صفحة جزء
( أنف ) الهمزة والنون والفاء أصلان منهما يتفرع مسائل الباب كلها : أحدهما أخذ الشيء من أوله ، والثاني أنف كل ذي أنف . وقياسه التحديد . فأما الأصل الأول فقال الخليل : استأنفت كذا ، أي : رجعت إلى أوله ، وائتنفت ائتنافا . ومؤتنف الأمر : ما يبتدأ فيه . ومن هذا الباب قولهم : فعل كذا آنفا ، كأنه ابتداؤه . وقال الله تعالى : قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا .

والأصل الثاني الأنف ، معروف ، والعدد آنف ، والجمع أنوف . وبعير مأنوف يساق بأنفه ، لأنه إذا عقره الخشاش انقاد . وبعير أنف وآنف مقصور ممدود . ومنه الحديث : المسلمون هينون لينون ، كالجمل الأنف ، إن قيد انقاد وإن أنيخ استناخ . ورجل أنافي عظيم الأنف . وأنفت الرجل : ضربت أنفه . وامرأة أنوف طيبة ريح الأنف . فأما قولهم : أنف من كذا ، فهو من الأنف أيضا ، وهو كقولهم للمتكبر : " ورم أنفه " . ذكر الأنف دون سائر الجسد لأنه يقال : شمخ بأنفه ، يريد رفع رأسه كبرا ، وهذا يكون من الغضب . قال :


ولا يهاج إذا ما أنفه ورما

أي : لا يكلم عند الغضب . ويقال : " وجعه حيث لا يضع الراقي أنفه " . يضرب لما لا دواء له . قال أبو عبيدة : بنو أنف الناقة بنو جعفر بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد ، يقال : إنهم نحروا جزورا كانوا غنموها في بعض غزواتهم ، [ ص: 147 ] وقد تخلف جعفر بن قريع ، فجاء ولم يبق من الناقة إلا الأنف فذهب به ، فسموه به . هذا قول أبي عبيدة . وقال الكلبي : سموا بذلك لأن قريع بن عوف نحر جزورا وكان له أربع نسوة ، فبعث إليهن بلحم خلا أم جعفر ، فقالت أم جعفر : اذهب واطلب من أبيك لحما . فجاء ولم يبق إلا الأنف فأخذه فلزمه وهجي به . ولم يزالوا يسبون بذلك ، إلى أن قال الحطيئة :


قوم هم الأنف والأذناب غيرهم     ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا

فصار بذلك مدحا لهم . وتقول العرب : فلان أنفي ، أي : عزي ومفخري . قال شاعر :


وأنفي في المقامة وافتخاري

قال الخليل : أنف اللحية طرفها ، وأنف كل شيء أوله . قال :


وقد أخذت من أنف لحيتك اليد

وأنف الجبل : أوله وما بدا لك منه . قال :


خذا أنف هرشى أوقفاها فإنه     كلا جانبي هرشى لهن طريق

قال يعقوب : أنف البرد : أشده . وجاء يعدو أنف الشد ، أي : أشده . وأنف الأرض : ما استقبل الأرض من الجلد والضواحي . ورجل مئناف : يسير في أنف النهار . وخمرة أنف أول ما يخرج منها . قال :

[ ص: 148 ]

أنف كلون دم الغزال معتق     من خمر عانة أو كروم شبام

وجارية أنف مؤتنفة الشباب . قال ابن الأعرابي : أنفت السراج : إذا أحددت طرفه وسويته ، ومنه يقال في مدح الفرس : " أنف تأنيف السير " ، أي : قد وسوي كما يسوى السير . قال الأصمعي : سنان مؤنف ، أي : محدد . قال :


بكل هتوف عجسها رضوية     وسهم كسيف الحميري المؤنف

والتأنيف في العرقوب : التحديد ، ويستحب ذلك من الفرس .

التالي السابق


الخدمات العلمية