صفحة جزء
باب الهمزة والميم وما بعدهما في الثلاثي

( أمن ) الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان : أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة ، ومعناها سكون القلب ، والآخر التصديق . والمعنيان كما قلنا متدانيان . قال الخليل : الأمنة من الأمن . والأمان إعطاء الأمنة . والأمانة ضد الخيانة .

[ ص: 134 ] يقال : أمنت الرجل أمنا وأمنة وأمانا ، وآمنني يؤمنني إيمانا . والعرب تقول : رجل أمان : إذا كان أمينا . قالالأعشى :


ولقد شهدت التاجر ال أمان مورودا شرابه

وما كان أمينا ولقد أمن . قال أبو زيد : الأمين المؤتمن . قال النابغة :


وكنت أمينه لو لم تخنه     ولكن لا أمانة لليماني

وقال حسان :


وأمين حفظته سر نفسي     فوعاه حفظ الأمين الأمينا

الأول مفعول والثاني فاعل ، كأنه قال : حفظ المؤتمن المؤتمن . وبيت آمن ذو أمن . قال الله تعالى : رب اجعل هذا البلد آمنا . وأنشد اللحياني :


ألم تعلمي يا اسم ويحك أنني     حلفت يمينا لا أخون أميني

، أي : آمني . وقال اللحياني وغيره : رجل أمنة : إذا كان يأمنه الناس ولا يخافون غائلته; وأمنة بالفتح يصدق ما سمع ولا يكذب بشيء ، يثق بالناس . فأما قولهم : أعطيت فلانا من آمن مالي فقالوا : معناه من أعزه علي . وهذا وإن كان كذا فالمعنى معنى الباب كله ، لأنه إذا كان من أعزه عليه فهو الذي تسكن نفسه . وأنشدوا قول القائل :


ونقي بآمن مالنا أحسابنا     ونجر في الهيجا الرماح وندعي

[ ص: 135 ] وفي المثل : " من مأمنه يؤتى الحذر " ويقولون : " البلوي أخوك ولا تأمنه " ، يراد به التحذير .

وأما التصديق فقول الله تعالى : وما أنت بمؤمن لنا أي : مصدق لنا . وقال بعض أهل العلم : إن " المؤمن " في صفات الله تعالى هو أن يصدق ما وعد عبده من الثواب . وقال آخرون : هو مؤمن لأوليائه يؤمنهم عذابه ولا يظلمهم . فهذا قد عاد إلى المعنى الأول . ومنه قول النابغة :


والمؤمن العائذات الطير يمسحها     ركبان مكة بين الغيل والسعد

ومن الباب الثاني - والله أعلم - قولنا في الدعاء : " آمين " قالوا : تفسيره : اللهم افعل ، ويقال : هو اسم من أسماء الله تعالى . قال :


تباعد مني فطحل وابن أمه     أمين فزاد الله ما بيننا بعدا

وربما مدوا ، وحجته قوله :


يا رب لا تسلبني حبها أبدا     ويرحم الله عبدا قال آمينا

[ ص: 136 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية