثت فلانا مالا أرثه ورثا وورثا إذا مات مورثك ، فصار ميراثه لك . وقال الله تعالى إخبارا عن زكريا ودعائه إياه : فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ; أي يبقى بعدي فيصير له ميراثي ; قال ابن سيده : إنما أراد يرثني ويرث من آل يعقوب النبوة ، ولا يجوز أن يكون خاف أن يرثه أقرباؤه المال ; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا ، فهو صدقة ; وقوله - عز وجل - : وورث سليمان داود ; قال الزجاج : جاء في التفسير أنه ورثه نبوته وملكه . وروي أنه كان لداود - عليه السلام - تسعة عشر ولدا ، فورثه سليمان - عليه السلام - من بينهم النبوة والملك . وتقول : ورثت أبي وورثت الشيء من أبي أرثه ، بالكسر فيهما ، ورثا ووراثة وإرثا ، الألف منقلبة من الواو ، ورثة ، الهاء عوض من الواو ، وإنما سقطت الواو من المستقبل لوقوعها بين ياء وكسرة ، وهما متجانسان والواو مضادتهما ، فحذفت لاكتنافهما إياها ، ثم جعل حكمها مع الألف والتاء والنون كذلك ؛ لأنهن مبدلات منها ، والياء هي الأصل ، يدلك على ذلك أن فعلت وفعلنا وفعلت مبنيات على فعل ، ولم تسقط الواو من يوجل لوقوعها بين ياء وفتحة ، ولم تسقط الياء من ييعر وييسر لتقوي إحدى الياءين بالأخرى ، وأما سقوطها من يطأ ويسع فلعلة أخرى مذكورة في باب الهمز ، قال : وذلك لا يوجب فساد ما قلناه ; لأنه لا يجوز تماثل الحكمين مع اختلاف العلتين . وتقول : أورثه الشيء أبوه ، وهم ورثة فلان ، وورثه توريثا أي أدخله في ماله على ورثته ، وتوارثوه كابرا عن كابر . وفي الحديث : أنه أمر أن تورث دور المهاجرين ، النساء تخصيص النساء بتوريث الدور ; قال ابن الأثير : يشبه أن يكون على معنى القسمة بين الورثة ، وخصصهن بها ؛ لأنهن بالمدينة غرائب لا عشيرة لهن ، فاختار لهن المنازل للسكنى ; قال : ويجوز أن تكون الدور في أيديهن على سبيل الرفق بهن ، لا للتمليك كما كانت حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيدي نسائه بعده . ابن الأعرابي : الورث والورث والإرث والوراث والإراث والتراث واحد . الجوهري : الميراث أصله موراث ، انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها ، والتراث أصل التاء فيه واو . ابن سيده : والورث والتراث والميراث : ما ورث ; وقيل : الورث والميراث في المال والإرث في الحسب . وقال بعضهم : ورثته ميراثا ; قال ابن سيده : وهذا خطأ ; لأن مفعالا ليس من أبنية المصادر ، ولذلك رد أبو [ ص: 190 ] علي قول من عزا إلى ابن عباس أن المحال من قوله - عز وجل - : وهو شديد المحال ، من الحول قال : لأنه لو كان كذلك لكان مفعلا ، ومفعل ليس من أبنية المصادر ، فافهم . وقوله - عز وجل - : ولله ميراث السماوات والأرض ، أي الله يفني أهلهما فتبقيان بما فيهما ، وليس لأحد فيهما ملك فخوطب القوم بما يعقلون لأنهم يجعلون ما رجع إلى الإنسان ميراثا له إذ كان ملكا له وقد أورثنيه . وفي التنزيل العزيز : وأورثنا الأرض ، أي أورثنا أرض الجنة نتبوأ منها من المنازل حيث نشاء . وورث في ماله : أدخل فيه من ليس من أهل الوراثة . الأزهري : ورث بني فلان ماله توريثا ، وذلك إذا أدخل على ولده وورثته في ماله من ليس منهم ، فجعل له نصيبا . وأورث ولده : لم يدخل أحدا معه في ميراثه ، هذه عن أبي زيد . وتوارثناه : ورثه بعضنا عن بعض قدما . ويقال : ورثت فلانا من فلان أي جعلت ميراثه له . وأورث الميت وارثه ماله أي تركه له . وفي الحديث في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : اللهم أمتعني بسمعي وبصري ، واجعلهما الوارث مني ; قال ابن شميل : أي أبقهما معي صحيحين سليمين حتى أموت ; وقيل : أراد بقاءهما وقوتهما عند الكبر وانحلال القوى النفسانية ، فيكون السمع والبصر وارثي سائر القوى والباقيين بعدها ; وقال غيره : أراد بالسمع وعي ما يسمع والعمل به ، وبالبصر الاعتبار بما يرى ونور القلب الذي يخرج به من الحيرة والظلمة إلى الهدى ; وفي رواية : واجعله الوارث مني ; فرد الهاء إلى الإمتاع ، فلذلك وحده . وفي حديث الدعاء أيضا : وإليك مآبي ولك تراثي ; التراث : ما يخلفه الرجل لورثته ، والتاء فيه بدل من الواو . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : بعث ابن مربع الأنصاري إلى أهل عرفة ، فقال : اثبتوا على مشاعركم هذه ; فإنكم على إرث من إرث إبراهيم . قال أبو عبيد : الإرث أصله من الميراث ، إنما هو ورث فقلبت الواو ألفا مكسورة لكسرة الواو ، كما قالوا للوسادة إسادة ، وللوكاف إكاف ، فكأن معنى الحديث : أنكم على بقية من ورث إبراهيم الذي ترك الناس عليه بعد موته ، وهو الإرث ; وأنشد :


فإن تك ذا عز حديث فإنهم لهم إرث مجد لم تخنه زوافره



وقول بدر بن عامر الهذلي :


ولقد توارثني الحوادث واحدا     ضرعا صغيرا ثم لا تعلوني



أراد أن الحوادث تتداوله ، كأنها ترثه هذه عن هذه . وأورثه الشيء : أعقبه إياه . وأورثه المرض ضعفا والحزن هما ، كذلك . وأورث المطر النبات نعمة ، وكله على الاستعارة والتشبيه بوراثة المال والمجد . وورث النار : لغة في أرث ، وهي الورثة . وبنو ورثة : ينسبون إلى أمهم . وورثان : موضع ; قال الراعي :


فغدا من الأرض التي لم يرضها     واختار ورثانا عليها منزلا



ويروى : أرثانا على البدل المطرد في هذا الباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية