صفحة جزء
( برح ) الباء والراء والحاء أصلان يتفرع عنهما فروع كثيرة . فالأول : الزوال والبروز والانكشاف . والثاني : الشدة والعظم وما أشبههما .

أما الأول فقال الخليل : برح يبرح براحا : إذا رام من موضعه ، وأبرحته أنا . قال العامري : يقول الرجل لراحلته إذا كانت بطيئة : لا تبرح براحا ينتفع به . ويقول : ما برحت أفعل ذلك ، في معنى مازلت . قال الله تعالى حكاية عمن قال : لن نبرح عليه عاكفين ، أي : لن نزال . وأنشد :


فأبرح ما أدام الله قومي بحمد الله منتطقا مجيدا

أي : لا أزال . ومجيد : صاحب فرس جواد ، ومنتطق : قد شد عليه النطاق . ويقول العرب : " برح الخفاء " أي انكشف الأمر . وقال :


برح الخفاء فما لدي تجلد

قال الفراء : وبرح بالفتح أيضا ، أي : مضى ، ومنه سميت البارحة . قالوا :

[ ص: 239 ] البارحة الليلة التي قبل ليلتك ، صفة غالبة لها . حتى صار كالاسم . وأصلها من برح ، أي : زال عن موضعه .

قال أبو عبيدة في المثل : " ما أشبه الليلة بالبارحة " للشيء ينتظره خيرا من شيء ، فيجيء مثله .

قال أبو عبيد : البراح المكاشفة ، يقال : بارح براحا كاشف . وأحسب أن البارح الذي هو خلاف السانح من هذا; لأنه شيء يبرز ويظهر . قال الخليل : البروح مصدر البارح وهو خلاف السانح ، وذلك من الظباء والطير يتشاءم به أو يتيمن ، قال :


وهن يبرحن له بروحا     وتارة يأتينه سنوحا

وتقول العرب في أمثالها : " هو كبارح الأروى ، قليلا ما يرى " . يضرب لمن لا يكاد يرى ، أو لا يكون الشيء منه إلا في الزمان مرة . وأصله أن الأروى مساكنها الجبال وقنانها ، فلا يكاد الناس يرونها سانحة ولا بارحة إلا في الدهر مرة . وقد ذكرنا اختلاف الناس في ذلك في كتاب السين ، عند ذكرنا للسانح . ويقال في قولهم : " هو كبارح الأروى " إنه مشئوم من وجهين : وذلك أن الأروى يتشاءم بها حيث أتت ، فإذا برحت كان أعظم لشؤمها .

والأصل الآخر قال أبو عبيد : يقال : ما أبرح هذا الأمر ، أي : أعجبه . وأنشد للأعشى :

[ ص: 240 ]

فأبرحت ربا وأبرحت جارا

وقالوا : معناه أعظمت ، والمعنى واحد . قال ابن الأعرابي : يقال : أبرحت بفلان ، أي : حملته على ما لا يطيق فتبرح به وغمه . وأنشد :


أبرحت مغروسا وأنعمت غارسا

ابن الأعرابي : البريح التعب . قال أبو وجزة :


على قعود قد ونى وقد لغب     به مسيح وبريح وصخب

المسيح : العرق . أبو عمرو : ويقال : أبرحت لؤما وأبرحت كرما . ويقال : برحى له : إذا تعجبت له . ويقال : البعير برحة من البرح ، أي : خيار . وأعطني من برح إبلك ، أي : من خيارها .

قال الخليل : يقال : برح فلان تبريحا فهو مبرح : إذا أذى بالإلحاح; والاسم البرح . قال ذو الرمة :

والهوى برح على من يطالبه

والتباريح : الكلفة والمشقة . وضربه ضربا مبرحا . وهذا الأمر أبرح علي من ذاك ، أي : أشق . قال ذو الرمة :

[ ص: 241 ]

أنينا وشكوى بالنهار كثيرة     علي وما يأتي به الليل أبرح

، أي : أشق . ويقال : لقيت منه البرحين والبرحين وبنات برح وبرحا بارحا . ومن هذا الباب البوارح من الرياح ، لأنها تحمل التراب لشدة هبوبها . قال ذو الرمة :


لا بل هو الشوق من دار تخونها     مرا سحاب ومرا بارح ترب

فأما قول القائل عند الرامي إذا أخطأ : برحى ، على وزن فعلى ، فقال ابن دريد وغيره : إنه من الباب ، كأنه قال خطة برحى ، أي : شديدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية