صفحة جزء
( عفر ) العين والفاء والراء أصل صحيح ، وله معان . فالأول لون من الألوان ، والثاني نبت ، والثالث شدة وقوة ، والرابع زمان ، والخامس شيء من خلق الحيوان .

فالأول : العفرة في الألوان ، وهو أن يضرب إلى غبرة في حمرة; ولذلك سمي التراب العفر . يقال : عفرت الشيء في التراب تعفيرا . واعتفر الشيء : سقط في العفر . قال الشاعر يصف ذوائب المرأة ، وأنها إذا أرسلتها سقطت على الأرض .

[ ص: 63 ]

تهلك المدراة في أكنافه وإذا ما أرسلته يعتفر



قال ابن دريد : العفر ظاهر تراب الأرض ، بفتح الفاء ، وتسكينها . قال : " والفتح اللغة العالية " .

ويقال للظبي أعفر للونه . قال :


يقول لي الأنباط إذ أنا ساقط به     لا بظبي في الصريمة أعفرا



قال : وإنما ينسب إلى اسم التراب . وكذلك الرمل الأعفر . قال : واليعفور الخشف ، سمي بذلك لكثرة لزوقه بالأرض . قال ابن دريد : " العفير لحم يجفف على الرمل في الشمس " .

ومن الباب : شربت سويقا عفيرا ، وذلك إذا لم يلت بزيت ولا سمن .

فأما الذي قاله ابن الأعرابي ، من قولهم : " وقعوا في عافور شر " مثل عاثور ، فممكن أن يكون من العفر ، وهو التراب ، وممكن أن يكون الفاء مبدلة من ثاء . وقد قال ابن الأعرابي : إن ذلك مشتق من عفره ، أي صرعه ومرغه في التراب . وأنشد :


جاءت بشر مجنب عافور



[ ص: 64 ] فأما ما رواه أبو عبيدة أن العفر : بذر الناس الحبوب ، فيقولون عفروا أي بذروا ، فيجوز أن يكون من هذا; لأن ذلك يلقى في التراب .

قال الأصمعي : وروي في حديث عن هلال بن أمية : " ما قربت امرأتي منذ عفرنا " .

ثم يحمل على هذا العفار ، وهو إبار النخل وتلقيحه . وقد قيل في عفار النخل غير هذا ، وقد ذكر في موضعه .

و قال ابن الأعرابي : العفر : الليالي البيض . ويقال لليلة ثلاث عشرة من الشهر عفراء ، وهي التي يقال لها ليلة السواء . ويقال إن العفر : الغنم البيض الجرد ، يقال قوم معفرون ومضيئون . قال : وهذيل معفرة ، وليس في العرب قبيلة معفرة غيرها .

ويقولون : ما على عفر الأرض مثله ، أي على وجهها .

ومن الباب أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، كان إذا سلم جافى عضديه عن جنبيه حتى يرى من خلفه عفرة إبطيه .

وأما الأصل الثاني فالعفار ، وهو شجر كثير النار تتخذ منه الزناد ، الواحدة عفارة . ومن أمثالهم : " اقدح بعفار أو مرخ ، واشدد إن شئت أو أرخ " .

قال الأعشى :


زنادك خير زناد الملو     ك خالط منهن مرخ عفارا



ولعل المرأة سميت " عفارة " بذلك . قال الأعشى :

[ ص: 65 ]

بانت لتحزننا عفاره     يا جارتا ما أنت جاره



وكذلك " عفيرة " . وقال بعضهم : العفر : جمع العفار من الشجر الذي ذكرناه . وأنشدوا :


قد كان في هاشم في بيت محضهم     وارى الزناد إذا ما أصلد العفر



ويقولون : " في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار " ، أي إنهما أخذا من النار ما أحسبهما .

والأصل الثالث : الشدة والقوة . قال الخليل : رجل عفر بين العفارة ، يوصف بالشيطنة ، ويقال : شيطان عفرية وعفريت ، وهم العفارية والعفاريت . ويقال إنه الكيس الظريف . وإن شئت فعفر وأعفار ، وهو المتمرد . وإنما أخذ من الشدة والبسالة . يقال للأسد عفر وعفرنى ، ويقال للخبيث عفرين ، وهم العفرون . وأسد عفرنى ولبؤة عفرناة ، أي شديدة . قال :


بذات لوث عفرناة إذا عثرت     فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا

ويسمون دويبة من الدواب " ليث عفرين " ، وهذا يقولون إن الأصل فيه الباب الأول; لأن مأوى هذه الدويبة التراب في السهل ، تدور دارة ثم تندس في جوفها ، فإذا هيج رمى بالتراب صعدا .

[ ص: 66 ] قال الخليل : ويسمون الرجل الكامل من أبناء الخمسين : ليث عفرين . يقولون : " ابن العشر لعاب بالقلين ، وابن العشرين باغي نسين ، وابن ثلاثين أسعى الساعين ، وابن الأربعين أبطش الباطشين ، وابن الخمسين ليث عفرين ، وابن ستين مؤنس الجليسين ، وابن السبعين أحكم الحاكمين ، وابن الثمانين أسرع الحاسبين; وابن التسعين واحد الأرذلين ، وابن المائة لا جاء ولا ساء " ، يقول : لا رجل ولا امرأة .

قال أبو عبيد : العفرية النفرية : الخبيث المنكر . وهو مثل العفر ، يقال رجل عفر ، وامرأة عفرة .

وفي الحديث : إن الله - تعالى - يبغض العفرية النفرية ، الذي لم يرزأ في ماله وجسمه . قال : وهو المصحح الذي لا يكاد يمرض .

وزعم بعضهم أن العفرفر مثل العفرنى من الأسود ، وهو الذي يصرع قرنه ويعفر . فإذا كان صحيحا فقد عاد هذا الباب إلى الباب الأول . وأنشد :


إذا مشى في الحلق المخصر     وبيضة واسعة ومغفر
يهوس هوس الأسد العفرفر



ويقال إن عفار : اسم رجل ، وإنه مشتق من هذا ، وكان ينسب إليه النصال . قال :

[ ص: 67 ]

نصل عفاري شديد عيره     لم يبق م النصال عاد غيره



ويقال للعفر عفارية أيضا . قال جرير :


قرنت الظالمين بمرمريس     يذل له العفارية المريد



والأصل الرابع من الزمان قولهم : لقيته عن عفر : أي بعد شهر . ويقال للرجل إذا كان له شرف قديم : ما شرفك عن عفر ، أي هو قديم غير حديث .

قال كثير :


ولم يك عن عفر تفرعك العلى     ولكن مواريث الجدود تؤولها



أي تصلحها وتربها وتسوسها .

ويقال في عفار النخل : إن النخل كان يترك بعد التلقيح أربعين يوما لا يسقى .

قالوا : ومن هذا الباب التعفير : وهو أن ترضع المطفل ولدها ساعة وتتركه ساعة . قال لبيد :


لمعفر قهد تنازع شلوه     غبر كواسب لا يمن طعامها



وحكي عن الفراء أن العفير من النساء هي التي لا تهدي لأحد شيئا . قال : وهو مأخوذ من التعفير الذي ذكرناه . وهذا الذي قاله الفراء بعيد من الذي [ ص: 68 ] شبه به ، ولعل العفير هي التي كانت هديتها تدوم وتتصل ، ثم صارت تهدى في الوقت . وهذا على القياس صحيح ، ومما يدل على هذا البيت الذي ذكر الفراء للكميت :


وإذا الخرد اغبررن من المح     ل وصارت مهداؤهن عفيرا



فالمهداء التي من شأنها الإهداء ، ثم عادت عفيرا لا تديم الهدية والإهداء .

وأما الخامس فيقولون : إن العفرية والعفراة واحدة ، وهي شعر وسط الرأس . وأنشد :


قد صعد الدهر إلى عفراته     فاحتصها بشفرتي مبراته



وهي لغة في العفرية ، كناصية وناصاة . وقد يقولون على التشبيه لعرف الديك : عفرية . قال :


كعفرية الغيور من الدجاج



أي من الديكة . قال أبو زيد : شعر القفا من الإنسان العفرية .

التالي السابق


الخدمات العلمية