صفحة جزء
( أم ) وأما الهمزة والميم فأصل واحد ، يتفرع منه أربع أبواب ، وهي الأصل والمرجع والجماعة والدين ، وهذه الأربعة متقاربة ، وبعد ذلك أصول ثلاثة ، وهي القامة والحين والقصد ، قال الخليل : الأم : الواحد ، والجمع أمهات ، وربما قالوا : أم وأمات . قال شاعر ، وجمع بين اللغتين :

[ ص: 22 ]

إذا الأمهات قبحن الوجوه فرجت الظلام بأماتكا

وقال الراعي :


أماتهن وطرقهن فحيلا

وتقول العرب : " لا أم له " في المدح والذم جميعا . قال أبو عبيدة : ما كنت أما ولقد أممت أمومة . وفلانة تؤم فلانا ، أي : تغذوه ، أي : تكون له أما تغذوه وتربيه . قال :


نؤمهم ونأبوهم جميعا     كما قد السيور من الأديم

أي : نكون لهم أمهات وآباء . وأنشد :


اطلب أبا نخلة من يأبوكا     فكلهم ينفيك عن أبيكا

وتقول : أم وأمة ، بالهاء . قال :


تقبلتها من أمة لك طالما     تنوزع في الأسواق عنها خمارها

قال الخليل : كل شيء يضم إليه ما سواه مما يليه فإن العرب تسمي ذلك الشيء أما . ومن ذلك أم الرأس وهو الدماغ . تقول : أممت فلانا بالسيف والعصا أما : إذا ضربته ضربة تصل إلى الدماغ . والأميم : المأموم ، وهي أيضا الحجارة التي تشدخ بها الرؤوس; قال :


بالمنجنيقات وبالأمائم

[ ص: 23 ] والشجة الآمة : التي تبلغ أم الدماغ ، وهي المأمومة أيضا . قال :


يحج مأمومة في قعرها لجف     فاست الطبيب قذاها كالمغاريد

قال أبو حاتم : بعير مأموم : إذا أخرجت من ظهره عظام فذهبت قمعته . قال :


ليس بمأموم ولا أجب

قال الخليل : أم التنائف : أشدها وأبعدها . وأم القرى : مكة; وكل مدينة هي أم ما حولها من القرى ، وكذلك أم رحم . وأم القرآن : فاتحة الكتاب . وأم الكتاب : ما في اللوح المحفوظ . وأم الرمح : لواؤه وما لف عليه . قال :


وسلبن الرمح فيه أمه     من يد العاصي وما طال الطول

وتقول العرب للمرأة التي ينزل عليها : أم مثوى ، وللرجل أبو مثوى . قال ابن الأعرابي : أم مرزم : الشمال ، قال :


إذا هو أمسى بالحلاءة شاتيا     تقشر أعلى أنفه أم مرزم

[ ص: 24 ] وأم كلبة : الحمى . ففيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لزيد الخيل : أبرح فتى إن نجا من أم كلبة . وكذلك أم ملدم . وأم النجوم : السماء . قال تأبط شرا :


يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي     بحيث اهتدت أم النجوم الشوابك

أخبرنا أبو بكر بن السنى ، أخبرنا الحسين بن مسبح ، عن أبي حنيفة قال : أم النجوم : المجرة ، لأنه ليس من السماء بقعة أكثر عدد كواكب منها ، قال تأبط شرا ، وقد ذكرنا البيت . وقال ذو الرمة :


بشعث يشجون الفلا في رؤوسه     إذا حولت أم النجوم الشوابك

" حولت " يريد أنها تنحرف . وأم كفات : الأرض . وأم القراد ، في مؤخر الرسغ فوق الخف ، وهي التي تجتمع فيها القردان كالسكرجة . قال أبو النجم :


للأرض من أم القراد الأطحل

[ ص: 25 ] وأم الصدى هي أم الدماغ . وأم عويف : دويبة منقطة ، إذا رأت الإنسان قامت على ذنبها ونشرت أجنحتها ، يضرب بها المثل في الجبن . قال :


يا أم عوف نشري برديك     إن الأمير واقف عليك

ويقال : هي الجرادة . وأم حمارس دويبة سوداء كثيرة القوائم .

وأم صبور : الأمر الملتبس ، ويقال : هي الهضبة التي ليس لها منفذ . وأم غيلان : شجرة كثيرة الشوك . وأم اللهيم : المنية . وأم حبين : دابة . وأم الطريق : معظمه . وأم وحش : المفازة ، وكذلك أم الظباء . قال :


وهانت على أم الظباء بحاجتي     إذا أرسلت تربا عليه سحوق

وأم صبار : الحرة . قال النابغة :


تدافع الناس عنا حين نركبها     من المظالم تدعى أم صبار

وأم عامر ، وأم الطريق : الضبع . قال يعقوب : أم أوعال : هضبة بعينها . قال :


وأم أوعال كها أو أقربا

[ ص: 26 ] وأم الكف : اليد . قال :


ليس له في أم كف إصبع

وأم البيض : النعامة . قال أبو دؤاد :


وأتانا يسعى تفرش أم ال     بيض . . .

وأم عامر : المفازة . وأم كليب : شجيرة لها نور أصفر . وأم عريط : العقرب . وأم الندامة : العجلة . وأم قشعم ، وأم خشاف ، وأم الرقوب ، وأم الرقم ، وأم أريق ، وأم ربيق ، وأم جندب ، وأم البليل ، وأم الربيس ، وأم حبوكرى ، وأم أدرص ، وأم نآد ، كلها كنى الداهية . وأم فروة : النعجة . وأم سويد وأم عزم : سافلة الإنسان . وأم جابر : إياد . وأم شملة : الشمال الباردة . وأم غرس : الركية .

[ ص: 27 ] وأم خرمان : طريق . وأم الهشيمة : شجرة عظيمة من يابس الشجر . قال الفرزدق يصف قدرا :


إذا أطعمت أم الهشيمة أرزمت     كما أرزمت أم الحوار المجلد

وأم الطعام : البطن . قال :


ربيته وهو مثل الفرخ أعظمه     أم الطعام ترى في جلده زغبا

قال الخليل : الأمة : الدين ، قال الله تعالى : إنا وجدنا آباءنا على أمة . وحكى أبو زيد : لا أمة له ، أي : لا دين له . وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زيد بن عمرو بن نفيل : يبعث أمة وحده .

وكذلك كل من كان على دين حق مخالف لسائر الأديان فهو أمة . وكل قوم نسبوا إلى شيء وأضيفوا إليه فهم أمة ، وكل جيل من الناس أمة على حدة . وفي الحديث : لولا أن هذه الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ، ولكن اقتلوا منها كل أسود بهيم . فأما قوله تعالى : كان الناس أمة واحدة ، فقيل : كانوا كفارا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين . وقيل : بل كان جميع من مع نوح عليه السلام في السفينة مؤمنا ثم تفرقوا . وقيل : إن إبراهيم كان أمة ، أي : إماما يهتدى به ، وهو سبب الاجتماع . وقد تكون الأمة جماعة العلماء ، كقوله تعالى : [ ص: 28 ] ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، وقال الخليل : الأمة : القامة ، تقول العرب : إن فلانا لطويل الأمة ، وهم طوال الأمم ، قال الأعشى :


وإن معاوية الأكرمين     حسان الوجوه طوال الأمم

قال الكسائي : أمة الرجل بدنه ووجهه . قال ابن الأعرابي : الأمة : الطاعة والرجل العالم . قال أبو زيد : يقال : إنه لحسن أمة الوجه ، يغزون السنة . ولا أمة لبني فلان ، أي : ليس لهم وجه يقصدون إليه لكنهم يخبطون خبط عشواء . قال اللحياني : ما أحسن أمته ، أي : خلقه . قال أبو عبيد : الأمي في اللغة : المنسوب إلى ما عليه جبلة الناس لا يكتب ، فهو [ في ] أنه لا يكتب على ما ولد عليه . قال : وأما قول النابغة :


وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع

فمن رفعه أراد سنة ملكة ، ومن جعله مكسورا جعله دينا من الائتمام ، كقولك : ائتم بفلان إمة . والأمة في قوله تعالى : وادكر بعد أمة ، أي بعد حين . والإمام : كل من اقتدي به وقدم في الأمور . والنبي صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة ، والخليفة إمام الرعية ، والقرآن إمام المسلمين . قال الخليل : الإمة : النعمة . قال الأعشى :

[ ص: 29 ]

وأصاب غزوك إمة فأزالها

قال : ويقال للخيط الذي يقوم عليه البناء : إمام . قال الخليل : الأمام : القدام ، يقول : صدرك أمامك ، رفع لأنه جعله اسما ، ويقول : أخوك أمامك ، نصب لأنه في حال الصفة يعني به ما بين يديه ، وأما قول لبيد :


فغدت كلا الفرجين تحسب أنه     مولى المخافة خلفها وأمامها

فإنه رد الخلف والأمام على الفرجين ، كقولك : كلا جانبيك مولى المخافة يمينك وشمالك ، أي : صاحبها ووليها ، قال أبو زيد : امض يمامي ، في معنى : امض أمامي . ويقال : يمامي ويمامتي . قال :


فقل جابتي لبيك واسمع يمامتي

وقال الأصمعي : " أمامها لقيت أمة عملها " أي : حيثما توجهت وجدت عملا . ويقولون : " أمامك ترى أثرك " ، أي : ترى ما قدمت . قال أبو عبيدة : ومن أمثالهم :


    رويد تبين ما أمامة من هند

[ ص: 30 ] يقول : تثبت في الأمر ولا تعجل يتبين لك . قال الخليل : الأمم : الشيء اليسير الحقير ، تقول : فعلت شيئا ما هو بأمم ولا دون . والأمم : الشيء القريب المتناول . قال :


كوفية نازح محلتها     لا أمم دارها ولا صقب

قال أبو حاتم : قال أبو زيد : يقال : أمم ، أي : [ صغير ، و ] عظيم ، من الأضداد . وقال ابن قميئة في الصغير :


يا لهف نفسي على الشباب ولم     أفقد به إذ فقدته أمما

قال الخليل : الأمم : القصد . قال يونس : هذا أمر مأموم : يأخذ به الناس . قال أبو عمرو : رجل مئم ، أي : يؤم البلاد بغير دليل . قال :


احذرن جواب الفلا مئما

وقال الله تعالى : ولا آمين البيت الحرام ، جمع " آم " يؤمون بيت الله ، أي : يقصدونه . قال الخليل : التيمم يجري مجرى التوخي ، يقال له : تيمم أمرا حسنا وتيمموا أطيب ما عندكم تصدقوا به . والتيمم بالصعيد من هذا المعنى ، أي : توخوا أطيبه وأنظفه وتعمدوه . فصار التيمم في أفواه العامة فعلا للتمسح بالصعيد ، حتى يقولوا قد تيمم فلان بالتراب . وقال الله تعالى : فتيمموا صعيدا طيبا ، أي : تعمدوا . قال :

[ ص: 31 ]

إن تك خيلي قد أصيب صميمها     فعمدا على عين تيممت مالكا

وتقول : يممت فلانا بسهمي ورمحي ، أي : توخيته دون من سواه ، قال :


يممته الرمح شزرا ثم قلت له     هذه المروة لا لعب الزحاليق

ومن قال في هذا المعنى : أممته ، فقد أخطأ لأنه قال " شزرا " ولا يكون الشزر إلا من ناحية ، وهو لم يقصد به أمامه . قال الكسائي : الأمامة الثمانون من الإبل . قال :


فمن وأعطاني الجزيل وزادني     أمامة يحدوها إلي حداتها

والأم : الرئيس ، يقال : هو أمهم . قال الشنفرى :


وأم عيال قد شهدت تقوتهم     إذا أطعمتهم أحترت وأقلت

أراد بأم العيال رئيسهم الذي كان يقوم بأمرهم ، ويقال : إنه كان تأبط شرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية