صفحة جزء
( عن ) العين والنون أصلان ، أحدهما يدل على ظهور الشيء وإعراضه ، والآخر يدل على الحبس .

فالأول قول العرب : عن لنا كذا يعن عنونا ، إذا ظهر أمامك . قال :


فعن لنا سرب كأن نعاجه عذارى دوار في ملاء مذيل



قال ابن الأعرابي : العنان : ما عن لك من شيء . قال الخليل : عنان السماء : ما عن لك منها إذا نظرت إليها . فأما قول الشماخ :


طوى ظمأها في بيضة القيظ بعدما     جرت في عنان الشعريين الأماعز



فرواه قوم كذا بالفتح : " عنان " ، ورواه أبو عمرو : " في عنان الشعريين " ، يريد أول بارح الشعريين .

قال أبو عبيدة : وفي المثل : " معترض لعنن لم يعنه " .

وقال الخليل : العنون من الدواب وغيرها : المتقدم في السير . قال :


كأن الرحل شد به خنوف     من الجونات هادية عنون



[ ص: 20 ] قال الفراء : العنان : المعانة ، وهي المعارضة والمعاندة . وأنشد :


ستعلم إن دارت رحى الحرب بيننا     عنان الشمال من يكونن أضرعا



قال ابن الأعرابي : شارك فلان فلانا شركة عنان ، وهو أن يعن لبعض ما في يده فيشاركه فيه ، أي يعرض . وأنشد :


مابدل من أم عثمان سلفع     من السود ورهاء العنان عروب



قال : عروب ، أي فاسدة . من قولهم عربت معدته ، أي فسدت . قال أبو عبيدة : المعن من الخيل : الذي لا يرى شيئا إلا عارضه . قال : والمعن : الخطيب الذي يشتد نظره ويبتل ريقه ويبعد صوته ولا يعييه فن من الكلام . قال :


معن بخطبته مجهر



ومن الباب : عنوان الكتاب; لأنه أبرز ما فيه وأظهره . يقال عننت الكتاب أعنه عنا ، وعنونته ، وعننته أعننه تعنينا . وإذا أمرت قلت عننه .

قال ابن السكيت : يقال لقيته عين عنة ، أي فجأة ، كأنه عرض لي من غير طلب . قال طفيل :


إذا انصرفت من عنة بعد عنة



[ ص: 21 ] ويقال إن الجبل الذاهب في السماء يقال [ له ] عان ، وجمعها عوان .

وأما الأصل الآخر ، وهو الحبس ، فالعنة ، وهي الحظيرة ، والجمع عنن . قال أبو زياد : العنة : بناء تبنيه من حجارة ، والجمع عنن . قال الأعشى :


ترى اللحم من ذابل قد ذوى     ورطب يرفع فوق العنن



يقال : عننت البعير : حبسته في العنة . وربما استثقلوا اجتماع النونات فقلبوا الآخرة ياء ، كما يقولون :


تقضي البازي إذا البازي كسر



فيقولون عنيت . قال :


قطعت الدهر كالسدم المعنى     تهدر في دمشق ولا تريم



يراد به المعنن . قال بعضهم : الفحل ليس بالرضا عندهم يعرض على ثيله عود ، فإذا تنوخ الناقة ليطرقها منعه العود . وذلك العود النجاف . فإذا أرادوا ذلك نحوه وجاؤوا بفحل أكرم منه فأضربوه إياها ، فسموا الأول المعنى . وأنشد :


تعنيت للموت الذي هو نازل



يريد : حبست نفسي عن الشهوات كما صنع بالمعنى . وفي المثل : " هو كالمهدر في العنة " . قال : والرواية المشهورة : تعننت ، وهو من العنين الذي لا يأتي النساء .

[ ص: 22 ] ومن الباب : عنان الفرس ، لأنه يحتبس ، وجمعه أعنة وعنن . الكسائي : أعننت الفرس : جعلت له عنانا . وعننته : حبسته بعنانه . فأما المرأة المعننة فذلك على طريقة التشبيه ، وإنما هي اللطيفة البطن ، المهفهفة ، التي جدلت جدل العنان . وأنشد :


وفي الحي بيضات دارية     دهاس معننة المرتدى



قال أبو حاتم : عنان المتن حبلاه . وهذا أيضا على طريقة التشبيه . قال رؤبة :


إلى عناني ضامر لطيف



والأصل في العنان ما ذكرناه في الحبس .

وللعرب في العنان أمثال ، يقولون : " ذل لي عنانه " ، إذا انقاد . و " هو شديد العنان " ، إذا كان لا ينقاد . و " أرخ من عنانه " أي رفه عنه . و " ملأت عنان الفرس " ، أي بلغت مجهوده في الحضر . قال :


حرف بعيد من الحادي إذا ملأت     شمس النهار عنان الأبرق الصخب



يريد إذا بلغت الشمس مجهود الجندب ، وهو الأبرق . ويقولون : " هما يجريان في عنان واحد " إذا كانا مستويين في عمل أو فضل . و " جرى فلان عنانا أو عنانين " ، أي شوطا أو شوطين . قال الطرماح :

[ ص: 23 ]

سيعلم كلهم أني مسن     إذا رفعوا عنانا عن عنان



قال ابن السكيت : " فلان طرب العنان " يراد به الخفة والرشاقة . و " فلان طويل العنان " ، أي لا يذاد عما يريد ، لشرفه أو لماله . قال الحطيئة :


مجد تليد وعنان طويل



وقال بعضهم : ثنيت على الفرس عنانه ، أي ألجمته . واثن على فرسك عنانه ، أي ألجمه . قال ابن مقبل :


وحاوطني حتى ثنيت عنانه     على مدبر العلباء ريان كاهله



وأما قول الشاعر :


ستعلم إن دارت رحى الحرب بيننا     عنان الشمال من يكونن أضرعا



فإن أبا عبيدة قال : أراد بقوله : عنان الشمال ، يعني السير الذي يعلق به في شمال الشاة ، ولقبه به . وقال غيره : الدابة لا تعطف إلا من شمالها . فالمعنى : إن دارت مدارها على جهتها . وقال بعضهم : عنان الشمال أمر مشؤوم كما يقال لها :


زجرت لها طير الشمال



ويقولون لمن أنجح في حاجته : جاء ثانيا عنانه .

[ ص: 24 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية